زلاتان إبراهيموفيتش: الخدعة التي صدقها الجميع
بهذه الكلمات القوية رد زلاتان إبراهيموفيتش على أحد الصحافيين في المؤتمر الصحفي لمباراة بالدوري الفرنسي. ليختصر الكثير حول شخصيته الغريبة التي تضعه دائمًا في دائرة الضوء، حتى وإن قدم مستوى باهتًا في عدد من المباريات الحاسمة، ورغم أنف عدم حصوله على ذات الأذنين حتى الآن. وهذه الشخصية تسانده بكل تأكيد في رحلة البحث عن نادٍ كبير جديد. خاصة وأن زلاتان لا يلعب أبدًا مع نادٍ متواضع لا يحقق بطولة الدوري، على الأقل في مناسبة كل ثلاثة إلى أربعة أعوام.
تكتيك الأفعى
دون الدخول في تفاصيل تخص شخصية إبرا خارج الملعب، وبالأخص بعد كتابه الشهير «أنا زلاتان»، الذي تحدث فيه عن طفولته، وتربيته وأسرته، وظروفه المعيشية الصعبة، والذي تخرج منه بحقيقة واحدة؛ وهي أن الغجري السويدي يريد فقط تقمص دور البطل الأسطوري. الذي يتحدى كافة المعوقات ويحقق النهاية السعيدة لنفسه قبل جماهيره. لذلك تتأكد من الوهلة الأولى أن زلاتان شخص معتز جدًا بنفسه، شديد الثقة بذاته، لدرجة أنه ينسف أحيانا الشعرة الفاصلة بين هذه الثقة وما يعرف بالغرور.
إبراهيموفيتش لاعب ذكي بل عبقري، فيما يتعلق بالنضج التكتيكي، والاستغلال الكامل لقدراته الفردية مع كافة الظروف. فإبرا بدأ حياته الكروية بشكل صحيح مع أياكس. ومع جيل التلامذة في أمستردام حصل على صيت كبير نتيجة مهاراته في التلاعب بالكرة، صحيح أنه لم يسجل أهدافًا غزيرة مثل زميله «ميدو» في الموسم الاستثنائي 2001-2002، إلا أنه سجل لعبات لا تنسى حتى يومنا هذا.
وبعد انتقاله إلى يوفنتوس قام بدور «التسعة أو نصف Nine And Half»؛ أي اللاعب الذي يصنع الأهداف ويسجلها، ويعتبر نصف مهاجم ونصف صانع لعب. لذلك لم يسجل أهدافًا عديدة، لكنه كان نجمًا مميزًا في كتيبة فابيو كابيلو. وبعد فضيحة الكالتشيو بولي، انتقل السويدي إلى إنتر ليتقمص شخصية اللاعب الكل في الكل، مهاجم يسجل الأهداف ويصنعها لنفسه في آن واحد. وكان اللاعب الأفضل في التشكيلة بفارق كبير عن زملائه.
الحلم الضائع
وفي برشلونة لعب لمدة موسم واحد فقط. وفشل بسبب جوارديولا، كما يصر زلاتان أن يقول، لأن الفيلسوف دمّر حلمه وفضل ميسي عليه. رغم أن بيب أعطى اللاعب الكبير فرصة كاملة، لدرجة أنه تسبب في ضياع لقب الشامبيونزليج بسبب إشراكه لزلاتان في مباراتين أمام إنتر، مع المستوى المتدنى للمهاجم السويدي في الذهاب والإياب. ويقول بيب عن مباراتي إنتر: «لأول مرة أصدق قلبي على عقلي. لقد كنت في صراع كبير قبل مباراة العودة، هل ألعب بإبرا أم لاعب آخر؟ عقلي أخبرني بضرورة الاعتماد على مهاجم آخر كبويان أو حتى اللعب بميسي كمهاجم وهمي. لكني في النهاية قررت الاعتماد على زلاتان، لقد كان خطأ لا يغتفر».
مشاركة إبرا تسببت في ثلاث مشاكل:
- قلّل برشلونة من تمريراته القصيرة وتبادل المراكز. ولجأ إلى الكرات الطولية من أجل الوصول إلى زلاتان، مما جعل البارسا أقل فعالية، و أصبح سلبيًا جدًا ضد دفاعات إنتر.
- ميسي مقيد ولا يجد المساحة الكافية للتحرك، لأنه يلعب خلف إبراهيموفيتش، والسويدي أيضًا لا يتحرك. وبذلك تقل الفراغات في الثلث الأخير، ويلعب كل مهاجم في منطقة التمركز الخاصة بزميله.
- بالطبع عدم مشاركة إنيستا كان لها دور، لأن كايتا يدخل أكثر في العمق، وزلاتان لا يتحول إلى مركز الجناح. فزادت المسافات أمام ماكسويل الظهير الأيسر، لأن مركز الجناح مختفٍ تمامًا من تشكيلة برشلونة. مما يجعل الهجوم من اليسار أمرًا معقدًا، والدفاع أثناء المرتدات قرارًا يحتاج إلى عمل مضاعف.
لم تكمن أهمية هذه المباراة بالنسبة لبرشلونة في مجرد الخروج أمام مورينيو، لكن أيضًا في التأكد التام بأن زلاتان لا يصلح في برشلونة. الأمر لم يتطلب أكثر من موسم، فكل شيء واضح وصريح. إبرا لا يقدر على لعب دور الرجل الثاني في برشلونة، فقط يفضل عقد مقارنة بينه وبين ميسي. وفي حالة وضع المقارنات بين أي لاعب والأرجنتيني، بكل تأكيد الكفة تميل لصالح الملك رقم 10. والإجابة يقولها أي متابع، وهي أن إبراهيموفيتش غير مناسب لأفضل فريق في العشرينية الأخيرة .. لقد ضاع الحلم مبكرًا!
يقول السويدي أن جوارديولا هو السبب، لكن من الناحية الفنية والتكتيكية، زلاتان ثقيل لا يتحرك مثل إيتو أو فيا أو سواريز. وطريقة لعب الكتلان تحتاج إلى ذلك المهاجم الذي لا يقف منتظرًا الكرة، بل يتمركز باستمرار من أجل خلق الفراغ لزميله. وهذا ما لا يجيده السلطان، أو لا يحبه!
الدرس الأهم
الضربة التي لا تسقطك يجب أن تجعلك أقوى. وقد فهم إبراهميوفيتش هذه العبارة جيدًا. لأنه خرج من تجربة برشلونة فائزًا وليس خاسرًا. والسر يكمن في طريقة إدارته للأزمة إعلاميًا. وهذا من خلال تصريحاته المثيرة للجدل، وشخصيته المحبة للصدام، وبالطبع صديقه ومدير أعماله «مينو رايولا»، وكيل اللاعبين الذي يشبه رجال العصابات. والرجل المعروف في ملاعب أوروبا بأنه قادر على تحويل التراب إلى ذهب. ولنا عبرة بكم الأموال التي تحصّل عليها من بيع وسمسرة عقود لاعبي الكرة.
في كتاب «أنا زلاتان» يوجد فصل كامل للحديث عن مينو رايولا. الرجل الذي بدأ حياته كبائع للبيتزا في هولندا، قبل أن يحترف مهنة وكيل اللاعبين، ويتحدى الاتحاد الهولندي بقوانينه التي تسمح ببيع بعض اللاعبين مجانًا وفق عمرهم وبعض الإحصائيات الأخرى. ليدخل هذا العالم الغريب من الباب الكبير، بمساعدته «دينيس بيركامب» على الانتقال إلى إنتر في التسعينات، قبل أن يتعمق أكثر ويلعب دور البطل في صفقة انتقال «بافل نيدفيد» من لاتسيو إلى يوفنتوس.
يعترف زلاتان بأن رايولا له دور محوري في مسيرته. وأنه قد ساعده في التحول من مجرد لاعب مهاري إلى نجم كبير يتدرب بجدية. وقام رايولا بالتعاون مع لاعبه في شن حرب قوية ضد جوارديولا. ليتم تصدير المؤامرة إلى كافة وسائل الإعلام بأن فشل إبرا في برشلونة كان نتاج المدرب وليس للّاعب أي دور. وهذا ما جعل إبرا يتجه إلى أغلفة الصحف بشكل أكبر منذ رحيله عن برشلونة. لقد عرف السر بالتعاون مع مينو.
أنا الأعظم
إبرا أقل فنيًا من ميسي بكل تأكيد، ولن يصل أبدًا إلى مستوى رونالدو، وابتعد كثيرًا عن مستقبل نيمار وبيل والنجوم الجدد. وهو بالطبع لن يستطيع مقاومة سحر إنيستا، اللاعب الأكثر تأثيرًا في البطولات الكبيرة من بين كل لاعبي هذا العصر. لكن شعبية إيراهيموفيتش لا تقل أبدًا عن كل هؤلاء، بل أنه يتفوق على معظمهم جماهيريًا وإعلاميًا، مع تشابه وتقارب أمام ميسي ورونالدو. فلقد نجح زلاتان في التسويق لنفسه دعائيًا بطريقة صحيحة، خصوصًا بعد تركه لبرشلونة والعودة إلى إيطاليا من بوابة ميلان. ليتكيّف سريعًا مع أحكام السن وبطء الحركة، ويتحول إلى مهاجم قناص في الكالتشيو. فهو يسجل الأهداف وهو أيضًا النجم الأول واللاعب الذي يتفوق بفروقات شاسعة عن أقرب رفاقه.
هذا ما نجح إبرا سريعًا في الوصول إليه. إنه أعظم وأفضل فنيًا ومهاريًا من كل لاعبي ميلان. وحتى بعد انتقاله إلى باريس كان له تصريح شهير قبل أن تطأ أقدامه ملعب حديقة الأمراء، عندما قال أنه لم يكن يعرف الدوري الفرنسي، بل إن الدوري الفرنسي هو الذي يعرفه. وهكذا يسير السويدي بخطى ثابتة نحو إرساء مبادئه الجديدة التي تنص على قواعد ثابتة مفادها: «أنا أفضل من كل زملائي فنيًا، وبالطبع أنا الأعظم إعلاميًا مهما كان منافسي».
كالنبيذ
زلاتان متحدثًا عن نفسه
إنها إحدى المقولات التي تدور في فلك النجم السويدي، والتي يتفنن مينو رايولا في إبرازها واللعب على وترها في كل مكان. فإبرا كان أسرع وأخف وأمهر مع أياكس ثم يوفنتوس، حتى أن أجمل وأروع أهدافه على الإطلاق ستجدها على يوتيوب مع الكرة الهولندية والإيطالية. لكنه صار أكثر شهرة وقيمة بالسنوات الأخيرة، رغم أنه يلعب في دوري الفرنسي أقل فنيًا وجماهيريًا. ومع كبره في السن وتخطيه حاجز الثلاثين.
يعرف إبراهيموفيتش من أين تؤكل الكتف في هذا المجال، وتحول سريعا إلى أحد أيقونات هذه اللعبة مع الهاشتاج الشهير #DareToZlatan، الذي يشير إلى أشهر مقولات وتصريحات النجم الكبير. ورغم أن إبرا فشل دوليا بامتياز خلال السنوات الأخيرة مع السويد، بعد الخسارة في ملحق تصفيات المونديال أمام البرتغال، ثم الخروج المبكر من اليورو الحالي، كذلك عدم نجاحه في المهمة الأبرز التي جاء بسببها إلى باريس، ألا وهي الحصول على دوري أبطال أوروبا، إلا أنه لا يزال في الواجهة. ويتحدث بكل أريحية عن نفسه وقوته وذاته، مؤكدا أنه رياضي لن يتكرر، وأسطورة حية محظوظ من يتابعها في الوقت الحالي. ويبدو أنه سيستمر في نفس طريقه، لذلك من السهل توقع فريقه المقبل؛ مكان يعاني من فشل بالسنوات الماضية، ويحتاج جمهوره إلى نجم كبير يداعب أحلامهم بتصريح ما أو بهدف أكروباتي مع لمحة فنية رفيعة المقام. وكل الطرق تقودنا إلى مانشستر، بالتحديد الأولد ترافورد وجوزيه مورينيو. رغم عدم الإعلان الرسميّ إلا أن كل شيء واضح. فإبرا يحتاج إلى مواصلة غزواته الإعلامية، ولن يجد أي لاعب في الفريق أعلى منه فنيًا أو حتى جماهيريًا، وبالتالي لن يكرر خطأ برشلونة، وسيسير على خطى باريس سان جيرمان، إنه فن التسويق الكروي.
إبراكادابرا
كثيرًا ما تقال هذه الكلمة من قبل السحرة فى الأفلام أو على المسارح، و هو يحملون فى أيديهم العصا السحرية متمتمين بعبارة «أبراكادابرا» لتحقيق الهدف السحري خلال تأدية العرض. في فيلم The Prestige على سبيل المثال، تحدث الأخوان نولان عن تعويذة السحرة، والخداع البصري والنفسي الذي يمارسه هؤلاء المهرة.
فكل خدعة سحرية تتكون من ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول يسمى الارتباط أو الوعد حيث يريك الساحر شيئًا عاديًا مثل كوتشينة أو طائر أو رجل يعرضه عليك، وربما يطلب منك فحصه لتتأكد أنه فعلًا حقيقي وغير تقليدي، لكنه بالطبع ليس طبيعيًا! وهنا يأتي الجزء الثاني، ويسمى التحوّل. حيث يأخذ الساحر هذا الشيء العادي ويحوله لشيء غير عادي فتبدأ بالبحث عن السر لكنك لن تجده، لأنك لا ترهق نفسك في النبش خلفه. فأنت لا تريد معرفة السر وتفضل الخداع في النهاية. قبل أن تأتي اللحظة الثالثة ويعود الشيء المخفي أو الغائب، وهذا هو الأصل في التعويذة.
يُعرف إبراهيموفيتش إعلاميا بــ «إبراكادابرا». وبالمقارنة بين طريقة عمل السويدي وخطوات التعويذة السحرية، سنجد أن زلاتان ينجح في تسويق نفسه بذات أسلوب مميز. فاللاعب لم يحصل على بطولة أسطورية طوال مسيرته، حتى سجله المليء ببطولات الدوري يعتبر أمرًا سهلًا، فاليوفي فاز بالدوري بسهولة، والإنتر حقق البطولات بعد إقصاء اليوفي، وحتى برشلونة لا يخسر كثيرا محليًا في السنوات الماضية، بينما يسيطر باريس بالطول والعرض على الأجواء الفرنسية. ميلان فقط هو الاستثناء. ولكن حتى في سان سيرو لم ينجح بشكل كامل في الحفاظ على سجله. لأنه خسر الدوري في الموسم الثاني بمجرد عودة السيدة العجوز إلى القمة. لذلك سجِل الفوز بالدوري ليس بالأمر الإعجازي. ويضاف ذلك إلى فشله الدولي مع السويد، وصعوبة تكيفه أوروبيًا في مباريات الشامبيونزليج، ليظهر بشكل واضح أن مسيرة السويدي على الرغم من كونها مميزة لكنها ليست استثنائية أو خيالية على الإطلاق!
لكنه يعرف جيدًا كيف يجعلنا منبهرين بما يقدمه؛ داخل الملعب ببعض اللقطات المهارية وخارجه بالتصريحات والمقولات الإعلامية الرنانة. ليستحوذ على جانب أصيل من الكعكعة الكروية، ويظل بين أباطرة هذه اللعبة، رغم أنه أقل منهم فنيا ورقميا دون جدال.