زلاتان إبراهيموفيتش: مرة أنا وميدو
كان ذلك رد ميدو حول عدد لا بأس به من الانتقادات التي وجهت له بسبب حديثه عن فترة تزامل خلالها رفقة النجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.
الحقيقة أن الحديث عن ميدو يدفعنا لعدد من زوايا التناول المختلفة، ينقسم مشوار ميدو مع الكرة لعدد من المراحل التي تتسم بالتباين الشديد. واحدة من تلك المراحل بلا شك يلعب خلالها إبراهيموفيتش دورًا رئيسيًا.
هذا يعني ببساطة أننا نستطيع أن نتحدث عن جزء لا بأس به من مشوار ميدو وشخصيته عبر تناول أحاديثه عن زلاتان. لا تفسر تلك الأحاديث كل شيء بالطبع لكنها تضمن لنا بقعة ضوء وحيدة داخل بعض الأماكن المظلمة، علامة أن خلف هذا الحديث هناك قصة وأحداث.
دعنا الآن نقلب العملة نحو وجهها الآخر تمامًا، دعنا نحاول أن نتناول جزءًا من شخصية زلاتان ومشواره مع الكرة عبر أحاديثه عن ميدو وعن نفسه.
يبدو إبراهيموفيتش دومًا في صورة الرجل المتغطرس قاصف الجبهات الذي لا يفوت فرصة لتمجيد ذاته. فهل تحمل لنا أحاديثه زاوية جديدة لتناول واحد من أهم مهاجمي كرة القدم؟
ماذا فعل ميدو؟
يعرف الجميع قصة الشجار الذي نشب بين ميدو وإبراهيموفيتش داخل غرفة ملابس فريق اياكس أمستردام وكيف أن هذا الشجار انتهى بإلقاء ميدو المقص الذي كان يستخدمه في نزع الضمادات عن كاحله نحو وجه إبراهيموفيتش مباشرة.
بات ميدو حينئذ خارج حسابات كومان وقرر الهولندي الصارم أن ميدو سيتدرب بعيدًا عن الفريق الأول. لم يجد ميدو أحدًا ليدافع عنه إلا زلاتان نفسه وكان هذا حديثه عن ميدو في ذلك الوقت.
حسنًا تلك هي العلامة الأولى التي نستطيع أن نتبين من خلالها حقيقة هذا الرجل.
نستطيع هنا أن نلاحظ عدة أشياء، يقر زلاتان أن المرء يجب أن يخطئ وأنه شخصيًا ارتكب عددًا لا بأس به من الأخطاء في صغره لكن الأهم أنه يعلم أن المرء يتعلم من أخطائه بمرور الوقت وهو في إيضاح ذلك يتسم بالصراحة والمباشرة الشديدة.
دعنا نتيقن من تلك التفاصيل عبر حديث زلاتان عن نفسه والذي يتضمنه كتاب أنا زلاتان.
يصف زلاتان نفسه كطفل ذي أنف طويل وبصعوبات بالغة في النطق لدرجة أنه كان يتلقى اهتمامًا خاصًا من المدرسة لكي يتعلم كيفية نطق بعض الحروف. كان الأمر محرجًا بالنسبة له كثيرًا. كان يعلم أنه كان بحاجة للتطوير لكنه لا يطيق ذلك.
أما في البيت فلم يكن ثمة مجال لإظهار الحب فهو لم يعرف العناق أبدًا في طفولته. لا أحد يسأله عن حاله أو دراسته. والدته التي انفصلت عن والده قبل أن يتم إبرا العامين كانت تعمل لمدة 14 ساعة يوميًا ولم يكن لديها الوقت إلا للعمل.
يتذكر إبرا أنه كان يملك دراجة في طفولته لكنها سرقت منه فأصبح سارق دراجات، ثم وصل به الأمر أنه احترف سرقة الدراجات وبعض الأشياء الأخرى.
تم سجن والدته لأنها كانت تخبئ بعض المجوهرات المسروقة لصالح أصدقائها، لم يجد زلاتان مهربًا فأخذ يركض خارج البيت حتى وصل لملعب الكرة وأخذ يركل الكرة دون توقف.
حسنًا لم يكن إبرا يقصف جبهة المراسل إذن ولم يكن يتصدر المشهد على حساب ميدو المكلوم. لكنه كان يحمل في تكوينه العديد من المتناقضات التي جعلته صريحًا صارمًا في وجه الرجل كأنه يدافع عن نفسه وعن ماضيه.
زلاتان وسحر لا يقاوم
علم إبرا أنه يملك الموهبة وأن عليه أن يطورها وفي المقابل لا يفترض به أن يبدو ودودًا كي يحبه الجميع. كان زلاتان وحيدًا فأصبح شرسًا، لم يُجِد الرد المهذب فأصبح يرد بما يجيده من شراسة وزهو.
نحن لا زلنا رفقة زلاتان وكتابه، يؤكد زلاتان أنه حاول الانخراط في مجموعة المنتخب الأول بعد انضمامه للمرة الأولى في عمر العشرين إثر أداء استثنائي رفقة نادي مالمو لكن الأمور لم تسر بشكل جيد وتلك علامة أخرى هامة.
كان الصحفيون يركضون خلفه رغم وجود نجوم بحجم لارسون وغيره، ومع الوقت لم يقاوم هذا الإطراء. سأله أحد الصحفيين أي من اللاعبين البار يجد نفسه أشبه به فكان رده: لا يوجد إلا زلاتان واحد في العالم.
عرف حينها على الفور أنه أخطأ وكان يريد أن يعتذر عما قاله للاعبين الكبار على الأقل، لكنه كان وحيدًا بالفعل لم يستطع أن يكسر عزلته وينخرط مع المجموعة لكي يستطيع التأسف.
كتبت عنه الصحف حينئذ أنه رجل غريب الأطوار، يبقى لوحده دائمًا ويتحدث باعتزاز عن نفسه. وجد إبرا ذلك ساحرًا أيضًا، إنه زلاتان الفنان غريب الأطوار الذي لا يفهمه أحد.
كانت شراسة إبرا وردوده المختالة حينئذ نوعًا من أسلوب الدفاع عن النفس لرجل وحيد لا يجيد الانخراط بالمجموعة، لكنها أكسبته اهتمامًا خاصًا من الجميع وكان إبرا من الذكاء أن يفطن لذلك سريعًا.
ذكاء أكثر منه تغطرسًا
معتمدًا على جسد مثالي وموهبة استثنائية جاب زلاتان العالم يمينًا ويسارًا مقدمًا عددًا من فنون الكرة في كل أرض تطؤها أقدام. بجوار تلك الإمكانيات الهائلة حافظ زلاتان على ردوده اللاذعة وشخصيته الجذابة.
يقدم لنا ميدو علامة أخرى على شخصية الرجل الحقيقية. إنه يعلم جيدًا ما يفعل، إنه يلعب لعبة طويلة الأمد مع الجميع. أنا داخل أرض الملعب أنجح مرات وأخفق مرات أخرى كالجميع لكنني خارجه أفرض أسلوبي دائمًا.
يعلم زلاتان جيدًا ماذا يفعل. يضع نفسه دومًا في تحد دائم. هو تارة الآلة وتارة أخرى الأسد الذي لا يقارن بالبشر. هو الرجل الذي يستغرب كيف جرؤ فيروس كورونا على الاقتراب منه.
يحتاج الأمر ثقة كبيرة في إمكانياته ليتحدث بمثل هذا الحديث. والرجل يثق بالفعل في إمكاناته، يخرج إلى أمريكا يعود من بوابة الأندية الكبرى أوروبيًا. يصاب بقطع كامل في الرباط الصليبي ليؤكد أنه سيعود في هذا السن ولن يستسلم فيعود محرزًا الأهداف رفقة الميلان.
تلك الهالة التي يصنعها حوله أمام الجميع تحتاج إلى مجهود جبار خلف الكواليس. ليبقى زلاتان الذي لا يستطيع أحد هزمه ولا يجرؤ أحد على العبث معه.
تستطيع أن تصف زلاتان كرجل قاصف جبهات وتكره أحاديثه كما تشاء، لكنك لا تملك سوى أن تحترم قدرته على الاستمرار في تلك اللعبة داخل الملعب وخارجه.