زين الدين زيدان؛ العِقد الفريد في حُكم مدريد
«زين الدين زيدان» معلقًا علي استغناء «ريال مدريد» عن «كلود مكاليلي» و قدوم «ديفيد بيكهام» بدلًا منه صيف 2003.
تصريح يبدو أكثر للاعب معتزل في حوار صحفي، أو مدرب خبير معلقًا علي سوق انتقالات «ريال مدريد» ولكن «زيدان» كان يملك الشجاعة الكافية لإلقاء مثل هذه الكلمات في وجه «بيريز» وهو لاعب في الفريق بالإضافة لحكمته في عدم الانتقاص من «بيكهام» عند مدح «مكاليلي».
علي الأرجح تلك التصريحات التي تتسم نوعا ما بالـ«عمق» في تحليل المواقف لا تصدر من اللاعبين، فعندما يتحدث لاعب عن فلسفة الفريق فإنه ليس عاديًا، كما أنه لن ينهي مسيرته الكروية لاعبًا فقط في الغالب.
يبدو أن «زيزو» – كما يحلو لعشاقه تسميته – كان محقًا، فبعد رحيل مكاليلي ظل ريال مدريد بدون بطولات لمدة ثلاث مواسم من 2003 إلي 2006 رغم تواجد الكثير من النجوم في فريق عُرف بـ El Galacticos، نعم لقد فقدت البنتلي المحرك! يبدو أن عقل زيزو يتسع للتخطيط لفريق كامل.
العِقد الفريد هو كتاب ألفه أحد أبناء الأندلس «أحمد بن عبد ربه» في القرن التاسع الميلادي يدعي «العقد الفريد» يجمع الأخبار والأمثال والحكم والمواعظ والأشعار. وقد سُمي بـ «العُقد» لأنه قسم إلى أبواب أو كتب حمل كل منها اسم حجر كريم، زين الدين زيدان هو عقد القرن الواحد والعشرين الفريد، فهو يجمع شيئًا مميزًا من كل مدرب دربه عندما كان لاعبًا أو ممن سبقوه في تدريب الملكي، بالإضافة لسماته الخاصة، كل هذا جعل منه شيئًا خاصًا؛ فريدًا .
مدرسة مورينيو
مورينيو مدرب له القدرة علي قراءة الخصم بشكل جيد كما أنه يلعب علي إمكانيات فريقه، واقعي كما يحب أن يصفه البعض، من ناحية أخري مورينيو يمتلك قناعة تدريبية ولكنها مرنة بمعني أنه إذا امتلك لاعبون يجيدون التحكم بالكرة سيلعب علي الهجوم المنظم والبناء من الخلف، واذا امتلك وسط ميدان قوي و هجوم سريع سيلعب علي الهجوم المرتد، وهكذا.
مورينيو لا يهتم بأن يفرض سيطرته علي الخصم، هو يهتم بألا يفرض الخصم سيطرته عليه خصوصًا إذا كان يحب الخصم السيطرة علي الكرة، مثال علي ذلك الضغط العالي الذي طبقه لاعبوا ريال مدريد في إحدي مبارياتهم أمام برشلونة الذي يحب أن يبني اللعب من الخلف.
https://www.youtube.com/watch?v=0dptDx0Rs_M
ضغط سريع قوي بعرض الملعب وطوله حتي يحرم الخصم من أهم ميزاته، هجوم مرتد و سريع عن طريق طرفي الملعب. خارج الملعب يمتاز مورينيو بشخصيته القوية، لا يهم اسم اللاعب أو شهرته مادام لن يعطي الدور المطلوب منه في الملعب.
«لأن دييجو لوبيز أفضل ببساطة.» .. هكذا رد مورينيو على سؤال أحد الصحافيين عن سبب جلوس كاسياس حتياطيًا. حتي لو كان مستوي كاسياس قد تراجع بالفعل ويستحق الجلوس احتياطيًا لدييجو، هل يجب قولها هكذا؟ وأمام من؟ أمام الصحفيين الأسبان المعروفيين بتعصبهم للاعبين الإسبان؟! صدامات مثل هذه هي اللي تعاب علي موريينيو، من الممكن أن ينفذ ما يريد من قرارات ولكن بدبلوماسية أكثر، ولكنه يمتلك كبرياء يجعله يفضل تحمل الضغوط علي التنازل عن جزء من تكوينه كي تمر الأمور بسلام.
زيدان والمزيج؛ الشخصية والهدوء معًا
زيدان اكتسب من مورينيو الواقعية والمرونة،يظهر في هذا الفيديو كيف استخدم زيدان أساليب مختلفة في مباراة واحدة، الدفاع المتأخر و تضييق المساحات من ثم الارتداد السريع للحفاظ علي الطاقة و التفوق البدني نهاية المباراة، مما أدي للفوز في الدقائق الأخيرة رغم النقص العددي و إلغاء هدف! كذلك الضغط العالي في مناطق الخصم عند التأخر في النتيجة بعد استهلاك لاعبي الخصم بدنيًا.
حين بدأ زيدان مع الميرينجي كان يضع خط وسط مكون من «كروس» أمامه «لوكا مودريتش» و «إيسكو» – وأحيانًا «جيمس» – و كان يضع «كاسيميرو» و «لوكاس فاسكيز» خارج التشكيل تمامًا، ولكن بعد هزيمة الديربي في البرنابيو قرر التخلي عن قناعاته وإشراك كاسيميرو أساسيًا حتي الآن (مرونة خططية و وضع مصلحة الفريق فوق أي اعتبار ) وأصبح فاسكيز البديل الرابح في مركز الجناح؛ فيما يلي تأثير كاسيميرو علي الأداء.
سنجد انخفاض عدد تسديدات برشلونة من 14 إلي 10، و زيادة عدد تسديدات ريال مدريد من 9 إلي 11، ارتفعت نسبة التدخلات الصحيحة وقطع الكرة في فريق ريال مدريد من 35% إلي 47% مما أدى لتسديدات أقل علي مرمى ريال مدريد وبالتالي خطورة أقل.
أما لوكاس فاسكيز فقد سدد ضربة الترجيح الأولي في نهائي دوري الأبطال بنجاح، كما أنه صنع هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة في نهائي السوبر الأوروبي، لاعب فعال بدرجة كبيرة مقارنة بجيمس رودريجيز وإيسكو خصوصا في صناعة الأهداف نسبة إلي مشاركتهم بدقائق أكثر منه في الدوري وباعتباره لاعب بديل؛ تغيير قناعات زيزو قلب موسم ريال مدريد رأسًا علي عقب من فريق خسر كل شيء تقريبًا لبطل أوروبا.
علي مستوي الشخصية ستجد زيزو لم يتردد في إجلاس جيمس رودريجيز و إيسكو علي الدكة رغم قدوم الأول في صفقة باهظة الثمن وجنسية الثاني التي من الممكن أن تثير الصحافة، ولكنه كلما تحدث عنهما أشاد بهما و وشدد على أنهما سيجدان الوقت للعب، حتي ولو لم يفعل ولكنه استطاع السيطرة علي الأمور و لم يدخل في صدام مثل مورينيو.
أنشيلوتّي وشجرة الكريسماس
يمتاز «كارلو أنشيلوتي» بتمسكه بتكوين واحد لكل الفرق التي أشرف علي تدريبها وهو تكوين «شجرة الكريسماس» أو 4-3-2-1 الذي طبقه في ريال مدريد في موسميه باختلاف الأسماء، ففي الموسم الأول كان وسط الملعب ألونسو، مودريتش ودي ماريا، وفي موسمه الثاني كان كروس، مودريتش وجيمس رودريجيز، لا يهم من؛ المهم 4-3-2-1. ستجد زيزو – الذي عمل مساعدًا لأنشيلوتي موسم 2013/2014 – متمسكًا بنفس طريقة اللعب حتي وإن غيّر الأسماء أيضًا فمن كروس ومودريتش وإيسكو إلي كاسيميرو وكروس ومودريتش.
ورث زيدان أيضًا من أنشيلوتي حب اللاعبين وثقتهم فيه لحد يصل لحب الفوز من أجله، ففي سابقة لم تحدث في تاريخ ريال مدريد من قبل أن يعلن اللاعبون صراحة رغبتهم في استمرار المدرب عن سماعهم أخبار إقالته كما حدث مع «أنشيلوتي» و«رونالدو» علي سبيل المثال، أيضًا لم نسمع عن مشكلة بين زيدان وأحد اللاعبين كما حدث مع «مورينيو» و«راموس» و«كاسياس».
كذلك كان يُعاب علي كارلو – خصوصًا في موسمه الثاني – عدم إخراج كل إمكانيات «بيل» في الملعب، تم تحجيمه في الجهة اليمني وظهر شاحبًا، بينما تمكن زيدان من إعادة بيل القوي السريع الهداف، الإحصائيات تبين ذلك.
طبقًا لـwww.Squawka.com فإن بيل نجح في تسجيل عددًا أكبر من الأهداف والتمريرات الحاسمة مع زيدان في الليجا مقارنة بأنشيلوتي رغم مشاركته في عدد أقل من المباريات
ذكر كارلو في أحد حواراته أنه كان مجبرًا علي إشراك المراهق «أوديجارد» صاحب الـ17 عامًا لسبب واحد وهو اقتصادي من وجهة نظر رئيس النادي! فيُعاب عليه شخصيته الهادئة، وعدم مناقشته الإدارة حتي في أبسط الأمور مما أثر علي مصلحة الفريق مثل الموافقة علي رحيل «ألونسو» و«دي ماريا»، بينما حتي الآن لم يرضخ زيزو لـ«بيريز».
كيف أثر زيدان اللاعب والشخص في زيدان المدرب؟
كان زيدان لاعبًا يجسد مقولة السهل الممتنع، يمرر، يتحكم بالكرة، يراوغ، يطير في الهواء و يسدد من أبعد المسافات بسهولة تامة تشعرك أنك تستطيع فعل ما يفعله ولكن في الحقيقة أنت لا تستطيع سوي المشاهدة.
تلك السهولة التي اعتادها في الملعب أثرت عليه عندما أصبح مسئولًا عن نادي جماهيره تقدر بالملايين علي مستوي العالم ويصنفه الكثيرون النادي الأكبر في التاريخ، كذلك كونه لاعبًا كبيرًا جلب كأس العالم واليورو لبلاده و دوري الأبطال لناديه جعله لا يواجه مشكلة في تحمل الضغوط، أما زيدان الشخص المولود لأبوين جزائريين مهاجرين إلي مارسيليا فيقول «أبي كان دائمًا يقول لي نحن المهاجرون علينا بذل ضعف ما يبذله سكان البلد الأصليين من المجهود»، تلك المقولة أثرت في شخصيته كثيرًا و جعلته مثابرًا لا يستسلم أبدا و يحاول حتي النهاية.
زيدان المحصّن
تدريب ريال مدريد هو أصعب مهمة من الممكن أن يتولاها مدير فني؛ إعلام يتفنن في إبراز السلبيات عندما تحدث، جمهور لايقبل سوى الفوز، إدارة تريد أن تتحكم بكل شيء حتي وضع تشكيلة المباريات، ولكن زيزو يمتلك من الميزات التي تجعله محصن ضد كل هذا فهو نجم ريال مدريد و أحد أساطيره وصاحب هدف الفوز ببطولة دوري الأبطال التاسعة وبالتالي يمتلك رصيد صعب أن ينكره الجمهور عند الإخفاق.
كون زيدان لاعب بل وأسطورة سيجعل كلامه مسموعًا عند اللاعبين الذين كانوا يتمنون يومًا أن يلتقطوا صورة معه لا أن يدربهم ولن يتذمر أحدهم من الجلوس علي الدكة كما كانوا يفعلون مع من سبقوه مثل «بينيتيز» ولن يسمع تلك الجملة ذات يوم «هناك أشياء لن تشعر بها لأنك لم تكن لاعبًا»؛ التي نُقلت عن راموس لمورينيو عند اعطائه التعليمات، كذلك لن يجعل الإداراة تغامر بأي قرار قد يغضبه لأن وقتها رصيده عند الجمهور سيشعل غضبهم علي الإدارة، كذلك فوزه بأول كلاسيكو له رغم أنه كان في برشلونة و ريال مدريد منقوص عدديًا، تحقيقه لدوري الأبطال علي حساب أتليتكو مدريد، كلها أمور تزيد شعبيته و تسهل مهمته.
في الأخير زيدان ليس أعظم مدربي التاريخ ولكنه أنسب مدرب من الممكن أن يتولي تدريب نادي مثل ريال مدريد، فنجوميته ترضي كبرياء الإدارة و الجمهور، كما أنه قوي مثل مورينيو، هادئ مثل أنشيلوتيّ و حكيم مثل زيدان اللاعب، فهنيئًا لريال مدريد بالعُقد الفريد.