يوفينتوس 0-3 ريال مدريد: كيف تستمتع دون الذهاب إلى السيرك؟
تمكن ريال مدريد من حسم الجولة الأولى، وربما الأخيرة، من ربع نهائي دوري أبطال أوروبا بعدما تمكن من الظفر بموقعة «آليانز ستوديوم» بثلاثية نظيفة على حساب يوفينتوس صاحب الأرض والجمهور، في مباراة كانت يُتوقع أن تُحسم لصالح النادي الملكي فعلًا ولكن ليس بالشكل التي آلت إليه دقائق المباراة.
دائمًا ما نخشى من كتابة أي شيء عن تلك اللقاءات التي تنتهي بنتائج كبيرة في المباريات المنتظرة من نهائيات الـ«شامبيونز ليج» أو مثيلاتها في البطولات الأخرى، في الغالب يكون هناك رؤية موحدة عند الأغلبية الساحقة من متابعي المباراة ولا يمكن تغيير تلك الرؤية حتى لو تجمعت كل الإحصائيات وأجهزة التحليل في اتجاهٍ واحد لتثبت عكس ما يظنون، لكن الأمر هذه المرة سهل للغاية وواضح. سيطرة كاملة على كل شيء ممكن من جانب الفائز وردود أفعال سلبية جدًا على كل الجوانب من قِبَل الخاسر، الفارق الوحيد والذي جعل الأمر كارثيًا فعلًا هو أن كل السيئ تجمع في آن واحد ليظهر من اليوفي ما ظهر.
الشوط الأول: عودة صديقة «زيدان» الوفية
نحن الآن نفهم قواعد اللعبة التي ينفذها ريال مدريد منذ موسمين. يُظهر لنا نسخة ما خادعة طوال الموسم، ثم يُفَعِل وضع دوري الأبطال بداية من شهر أبريل وحتى نهاية العام لنجده فجأة فوق منصة التتويج حاملًا ذات الأذنين. خلال الموسم الماضي، والذي حمل أحداثًا شبيهة جدًا بما يحياها الـ«ميرينجي» هذه الأيام، استعان «زين الدين زيدان» -مضطرًا- بـ4-4-2 «دايموند-Diamond» لكنها مع الوقت باتت أحد أقرب أصدقائه التي يستعين بها وقت الحاجة من أجل حل المعضلات التكتيكية في قوام فريقه، وها هو يعود إليها مرة أخرى.
استغنى زيدان عن 4-4-2 مسطحة التكوين في وسط الملعب من أجل وضع «إيسكو» على رأس مثلث متوسط الميدان المكوّن من «كروس» و«مودريتش» ومن أسفلهم «كاسيميرو»، رباعي دفاعي يُبنى على قلبي دفاع هما «راموس» و«فاران» مع تواجد دائم لـ«مارسيلو» على الرواق الأيسر و«كارفاخال» على نظيره الأيمن. في حين قاد «رونالدو» خط الهجوم بجانب «كريم بنزيما» واستمر «نافاس» كحارس مرمى للفريق.
في الوقت الذي قرر فيه «ماسيمليانو أليجري» أن يتخذ كل القرارات الخاطئة من أجل تشكيل الفريق لبداية المباراة، من قرار زيادة الازدحام في طرف الملعب بثنائي على كل جانب وترك قلب الملعب كإحدى صور إكرام الضيف، وحتى اللعب برباعية دفاعية تعتمد على ثنائي تخطى عمره الـ30 عامًا بعدد سنين مريح. حيث قرر الإيطالي أن يبدأ بـ4-4-2 المسطحة التي هرب منها «زيزو». اختار «بارزالي» و«كيليني» لحماية «بوفون»، ووضع «كوادو أسامواه» كظهير أيسر ومن أمامه «ألكيس ساندرو» كجناح تقليدي من على الخط، وعلى الجانب الآخر استعان بالشاب «دي تشيليو» خلف الجناح «دوجلاس كوستا»، مع ترك مهام قلب الملعب للبديل الاضطراري «ماركو بنتانكور» رفقة «سامي خضيرة»، وجميعهم يعتمدون هجوميًا على ما يمكن أن يقدمه «ديبالا» ومواطنه «هيجواين» في الشق الأمامي.
لقد وقعنا في الفخ
القرار الأول لأليجري كان بتحريك كل العمليات إلى طرفي الملعب، أو بالأحرى عملية إشغال من على الرواق من أجل تسهيل عمل ديبالا وهيجوايين في القلب. لكن أحداث المباراة أكدت أن الإيطالي قد وقع في الفخ الذي نصبه بنفسه. ترك قلب الملعب للضيف وهو يملك كروس ومودريتش وإيسكو هو عملية خطيرة جدًا وغير مضمونة العواقب، والحقيقة أن لاعبي اليوفي كانوا على دراية بما يجري في أرض الميدان أكثر من مدربهم، وقرارهم الدائم بالتواجد بالقرب من قلب الملعب كان قرارًا سليمًا، النتيجة هي إخلاء مساحات واسعة في الطرف لتقدم الأطراف في موقف 1 ضد 1 بين كل ظهير ومقابله عند كل فريق.
الخريطة الحرارية لتحرك رباعي وسط الميدان من اليوفي وظهير الطرف من ريال مدريد
تلك الوضعية سمحت بإخراج ظهيري اليوفي الدفاعيين من مواضعهم في أغلب أحداث المباراة، مما سمح لهجوم ريال مدريد بالتواجد في موضع هجومي أكثر من ممتاز: كريستيانو وكريم أمام العجوزين بارزالي وكيليني، وهو بالضبط ما حدث في وضعية الهدف الأول، وتمكن ثنائي الفريق الضيف من خداع أصحاب الأرض بسهولة بالغة مُعلنين الهدف الأول الذي قضى على كل الحسابات التي كانت في عقل أليجري مبكرًا -بعد أربع دقائق فقط.
الشوط الثاني: لقاء ربع نهائي «منتهٍ»
التركيبة الماسية في وسط ملعب ريال مدريد كانت مترابطة ومتقاربة بشكلٍ ملحوظ للعوام، كان ذلك مفيدًا عند بناء الهجمة وفي حالة الضغط على عناصر يوفينتوس على أطراف الملعب لصنع زيادة عددية، لكنها كانت سلبية للغاية فيما غير ذلك. إن تخيلنا وضع الكرة تحت أقدام هيجواين على الجانب الأيسر من الملعب، سنجد أن عملية الضغط تبدأ من مودريتش ومن بعده كاسميرو وبالقرب منهما، بشكل واضح، إيسكو وكروس، بالتالي تصبح هناك مساحة كبيرة شاغرة على الطرف المعاكس في انتظار التمريرة العرضية.
تلك الثغرة كانت المتنفس الوحيد ليوفي خلال ما تبقى من أحداث الشوط الأول، أو ما تلى إحراز الضيوف للهدف المُبكر، واستمرت التمريرات الطولية من هذا الجانب لذاك على أمل الوصول بكرة تتحول إلى هدف، الحقيقة أن اليوفي فعلًا وصل، لكن بشكلٍ غير كامل. ولأن زيدان كان مصممًا على ألا يترك تفصيلة طوال المباراة دون أن يحقق فيها أفضل شيء ممكن، تدخل بالتغيير الأول بعد دقائق قليلة من بداية الشوط الثاني بإقحام فاسكيز بدلًا من بنزيما ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، الأول، هو إخراج أقل لاعبي الفريق إنتاجية هجومية – بالرغم من مشاركته الفعالة جدًا في الهدف الأول – والثاني هو تحويل الرسم التكتيكي إلى 4-4-1-1، والذي بدوره سد الثغرات المفتوحة على طرفي الملعب.
تواجد فاسكيز على الجانب الأيسر وانتقل إيسكو بجوار خط التماس من الناحية اليمنى. بهذا الشكل ترك زيدان رونالدو وحده في المقدمة، على اعتبار أنه لا يرغب في المزيد من الأهداف ما دامت شباكه نظيفة، وكذلك قتل كل فرص اليوفي في النهوض بتمريرات عكسية مفاجئة على أي من الجانبين. ولأن العمل الذي قام به زيدان كان صحيحًا 100% كانت مكافأة القدر حاضرة بهدف خارج عن أي سيناريو، لكنه كان كافيًا جدًا لقتل ما تبقى من المباراة، خصوصًا أنه تُبع بالكارت الأحمر لعنصر الخطورة المأمول في هجوم اليوفي، ديبالا.
أهلًا بكم في السيرك
ذلك اللقاء يمكن أن يتخذ بعدة رؤى، إحداها تؤكد أن ريال مدريد كان محظوظًا بأوقات أهدافه التي قتلت اليوفي بسكينٍ بارد في حين أن أصحاب الأرض كانت لهم سيطرة مطلقة. وأخرى ستتناول فكرة أن ريال مدريد قدم مباراة دفاعية متوسطة وهجومية متوسطة لكن بعناصر عالية الجودة مكنته من حسم ما يريد بالشكل المثالي وربما يزيد على ذلك، لكن إذا جمعنا تلك الرؤى – وغيرها – حتى نصل إلى واحدة تقترب أكثر من الكمال، سنكتشف أن الضيوف لم يختاروا الارتكان الدفاعي وإلا ما كان الاستحواذ لصالحهم بـ55.6%، وأنهم لم يخطفوا اللقاء لأنهم قدموا هجمات أكثر من المستضيف ودون هجمة مرتدة واحدة حتى.
لكن الصورة التي ظهرت للأكثرية من المباراة أن ريال مدريد قدم أداءً «يبدو» دفاعيًا،فهذا هو ما يمكن أن نطلق عليه الواقعية التكتيكية فعلًا. زيدان دخل اللقاء كفريق ضيف يرغب في الخروج بنتيجة إيجابية ليس إلا. ضغط مبكر لعدد بسيط من الدقائق أنتج هدفًا مبكرًا في صورة مثالية أكثر من اللازم، ثم؟ الهدوء والوقوف بالنمط المرسوم حتى امتصاص رد فعل الخصم ومن بعدها السعي للدغة جديدة، وهكذا.
المطلوب ليس أكثر من ذلك بالمرة، والنتيجة مؤكد أنها ممتازة، فوز كبير وساحق حسم التأهل دون خسائر تمامًا والأهم أنه ممتع. ذلك الإمتاع يأتي في الأساس لأن عناصر الملكي تملك جودة فنية من الدرجة الممتازة، لكنهم كذلك يعملون جميعًا داخل منظومة تسمح لهم بإخراج تلك الإمكانيات مع وضع فائدة مضمونة تخدم الكل وليس الفرد فقط. هذا هو التعريف الحقيقي للسيرك من وجهة نظر فرنسية بحتة، وهو درس على أليجري تعلمه: هناك من يتمتعون بشكلٍ يجعل خصومهم يصفقون لهم، وهم في أرض ملعب لكرة القدم وليسوا في السيرك.