مدينة زويل: اكتمل نموذجنا الأول من أجهزة التنفس الاصطناعي
في الوقت الذي نتابع فيه تطور انتشار فيروس الكورونا المستجد، ونحاول جاهدين الالتزام بالإجراءات الاحترازية والتباعد المجتمعي، وفي الوقت الذي يحارب فيه أفراد القطاع الطبي في الصفوف الأولى من أجل إنقاذ الملايين من البشر حول العالم، ومع تجاوز عدد الإصابات في مصر الـ 2000 إصابة، أعلنت «مدينة زويل» عن تطويرها لثلاثة نماذج لأجهزة التنفس الصناعي؛ نظرًا لدورها الحيوي في مواجهة هذا الوباء.
وتواصلنا في «إضاءات» مع أساتذة المدينة المشرفين على هذا المشروع، وهم: د. مصطفى عبد الله، رئيس قسم الطيران والفضاء، والمشرف على النموذج الأول، ود. عمرو حلمي، أستاذ مساعد علوم النانوتكنولوجي، والمشرف على النموذج الثاني، ود. عمر عبد العزيز، أستاذ مساعد علوم النانوتكنولوجي، والمشرف على النموذج الثالث، والذي فضَّل عدم الكشف عن أي معلومات تخص النموذج؛ انتظارًا لظهور نتائج التجارب التي تُجرى حاليًّا.
وبحسب ما أُعلن حتى الآن فإن هذا النموذج يتم العمل على تطويره بالتعاون مع جامعة «إلينوي»، والتي أعلنت عن توصلها لنموذج بحثي يعمل بطريقة ميكانيكية أطلق عليه «rapidvent» في الثاني من أبريل/نيسان الماضي، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من بداية العمل في مشروع «Apollo 13»، الذي انطلق من أجل سد حاجة المستشفيات من أجهزة التنفس الصناعي.
لنبدأ من حيث انتهت الأخبار، اشرح لنا عن مشروع نماذج التنفس الصناعي من مدينة زويل؟
أجاب د. مصطفى: كان من الواضح مبكرًا جدًّا أن الأجهزة المساعدة على التنفس بأنواعها ستكون لها أهمية بالغة في الاستجابة للوباء؛ وأعربت عن هذا الرأي في منشور لي على الفيسبوك واستجاب له مجموعتان من طلبة جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل. أشرفت على مجموعة، ود. عمرو حلمي أشرف على المجموعة الأخرى.
وعملت كل مجموعة على مستوى تكنولوجي مختلف؛ حيث عملت مجموعتي على جهاز بسيط للطوارئ، فيما عكفت مجموعة د. عمرو على عمل على جهاز أكثر تعقيدًا يصلح للحالات المتوسطة، وعلى مسار موازٍ عمل د. عمر عبد العزيز على نقل تكنولوجيا جهاز يصلح للعناية المركزة بالتعاون مع جامعة إلينوي.
وأوضح د. حلمي: مدينة زويل تعمل على 3 نماذج مختلفة، يخدم كل منهم المريض في مراحل مختلفة من تقديم العناية الطبية.
النموذج الأول الذي اكتمل تنفيذ نموذجه الأولي بالفعل، وصُنع منه النسخة الصناعية الأولى بعد عرضه على الأطباء وتعديل بعض النقاط الأساسية حسب ملاحظاتهم، وسيتم اختبارها في عدد من المستشفيات، يعمل عليه فريق من 5 أفراد تحت قيادة د. مصطفى عبد الله.
وأنتج التصميم والنموذج في زمن قياسي من لحظة قرارهم بضرورة تقديم شيء يساعد في الأزمة الحالية؛ الغرض منه استخدامه خلال نقل المريض وفي المستشفى قبل الدخول للعناية المركزة، ويسمح الجهاز بتحرير أفراد الفريق الطبي، حيث إنه لا يحتاج لشخص للقيام بتشغيل «امبوباج»، وهو ما يستخدم حاليًّا.
أما النموذج الثاني، فيجرى العمل على إنهائه حاليًّا بهدف الاستخدام في حالات «النمط الإلزامي»، حيث لا تعمل رئة المريض تمامًا، ويقوم عليه فريق مكون من 12 فردًا تحت إشرافي، بدأنا العمل على التصميم منذ 15 يومًا تقريبًا، وأنتجنا أول نموذج بحثي بالفعل، ونقوم بتطويره حسب آراء الأطباء المتخصصين.
بالنسبة إلى النموذج الثالث، فهو تحت إشراف د. عمر عبد العزيز، وهو النسخة الأكثر تطورًا، حيث يتم العمل عليه بالتعاون مع جامعة إلينوي الأمريكية.
متى بدأ العمل على هذا المشروع؟
قال د. عبد الله: بدأنا العمل للحاق بموعد التسليم لمسابقة «كود لايف» منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، ونجحنا في تخطي المرحلة الأولى وأصبحنا ضمن مشاريع القائمة الطويلة للمسابقة، والمكونة من 65 فريقًا من أصل أكثر من ألف فريق تقدم لها، بعد تسليم المسابقة قمنا بتطوير نسخة أفضل من الجهاز وعرضناها على الجهات المختصة، ورد فعل أساتذة الطب حتى الآن مشجع جدًّا.
وبحسب مصطفى عليوة، أحد أفراد فريق النموذج الأول، فإن تلك المسابقة مقامة في كندا، ويشارك فيها فرق من جميع دول العالم؛ وبالفعل نجح الفريق في تخطي المرحلة الأولى ولكن لم يحالفه التوفيق في الوصول إلى القائمة الأخيرة والمكونة من 10 فرق فقط، حيث يحتل حتى الآن المركز الثالث بالنسبة باقي الفرق غير المتأهلة لتلك المرحلة.
وأشار د. حلمي: النموذج الأول بدأ العمل عليه من أسبوعين تقريبًا، وبدأنا الثاني منذ 20 يومًا تقريبًا، أما الثالث فجامعة إلينوي بالفعل انتهت منه منذ فترة، ولكن نقوم بتطويره حاليًّا حتى يكون متاحًا للاستخدام في الفترة المقبلة.
متى نستطيع رؤية هذه الأجهزة على أرض الواقع؟
أجاب د. عبد الله: أول نموذج معدني متكامل من الجهاز الأول أصبح جاهزًا بالفعل منذ الخميس الماضي، وسيتم اختبار ثلاثة نماذج في مستشفيات متعددة الأسبوع الحالي، الأجهزة الأكثر تطورًا ما زالت في طور التصميم في الوقت الحالي.
وأوضح د. حلمي: دائمًا ما نتعرض لهذا السؤال، دعنا نؤكد أن هذه نماذج بحثية وما زلنا نعمل على التأكد من وظائفها، الخطوة القادمة إيجاد شريك صناعي وبدء عملية المطابقة بين المواصفات البحثية والصناعية، ومن ثم الإنتاج بعد موافقة وزارة الصحة، إن شاء الله خلال أسابيع وليس شهورًا.
كيف تغلبتم على مشكلة الرضخ الضغطي أو الـ «Barotrauma» لأجهزة التنفس الصناعي؟
قال د. عبد الله: الجهاز يحقق المتطلبات الأساسية لمساعدة المريض على التنفس، مشاكل مثل الرضخ التنفسي تهدد الأجهزة التي تطمح إلى العمل في بيئة العناية المركزة.
واستطرد د. حلمي: هناك طرق معروفة ومنشورة في الدوريات العلمية ونحن نعمل وفق هذه الطرق، فحسب شبكة الـ «ADRS»، فإن أفضل استراتيجية هي الحفاظ على قيم «plateau» والـ «peak»، تحت 30 درجة، ولكن في النهاية هذه العملية لا تكفي لضمان تغلب الجهاز على الرضخ الضغطي أو «Barotrauma»، يجب إيجاد طرق أكثر فاعلية أيضًا، فنحن نحاول التحكم في قيم الضغط والمدخلات بالجهاز، وتزويده بجهاز إنذار أيضًا في حالة حدوث أي طوارئ.
وبتطبيق ذلك على الأجهزة، فأعتقد أنه مفهوم من إجابة السؤال الأول، بأن استخدام النموذج الأول يستخدم في حالات ما قبل العناية المركزة وليس لحالات الكورونا، بحيث يكون لمقدم الخدمة التحكم الكامل في الضغوط والأزمنة وحجم الهواء بدلًا من استخدام «امبوباج» اليدوية، بناء على قيم «plateau» والـ «peak»، ويوجد جهاز إنذار يصدر صوتًا مميزًا عند ضغط محدد من قبل المسعف.
أما النموذج الثاني فنحن لدينا تحكم فيه ورؤية كاملة للضغوط وكمية الهواء ونسبة الأكسجين، وكذلك زمن الشهيق والزفير أيضًا.
هل سيحافظ النموذج الأول على ضغط الزفير الإيجابي «PEEP»؟
أكد د. عبد الله: بالطبع سيحافظ على ضغط الزفير الإيجابي، فهو أحد شروط قبول النموذج بالأساس.
وأوضح د. حلمي: قمنا باختبار الجهاز فيما يخص الحفاظ على ضغط الزفير الإيجابي «PEEP»، الخطوة التالية ستكون الحفاظ على ضغط مجرى الهواء الإيجابي ثنائي المستوى « bipap»؛ بناء على طلب الأطباء المتخصصين.
هل ستعمل تقنية الأجهزة بشكل ثابت فيما يخص قيم ضغط الهواء وهكذا أم أنها متغيرة حسب حالة المريض وحركة الحجاب الحاجز لديه؟
قال د. عبد الله: هذه التقنية مطلوبة في مرحلة الفطام عن التنفس الصناعي؛ لذا النموذج الثالث فقط هو ما سيحاول تحقيق هذه الوظيفة.
فيما أوضح د. حلمي: هذه التقنية تسمى المتقطع الذكي أو «Smart Intermittent».
وبالفعل نستطيع تطبيقها نظرًا لوجود مستشعرات بالنموذج، ولكن المرحلة الحالية لا تسمح لنا بالكثير من الوقت، ولكنه يبقى تطورًا قائمًا مستقبلًا في أسلوب التحكم إن شاء الله.
علمنا أن فريق العمل يتكون من طلبة من جامعة العلوم والتكنولوجيا بمدينة زويل، حدثنا عن ذلك.
قال «حلمي» :بالفعل لدينا 3 فرق تعمل بالتوازي في هذا المشروع بتعاون كامل، الفرق مكون من خريجي جامعة العلوم والتكنولوجيا وطلبة البكالوريوس من 4 أقسام مختلفة.
واستطرد «عبد الله»: مثل هذه المشاريع نشاط طبيعي لطلبة الجامعة بمدينة زويل؛ فنحن نحرص دائمًا على توجيه طلبتنا إلى الجانب التطبيقي، وروح المبادرة.
فيما أوضح «عليوة»: في كل فريق من الفرق الثلاثة، يوجد خليط من تخصصات كثيرة لطلبة ومعيدين وأساتذة، لأن مثل هذه المشاريع تتطلب شغل ميكانيكا، وكهرباء، وسوفت وير، فالكل يركز على القيام بدوره على الوجه الأكمل، ومن ثم يشاركها مع باقي الفريق، الذي يعمل بالمدينة على مدى الأسبوع، حتى نتأكد من عمل الأجزاء المشتركة في النموذج بشكل ناجح.
إذن ما المشاكل التي واجهتكم أثناء العمل على هذا المشروع؟
أجاب «عليوة»: بالطبع واجهنا العديد من المشاكل، لا سيما في ظل انتشار فيروس الكورونا، فحاولنا قدر الإمكان الالتزام بالإجراءات والتدابير الاحترازية، وفي نفس الوقت طبيعة عملنا تتطلب التجمعات، ولكننا حاولنا تقليل أعداد الفريق أثناء العمل.
محاولة إقناع الأهالي بالعمل في تلك الظروف كانت من ضمن التحديات التي واجهتنا، واحتجنا بعض الوقت لإقناعهم بأهمية العمل على هذا المشروع، والتأثير الإيجابي الذي سيعود على المجتمع من خلاله.
المشكلة الثالثة كانت في عدم إيجاد المعدات الطبية التي نحتاجها بسهولة؛ نظرًا لزيادة الطلب على تلك المعدات في الفترة الأخيرة وبالتالي حدوث عجز في الكثير منها، وبالتالي نحتاج وقتًا أطول لإيجاد أدوات كنا نجدها بسهولة في وقت سابق، أيضًا التزام المحلات التجارية بفترات الحظر المقررة، انعكس علينا بالطبع، فأصبح لدينا وقت محدود من أجل شراء ما نحتاجه يوميًّا.
كيف ترى المشاركة الفعالة لمدينة زويل بتلك النماذج، هل هي بداية للعب دور أكبر لمدينة زويل كمشروع قومي في خدمة المجتمع المصري؟
أجاب «عبد الله»: في الواقع مدينة زويل تعمل طوال الوقت على مشاكل الدولة؛ فالحديث عن دورنا المجتمعي ثابت في لقاءات الأساتذة، وحرص د. شريف صدقي، الرئيس التنفيذي، على دعم الأنشطة التطبيقية له دور أساسي في ضبط التوجه عند الأساتذة والطلاب.
وأكمل «حلمي»: المدينة تستطيع تقديم الحلول العلمية والبحثية للعديد من المشاكل التي تواجه المجتمع، لدينا نتائج في مجالات متعددة مثل: الطاقة، والمياه، والصحة، وحتى في العلوم الأساسية.
لننتقل الآن لمشروع مدينة زويل، اشرح لنا المشروع بشكل مبسط.
أجاب «حلمي»: مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، مشروع مصر القومي للنهضة العلمية، يتكون من: جامعة العلوم والتكنولوجيا، ومراكز بحثية، وهرم التكنولوجيا، بهدف أساسي هو التعلم من أجل المواطنة؛ بحيث يكون الخريج قادرًا على حل مشاكل وطنه.
يقوم هرم التكنولوجيا على ربط البحث العلمي الذي يخرج من المراكز المتخصصة في المدينة بالصناعة لتسويقها، وضمان تحقيق الاستفادة المجتمعية من هذه الأبحاث، وتعد تلك المراكز أيضًا فرصة جيدة لالتحاق الطلبة أو الخريجين بها، بحيث تستطيع العمل على مشاريع بحثية مختلفة، أو العمل على أبحاثهم الخاصة.
استطعنا تخريج أولى الدفعات منذ سنتين تقريبًا، وأغلب الخريجين استطاعوا اللحاق بالجامعات الأجنبية بنسب قبول عالية جدًّا، لدرجة أن بعضهم قُبل في برامج الدكتوراة مباشرة بدون الماجستير في الجامعات الأمريكية، بما يعود بالنفع عليهم أولًا، ثم الاستفادة من تلك العقول في مصر بعد ذلك، وكانت تلك رؤية أ.د. أحمد زويل لحل مشاكل بلدنا بالعلم، وهذه معركتنا الأساسية وهي تقديم أبحاث تطبيقية لحل مشكلات ملموسة كما نفعل مؤخرًا في أزمة الكورونا.
هل هناك مشاريع أخرى تساهم في أزمة الكورونا من قبل المدينة؟
نعم، لدينا عدة مشاريع أخرى نأمل أن تلعب دورًا حيويًّا في الأزمة الحالية مثل: غطاء للوجه «Mask»، متعدد الاستخدامات حيث يتم تغيير الفلتر الخاص به بشكل سهل، وهذا مصمم لخدمة الأطقم الطبية.
أيضًا، يوجد مشروع نظام ذكاء اصطناعي لتشخيص الحالات من صور الأشعة الصدرية.
هل المدينة تعمل بشكل كامل في الوقت الحالي؟
الدراسة ما زالت عبر الإنترنت بشكل كامل، في الوقت نفسه نعمل على تقليص الأعداد الموجودة بالمدينة لأقصى عدد ممكن.
ما أبرز الأبحاث التي خرجت من مدينة زويل حتى الآن؟
بعيدًا عن أزمة الكورونا، لدينا مثلًا مشروع سماد اليوريا الذي يوفر حوالي 80% من استهلاك السماد في الحالات الطبيعية، ويتم تجهيزه الآن للإنتاج بكميات كبيرة.
أخيرًا، ما الذي ينقص مدينة زويل في الوقت الحالي من وجهة نظرك؟
اختتم «حلمي» حديثه قائلًا: بالطبع ينقص استكمال مبانينا ومعاملنا المختلفة، نريد اهتمامًا أكبر من القطاع الصناعي بالبحث العلمي، وبالتأكيد هذا الاهتمام سينعكس بالفائدة على جميع المؤسسات البحثية والجامعية في مصر، وليس مدينة زويل فقط.