بدأ منتجو الدراما المصرية منذ عدة أعوام اللجوء إلى فورمات المسلسلات الأجنبية، وهو أمر غريب على عالم الدراما المصرية، حققت بعض هذه الأعمال مثل «طريقي»، و«جراند أوتيل»، و«ليالي أوجيني» نجاحًا جماهيريًّا معقولًا وقدرًا من النجاح الفني، وهو ما شجع المنتجين على تكرار التجربة.

يعد مسلسل «زي الشمس»، الذي يعرض خلال الموسم الدرامي الحالي، امتدادًا لهذة الظاهرة، فالمسلسل هو النسخة المصرية من المسلسل الإيطالي «Sorelle»، الذي عرض عام 2017 في ست حلقات.

بدا المسلسل في حلقاته الأولى، ضمن موسم هو الأسوأ منذ أعوام، مبشرًا بعمل متقن الصنع، خاصة مع حبكته المثيرة، والاجتهاد في تقديم تاريخ شخصي ثري لشخصيات العمل الرئيسية مع أداء إخراجي وتمثيلي منضبط. لكن مع التقدم في الحلقات بدأ العمل يفقد كل ما يميزه، ترهل إيقاعه ووقع في فخ الاستسهال والمط والتطويل.

المثير في الأمر أن العمل الذي يحمل تتر بدايته أسماء فريق كامل من الكتَّاب، بين إشراف عام على الكتابة، معالجة درامية وسيناريو، حوار وتطوير شخصيات، تظل مشكلته الكبرى هي مشكلة نص.

نحاول خلال هذا المقال أن نضيء نقاط الضعف التي أدت لتدهور مستوى مسلسل بدا مبشرًا في حلقاته الأولى.


خيط درامي واحد لا يكفي

يحكي المسلسل حكاية الشقيقتين، «نور/دينا الشربيني»، و«فريدة /ريهام عبد الغفور»، تضطر نور للعودة إلى القاهرة من لندن التي تقيم بها للعمل كمحامية، ومن أجل إتمام دراستها، وذلك على إثر اختفاء شقيقتها، والتي يتضح فيما بعد أنها قُتلت.

المسلسل هو رحلة البحث عن قاتل فريدة، التي يظهرها المسلسل كشخصية تحمل تاريخًا من الأسرار والعلاقات المضطربة.

في حوار مع الكاتب الكبير وحيد حامد يتطرق خلاله لموضوع كتابة الدراما التليفزيونية، مؤكدًا أنه لا يوجد أبدًا خط درامي واحد، مهما كان ثقله الدرامي أو جاذبيته، يستطيع أن يحمل عملًا دراميًّا مكونًا من 30 حلقة دون الوقوع في فخ المط والتطويل.

هذا في الأساس هو مصدر ضعف النص الدرامي لمسلسل «زي الشمس»، فقد فشل النص في تقديم خيوط درامية موازية للخط الرئيسي الذي يبحث في مقتل فريدة وماضيها الشخصي. الحكايات الجانبية تبدو منقطعة الصلة عن الخط الرئيسي، الضابط حسن وزوجته وطفلهما المولود قبل أوانه، صديقة الأم ومطعمها الذي يعاني من الديون، وغيرها من الحكايات التي تستهلك طاقة السرد وتخل بالإيقاع المختل أساسًا وبالجو العام للحكاية.


السير في مسارات مغلقة من البداية

تأتي براعة مثل هذه الحبكات (حبكات الجريمة والتشويق)، خاصة إذا كانت ممتدة على مدى 30 حلقة، من قدرتها على إثارة الشك في أكبر عدد من شخصيات الحكاية. في مسلسل «زي الشمس» تنحصر الشكوك في عدد محدود من الشخصيات.

إلا أن ذلك ليس بالمشكلة الكبرى في هذا الصدد، فبعض هذه الشخصيات تبدو من البداية احتمالًا بعيدًا أو خاطئًا، إلا أن السرد لا يتورع عن السير وراء هذه الاحتمالات بمنتهى الجدية. فشخصية مثل شخصية سيف/أحمد مالك، الذي يحوم حول مسكن فريدة من البداية ويذهب لحضور جنازتها، كاشفًا عن هويته، شخصية بهذه السذاجة والمراهقة العاطفية، يسير خلفها السرد طويلًا رغم ضعف إمكاناتها كقاتل محتمل.

بعد القبض عليه يخبرهم سيف أن فريدة لم تمت، لأنه رأى امرأة لها نفس شعرها وترتدي معطفًا يشبه معطفها، بعدها يسير السرد خلف هذا الزعم غير المنطقي من أجل البحث عن هذه المرأة. الغريب في الأمر أن نور التي شاهدت جثة شقيقتها في المشرحة بدأت تسير خلف زعم سيف بحجة أن ملامح الجثة لم تكن واضحة، رغم أنها لم تشر إلى ذلك من قبل.

هذا السير في مسارات مغلقة من البداية والعودة للنقطة نفسها يفقد المشاهد الثقة في السرد وشغفه بالحكاية.


فن الفلاش باك

يؤدي الفلاش باك وظيفته السردية عبر إضافة وجهات نظر مختلفة للحدث أو الشخصية، بحيث يمكن بعدها النظر لها بعيون جديدة. في حبكات الجريمة والغموض يستطيع السرد من خلاله أن يخلق ما يشبه الأحجية، مجبرًا المشاهد على الانتباه من أجل جمع أجزائها سويًّا وحل غموضها. على الرغم من هذه الوظيفة السردية للفلاش باك، فإنه دائمًا ما ينظر إليه كأداة كسولة وغير خلاقة للسرد الدرامي، حتى إن تم تنفيذه بشكل فيه قدر من التجديد والإبداع.

في «زي الشمس»، يعتمد السرد بشكل كبير على الفلاش باك، ومع ذلك هناك قدر كبير من الاستسهال والتقليدية في استخدامه. لا يغير الكثير من المشاهد التي تُستدعى من الذاكرة من وجهة نظر المشاهد في الحدث أو الشخصيات. هناك مثلًا عدد كبير من المشاهد المستعادة، والتي تكرر فقط حقيقة مشاعر الغضب والقطيعة بين نور وشقيقتها بسبب ما جرى بينهما في الماضي، تُستعاد مرارًا وتكرارًا دون إضافة مميزة، فقط من أجل الاستهلاك العاطفي لهذه المشاعر.


الشخصيات بين الجمود واللافعل

رغم أنه للمرة الأولى نشاهد على تتر مسلسل اسمًا تحت عنوان «تطوير الشخصيات»، فإن هناك مشكلة حقيقية في تطور أغلب الشخصيات، شخصية الأم مثلًا (تؤدي دورها سوسن بدر) نجدها في عدد غير قليل من الحلقات في حالة ثابتة من الإنكار غير المبرر يتجاوز الصدمة الأولية لقتل ابنتها. ثم نجد شخصية مثل شخصية مصطفى/أحمد داود تقريبًا في حالة من اللافعل تجاه تجاهل نور لمشاعر الحب الخاصة به تجاهها، حتى مع قربها من عمر/أحمد السعدني ومشاعرها الواضحة تجاهه وثقتها غير المبررة فيه، بحيث يأتي رد فعله الأول على ذلك في الحلقة 25.

مع اقتراب الموسم الدرامي من نهايته، لم يعد هناك أي مجال للشك في أنه الموسم الأضعف منذ سنوات، لم نشاهد خلاله أي عمل استثنائي، أو ذا بريق خاص، حتى الأعمال التي بدأت جيدة، وكان يمكن لها أن تحفظ شيئًا من ماء وجه هذا الموسم مثل «قابيل»، و«زي الشمس»، اتضح مع توالي حلقاتها مدى ضعفها هي الأخرى واحتوائها على قدر لا يُنكر من المشاكل الفنية والأخطاء.