الظواهري يخرج من كهفه ليطلق مبادرة جديدة للعمل الجهادي
فجأة و على حين غفلة من المراقبين يخرج حكيم الأمة – كما يسميه أنصاره – في تسجيل صوتي جديد بعنوان «رسائل مختصرة لأمة منتصرة: لن نركع إلا لله»، ليطلق موجهات جديدة للعمل الجهادي في الفترة القادمة، ويعلن المفاصلة الكاملة مع تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن اتهمهم لأول المرة بأنهم «بقايا جيش صدام».
في مقدمة التسجيل أعلن الظواهري أنهم يمثلون التهديد الإرهابي الأكبر في العالم، لذلك فهم يتعرضون لحملة تشويه يقودها «الكذاب» إبراهيم البدري – الملقب بأبي بكر البغدادي- الذي زعم أن القاعدة لا تكفر بالطاغوت وتركض خلف الأكثرية وتدافع عن محمد مرسي ورفض الظواهري هذه الاتهامات من قبل من وصفهم بالخوارج وبقايا جيش صدام، معلنا التمسك بالشريعة و احتقار إرادة الجماهير إذا ما صادمت إرادتها حاكمية الشريعة.
في هذا التسجيل أعلن أيمن الظواهري وثيقة جديدة لإرشاد مؤيدي تنظيم القاعدة بالتوجهات الجديدة للتنظيم ما بعد الثورات، رغم أنه أوحى أن الوثيقة قديمة، لكن المحتوى جديد جدا هذه المرة، و يمكن اختصار توجهات القاعدة الجديدة بالآتي:
1. الدعوة للعمل الجماعي من أجل إسقاط «النظم العميلة»
عرفت قاعدة أنها منظمة ذات توجهات انقلابية تؤمن بفكرة الطليعة الثورية القادرة على تغيير الواقع، وهذه التوجهات قد كانت هي الغالبة على المدرسة الجهادية المصرية التي لم تكن تؤمن على الإطلاق بفكرة الاعتماد على الجماهير و العمل على المجتمع، ولكن في التوجهات الجديدة لتنظيم القاعدة، التي أعلن عنها أيمن الظواهري، فالتنظيم بدأ يؤمن بشكل من أشكال التعاون مع الجماهير بما يسميه مفكرو القاعدة اليوم بفكرة الحاضنة الشعبية.
ولكن هذه الفكرة لن تكون نهاية مطاف تحولات القاعدة فيما يبدو، فخطاب الظواهري الأخير يسير في طريق ذوبان «الطليعة الثورية» في الجماهير أو في الثورة، كما في حال الثورة الليبية التي ذاب فيها منتسبو القاعدة في فصائل الثورة، وأصبح من العصي على الأمريكان وحلفائهم الفصل بين من يسمونه بالمعتدلين والمتطرفين، وهذا ما يدعو له داعية القاعدة اليوم في الشام «عبدالله المحيسني» بدعوته المستمرة لوحدة الفصائل وذوبانها مع جبهة فتح الشام «النصرة» وإلقاء الرايات كلها تحت راية واحدة.
2. تقديم خطاب ناعم تجاه «النصارى» والأقليات
في كتابه الشهير الحصاد المر وجه الظواهري هجوما شرسا على جماعة الإخوان بسبب خطابها الناعم تجاه الأقباط في مصر، الذي هو خطاب قائم على فكرة شركاء الوطن، ولكن حسب خطاب الظواهري الجديد فالظواهري بدا مقتنعا تماما بفكرة أن النصارى هم شركاء في الوطن، ولهم حقوق، لكن ليس منها «الحكم والسلطان».
وهذا التحول في فكر الظواهري ينبئ بأنه فعلا أصبح أقرب لفكرة الدولة الوطنية الحديثة ما دام لم يستخدم تعبير أهل الذمة، فالنصارى عند الظواهري أصبحوا مواطنين لا ذميين لكن بحقوق أقل من حقوق المسلمين.
وكذلك الحال بالنسبة للشيعة فالظواهري أعلن رفضه الهجمات العشوائية التي يشنها الدواعش على أسواق وحسينيات الشيعة بل دعا لعدم استهداف عوام الشيعة «مدنيي الشيعة» والتركيز على الجيش والشرطة والمليشيات الشيعية «مسلحي الشيعة » وهذا التقسيم الذي يعصم دماء مدنيي الشيعة يدخل الظواهري في إشكال هل هو يستهدف مسلحي الشيعة بصفتهم «كفار حربيين » أم بصفتهم «طائفة ممتنعة بالشوكة»، فإن كان يستهدفهم لأنهم كفار حربيين فإن الحربيين لا يوجد بينهم مدني وعسكري، فقد قال ابن القيم في زاد المعاد: «وكان هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا صالَح قومًا فنقض بعضُهم عهدَه وصُلحه، وأقرّهم الباقون، ورضوا به؛ غزا الجميع، وجعلهم كلهم ناقضين، كما فعل بقريظة، والنضير، وبني قينقاع، وكما فعل في أهل مكة، فهذه سنته في أهل العهد».
وأما إن كان اعتبرهم «طائفة ممتنعة بالشوكة» حكمهم حكم التتار زمن ابن تيمية فقد انتقل أيمن الظواهري من مربع تكفير الشيعة إلى مجرد جعلهم مبتدعة، وهذا يفتح الباب للتعايش مع الشيعة بصفتهم أبناء نفس الدين، وهذا تطور كبير في فكر الظواهري الذي كان حتى عهد قريب يجيز العمليات المجنونة التي كان يقيمها تنظيم القاعدة أيام الزرقاوي وأبي حمزة المهاجر وأبي عمر البغدادي.
3. السعي لإقامة «الخلافة الحقيقية» عوضا عن «الخلافة المزيفة» التي أعلنها داعش
يعلن الظواهري في هذا التسجيل أن متقاعدي جيش صدام واستخباراته عقدوا الخلافة «لإبراهيم بن عواد البدري»، وأنها خلافة مزيفة ليست على نهج النبوة، بل على نهج الحجاج بن يوسف الثقفي، ولا علاقة لها بالخلافة الحقيقية التي يسعى لها تنظيم القاعدة، وهي خلافة تنشر العدل وتنصر المظلومين – كما زعم – وهي تقوم على الشورى، ويكون الخليفة باختيار المسلمين ورضاهم.
4. الدعوة إلى الامتناع عن إيذاء المسلمين
وكل من تحرم الشريعة الاعتداء عليهم بتفجير أو خطف أو قتل أو إتلاف مال أو ممتلكات، وكأن الظواهري هنا يستنكر ما فعله داعش من سرقة أموال وممتلكات وسبي الأقليات الدينية والعرقية كالشبك واليزيديين والنصارى عند غزوها للموصل قبل عامين، وكذلك ما فعلته جبهة النصرة مع راهبات دير معلولا اللواتي خطفتهن بحجة مبادلتهن بأسرى مع النظام.
بدا واضحا في هذا الخطاب من قبل الظواهري أنه عازم على إصلاح طريقة تفكير القاعدة ودفعها قليلا بعيدا عن الوهابية بعد أن يأست من استقطاب مقاتلين جدد من الخليج لصالحها بعد أن استطاع تنظيم داعش تقديم نفسه كممثل أوحد للفكر الوهابي وهذا ما دفع به إلى تبني خطاب جديد قائم على استقطاب مقاتلين جدد من التوجهات الإسلامية غير الوهابية.
وهذا ما أعتقد أن الظواهري سينجح به، حيث إن الأيديولوجية السلفية تعاني من انحسار شديد خلال السنوات الأخيرة، خصوصا أنها أيديولوجية عادت ثورات الشعوب علنا ثم ركبتها وتحالفت مع الثورة المضادة لإجهاضها، ثم انقلبت فيما تبقى من ثورات قتلا وخطفا ونهبا بحجة مبايعة أبي بكر البغدادي.