الزمالك والرجاء: قصة «قمة المتشابهَينِ حد التناقض»
في ليلة من ليالي «كازابلانكا» الذهبية والساخنة، يحل الزمالك المصري ضيفاً على منافسه الرجاء المغربي الأحد المقبل، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، برسم نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا، الغاية واحدة والمنى مشترك، مواصلة المشوار لمغازلة الساحرة السمراء، التي لم تزر مقر الرجاء الرياضي بحي الوازيس بالبيضاء منذ 1999، ولم تخطب ود الزمالك منذ حاز عليها أمام الرجاء نفسه في أحد أيام ديسمبر/كانون الأول الباردة عام 2002.
مرَّ كل من الزمالك والرجاء بطريق متشعب للوصول إلى نصف النهائي، طريق طويل مرهق وشاق وسط أدغال أفريقيا بحثاً عن بطاقة التأهل، لكن رغم أن لكل فريق طريقه الخاص الذي سلكه وحيداً، فإن السبيل نفسه عليه عدد من الإشارات التي توكد التشابه الكبير بين الفريقين، على اختلافهما الصارخ في الشكل وفي المضمون.
أفريقيا 2002: كان ذلك آخر العهد
رغم المرجعية التاريخية الكبيرة للفريقين، ومشاركتهما في عدد كبير من المسابقات الخارجية، فإن اللقاء الأول بين الرجاء المغربي والزمالك المصري لم يتأتِ قبل 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2002، برسم نهائي كأس عصبة الأبطال الأفريقية (بتسميتها القديمة)، خلال أمسية ماطرة عاشتها مدينة الدار البيضاء.
لم يكن من السهل على الفريقين الحصول على بطاقة النهائي هاته في ظل وجود منافسة قوية من باقي الأندية الأفريقية صعبة المراس، لكن رغم صعوبة المهمة، تصدر الرجاء مجموعته أمام كل من مازمبي الكونغولي وجون دارك السنغالي والأهلي المصري بالترتيب. الزمالك من جهته أبان علو كعبه عندما تزعم مجموعة الموت برصيد 13 نقطة على بعد بفرق نقطة عن أسيك ميموزا الإيفواري الوصيف، ونقطتين فقط عن الترجي الرياضي التونسي الثالث ثم أخيراً كوسطا دو سول الموزمبيقي الحلقة الأضعف الذي خسر جميع مبارياته خلال دور المجموعات.
بعد تجاوز دور المجموعات، تخطى الزمالك مازمبي الكونغولي بعد تعادله ذهاباً في الكونغو بفضل هدف لعبد الحليم علي، فيما تكفل حسام حسن بفضل ثنائيته بحجز بطاقة التأهل للفريق الأبيض في انتظار فرس الرهان الثاني، هذا الأخير لم يكن سوى الرجاء الرياضي الذي تمكن من الفوز برباعية دون رد أمام أسيك ميموزا الإيفواري القوي في مباراة الإياب متجاوزاً هزيمته في الذهاب بثنائية.
في النهائي كان الزمالك يبحث عن الكأس الغائبة عن خزائنه منذ آخر لقب عام 1996، فيما كان الرجاء مُصمماً على إضافة كأس رابعة لخزائنه بعد نسخ 1989 و1997 ثم 1999 التي أحرزها إثر فوزه بالنهائي التاريخي على الترجي الرياضي التونسي بملعب المنزه.
دخل الزمالك المباراة مُتسلحاً بأحد أفضل الأجيال التي عرفتها القلعة البيضاء بوجود العديد من النجوم على رأسهم حازم إمام، التوأمان حسام حسن وإبراهيم حسن، مدحت عبد الهادي، تامر عبد الحميد، وآخرون، فيما واجه الرجاء هذه التركيبة بأحد أمهر الأجيال التي حملت قميصه، يتقدمهم مساعد المدرب الحالي هشام أبو شروان، حميد ناطر، سامي تاج الدين، مصطفى الشاذلي، زكرياء عبوب، والبقية.
تعادل الفريقان في مباراة سيطر عليها الرجاء ذهاباً بدون أهداف، ثم تمكن الزمالك من خطف الكأس بعد أن تسيَّد الإياب بفضل هدف تاريخي لتامر عبد الحميد. تجمد رصيد الزمالك بعدها عند الكأس الخامسة فيما لم يجاوز الرجاء منذ ذلك العهد الكئوس الثلاثة التي أحرزها في خلال فترة توهجه في التسعينيات.
ريمونتادا «إبراهيم سعيد»
لم تتأخر المواجهة التالية التي ستجمع الفريقين، لم تكن في كأس عصبة الأبطال الأفريقية هذه المرة بل في كأس العرب 2006. خلال 4 مواسم فقط، تغير الحال داخل الفريقين بشكل كبير. تمكن الرجاء عام 2003 من تحقيق كأس الاتحاد الأفريقي على حساب القطن الكاميروني، إلا أنه سيعيش زلزالاً كبيراً عام 2005 عندما يخسر الدوري لصالح الجيش الملكي بعد هزيمته في الدار البيضاء أمام هذا الأخير بهدفين دون رد، بعدما كان في حاجة لنقطة وحيدة لحسم اللقب لصالحه، كان لهذه الهزيمة ما بعدها، إذ عرف الفريق تغييراً داخلياً كبيراً على مستوى الإدارة التقنية واللاعبين.
من جهته كان الزمالك يودع الجيل الذهبي الذي فاز بالكأس الأفريقية عام 2002، ويعطي المشعل الأهلي الذي كان قد بدأ لتوه مرحلة السيطرة الكاملة على كرة القدم المحلية والأفريقية بجيل أبو تريكة وبركات ومتعب والبقية، جيل سيمنع الزمالك من التتويج محلياً، وبالتالي التألق قارياً لأعوام طويلة.
على ملعب مولاي عبد الله بالرباط الذي يبعد حوالي 100 كيلومتر عن الدار البيضاء معقل الرجاء، استقبل «النسور الخضر» كما يسمون في المغرب الزمالك الذي كان يبحث عن التألق من جديد، وهو ما ظهر جلياً عندما سجل مصطفى جعفر الهدف الأول للفرسان في الدقيقة الخامسة وعاد عبد الحليم علي للتأكيد على أفضلية الزمالك بهدف قاتل في الدقيقة التسعين، جعل الزمالك على بعد أقل من خطوة من إخراج الرجاء ومواصلة البحث عن «الحلم العربي».
حسناً، لم يكن الوضع هكذا بالضبط، لأن كل شيء سيتغير في مباراة الإياب، إذ يبدو أن هدف عبد الحليم علي كان فخاً لزملاء حازم إمام الذين دخلوا المباراة بثقة مفرطة في النفس ربما جعلت منهم ضحية للرجاويين القادمين من كازابلانكا.
افتتح الرجاويون التسجيل مبكراً عن طريق المالي موديبو مايغا، ثم من تسديدة بعيدة أدرك سفيان العلودي قبل نهاية الشوط الأول التعادل لفريقه في مجموع المباراتين بعد تسجيله للهدف الثاني، وقبل دقائق من نهاية الوقت الأصلي انفرد محسن ياجور بالمرمى ليضع الكرة تحت عبد المنصف إلا أنها أخطأت الشباك وارتطمت بالقائم، وأثناء خروج الكرة من الملعب قرر إبراهيم سعيد لسبب خفي وغامض تشتيت الكرة بطريقة غريبة جعلته ينهي الهجمة في شباك فريقه، الهدف الذي قال هو عنه إنه أكثر خطأ أحزنه خلال مسيرته الكروية الطويلة والمتقلبة.
أفريقيا 2020: الاستثناء كقاعدة
لا يمكن لأي متتبع لكرة القدم في أي بقعة من بقاع البسيطة أن ينكر أن موسم 2020 استثنائي، لعدة أسباب؛ أبرزها جائحة كوفيد-19 التي أجبرت العالم على ضبط ساعته مع منبهات الطوارئ الصحية، التي أخذت زمام الأمور في مناحي الحياة المختلفة.
وبما أن الاستثناء أصبح هو القاعدة، فإن موسم الرجاء الرياضي والزمالك المصري هذا الموسم لا يخرج عن هذه القاعدة، حيث يقدمان موسماً استثنائياً بجميع المقاييس.
بدأ الرجاء موسمه بحدث ربما يعتبر من أبرز وأهم الأحداث التي شهدها تاريخه منذ تأسيسه في 20 مارس/أذار 1949، حدث «ديريبي كازابلانكا» برسم دور ثمن نهائي كأس العرب التي تحمل نسختها الحالية اسم ملك المغرب محمد السادس، واجه الرجاء غريمه الأزلي الوداد في هذا الدور المبكر، تعادل الفريقان بهدف لمثله في مباراة الذهاب، إلا أن مباراة الإياب ستشهد ريمونتادا تاريخية بعد أن كان الرجاء متأخراً بأربعة أهداف مقابل هدف واحد على بعد 15 دقيقة من نهاية المباراة، ليتمكن من العودة في النتيجة بواقع أربعة أهداف لمثلها في آخر دقائق اللقاء ويخطف التأهل من الغريم الوداد، مستفيداً من تسجيله 4 أهداف خارج أرضه.
أعادت هذه الريمونتادا تشكيل الموسم الكروي الرجاوي كاملاً، تمكن الفريق المغربي من تجاوز دوري المجموعات في دوري أبطال أفريقيا رغم وجوده في مجموعة الموت مع الترجي التونسي وشبيبة القبائل الجزائري وفيتا كلوب الكونغولي، ثم بعد ذلك حجز بطاقة التأهل من قلب ملعب تي بي مازمبي صعب المراس بعد فوزه عليه بهدفين دون رد في مباراة الذهاب، والعودة بهزيمة صغيرة بهدف دون رد من قلب «لومومباشي» الوعرة.
الزمالك بدوره رغم البداية الصعبة في دوري أبطال أفريقيا، فإنه تمكن من إيجاد مكان له رفقة الفرق الكبيرة بعد أن حاز بطاقة التأهل الثانية بجانب مازمبي في مجموعة ضمَّت بريميرو دي أوجوستو الكونغولي وزيسكو يونايتد الزامبي.
لم يكن الفريق المصري مُؤهلاً على الورق للعب أدوار طلائعية في المنافسات الأفريقية خصوصاً بعد المستوى المتوسط الذي كان يقدمه في أول الموسم محلياً وقارياً، إلا أن «ريمونتادا» الزمالك جاءت إثر فوزه بكأس السوبر الأفريقي أمام الترجي الرياضي التونسي، ثم بعد ذلك بأيام تفوقه على غريمه الأهلي بضربات الترجيح برسم كأس السوبر المصري، فتجديد التفوق على الترجي التونسي الذي تجاوزه مرة ثانية برسم دور ربع نهائي البطولة القارية إثر فوزه ذهاباً بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، وعودته من رادس بهزيمة صغيرة حجزت له مكاناً ضمن الأربعة الكبار.
ليس هذا هو الرابط الوحيد الذي يجمع الفريقين، فالزمالك والرجاء وبعد غياب لأعوام عن منصات التتويج الأفريقية قدَّما عربون العودة للواجهة بفوزهمها بكأس الكونفدرالية الأفريقية، الرجاء نسخة 2018 والزمالك نسخة 2019، بجانب تقديم أوراق اعتمادهما فريقين قويين بتحقيقهما كأس السوبر الأفريقي على الترجي التونسي الفائز بآخر نسختين لدوري أبطال أفريقيا، إذ حاز الرجاء اللقب عام 2019 بقيادة باتريس كارتيرون، فيما تُوج الزمالك بنسخة 2020 مع نفس المدرب.
لكن هذه الشراكة في الطريق وفي الهدف والمصير ستبدأ التفكك يوم الأحد، الرجاء مُستعيناً بجمال السلامي الذي فاز على الزمالك عام 2005، وسيكون أمام مهمة الانتقام لمساعد المدرب هشام أبو شروان الذي خسر نهائي 2002، لكن الزمالك من جهته لن يكون أعزل، فحتى إن كان باتشيكو حديث عهد بأجواء ميت عقبة في ولايته الثانية إثر رحيل كارتيرون، لكنه سيكون مُتسلحاً بتاريخ الزمالك الكبير في المناسبات المهمة، والذي سيحكيه له – دون شك – مساعده مدحت عبد الهادي، الشاهد على آخر كأس أفريقيا رفعها فرسان زامورا.