يوري جاجارين: رحلة صعود مغامر الفضاء الأول
«يوري جاجارين»
معروف أن روسيا سبقت أمريكا في الخطوات الأولى في مجال استكشاف الفضاء، حيث أطلقت أول قمر صناعي «سبوتنك 1» في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1957. انتقل هذا السباق لمرحلة متطورة في يومٍ غير عادي، في التاسعة وسبع دقائق من صباح الـ12 من أبريل/ نيسان عام 1961، حين انطلق رائد الفضاء الروسي «يوري جاجارين» في كبسولته الفضائية «فوستوك 1 – Vostok 1».
اليوم، وبعد هذا الحدث بـ57 عامًا، وفي ذكرى مولده، نذهب في رحلة مع جاجارين مرة أخرى. رحلة استثنائية نكتشف كيف اختير ليصبح أول إنسان يسافر إلى الفضاء الخارجي.
العائلة الصغيرة
في منزل عائلة السيد «ألكسيفيتش إيفانوفيتش جاجارين» وزوجته «آنا تيموفيفنا جاجارينا» في كلوشينو -إحدى القرى الروسية بالقرب من غزاتسك، مدينة سمولينسك حاليًا- وُلد «يوري» في التاسع من مارس/ آذار عام 1934، حيث كان الطفل الثالث للعائلة بين أربعة أطفال.
عمل والداه في مزرعة جماعية في القرية، وتكفّلت شقيقته الكبرى برعايته أثناء غياب والديهما. في سن السابعة في العالم 1941، أتى شبح الحرب العالمية الثانية على الأخضر واليابس، واضطرت العائلة لترك منزلها والعيش في كوخٍ صغير، وأُرسل اثنان من إخوته قسرًا على يد القوات الألمانية إلى ألمانيا، للعمل كعمال دون أجر!
وفي وسط الظروف العصيبة دائمًا ما يُنقذك شغفك. وبما أننا نتحدث عن رائد فضاء، فإن للسماء دورًا مهمًا في تشكيل حبه لاستكشاف الفضاء.كان يقضي ساعات متأملًا في السماء من نافذة مدرسته، أو غرفته. وكانت الرياضيات والفيزياء هما شغف «جاجارين» منذ صغره. انضم إلى مدرسة لتعلّم الحِرَف، حيث تعلم الميكانيكا، ثم ذهب إلى مدرسة صناعية. في تلك الأخيرة في «ساراتوف» انضم إلى نادي الطيران، وتعلم الطيران بشكلٍ أسرع، حيث قام بأول رحلة طيران فردية له عام 1955. ثم انضم بعد ذلك إلى سلاح الجو السوفييتي.
الطريق إلى الفضاء
رائد الفضاء يوري جاجارين ضمن فريق البرنامج الفضائي.
قادته مهاراته في الطيران إلى كلية أورينبورغ للطيران الحربي، حيث تعلم قيادة طائرات من طراز ميج – 15،وتخرج فيها بمرتبة الشرف العليا في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1957. تزوج جاجارين حبيبته «فالنتينا إيفانوفنا غورياتشيفا» في اليوم نفسه. أنجب ابنتين، «إيلينا، وجالينا».
لم يكفه حبه للطيران في سلاح الجو،وقاده شغفه بالتحليق جوًا إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، إلى الفضاء. فكان يتابع أخبار المشاريع الفضائية التي يقوم بها الاتحاد السوفييتي، وكان على يقين أن هناك خطوة مستقبلية سيسافر فيها البشر إلى خارج الغلاف الجوي. كان يريد أن يكون هذا الرجل، فتطوع في برنامج الفضاء الروسي في العام 1959 ليصبح رائد فضاء.
انضم للبرنامج ثلاثة آلاف متطوع، اختير منهم 20 شخصًا في أغسطس/ آب عام 1960، كان «جاجارين» واحدًا منهم. خضعوا جميعًا لاختبارات السلامة المعهودة لرحلات الفضاء، واختير جاجارين لتخطيه كل الاختبارات بنجاح، بالإضافة للمسة حظ، حيث ساعده قصر قامته (1.57 سم) على اختياره من بين الـ20 الآخرين، نظرًا لصغر حجم المركبة فوستوك 1 التي ستنطلق به للفضاء!
كتب طبيب سلاح الجو المشرف على جميع المتدربين في تقييمه لجاجارين الآتي:
«متواضع للغاية، شخص خجول، روحه فكاهية مفعمة بالحيوية، ذو درجة عالية واضحة من التطور الفكري، لديه ذاكرة رائعة تميّزه عن زملائه. يشعر بمن حوله ويعطيهم الاهتمام اللازم، لديه خيال متطور، ردود فعل سريعة، مثابر، يجاهد في تحضير نفسه لأنشطته وتدريباته، يتعامل مع المعادلات والصيغ الرياضية المعقدة بسهولة مما يجعله متفوقًا في الرياضيات عن البقيّة. كذلك يبدو أنه يفهم الحياة بشكلٍ أفضل من الكثير من أصدقائه».
كان مرشحًا أيضًا من قِبل زملائه، وبعد اختياره للقيام بالمهمة ألقى جاجارين خطابًا قبل الرحلة قال فيه:
انطلقت المركبة الفضائية فوستوك – 1 بنجاح في موعدها في العام 1961 إلى مدارها حول الأرض تحمل الشاب «جاجارين» ابن الـ27 عامًا، حيث دارت بسرعة 27400 كم/ ساعة، واستغرقت 108 دقائق. كانت إحدى مقولاته عندما صعد إلى خارج الغلاف الجوي:
عاد جاجارين إلى الأرض في كبسولته الفضائية بالقرب من قرية أوزموريه قرب نهر الفولجا. وفي عام 1962 بدأ العمل كنائب لـ«مجلس السوفييت الأعلى»، ثم عاد بعد ذلك إلى منشأة التدريب في ستار سيتي. أمضى جاجارين عدة سنوات في العمل على تصميم مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام.
تمت ترقيته إلى رتبة كولونيل في يونيو/ حزيران عام 1962، ثم إلى عقيد في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1963. حاول المسئولون الروس إبقاءه بعيدًا عن مجال الطائرات، حيث تخوفوا من فقدان بطلهم في حادثٍ ما. وفي المهمة «سويوز 1 – Soyuz 1» كان جاجارين بمثابة طيار احتياطي لـرائد الفضاء الروسي «فلاديمير كوماروف» الذي توفي في حادث تحطم مميت للمركبة. بعد هذا الحادث، مُنع جاجارين من التدريب والمشاركة في المزيد من الرحلات الفضائية.
رحلة أخيرة إلى السماء
«كان ذا مشاعر رقيقة للغاية، وشغوفًا بـ«ألكسندر بوشكين، وسانت أكسوبيري». كان لديه أصدقاء كثُر، وفي نهاية كل أسبوع، كان ينظم أنشطة كثيرة، يتعلق الكثير منها بالرياضة، حيث كان ورفاقه رياضيين عظماء، خاصة في الكرة الطائرة، الهوكي، وكرة القدم. كنت أنا ووالدتي وشقيقتي نعد الطعام، ثم نذهب إلى الغابة، ونقضي اليوم بأكمله هناك. نساء وأطفال ومجموعة من الرجال الرياضيين».
يوم الحادث الأليم، استقل «يوري جاجارين» ومدرب الطيران «فلاديمير سيريوغين» المقاتلة الروسية من طراز MiG-15UTI، في رحلة تدريب روتينية من قاعدة تشكالوفسكي الجوية في الـ27 من مارس/ آذار عام 1968، إلا أن الرحلة انتهت بشكلٍ مأساوي، حيث تحطمت المقاتلة بالقرب من بلدة كيرشاش، وتوفي الاثنان معًا. ووضع اسم يوري على جدار الكرملين في الساحة الحمراء تخليدًا لذكراه.
وأخيرًا، يفعل خيالنا أشياء كثيرة، وتثير توقعاتنا أسئلة عديدة، ويدفعنا طموحنا للتحرك والسعي، أما إيماننا فيقوم بالدور الأكبر، وهو التنفيذ. فلولا إيمان «جاجارين» بما توقعه لبرنامج الفضاء الروسي، بناءً على مشاريع الفضاء الروسية البدائية، لما كان «يوري جاجارين» الذي نعرفه، ولم نكن نكتب عنه اليوم!