قدمت لي الحياة الكثير من المفاجآت، فأول هاتف نقال كان مفاجأة، وأول حفلة عيد ميلاد في العمل كانت مفاجأة، وكذلك ثروتي التي جمعتها من اليوتيوب جاءت كمفاجأة، مفاجأة انتشرت على الإنترنت حتى قبل أن أمسك بدولار واحد من هذه الثروة.

أنا «أحمد نوح»، أهوى السيارات، وقضيت سنوات المراهقة أكتب على الإنترنت عما أحب، حتى قادتني الكتابة إلى صحافة السيارات، فصرت صحفيًا متخصصًا بالسيارات، ومن ثم مديرًا للتحرير، وأخيرًا مديرًا لمحتوى السيارات بإحدى الشركات الكبيرة المتخصصة بالمجال، وهو ما جعلني أفكر في تقديم ما لدي من معلومات وخبرات عبر قناة يوتيوب موجهة لمصر أسميتها «أوتوفندي».

سمعت مثل الكثيرين عن أرباح اليوتيوب، والدولارات التي ستنهال عليّ من النشر على يوتيوب، ولكني بحكم العمل في مجال الصحافة والإعلام كنت أعلم أن ما يقال لا يتخطى حدود الطموح، وأن اليوتيوب عربيًا لا يقدم الدولارات على صوانٍ فضية، إلا أنني أتفهم تلك الصورة النمطية، والتي استغلها محرر «هافينغتون بوست» حينما كتب مقالاً منذ يومين بعنوان «تعرَّف على أجور أشهر Youtubers في مصر»، ليجمع قدرًا كبيرًا من الزيارات، ويخلق سبقًا صحفيًا لا أساس له من الصحة، ومن خلفه منصات مثل «الجزيرة مصر» و«مصراوي» وغيرهم نقلت عنه المعلومات والأرقام المغلوطة دون أي محاولة للتيقن من مصداقيتها.

https://www.facebook.com/AJA.Egypt/posts/413844625665241

فالـ «اليوتيوبرز» هم صناع المحتوى على يوتيوب، والقائمة تضم «أوتوفندي»، والخبر زلزل قائمة معارفي كوني أصبحت بحسب التقارير الصحفية أتقاضى 20,000 دولار سنويًا بفضل الفيديوهات التي أقدمها، والتي لم تتخطّ الـ 38 فيديو خلال أقل من عام، وحصدت مشاهدات تزيد عن المليوني مشاهدة.

لذا قررت أن أرد من خلال هذا المقال عبر «إضاءات» على ما تردد بشأن أرباح اليوتيوبرز المصريين، وأن أطلعكم على حقيقة الأرباح التي يدفعها يوتيوب لصناع المحتوى، وعن المصدر الذي اعتمد عليه محرر المقال ليحدث هذه الضجة.


الإعلانات على يوتيوب

عندما تشاهد أي فيديو على يوتيوب تظهر لك ثلاث نوعيات من الإعلانات؛ الأولى إعلانات فيديو تظهر في بداية أو خلال الفيديو الذي تشاهده، وهي إعلانات قابلة للتخطي بعد 5 ثوانٍٍ من عرضها.

والنوعية الثانية هي الإعلانات الكتابية التي تظهر داخل مربع الفيديو بالأسفل، والثالثة إعلانات تظهر على يمين الفيديو. وهذه الإعلانات مدفوعة من قبل الشركات المُعلنة حتى يراها الجمهور، وينال يوتيوب مكسبه منها، ومن ثم يمنح كل صانع فيديو نصيبًا من الربح على الإعلانات التي ظهرت خلال عرض المحتوى الخاص به.

ولأن يوتيوب يستقبل يوميًا ملايين الفيديوهات الجديدة، ومليارات المشاهدين من كافة أنحاء العالم، فالإعلانات وأرباحها تخضع لعملية معقدة أشبه بالمزادات.

فالمعلن يختار النطاق الجغرافي الذي يود عرض إعلانه فيه، ومواصفات المشاهد الذي يود عرض المنتج عليه، وعدة خيارات أخرى، ومن ثم يعمل يوتيوب تلقائيًا على عرض هذه الإعلانات على أكثر الفيديوهات والمشاهدين المناسبين لمواصفات المعلن.


ولكن ماذا إذا كان المحتوى يناسب عدة إعلانات مختلفة؟

هنا يأتي المزاد، حيث يختار يوتيوب أكثر الإعلانات ربحًا للموقع وبالتبعية لصانع المحتوى، وكلما زاد الطلب على المحتوى والجمهور المشاهد لهذا المحتوى، كلما ارتفعت أسعار الإعلانات وتربح صانع المحتوى أكثر، والمعلنون يرفعون من أسعار إعلاناتهم حتى يضمنوا الظهور للجمهور الأفضل.

وأخيرًا يظهر الإعلان على الفيديو المناسب، ولكن الرحلة لا تنتهي هنا، فالغرض من الإعلان ليس الظهور فقط، بل الغرض الرئيسي هو ضغط المشاهد على الرابط في الإعلان، ليدخل موقع المعلن، أو يحمّل تطبيق هاتف جديد، أو يشترك في خدمة، أو يشتري منتجًا، أو أيًا كان.

ولذا إذا تجاهل المشاهد الإعلان وضغط «تخطي»، أو لم ينتبه إلى الإعلان الذي ظهر أمامه ولم يضغط على الرابط، تختلف الأرباح. فبعض الإعلانات لا تدفع إلا عمن ضغط على الرابط، أو من شاهد الفيديو كاملاً، وهو ما يجعل العملية الحسابية معقدة وخاضعة لعناصر كثيرة.


ماذا عن الأرباح في مصر؟

كما قلنا يخضع كل جمهور وكل محتوى لعملية عرض وطلب مفتوحة، يزيد فيها السعر ويقل بحسب المزايدة.

فإذا كان الطلب الإعلاني لهذا الجمهور قليلاً تقل أرباح الإعلانات، وبالتالي تقل أرباح صناع المحتوى. وإذا زاد الطلب الإعلاني على الجمهور ارتفعت الأرباح. وهنا مربط الفرس.

اعتمد محرر «هافينغتون بوست» في مقاله على موقع متخصص في إحصائيات «يوتيوب» يسمى «SocialBlade»، وهو موقع يحسب أرباح صناع المحتوى على يوتيوب بنطاق واسع للغاية يضم الحدود الدنيا والعليا من الأرباح على يوتيوب في العالم الغربي، وهي الحدود التي تعكس المستوى الاقتصادي المتقدم، والمستوى المعيشي المتميز، وبالتالي الطلب الإعلاني الكبير على هذا الجمهور.

يوتيوب أرباح مصر يوتيوبرز
جمهور أوتوفندي

فمن واقع الأرقام التي منحها لي يوتيوب على قناتي «أوتوفندي»، يصل متوسط القيمة لكل ألف مشاهدة (CPM) على قناتي من مصر خلال الـ28 يومًا الأخيرة إلى 1.5 دولار، بينما تصل قيمة الألف مشاهدة لنفس المحتوى من السعودية إلى 3.6 دولار، ومن الولايات المتحدة الأمريكية إلى 10.4 دولار.


ما هي الأرباح الحقيقية لليوتيوبرز المصريين؟

الحقيقة لا يوجد رقم محدد يمكن أن يشفي فضولك، فالأمر يخضع لعملية حسابية غاية في التعقيد، تعتمد على نوع المحتوى ومدى التفاعل معه ونوعية التفاعل والمشاهدين وصفاتهم وبلادهم وعناصر كثيرة نعرفها ولا نعرفها، ولكني أعرف أنك لن تشعر بالرضا إلا إذا عرفت رقمًا محددًا.

أرباح أوتوفندي

ولذا سأعطيك مثالاً عن أرباح «أوتوفندي» من يوتيوب خلال 11 شهرًا قدمت خلالها القناة 39 فيديو بمشاهدات وصلت إلى 2.2 مليون مشاهدة، وحصلت على جمهور يصل إلى 35 ألف مشاهد 70% منهم من مصر، والبقية من كافة أنحاء العالم.

فأرباح أوتوفندي لحظة كتابة هذا المقال وصلت إلى 420 دولار أمريكي، بمتوسط 200 دولار للميلون مشاهدة، وهو ما يعد رقمًا جيدًا لقناة أغلبية جمهورها من مصر، فعادة ما يردد صناع المحتوى في مصر أن المليون مشاهدة بـ 100 دولار فقط، أو أقل.

ودعنا نخرج من أوتوفندي إلى قناة أكبر ضمتها القائمة، وهي قناة «ألشخانة» التي يصل مشتركوها إلى 518,000 مشترك وتصل مشاهداتها إلى 22 مليون مشاهدة، ونشر مالكها «علي» على الصفحة الرسمية للقناة صورة توضح أرباحه خلال العام الماضي بالكامل، والتي لم تتخطّ 5600 يورو، أو ما يعادل 6100 دولار أمريكي.


ردود أهم المذكورين بالتقرير

قام العديد من أصحاب القنوات المذكورة بتقرير الهاف بوست بالرد على الأرقام الخرافية المذكورة على صفحاتهم على المنصات الاجتماعية، فقال «ألش خانة»:

https://www.facebook.com/alshakhanah/photos/a.381506381952856.1073741828.379407502162744/1011398698963618/?type=3&theater

وقال «هشام عفيفي»:

https://www.facebook.com/iHesham/posts/10158556921300335

أما عن «أشرف حمدي» «إيجيبتون» فأضاف:

https://www.facebook.com/Dr.AshrafHamdi2/posts/414544278903229

وقالت «إيمان الإمام» على صفحتها:

تواصل «إضاءات» مع «إيمان الإمام» وأفادت بأن طريقة حساب الأرباح معقدة على اليوتيوب، ولا يستطيع صاحب أي قناة التنبؤ بأرباحه الشهرية مسبقا، بل يعلمه يوتيوب بها في تقرير يومي، وأضافت أن الأرباح تختلف بين المواسم والشهور والشركات المعلنة كذلك، وقالت إنها لا تستطيع كصاحبة القناة أن تتحكم في أي عامل ولا تختار الشركات المعلنة في قناتها، ونوهت إلى أن «تقرير هافينغتون بوست عربي» يعيبه عدم الاحترافية في نقل التفاصيل الواضحة كأسماء القنوات وأصحابها ونوعية محتواها كنقل اسمها الشخصي بشكل خاطيء ومختلف في كل مرة ذكر الاسم في التقرير، كل هذا يؤكد عدم المهنية والاحترافية، ناهيك عن زعمه بأن أصحاب القنوات يتقاضون عشرات الآلاف من الدولارات، وهو ما يحدث في خيال الكاتب فقط».


الخلاصة

يوتيوب أرباح مصر يوتيوبرز
يوتيوب أرباح مصر يوتيوبرز

يوتيوب منصة رائعة لعرض إبداعاتك في أي مجال، والمحتوى المرئي يعد أقوى أنواع المحتوى، وهو الذي سيسيطر على الساحة خلال السنوات المقبلة، إن لم تكن تعتبر أنه سيطر بالفعل على العالم المعلوماتي.

فإذا كانت لديك موهبة، أو تريد مشاركة هواية ما مع العالم، انطلق على يوتيوب واصنع ما تحب، سواء كهواية لا تهدف إلى الربح، أو كمشروع ربحي بخطة كاملة للتربح من خارج إعلانات يوتيوب، وبخاصة إذا كنت توجه المحتوى لمنطقة لا تنعم بطلب إعلاني كبير، ولا تصدق ما تسمعه عن أرباح القنوات المصرية على يوتيوب.