يسري سلامة وخطايا العلمانيين والإسلاميين
مع اقتراب اكتمال العام السادس لثورة يناير/كانون الثاني يتبين لنا أن لا أحد يقرأ ما يكتب، وإن قرأ فلا يتعلم، وإن تعلم لا يعمل، في العام السادس وما زلنا نبحث عن ثورة تائهة، غابت أهدافها، ومات أبنائها، وما زلنا نبحث عن سلامة آخر يملأنا بالأمل بعد أن غادرنا.
يعتبر «محمد يسري سلامة» من أبرز الشخصيات السياسية التي ظهرت مع الزخم الثوري، كون أفكاره مثلت جسرا للتوافق بين المرجعيات المذهبية والأيديولوجيات، فهو السلفي الثائر، وعضو حركة سلفيو كوستا، ومن مؤسسي حزب دستور العلماني.
استدعاء أفكار سلامة ليست مرتبطة بحدث معين، بقدر الحاجة إلى الرجل الجسر في زمن التصارع والتنازع لا التوافق. فقد عبر الرجل خلال مسيرته القصيرة عن عدد من الخطايا ارتكبها العلمانيون والإسلاميون .
خطيئة التصنيف الأولى
في ظل هذا التناحر وفي ظل طغيان خطيئة التصنيف السياسي والاجتماعي على الأسس المرجعية والأيديولوجية، وجد يسري سلامة نفسه سابحا ضد التيار، محاولا أن يمثل نموذجا للرجل الجسر الذي تخطى التصنيف.
فحمل لواء الدفاع عن الثورة ومكوناتها ومطالبها الأساسية، مناهضا لكل ما هو مناقضا لقيم ومبادئ ثورة يناير/كانون الثاني ومطالبها في العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
فقد شغل همه بمحاربة التصنيف باعتباره يعيق الوحدة الشاملة التي عاشتها القاهرة أبان ثورة يناير/كانون الثاني،فقد تمحورت أفكار وجهود سلامة نحو الدعوة إلى الوفاق الشامل، فسعى جاهدا إلى محاولات التقريب بين الأفكار المختلفة.
لماذا تبدو المسافات بيننا أبعد بكثيرٍ مما هي في واقع الحال؟
فقد طرح سلامة في أحد مقالاته موقفه من العنف ضد الأقباط في مصر مؤكدا رفضه لما حدث في قضية كاميليا وأحداث ماسبيرو وأحداث إمبابة من عنف، في نفس الوقت الذي رفض فيه انعزالية الأقباط المفرطة وتصرفهم بإنفراد كأنهم شعب منفصل له أجندته الخاصة، كما يتماثل في ذلك السلوك أحيانا السلفيين والإخوان.
لست برادعاويًا
في الوقت ذاته سعى سلامة إلى محاولة تجاوز العزلة التي حاول الإسلاميون فرضها على البرادعي وأنصاره، وهنا يتحدث في مقال له عن موقفه من البرادعي مؤكدا على أنه بداية إعجابه كانت مع طرح الأخير للمطالب السبعة في 2010، مبينا رفضه للموقف السلفي الرافض والممانع للمشاركة آنذاك في حملة البرادعي وتوقيعاته.
مؤكدا أنه كان يؤمن بضرورة دعم تلك المطالب في ضوء عدد من الأولويات منها رفع المظالم الفاحشة، حرية الدعوة، حرية السفر والتنقل، تحجيم أولوية الفساد، حرية الانتخاب، مؤكدا على إنه إذا لم تكن الشريعة قائمة في مجتمعا ما فليكن هناك نظام عام بدلا من الفوضى.
خطيئة الهوية الثانية
في مقاله «ماذا عن نموذج مصري؟» تناول سلامة بالنقد غياب هوية مصرية قائمة على الزخم التراثي القديم لمصر، منتقدا فيه السرديات التي تحمل في طياتها استحالة أن تقوم في مصر دولة إسلامية، والمنتهية إلى تأكيد فشل التجربة الإسلامية في مصر، مشيرا إلى أن مثل هذه المقولات تمحي حقائق مائتي عام من الزمن عاشت مصر فيهما تحت راية الحكم الإسلامي.
يروي سلامة قصة الصراع الحضاري المصغر في مصر، والقائم بين المشروع الإسلامي والغربي، منتهيا إلى أن الغلبة فيه قائم لأنصار المشروع الغربي، موضحا أن المشروع (شبه العلماني) في مصر غير نابع من الخصوصية العربية ولكنه قائم على الانحياز للمشروع الأقوى وهو الغربي.
مشيرا إلى أن أحد الإشكاليات والجدليات الرئيسية في هذا الصراع تقوم على أن كثيرا من (الإسلاميين) يحاولون إحياء مشروع إسلامي لا يعرفون حقيقته وأبعاده بدقةٍ ووضوح، لأنهم لم يدرسوه بعمقٍ وتفصيل.
كما حمل التيار العلماني مسئولية تأجيج هذا الصراع فيقول أن السواد الأعظم من (العلمانيين) يحاولون القضاء على مشروعٍ لا يعرفونه أصلا، ولا يدركون أنه لم يفشل فى حقيقة الأمر، وإنما تعرض لحربٍ ضروسٍ تمكنت من إزاحته، ثم تمكنت من تغييبه وتجهيله.
الأقوى ليس دوما الأفضل ؛هكذا يذهب سلامة إلى تأكيد أن تبني القوى العلمانية في مصر لأفكار وأيديولوجيا الغرب للحفاظ على السلطة السياسية، بعيدا عن تكوين هوية للشخصية المصرية المستقلة كان سببا من أسباب استشراء الاستبداد. فالغرب حينما واجه هزائمه أمام انتصارات الفتوحات الإسلامية في العصور الوسطى توجه نحو مراجعة مشروعه وتطويره، وعمل على الاستفادة من خصمه وإنتاجه العلمي والفكري .
خطيئة غياب الثقة الثالثة
أحد أبرز المشكلات التي عانت منها مصر في أعقاب ثورتها المجيدة هو غياب الثقة بل انعدامها بشكل كامل، بين التيارات السياسية المتصارعة المختلفة، وهو ما دفع إلى مزيد من التناحر والتنازع لتصفية حسابات خاصة على حساب مشروع الثورة ومطالبها، فانتهت إلى إجهاض الثورة.
وهنا نجد سلامة يحرق صدره هذا العبث القاضي على الوفاق والوحدة الشاملة، ومن ثم جند قلمه وأفكاره ليس لنقد خطيئة العابثين ولكن للتحذير، فهو في بدء الأمر يشرح أطروحته بأن أحد الإشكاليات المعادية للثورة .
و هي أن كثيرا من القوى الليبرالية واليسارية والعلمانية وغيرها ترى أنها صاحبة الثورة وأحق الناس بها ، في حين يرى الإسلاميون كذلك أنهم أصحاب الثورة وأحق الناس بها.وذلك لمشاركتهم الفعلية القوية فيها أو لأنهم كانوا أصحاب الحظ الأوفر من اضطهاد النظام السابق.
خطيئة الصدارة الرابعة
كونه محسوبا على التيار الإسلامي لم يمنع قلمه خجلا من انتقاد سياسات وتوجهات القوى الإسلامية في تنازعها وحبوها للحفاظ على المكاسب السياسية التي تم حصدها من السيطرة على الأغلبية البرلمانية ومن بعدها الوصول إلى السلطة حتى ولو على حساب قيم الثورة ومبادئها.
هاجم سياسات الإخوان في محاولتهم للاصطفاف إلى جانب المجلس العسكري في محاولة للاحتفاظ بالنظام القديم ضد الثوار، كما عارض انتهاكات الجماعة إبان حكم مرسي، وعارض القمع والعنف وتعدد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وانتهى إلى أن قرار الإسلاميين بتصدر المشهد أضر بهم أكثر مما نفعهم فيقول في تغريدة له، مازلتم تنازعونني وها هي الأيام تثبت يوما بعد يوما أن «الإسلاميين» ما كان ينبغي لهم أن يكونوا في الصدارة في هذه المرحلة.
هذا هو الحصاد
كتب سلامة قبل وفاته بأيام معدودة بأن استمرار حالة الاحتقان والإقصاء السياسي سيفضي إلى اجتماع الشرفاء من الإخوان والإسلاميين ومن جبهة الإنقاذ وغيرها في السجون والمعتقلات وحينها سيتسنى لهم مناقشة خلافاتهم فيها.
وفى نهاية المطاف سعى سلامة جادا لطرح طريق ثالث قد لا يرضى جميع الأطراف، لكنه بالتأكيد لن يضرها أو يستفزها أو يقصيها بأي وجه من الوجوه، داعيا في طرحه القوى المختلفة إلى تأجيل معركة الخلاف الأيديولوجي ، إلى ما بعد مرحلة انتقالية طويلة نسبية تحقق نوعا من العدالة والحرية والكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية.