مراسلكم من نتفليكس: صينيون وأسود ويهود
كلمات آلان مور، الكاتب الإنجليزي الشهير، الذي اشتهر بقصصه المصورة التي نذكر منها V For Vendetta و The Killing Joke، قد تمثل مدخلاً جيدًا لحديثنا اليوم عن نتفليكس، التي شعرت بضرورة أن أكون مراسلاً لمشاهدة برامجها وأفلامها ومسلسلاتها، خصوصًا بعد أن تم إلغاء كافة المهرجانات السينمائية في العالم بسبب وباء كورونا، ولم يعد يمكنني التواجد كمراسل في أي منها، وخصوصًا أيضًا أنني لا أتابع أيًا من مسلسلات رمضان، نتفليكس يقدم لكم تجربة متنوعة وغنية من المشاهدة داخل المنزل، بتكلفة شهرية بسيطة قد تكون أقل من تكلفة اشتراك النت السيئ الذي تستخدمه للوصول للموقع، لكن الشبكة على جانب آخر تواجه هجومًا شديدًا بشكل خاص داخل منطقة الشرق الأوسط، نتيجة وجود محتوى يجده بعض المشاهدين العرب غير مناسب لمعاييرهم الأخلاقية أو الدينية.
في هذا المقال لا نحاول الدفاع عن نتفليكس، وليس لنا مصلحة مباشرة في ذلك، فنحن لا نتلقى دعمًا ماليًا منهم، على الأقل حتى الآن، لكننا نحاول أن نلقي الضوء على محتوى مغاير لما انتقده بعض المشاهدين العرب، محتوى أنتجته نتفليكس بشكل أصلي، لكنه يحتوي على أفكار مغايرة تمامًا لما يظنه المشاهدون العرب عن نتفليكس، كما أنه قبل كل شيء محتوى يستحق المشاهدة.
هل تحاول نتفليكس نشر صورة وردية عن المجتمع الأمريكي، أو المواطن الأبيض؟ هل نتفليكس مضادة للدين؟ هل تبشر نتفليكس بالمثلية الجنسية وتعرض صورة وردية عن حياة المثليين؟ هذا ما سنكتشفه سويًا.
أمريكان تحت الاحتلال الصيني
هل تظهر نتفليكس لنا الأمريكان في صورة وردية؟ لا بالطبع، الأمر أكثر عشوائية من أن يكون هناك صورة نمطية للأمريكان في إنتاجات نتفليكس، العكس تمامًا، تحظى نتفليكس بمكتبة متنوعة من الإنتاجات الأصلية والإنتاجات التي تملك نتفليكس حقوقًا لعرضها، لو أن هناك طابعًا يمكن رصده في إنتاجات نتفليكس عمومًا هو أن الشبكة تهتم بإنتاج أعمال قابلة للمشاهدة، ومختلفة بشكل نسبي عن الإنتاجات الأمريكية في التسعينيات وأول الألفية الثالثة.
أول إنتاجات نتفليكس الأصلية في قائمتنا اليوم، والذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن نتفليكس غير مهتمة بإظهار صورة وردية عن أمريكا، هو الفيلم التسجيلي American Factory، وهو الفيلم الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي عام 2020.
تدور أحداث الفيلم عن مصنع أمريكي بولاية أوهايو، كيف تم إغلاقه بعد أن عمل لسنوات تحت إمرة شركة جنرال موتورز الأمريكية، وكيف أصبح عماله الأمريكيون بلا وظيفة أو مصدر دخل، وكيف أصبح عقب ذلك مصنعًا صينيًا، يعمل فيه الأمريكيون تحت إمرة الصينيين، ثم يجبرهم الصينيون عقب ذلك أن يعملوا دون الكثير من حقوقهم.
المواطن الأمريكي يظهر ضعيفًا وفقيرًا ومعرضًا للأذى في هذا الفيلم، يمكننا توقع أن الكثير من هؤلاء العمال قد صوتوا لترامب لأنه وعدهم بانتعاشة اقتصادية وبتوفير فرص عمل، لكن المفاجأة الكبرى هو ما يمكن للصينيين تغييره في نفوس الأمريكيين، وكيف تصبح للقوة المالية الصينية أثر مخيف على أرواح الأمريكيين، الذين يصوتون في النهاية للتخلي عن حقهم في تشكيل نقابة عمالية، وكأنهم مستعدون للتخلي عن إرث سنوات من العمل النقابي فقط لأن سلطة الجوع أقوى من أي سلطة.
الجدير بالذكر أن الفيلم من إخراج ستيفن بوجنر وجوليا رايشيرد، وقد شاركه في إنتاجه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل.
كن يهوديًا ولا تكن حاسيديًا
هل نتفليكس تحاول أن تشوه الإسلام؟ هل نتفليكس ضد الأديان بشكل عام؟ إجابة السؤال الأول قد تكون مطولة للغاية، والتدليل عليها ربما يتطلب مقالاً آخر، لكن يمكن القول مبدأيا بأن صورة العرب والمسلمين في إنتاجات نتفليكس الأصلية عمومًا أكثر إنسانية وأقل نمطية بكثير مقارنةً بكافة إنتاجات هوليوود قبل عصر نتفليكس، وبالأخص إنتاجات الفترة التي تلت 11 سبتمبر 2001. نتفليكس كما قلنا تملك مكتبة متنوعة جدًا، إذا انتقينا أعمالاً بعينها وحكمنا من خلالها على المحتوى كله، سنصدر أحكامًا غير دقيقة بالتأكيد.
بالنسبة للبعض نتفليكس مضادة للإسلام فقط لأنها أنتجت مسلسل Caliphate الذي تدور أحداثه عن عمل إرهابي يتهم فيه مسلمين متشددين في السويد، بالنسبة للبعض الآخر نتفليكس مضادة للمسيحية لأنها عرضت الفيلم الساخر First temptation of Christ والذي أدى لتفجير بعض المتشددين المسيحيين لمكتب الشركة المنتجة للفيلم في البرازيل، ومن وجهة نظر فئة ثالثة فنتفليكس مضادة لليهودية لأنها أنتجت مسلسل Unorthodox الذي تدور أحداثه عن هروب فتاة يهودية من أهلها وزوجها المتواجدين في مجتمع يهودي متشدد. لكن إذا ما نظرنا للصورة مكتملة، سنجد أن هناك العديد والعديد من الأمثلة الأخرى التي تظهر أشخاصًا مسيحيين ومسلمين ويهودًا جيدين ضمن أعمال نتفليكس.
العمل الثاني في قائمة الأعمال التي نوصي بها اليوم هو الفيلم التسجيلي One of US والذي أنتجته نتفليكس في عام 2017، والذي يدور حول قصة ثلاثة من يهوديي مجتمع الساتمار الحاسيدي المتشدد في ضاحية بروكلين بمدينة نيويورك، وكيف يترك هؤلاء الثلاثة المجتمع اليهودي الحديدي الرافض بشكل مكتمل للحداثة ومظاهرها، وقصة كل منهم في إيجاد حياة جديدة، الملاحظة المهمة هنا أن المنظمة التي تساعد أحد هؤلاء الأشخاص هي منظمة يهودية أيضًا، ولكنها غير متشددة، والشخصيات الثلاثة تبقى في نهاية الحكاية كيهود أيضًا، لم يتركوا الدين، لم يلحدوا، والفيلم في مجمله يحتفي بهم وبرحلتهم.
هذا فيلم من إنتاج نتفليكس بشكل مباشر، إذا نظرت له بشكل ضيق الأفق ربما تعتقد أن نتفليكس ضد اليهود، أو اليهودية، أو إسرائيل ذاتها التي يحكمها متشددون أيضًا، لكن الحقيقة مغايرة لذلك.
المثلي الأكثر جنونًا في كوكب الأرض
هل تبشر نتفليكس بالمثلية الجنسية؟
هذا سؤال شديد التعقيد، لكن الإجابة عليه غير ممكنة إذا لم نذكر السياق السياسي والاجتماعي الذي يعيش فيه العالم، خارج الوطن العربي، حيث حقوق المثليين أصبحت ركنًا رئيسيًا في البرامج السياسية لكافة الأحزاب السياسية تقريبًا، لذا فستجد أشد المدافعين عن حقوق الأقليات والمهاجرين من العرب والمسلمين وأصحاب البشرة الملونة، هم نفسهم أشد المدافعين عن حقوق المثليين.
هكذا يصبح تواجد المثليين في أعمال نتفليكس كتمثيل طبيعي وحقيقي للمجتمعات الحالية، تمامًا كما تحرص نتفليكس على ظهور العرب وأصحاب الأصول المسلمة بشكل إنساني، لذا يظهر المثليون أيضًا بشكل إنساني، منهم نماذج جيدة ومنهم أيضًا نماذج سيئة، هذا هو الواقع شئت أم أبيت.
كتدليل على ذلك ننتقل إلى الاسم الثالث في ترشيحاتنا اليوم، وهو المسلسل الوثائقي Tiger King، والذي لا يمكن اختزاله فقط في كونه يدور حول رجل يصف نفسه بأنه «مثلي الجنس، محب للأسلحة، يمتلك أكثر من ألف نمر وأسد وحيوان بري، ويرتدي شعرًا مستعارًا».
في الحقيقة تايجر كينج هو أحد أنجح إنتاجات نتفليكس الأصلية، كما أنه أحد أكثر القصص الحقيقية التي تم التقاطها على الشاشة إثارةً وجنونًا، حيث نتتبع رحلة مجموعة من البشر المهووسين بامتلاك الأسود والنمور في أمريكا، أو ما يطلقون عليها «القطط الكبيرة»، لنفاجأ بأن عدد الأسود والنمور المحتجزة في حدائق ومنازل هؤلاء الأشخاص أكثر من عددهم في البرية حول العالم.
في المسلسل الذي شاهده ملايين على نيتلفكس، وتصدر المشاهدات لنتفليكس داخل أمريكا لأكثر من أسبوعين، نتابع تخطيطًا للقتل، تعدد أزواج وزوجات، رجالاً ذوي ميول جنسية مغايرة يتم تزويجهم تحت إغراء المال لرجل مثلي، وحوادث إطلاق نار، وحيوات تنتهي بالرصاص وأخرى تنتهي وراء القضبان، والأكثر جنونًا من كل هذا أن أحدهم قد ترشح لمنصب سيناتور.
هذا المسلسل هو تعبير حقيقي وواقعي عن العديد من الأشياء الجنونية داخل المجتمع الأمريكي، لكنه أيضًا وباختزال شديد هو التصوير الأكثر جنونًا وسلبية لرجل مثلي الجنس على الشاشة، ربما في تاريخ السينما والتليفزيون.
هل نتفليكس ضد أصحاب الميول أو الهويات الجنسية المثلية إذن؟ بالطبع لا، مرة أخرى هذه شبكة تبحث عن حكاية يريد الناس أن يشاهدوها، لا أكثر ولا أقل.
الحياة أكثر عشوائية من أن يتم التحكم بها، تماما كما قال آلان مور، ولكن نتفليكس في كل الأحوال توفر لك إمكانية صنع حساب للأطفال أقل من 18 عاماً، هكذا لن ترى كل هذا.