دليلك لفهم أزمة الدولار في مصر من الألف إلى الياء
ربما تكون هذه الكلمات هي الأكثر تعبيرًا عن الواقع الذي تعيشه مصر في أزمة الدولار في الآونة الأخيرة، ولسان حال أصحاب القرار: لماذا نفكر طالما يمكن أن نقترض؟، لماذا نحاول حل المشكلة طالما هناك من سيتحمل الفاتورة؟، هكذا الأمر ببساطة، فإن من أبجديات حل المشاكل الاعتراف بالمشكلة أولاً، ثم البحث عن الأسباب، وإيجاد الحلول. إنه التسلسل الطبيعي لحل المشاكل، ولكن في مصر الأمر مختلف تمامًا.
ميزان المدفوعات بين مصر والدول الأخرى
قبل الحديث عن تفاصيل الأزمة، يجب أن نتعرف على ما يسمى بميزان المدفوعات، وهو ميزان متعلق بكل المعاملات التي تتم بين الدولة وأي دولة أخرى. وفي مصر ارتفع عجز ميزان المدفوعات بنحو 240% بحسب آخر بيانات البنك المركزي؛ الأمر الذي يعني وجود فجوة تمويلية كبيرة تعاني منها البلاد، وهذا سبب تفاقم أزمة الدولار، ولحل هذه الأزمة يجب أن يحدث توازن في الميزان ووقتها لن نرى الدولار بمثل هذه الأرقام أمام الجنيه المصري.
وكان البنك المركزي قد كشف في بيان له بنهاية الربع الأول من العام الجاري عن ارتفاع العجز الكلي بميزان المدفوعات ليصل إلى 3.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2015/2016 مقارنة بنحو مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.
وقال البيان إن العجز في حساب المعاملات الجارية وصل إلى 8.9 مليار دولار مقارنة بنحو 4.3 مليار دولار، كما حقق الميزان التجاري عجزًا بلغ 19.5 مليار دولار مقابل 20.4 مليار دولار، نتيجة لتأثير الصادرات والواردات المصرية بانخفاض الأسعار العالمية للبترول والسلع الأساسية الأخيرة، بحسب البيان.
فيما تراجعت حصيلة الصادرات السلعية بمعدل 26% لتقتصر على نحو 9.1 مليار دولار مقابل 12.3 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى تراجع حصيلة الصادرات البترولية بنحو 2.2 مليار دولار تأثرًا بانخفاض الأسعار العالمية للبترول الخام بمعدل 51.3%، و43.4% خلال الربعين الأول والثاني من السنة المالية 2015/2016.
وفي تفاصيل بيان المركزي عن ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من العام المالي 2015/2016، كشف البنك عن تراجع الواردات السلعية بنسبة 12.6% لتسجل 28.6 مليار دولار مقابل 32.7 مليار دولار نتيجة لتراجع الواردات السلعية غير البترولية بنحو 2.6 مليار دولار والسلعية البترولية 1.6 مليار دولار.
وتراجعت تحويلات المصريين بالخارج بمعدل 10.6%، وتراجع فائض الميزان الخدمي بمعدل 45.5% ليقتصر على 2.2 مليار دولار مقابل 4.1 مليار دولار؛ نتيجة لانخفاض المتحصلات من الخدمات والدخل لتسجل 9.3 مليار دولار مقابل 12.5 مليار دولار، وتراجعت إيرادات السياحة بنسبة 32.5% لتسجل 2.7 مليار دولار مقابل 4 مليار دولار.
وبعيدًا عن ميزان المدفوعات هناك مصدران يجب مناقشتهما بصفة خاصة؛ وهما السياحة وإيرادات قناة السويس، حيث أنهما يعتبران القاطرة للاقتصاد القومي، لذلك يجب معرفة الوضع الحالي لهذه المصادر لكي ندرك حجم الأزمة.
السياحة وقناة السويس
السياحة من أهم مصادر الدخل في مصر، ولكنها في الآونة الأخيرة سقطت سقوطًا مدويًا. فبحسب آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد السياح الوافدين إلى البلاد، خلال شهر يونيو الماضي، تراجع بنسبة 59.9%، على أساس سنوي، حيث بلغ 328.6 ألف سـائح، مقارنة بـ820 ألف سائح في يونيو 2015، لكن في الحقيقة النسبة ليست كذلك لكنها أكثر من 200% خلال آخر 6 سنوات، فقد سجل يونيو 2010 قدوم نحو 1.029 مليون سائح إلى مصر.
وبعد مرور عام على مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة، التي كان يعدّ عليها كثير من المصريين آمالًا كبيرة، جاءت أرقام البنك المركزي المصري مخيبة للآمال، حيث أعلن عن تراجع رسوم مرور السفن عبر قناة السويس، بما يقارب 210 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي الماضي 2015-2016، لتحقق ما يزيد عن 2.646 مليار دولار خلال الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2015-2016، مقارنةً بإيرادات تجاوزت 2.857 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق عليه، وهو ما يشير إلى خسائر كبيرة، لمصدر رئيسي للعملة كان قد أنفق عليه نحو 8 مليارات دولار وأصبحنا نجني ثماره بالسالب.
مما سبق ندرك تمامًا أن أسباب تفاقم أزمة الدولار في مصر تتلخص في نضوب مصادر العملة الأجنبية، وأبرز هذه المصادر: “السياحة – إيرادات قناة السويس – تحويلات المصريين العاملين بالخارج – الصادرات”، والتي تعد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة وبالتي حدث نقص كبير في المعروض الدولاري مع قفزة كبيرة في الطلب على العملة؛ لأن مصر تعتمد في استيراد أغلب احتياجاتها من الخارج، والقاعدة الاقتصادية تقول كلما زاد الطلب وانخفض العرض ارتفع السعر، وهذا ما يحدث للدولار في مصر.
لكن ما هو الحل؟
فرج فودة
ذكرنا أن أسباب الأزمة تتلخص في نضوب المصادر، وبالتالي فإن مواجهة الأزمة تتمثل في تنشيط المصادر والاعتراف بواقع تراجع قيمة الجنيه وفشل السياسات المتبعة وتقيم الجنيه بقيمته الحقيقية التي لا تقل عن 12 جنيه للدولار، هكذا الأمر بكل بساطة، ولكن ما تفعله الحكومة المصرية خلاف ذلك تمامًا، حيث أن الحكومة تلجأ إلى حل المشكلة عن طريق السياسة النقدية “البنك المركزي” ظننا منها أنه الحل الأسرع أو الأسهل، وهذا خطأ كبير ويكلف البلاد فاتورة باهظة.
وظيفة البنك المركزي باختصار هي تنظيم السياسة النقدية والمصرفية والائتمانية، وإصدار أوراق البنوك، وتقدم خدمات مصرفية حكومية، وهو بنك البنوك، وليس من ضمن هذه الوظائف وظيفة مختصة بطبع الدولار أو إيجاد مصادر دولارية مختلفة، وربط الأزمة بالبنك المركزي على أنه المسؤول عنها، هو أمر غير منطقي ويعني التهرب من حل الأزمة.
الأغرب من ذلك هو الحلول الأمنية التي تمثلت في إغلاق الصرافات وصناعة قوانين لحبس المعاملين بالدولار وكذلك القبض على ما سموا بالمتلاعبين بسوق الصرف، وكلها حلول لا تزيد الأزمة إلا اشتعالًا حتى لو تم إخماد نار الأسعار أيامًا لن تلبث كثيرًا وستعود للاشتعال أكثر.
السوق السوداء كبش الفداء
ربما يكون الاتجاه الحكومي نحو حل أزمة الدولار من خلال السياسة النقدية حلًا عاريًا من المنطقية، ولكنه لن يكون كارثيًا كالاتجاه نحو القروض لسد الفجوة التمويلية، حيث أعلنت الحكومة التفاوض على قروض خارجية بقيمة 21 مليار دولار، منها 12 مليار من صندوق النقد الدولي والباقي من مؤسسات مالية دولية، هذه الديون كارثة حقيقية ولن تعالج الأزمة الاقتصادية في البلاد.
لكن كيف لرقم بهذا الحجم ألا يحل الأزمة؟، الإجابة ببساطة هي أن مدفوعات ميزان المدفوعات المصري بالعام الماضي بلغت نحو 87 مليار دولار، وفي حال فرضنا أن الحكومة تمكنت من اقتراض 21 مليار دولار خلال هذا العام، لن يشكل هذا الرقم نسبة تذكر أمام ميزان المدفوعات.
وبحسب التقرير الرسمي الذي قدمه البنك المركزي إلى مجلس النواب عن الحالة الاقتصادية لمصر، فإن أسباب الضغط على سوق الصرف الأجنبي هي: تفاقم واستمرار عجز الموازنة العامة ليصل إلى 279.4 مليار جنية مصري للسنة المالية 2015/2014 مقابل 255.8 مليار جنية مصري للسنة المالية 2013/2014، وفجوة ميزان المدفوعات الحقيقية التي تفوق 24 مليار دولار في العام، وفاتورة الاستيراد التي بلغت نحو 80 مليار دولار في العام، وهذا اعتراف واضح من البنك أن الأزمة ليس لها علاقة بالسوق السوداء.
الأهم من ذلك هو أن مصر حصلت على قروض ومنح وودائع خلال 2015 بقيمة 23.7 مليار دولار ولم يتم حل الأزمة؛ فبأي منطق ننتظر حل الأزمة بهذه القروض؟، وإذا تحسن الوضع هذا العام، ماذا نفعل في الأعوام القادمة؟، وكيف نسدد هذه القروض والبلاد متوقفة تمامًا عن الإنتاج؟!.
بعض التقارير تتحدث عن اتجاه حكومي نحو خفض سعر الجنيه بأكثر من الثلث وصولا إلى ١٢ جنيهًا للدولار، وذلك على أمل الوصول إلى سعر واحد للدولار، وهو ما يعني أن القضاء على السوق السوداء للدولار مستهدفٌ أساسي دون إيجاد حل للأزمة الجذرية ذاتها. حتى الآن فشلت كل الحلول ويتبقى الحل الأخير وهو التعويم الكلي للجنيه، والذي لن يحل الأزمة بدوره أيضًا؛ وباستثناء أنه سيقضي على السوق السوداء – التي لا علاقة لها بتوليد أزمة الدولار- ، إلا أن المشكلة ستستمر كما هي.