دليلك لفهم وتوجيه السلوكيات الجنسية للأطفال حتى 6 سنوات
دخلت نادية على ابنتها سلمى ذات الأربع سنوات في حجرتها فوجدتها تحملق بين ساقيها، فسألتها: «بتبصي على إيه يا حبيبتي؟» فأجابتها سلمى في خجل وارتباك: «ولا حاجة يا ماما» فقالت لها: «إنتي عارفة إنك بتبصي على حتة في جسمك مهمة قوي؟ اللي عملها هو نفسه اللي عمل عينيك وإيدك وبطنك. مين هو؟»، فأجابتها سلمى: «ربنا»، فسألتها أمها: «عارفة عملها ليه؟» صمتت سلمى في انتظار الإجابة، فواصلت الأم كلامها: «عشان في يوم لما تكبري وتتجوزي ويبقى عندك بيبي في بطنك هينزل من هنا، وساعتها تقدري تشيليه وتحضنيه. نفسك تحضني بيبي؟»، فأجابتها سلمى وهي تبتسم «آه»، فاحتضنت نادية طفلتها وقالت لها مبتسمة: «تحضنيه كده؟».
ماذا تفعل لو كنت مكان هذه الأم؟، هل كنت ستنهر طفلك، أم كنت ستنتهز الفرصة لتعطيه معلومات عن هذا العضو من أعضاء جسمه؟، وهل هذا السلوك للفتاة الصغيرة مؤشر على انحراف ميولها الجنسية؟، الحقيقة أنه سلوك طبيعي؛ لأن استكشاف الطفل لأعضاء جسمه، بما فيها الأعضاء التناسلية، واحدة من السمات الطبيعية للأطفال في تلك المرحلة من 3 إلى 6 سنوات. وسنتعرف على باقي السمات في المقال، ولكن لنتعرف أولاً على النمو الجنسي للطفل من الميلاد حتى الثالثة.
النمو الجنسي للطفل من الميلاد حتى ثلاث سنوات (0-3)
يولد الطفل بغريزة جنسية، ولكن حدودها تكون في سعادته بالحب والتدليل من الأب والأم، وبالتلامس الجسدي كالقبل والأحضان والتدليك والدغدغة والحمل والهز. هذا التقارب الجسدي الحميمي والفريد بين الطفل والوالدين يمثل الأساس المبكر لأشكال أخرى أكثر نضوجًا من الحميمية الجسدية والحب، الذي يتطور فيما بعد كجزء من علاقة جنسية ناضجة. أما منذ بلوغه السنة والنصف، فيبدأ تأثره بالمؤثرات الجنسية، ولذلك يجب منذ هذه السن التوقف عن تبديل الملابس أمام الطفل أو أي سلوكيات جنسية كالتقبيل من الفم أو غيرها، أو ربما قبل هذا السن أيضًا إن بدأ طفلك ينتبه ويسأل عما يراه.
النمو الجنسي للطفل من ثلاث إلى ست سنوات (3-6)
في هذه المرحلة تكون لدى الطفل رغبة في اكتشاف أجزاء جسمه، وأجسام أصدقائه وإخوته وحتى والديه. وهو يستكشف أعضاءه التناسلية كما يستكشف باقي أعضاء جسمه كرأسه ويديه إلخ. ولذا قد تراه يلمسها أو يحكها أو يظهرها للآخرين. كذلك قد يلعب الأطفال في هذه السن ألعابًا جنسية، وهي ألعاب تحمل دلالات جنسية عندنا نحن الكبار، مثل لعبة الأب والأم، ولعبة الحصان، و لعبة الطبيب والمريض، كأن يمثل أحدهم دور الطبيب ويطلب من المريض رفع ملابسه ليكشف عليه. وهو سلوك طبيعي، فيجب ألا ننهر الأطفال بسببه، ولكن يجب أن نستغل الفرصة لنوضح لهم الفرق بين الجنسين، ونشرح لهم أهمية الحفاظ على الخصوصية الشخصية واحترام خصوصيات الآخرين، وأن هذه الأجزاء من الجسم لا يصح كشفها لأحد، ثم نشغلهم بلعبة أخرى. وربما يبدأ هذا الفضول بشكل طفيف في المرحلة السابقة.
إثارة الطفل لنفسه
قد يتطور لمس وحك الطفل لأعضائه التناسلية بدافع الفضول إلى القيام بذلك لإثارة نفسه، وهو ما يطلق عليه الاستمناء، حيث يفعل ذلك بيده أو رجله أو وسادة، أو الركوب على أحد إخوته أو أصدقائه كأنه حصان. يفعل الطفل ذلك دون مصاحبة فكر شهواني، ولكن إحساسه أن تلك الحكة تمنحه متعة يدفعه إلى تكرار الفعل. لذلك فإنه من الخطأ نهر الطفل في تلك الحالة؛ لأن ذلك سيدفعه إما إلى معاودة الفعل في الخفاء، أو إلى الكف عن تلك العادة ولكن مع رسوخ فكرة قباحة هذه الأعضاء. والحل هو تحويل اهتمام الطفل إلى أمر آخر، دون أن تعلل طلبك بعدم لمس أعضائه الجنسية بأنها قذرة لأن هذا سيؤذي صورته الذاتية.
ومع أن الأمر طبيعي في هذه المرحلة العمرية، إلا أن استمرار تلذذ الطفل لفترات طويلة بحك أعضائه الجنسية أمر غير مقبول، ليس لأنه دليل على انحراف ميوله الجنسية، ولكن لأنه مؤشر على أنه يعاني من العزلة والإهمال، وأن حياته تخلو من المبهجات المناسبة لسنه، وأنه ربما يلجأ إلى ذلك للحصول على الاهتمام، أو لتهدئة شعوره بالخوف أو التوتر. وهنا يجب التعامل مع السبب الأصلي الذي يدفعه إلى ذلك، أي مشاعر النقص والخوف والإهمال. حدث ذات مرة أن نادت أم ابنتها لتغني أغنية أمام الضيوف، فوقفت الطفلة في منتصف الحجرة محرجة، ثم مدت يدها إلى عضوها التناسلي. أسرعت الأم واحتضنتها بشدة وهي تقول «شكلك نسيتيها، نؤجلها المرة الجاية»، واهتمت الأم بعد ذلك بدعم ثقة ابنتها بنفسها.
التشوق للمعرفة عن الجنس
فيسأل مثلاً عن الفرق بين الذكر والأنثى، حيث يلفت نظره ما يختلف في جسمه عن أجسام الآخرين، ليس فقط من الجنس الآخر ولكن أيضًا من البالغين، مثل سؤال البنت عن الثدي الكبير لأمها، والولد عن اللحية والشارب لأبيه. كما يسأل عن كيفية مجيئه إلى الحياة، وكيفية خروج الطفل من بطن أمه، وما إذا كان من الممكن أن يكون له طفل، وعما يفعله والداه في غرفتهما الخاصة وغيرها من التفاصيل المحرجة في بعض الأحيان.
الميل إلى الجنس الآخر
ويأخذ ذلك عدة أشكال مثل اقتراب الولد من أمه والبنت من أبيها، وتفضيل الجنس الآخر في اللعب والحديث. ومن الشائع في هذا السن أن يحكي لك طفلك عن صديقته وتحكي طفلتك عن صديقتها، وهنا يلاحظ أن الأطفال لا يلصقون بالكلمات نفس المعاني التي نلصقها بها نحن الكبار. ولذلك يتفق الخبراء على التفاعل مع تلك الأخبار بطريقة محايدة، دون أن تشجعه أو تنهره. يكون هذا الميل نحو الجنس الآخر حتى سن السادسة، حيث تأتي بعدها ما يطلق عليها مرحلة الخمول latency، فيتجنب الجنس الآخر ويميل إلى جنسه في اللعب والحديث واختيار الألعاب، ثم يعود الميل إلى الجنس الآخر في مرحلة البلوغ. في مرحلة الخمول تقل كذلك بعض السلوكيات الأخرى كالفضول الجنسي وممارسة الألعاب الجنسية خاصة عند البنات، ولكنها قد تستمر عند بعض الأطفال مع حدوثها بشكل أكثر سرية. وعلى الرغم من أن السلوكيات السابقة طبيعية جدًا في تلك المرحلة، إلا أن الإكثار منها يجب أن يجعلنا أن ننتبه إلى احتمالية تعرض الطفل للتحرش الجنسي.
تكوّن الهوية الجنسية
يستطيع الطفل بداية من سن الثانية إلى الثالثة تقريبًا التفرقة بين جنسه والجنس الآخر من الناحية الجسمانية. ومن أهم العوامل التي تشكل هذه الهوية هو دور الأب بالنسبة للولد، والأم بالنسبة للبنت. ولذلك فإن السبب الأول لاضطراب الهوية الجنسية هو غياب الوالد من نفس الجنس عن طريق الوفاة أو السفر المتواصل أو الإدمان أو العنف أو البرود العاطفي. وقد يرجع كذلك إلى الاتجاه المعادي لدى أحد الوالدين نحو الجنس الآخر.
وبناء الهوية الجنسية للطفل في سنواته الأولى يحتاج إلى الأفعال أكثر من الكلمات، كأن يشرك الأب الولد في شراء طلبات المنزل أو إشراك الأم البنت في أعمال المنزل (أي في الأعمال التي يقوم بها كل منهما، حسب تقسيم الأدوار بين الزوجين). يدخل في إطار تكوين الهوية الجنسية كذلك اعتزاز الطفل بنوعه، ولذلك يجب على الأبوين ألا يميزا أحد الجنسين على الآخر بالأفعال أو بالكلمات، بشكل مباشر أو غير مباشر. مما يسهم أيضًا في تكوين هوية جنسية صحية عند الطفل أن يلمس رضاء كل من والديه عن دوره، وأن يرى علاقة بين والديه يسودها الاحترام والتعاون والحب، فالطفل الذي يرى والديه يعبر كل منهما عن حبه للآخر تكون لديه قدرة أكبر على إرسال الحب واستقباله.
هذه هي تقريبًا أهم سمات النمو الجنسي للطفل في سنواته الأولى. لماذا يهم أن نعرفها؟، يهمنا ذلك، كمربين، لعدة أسباب: حتى نستطيع أن نميز بين السلوكيات الطبيعية والسلوكيات الشاذة التي قد تشير إلى وجود مشكلة نفسية عند الطفل أو تعرضه لتحرش مثلاً، فنتعامل معها دون مبالغة أو تهاون، وحتى نعرف ما ينبغي أن نقوله للطفل عن الجنس في كل مرحلة وكيف نقوله، وهذا ما سنتناوله في المقال القادم إن شاء الله.