مثل الزواج: دليلك للوصول إلى شريك مشروعك الناشئ
وهذه ليست نصيحة مدّثر شيخة فقط، بالنظر إلى العديد من الشركات الناشئة، يمكن إدراك قيمة الشركاء وأهميتهم في رحلة النجاح. لكن الوصول إلى الشريك المناسب ليس سهلًا، لأنّ هذا الشخص سيعمل معك لسنوات عديدة، وسيرافقك في الرحلة في اللحظات الصعبة قبل السعيدة.
الأمر يشبه الزواج؛ لا يصلح الجميع لاختيارهم ليكونوا شركاءك، إذ لا بد من وجود توافق بينكما، يسمح بالاستمرار في العمل. وبدلًا من وجود أطفال، تتوجه المسئولية نحو الموظفين الذين يعملون في الشركة. فإذا لم يحدث توافق بينك وبين الشريك، سيؤدي ذلك إلى كثير من المشكلات، التي قد تنتهي غالبًا بالانفصال.
لماذا تحتاج إلى وجود الشريك في العمل؟
وفقًا لأنتوني روز، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة SeedLegals تحتاج الشركات الناشئة الجديدة إلى ثلاثة أدوار أساسية: خبير المجال؛ الشخص الذي يعرف الصناعة وغالبًا يضع رؤية الشركة. المسئول عن التوصيل؛ الشخص الذي يمكنه بناء المنتج وتسليمه في شكله النهائي. المسئول عن الماليات؛ الشخص الذي يسهم في تحقيق الإيرادات ويجعل هناك فرصة أكبر لنمو الشركة.
من النادر وجود شخص واحد فقط قادر على تنفيذ هذه المهام معًا في الوقت ذاته، إمّا لعدم وجود الإمكانيات اللازمة، أو بسبب التشتت الناتج عن توزيع المجهود. بالتالي يمكن لوجود شريك أو أكثر داخل الشركة تحمّل بعض المهام، فيؤدي هذا إلى التخصصية واستثمار الطاقات الخاصة بكل فرد جيدًا.
كما يعرف الجميع أنّ العمل في الشركات الناشئة كثيرًا ما يكون مرهقًا، على المستوى الجسدي والنفسي، بسبب الخوف من المخاطرة، والعمل المستمر. وكما يقول الشاعر فؤاد حداد: «حمل الليالي أخف، لما يشيلوه اتنين»، ينطبق هذا على وجود شريك في شركتك، يتحمل معك المخاطرة، ويقدم لك الدعم والمساندة دائمًا في اللحظات المختلفة.
ومن ناحية المستثمرين والحاضنات والمسرّعات، غالبًا لا يحبّذون العمل مع روّاد الأعمال المنفردين في شركاتهم، بل يُفضلون الشركات التي يوجد بها أكثر من شريك، لأنّ هذا يكون مطمئنًا أكثر بالنسبة لهم بشأن استمرارية الشركة. بالتالي يسهم وجود الشركاء لزيادة فرصة الاستثمار أو الاحتضان.
كيف تحدد الشريك المناسب؟ 4 أسئلة تساعدك على ذلك
كما يحدث في الزواج، لا يجب عليك التسرّع أبدًا في الاختيار، بل يتطلب الأمر وجود معايير تساعدك على الاختيار، وتضمن لك تعاونًا مثمرًا من اللحظة الأولى للعمل. لذا، من أجل تحديد الشريك المناسب، هناك 4 أسئلة يجب الإجابة عليها لمساعدتك في التحديد:
1- ما المهام الرئيسية في الشركة؟
تختلف طبيعة المهام الرئيسية في الشركات الناشئة طبقًا لنموذج العمل الخاص بها. لذا قبل اختيار أي شخص، عليك تحديد هذه المهام بالنسبة لمشروعك. بعد هذه الخطوة يمكنك التفكير في الطريقة المثلى لتنفيذ هذه المهام، إذ بعضها لا يتطلب شخص يعمل معك باستمرار.
مثلًا لو كانت شركتك تحتاج إلى تصميم موقع إلكتروني، فبدلًا من تعيين شريك متخصص في التكنولوجيا يحصل على نسبة من الحصص في الشركة لتنفيذ الموقع. يمكنك الاستعانة بالمحترفين في تصميم المواقع على مستقل، لينفّذوا المشروع بالصورة التي تريدها، فلا تتحمل التكلفة سوى في البداية فقط.
2- هل تكملان بعضكما البعض؟
في النهاية الهدف الرئيسي من اختيار الشركاء هو إضافة خبرات ومهارات وصفات متنوعة للعمل، وبالتالي لن يكون مفيدًا لك الاستعانة بشريك يجيد تنفيذ نفس المهام التي تقع في مجال تخصصك، فلا يكون هناك فرصة لإثراء العمل من خلال هذه الخبرات.
ليس ضروريًا وجود اختلاف في التخصصات فقط، ولكن كذلك في الشخصيات، بشكل يمكن إدارته. يذكر سميح طوقان مؤسس موقع مكتوب عن هذا الأمر حبه للمخاطرة، بينما شريكه حسام خوري أكثر تعقلًا وهدوءًا في العمل، مما أنتج علاقة تكاملية بينهما في إدارة الشركة.
يتحدث أيضًا مدّثر شيخة المؤسس الشريك لكريم أن معايير اختيار الشريك، تعتمد على كونه يكمّلك في العمل ويعوّض النقص الموجود لديك. يؤدي هذا التنوع إلى أحداث التكامل المطلوب بين الشركاء، سواءً وقع اختيارك على شخص أو أكثر، فالمهم دائمًا تقييم ذلك في إطار التكامل في العمل.
3- هل يمكنكما العمل معًا؟
العمل في شركة ناشئة يختلف عن أي شيء آخر، إذ هناك العديد من التحديات والصعوبات، سواءً أمور مالية أو إدارية في التعامل مع فريق العمل أو غيرها. ومع الفائدة الكبيرة من تنوع الشخصيات، لكن كثيرًا ما ينتج عن هذا العديد من المشكلات في العمل.
أجرى البروفيسور السابق في مدرسة هارفارد للأعمال نعوم واسرمان دراسة على 10 آلاف شركة ناشئة، وخرج منها بنتيجة أنّ 65% من هذه الشركات تفشل بسبب الخلافات بين المؤسسين. قدّم هذه الدراسة في كتابه «معضلات المؤسس: توقع وتجنب المزالق التي يمكن أن تغرق شركة ناشئة».
لذا، يجب التفكير جيدًا في كيفية إدارة الاختلاف مع الشركاء، ومعرفة هل سيؤثر على التعاون بينكم أو لا. على سبيل المثال، هل سيكون لديكم القدرة على إدارة الخلافات؟ أم ستحدث مشكلة قد تؤدي إلى فشل الشركة؟ يمكنك التحكم في الأمر بالحرص على اختيار شركاء يملكون ذات القيم التي تتمتع بها. إذ يعني هذا إمكانية التوافق فيما بينكم في العمل.
4- هل يمكنه الالتزام في العمل معك في المستقبل؟
أنت تؤسس مشروعك برغبة في التوسع والاستمرار في المستقبل، وتأمل من شركائك امتلاك الرغبة ذاتها. لذا حتى مع وجود شركاء يمكنهم التوافق معك في العمل، ويتمتعون بالصفات المناسبة لإنشاء تعاون مثمر فيما بينكم، فهذا ليس كافيًا.
من أهم المعايير في الشركاء هو الاتّفاق في الهدف والطموح، لأنّ المعايير السابقة يمكنها التأسيس للشركة، أمّا هذا المعيار فهو يضمن لك الاستمرارية. لذا، أنت في حاجة لمعرفة إن كان شركاؤك يرون في الشركة مشروعهم المستقبلي، أم مجرّد تجربة وقتية، ثم هناك مسار مهني آخر في انتظارهم.
الوصول إلى الشريك المناسب: 5 نصائح مهمة
بعد الانتهاء من وضع المعايير، يمكنك البدء في البحث عن الأشخاص الذين يحققون هذه المعايير فعلًا، حتى تصل إلى الشريك المناسب لمشروعك. ولأنّه اختيار سيستمر لسنوات عديدة، فلا بد من دراسته جيدًا، ومحاولة التأكد من صواب الاختيار لأعلى مستوى ممكن. لتحقيق ذلك، إليك 5 نصائح مهمة:
1- لا تختر أصدقاءك أو أهلك دون سبب لذلك
يفكّر البعض عند بدء شركة جديدة أن أفضل شيء هو اختيار شخص من قائمة الأصدقاء أو الأهل، وذلك لأنّه يعرفهم مسبقًا، ويظن أنّ التعاون معهم سيكون سهلًا. على الرغم من السهولة المفترضة في هذا الأمر، لكن الواقع يختلف تمامًا.
أولًا يجب أن تفكّر في اختيار شخص قريب منك بناءً على المعايير الخاصة باختيار الشريك، فإذا وجدت هذه المعايير متحققة، يمكنك التفكير في اختياره. ثانيًا فصل العلاقات الشخصية عن العمل ليس سهلًا كما يظن البعض، في النهاية تتأثر هذه العلاقات بأحداث العمل.
لذا، عليك أن تفكّر جيدًا هل ستؤثر علاقتكما على سير الشركة؟ هل سيكون هذا الشريك ملتزمًا تمامًا في عمله أم ربما سيتهاون من منطلق كونه يعمل مع صديقه أو قريبه؟ في النهاية أنت لا تريد النجاح لحياتك المهنية على حساب حياتك الشخصية، أو العكس.
2- شبكة علاقاتك مصدر قوي لك
إذا وجدت شخصًا مناسبًا ليعمل معك من أهلك وأصدقائك، فهذا شيء جيد. لكن إذا كنت لا تفضّل هذا الوضع، وفي الوقت ذاته لا تريد اختيار شخص مجهول تمامًا عنك، يمكنك البدء بالبحث في شبكة علاقاتك، ومعرفة إن كان هناك أشخاص مناسبون بها لاختيارهم.
يمكنك أيضًا المشاركة في الفاعليات المختلفة التي تخص ريادة الأعمال، مثل التدريبات التي تُنظم لمن يملكون أفكارًا للمشاريع، أو المؤتمرات التي يشارك بها العديد من الأفراد، وغيرها من الفاعليات. كذلك يمكنك الاستفادة من المجموعات الموجودة على فيسبوك، والتي تجمع عددًا كبيرًا من روّاد الأعمال.
3- فترة الخطوبة: التعرّف على الشريك عن قرب
عندما بدأ لاري بيدج وسيرجي برين عملهما في تأسيس جوجل، كانا بالفعل يدرسان معًا الدكتوراه في جامعة ستانفورد. قبل تأسيس كريم، كان مدّثر شيخة وماغنوس أولسون يعملان معًا في شركة ماكينزي للاستشارات الدولية. تسهّل معرفة الشريك قبل بدء الشركة من سير العمل دائمًا.
لذا، إذا لم تكن هناك معرفة قوية ومستمرة لفترة طويلة قبل بدء الشركة، فأنت بحاجة إلى فترة خطوبة للتعرّف على شركائك عن قرب. في هذه الفترة يمكنكم التأكد من صحة معايير الاختيار مثل الاتفاق في القيم والأهداف، إذ يساهم هذا في تقليل نسبة الخطأ في الاختيار، ويمكنك من توقع المشكلات المحتملة، أو ربما التفكير في تغيير الشريك تمامًا.
4- الاتّفاق المبدئي على الفكرة والمهام
ربما تتحقق جميع المعايير في الشريك، لكن عند العمل تكتشف رغبته في تنفيذ الفكرة بصورة مختلفة عن التي تفكر بها أنت. أو أنّك مثلًا أتيت به لخبرته في التسويق، لكنّه لا يريد العمل في هذا المجال، وظن أنّه سيشترك في إدارة الشركة.
لتجنّب الافتراضات الخطأ من الطرفين، يمكنكم وضع الاتفاق المبدئي على الفكرة والمهام، والتأكد من فهم كل طرف للمتوقع منه خلال عمل الشركة. يسهم هذا النقاش في القرار النهائي للشخص إن كان يرغب في التواجد كشريك معك أو لا.
من المهم في هذه النقطة أن يكون لديك قدرة التنازل عن بعض المتطلبات، أي لا تركّز على احتياجاتك أنت فقط، وتهمل احتياجات الآخرين. في النهاية وجود الشركاء يمكن أن يكون سببًا في النجاح، فلا بد من الاهتمام بهم وبأفكارهم.
5- الاتّفاق على حصص الملكية
وهي تعتبر الخطوة النهائية في التمهيد لبدء العمل الفعلي داخل الشركة، وهي كذلك الخطوة التي يؤجلها البعض إلى ما بعد تأسيس الشركة. لكنّها تتسبب في مشكلات نتيجة الافتراضات الخطأ لدى بعض الشركاء، وقناعتهم باستحقاق حصص معينة في الشركة أكثر من التي يتوقعها بقية الشركاء.
من ناحية أخرى تعتبر هذه الخطوة بمثابة وسيلة مهمة للحكم على جودة هذه الشراكة، لأنّ الاتفاق فيها على الحصص سيجعلك تعرف طريقة تفكير الآخرين في الأمور المالية، وهو أمر حيوي في استمرارية العمل. يمكنك الاستفادة من مقالنا عن طريقة توزيع حصص الملكية بين الشركاء للمساعدة في إتمام هذه الخطوة.
تقول الحكمة: «اختر الرفيق قبل الطريق» فهو الذي سيعينك في العبور. ورحلة ريادة الأعمال وتأسيس شركة ناشئة ليست سهلة، بل تمتلئ دائمًا بالصعوبات والتحديات. لذا، تمهّل جيدًا عند اختيار الشركاء المناسبين، حتى يمكنك تأسيس شركة قادرة على النجاح والاستمرارية.