دليلك الشامل للقراءة في فلسفة العلم
يتحدث الجميع عن العلوم، فرضيات هنا ونظريات هناك. يمتلئ الجميع شغفًا عندما يصل الحديث إلى نظريات العلم الصادمة كالتطور وميكانيكا الكم ويبدأون في التشدق بأسماء مخضرمة وسرد الحكايات عن التجارب العقلية المعقدة والمضحكة في آن. تسير بك القراءة في العلم إلى رغبة ملحة أعمق في فهم الفكرة وراء كل ذلك. لا يكفيك التندر، بل تنشد الاستيعاب الحقيقي، ما المعنى؟
ليس المعنى فقط ما يؤرقك. هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها. هل كل المعرفة الصحيحة علمية؟ هل كل المعرفة العلمية صحيحة؟ ما الفارق بينهما؟ كيف تطور العلم وما المنطق الذي يتضمنه؟ لماذا الطريقة العلمية؟
والأهم بالطبع، هل يصدق أن العلم يسير كخط مستقيم بلا انحناءات ولا نقد حتى من داخل دوائره؟ هل يصدق أن العلم لا يتأثر بطبيعتنا البشرية من عيوب وأخطاء وتحيزات؟ وإن لم يصدق ذلك فكيف نستطيع إعادته إلى سيره المستقيم؟
الكثير الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهن المرء عند محاولته فهم الطبقة الأعمق من المعرفة العلمية.. معرفة فلسفتها.
لا نفترض بأي حال أن هذه القائمة من الكتب المذكورة أدناه تمثل القائمة الكافية الشافية في هذا المضمار. ما القائمة إلا مفتاحًا مبدئيًا يعطيك بداية الخط في رحلتك. بعض هذه الكتب سيصبح سطحيًا بالنسبة إليك -بعدما تتمرس في الموضوع بالطبع- إلا أنه يعمل بشكل فعال في تقديم الفكرة إلى ذهن لما يتم تمرينه بعد.
ستجد في كل مستوى عدة كتب ننصح بالتعرف عليها لأن قدرات البشر لا تتطابق. ما بين مفضل للقراءة بالعربية ومفضل للإنجليزية وما بين الجديد تمامًا على الموضوع ومطلع على بعض أصوله، وما بين قارئ ذي خلفية علمية وقارئ ذي خلفية فلسفية، تبدأ الترشيحات في العمل بشكل مختلف لكل منا.
هكذا تصبح الترشيحات التي بين أيدينا دليلًا يحاول أن يشملنا جميعًا. هكذا ننصحك بإلقاء نظرة والتعرف على ما كل ما فيه ثم اختيار ما يناسبك.
لنبدأ الرحلة الرائعة إذن من أول محطاتها.
انتقال سلس
أنا لم أقرأ في فلسفة العلم أبدًا ولا أعرف ما هي. ماذا على أن أقرأ؟
إذا لم يسبق لك التعرف على أي من أفكار فلسفة العلم مسبقًا فسيكون كتاب «فلسفة العلم في القرن العشرين» ليمنى طريف الخولي على قدر من الإفادة. لا يعد الكتاب مرجعًا تفصيليًا في فلسفة العلوم ولا مصدرًا حياديًا من ناحية التأريخ، إلا أنه سيقوم بوظيفة تمرين عقلك على المصطلحات الابتدائية والأفكار العامة. سيتمكن هذا الكتاب من امتصاص صدمتك الأولى. صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة عالم المعرفة الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والآداب بالكويت.
مع هذا فعليك أن تتعامل معه بحذر ولا تسارع بتبني مواقف فكرية أو تاريخية بناء عليه فقط. وإن وجدت في عقلك المرونة الكافية لتلقي الأفكار الجديدة والصبر على فهمها، ربما كان من الأفضل عدم إضاعة الوقت فيه واستثمار الوقت في الكتاب الثاني.
يأتي الكتاب الثاني ليحدثنا عن التفلسف العلمي عوضًا عن تاريخ فلسفة العلوم كما في الكتاب الأول. في هذا الكتاب ستتمكن من فهم القضايا الأساسية التي سيناقشها فلاسفة العلوم طوال الوقت مختلفين أو متفقين فيها. هذا الكتاب هو «فلسفة العلم-مقدمة معاصرة» لأليكس روزنبرج الصادر عن المركز القومي للترجمة. الآن بدأت الرحلة المعرفية الحقيقية.
نصل هنا إلى الكتاب الثالث. في كتاب دونالد جيليز المعنون «فلسفة العلم في القرن العشرين» الصادر بترجمته العربية عن دار التنوير، تجد أمامك مدخلًا فلسفيًا لفهم العلم. نعني بذلك أن جيليز يبدأ بتفسير تطورات أفكار فلسفة العلوم كأحد فروع الفلسفة التي تشارك باقي الفلسفات الأخرى في الأسس المنطقية. بروية يتحرك جيليز من الجذور الفلسفية إلى الفروع العلمية ممثلة في الفيزياء.
تختلف مقدمات فلسفة العلوم باللغة العربية عن مثيلاتها باللغة الإنجليزية. تصبح المفردات فجأة أكثر أكاديمية، وبالتالي توحي بصعوبة خداعة، إلا أن هذا الشعور لا يتعدى كونه وهمًا لا تدعه يثبط عزيمتك. إذا كنت من مفضلي القراءة باللغة الإنجليزية فالطريق مفتوح أمامك، إما قراءة الكتب المترجمة بلغتها الأصلية ككتاب روزنبرج، أو الخوض في كتب لما يتم ترجمتها بعد مثل أليكساندر بيرد Alexander Bird – Philosophy of science الذي يعد وجبة شهية ومختصرة وواضحة، لكنه مبالغ في الاختصار لدرجة لا تجعله أكثر من مقدمة لا يجوز التوقف عندها، أو الكتاب الرائع في محتواه وشرحه لفلسفات العلم الكلاسيكية لجون لوس John Losse – A historical introduction to the philosophy of science، والذي قد يتطلب بعض الدراية بمستوى فوق المتوسط في اللغة الإنجليزية.
هكذا تحدثنا عن الكتب التي تناسب استهلال طريقك نحو فهم فلسفة العلم، وذكرنا ما لها وما عليها، مما يتيح لك تقييم قدراتك ومستواك ومعدل الجهد المطلوب، والاختيار بناء على ذلك.
بعض التفصيل لن يضر
لدي معرفة جيدة بالأفكار العامة لفلسفة العلوم، ولكني أريد بعض المعرفة التفصيلية. ماذا أقرأ؟
ها قد أتممت المرحلة الأولى في التعرف على تاريخ فلسفة العلوم وجغرافية أفكارها. حان الآن موعد التعرف على مدارسها ومبدعيها على مر تاريخهم بشيء من التدقيق والتيكنيكية. هنا ستبدأ في تعلم كيف تمارس أنت التفلسف العلمي كما مارسه هؤلاء، كل هذا بواسطة معرفة أدواتهم. بنهاية هذه المرحلة ستكون معرفتك بفلسفة العلم قد نضجت، شريطة أن تكون قد أتمتتها بفهم حقيقي، ونقاش ذهني حقيقي تقيمه مع المواد التي تقرأ.
لا تنس أن تبدأ بتقييم كل مدرسة فلسفية بعد أن تقرأ عن أفكارها أكثر من مصدر. سجل اعتراضاتك على أفكارها واتفاقك معها. جادلها وبيِّن أخطاءها ومواضع إبداعها قبل أن تقرأ النقد الجاهز لها أو الإشادة بها. سيساعدك الأمر في تكوين عقلية فلسفية حقيقية. لنبدأ إذن الجولة الثانية.
ينتقل بنا فيليب فرانك في كتابه «فلسفة العلم-الصلة بين العلم والفلسفة» بسلاسة شديدة من نظرية فلسفة العلم إلى تطبيقاتها في الفيزياء والعلوم الرياضية متمثلة في الهندسة. يسير بنا فرانك في أدغال تفسير الظواهر الطبيعية – مسرح العلم- ليقوم باستنتاج الفلسفة الكامنة وراء هذه التفسيرات. يسأل فرانك في كتابه كل الأسئلة المحرجة التي سألها فلاسفة العلوم وأرقت منامهم، فقاموا بإبداع مدارسهم. يأتي هذا الإصدار من المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
ستتعلم أيضًا في هذا الكتاب الكثير من المصطلحات التقنية الخاصة بفلسفة العلم. تلك المصطلحات التي بمجرد أن تفهمها جيدًا ستشعر بمعرفتك تتعمق آنيًا. لا يمكن القول إنه كتاب سهل، لكنه من أهم الكتب التي يتطلبها تعميق وتطوير المعرفة بعد مستوى المبتدئ. حاول أن تتعامل معه بروية ودون استعجال.
يعرض الكتاب التالي، وهو «مدخل إلى فلسفة العلوم» لمحمد عابد الجابري، مخططًا تقليديًا إلى حد ما في دراسته لفلسفة العلوم، حيث يتناول الرياضيات وفلسفتها على حدة والفيزياء وفلسفتها على حدة. أما الجزء الرياضي فهو يتناول المعرفة العلمية كجزء من نظرية المعرفة الأم، وبالتالي كان الجزء الأول منطقيًا بحتًا. أما في الجزء الثاني فقد توسع الجابري في تحليل التجريبية على مر التاريخ إلى أن وصلنا للعلم الحديث. صدر الكتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية.
أما المميز جدًا لكتاب الجابري فإنه قسم النصوص الذي يورده في نهاية كل قسم للأعمال والكتب التي اعتمد عليها في تحليله وتأريخه، وهي مصادر أولى كتبها الفلاسفة أنفسهم.
بعد إنهاء كتابي فرانك والجابري (مسبوقين بمدارس فلسفة العلوم الكلاسيكية في كتاب لوس) ستتبلور لديك فكرة واضحة وعميقة للغاية عن تسلسل مدارس الفكر الفلسفي العلمي ونقاط اتحادهم وصراعهم.
هنا يأتي دور الكتابة المقالية في رحلتك.
اكتشف نفسك
أنت الآن في مرحلة قراءة الآراء المختلفة دون قلق. لديك الخلفية المعرفية الكافية لتقييم وتحليل مختلف الآراء ولا يتبقى إلا أن تنهل من مذهب معين تختاره أو تبحث في رأي معين أثار انتباهك. ليس هذا فقط، بل ستبدأ في اكتشاف الخبايا الكامنة داخل الفلسفات المختلفة بالقراءة المتخصصة فيها.
كيف تستطيع اختيار الموضوع؟ من الكتب المقالية.
تعتمد فكرة الكتب المقالية على أن مجموعة من الكتاب يتناول كل منهم موضوعًا ما ويشرع في الكتابة عنه منبهًا على نقطة أو مركزًا على خطأ أو موضحًا لفكرة. لا يرتبط كل مقال من هذه المقالات بالآخر إلا في نطاق كونها تحت مظلة مجال واحد. ولديك دائمًا رفاهية اختيار قراءة مقالات دون الأخرى، وإن كانت القراءة الكاملة دائمًا ما تحمل مفاجآت رائعة معرفيًا لم نكن نتوقعها.
من هذه الكتب ستجد كتاب «المعرفة العلمية» من سلسلة دفاتر فلسفية التي تبنت نشرها دار توبقال للنشر، وبالطبع دليل دار نشر بلاكويل الشهيرة A companion to the philosophy of science. بالطبع إذا كنت من الراغبين في تحدٍ حقيقي في هذه المرحلة فربما عليك أن تلقي نظرة على كتاب باروخ برودي «قراءات في فلسفة العلوم».
لا يجوز أن نختم حديثنا في فلسفة العلوم دون الإشارة لكتاب عبد الرحمن بدوي «مناهج البحث العلمي» الصادر عن وكالة المطبوعات. هذا النص الذي أثبت أنه يصلح للقراءة مهما كان مستواك، ولا يمكن المبالغة أبدًا في تقرير أهميته للقارئ. يعمل هذا الكتاب كبطانة أساسية للعقل الذي سيحاول البحث في العلوم، سواء كممارس أو فيلسوف أو حتى كهاوٍ. يمكننا القول إن قراءة هذا الكتاب هي الأساس الأكثر أهمية لبناء عقل يدرك ما هو العلم الذي تدور كل هذه الفلسفات حوله.
نتمنى أن تحتوي هذه القائمة على ما يفيدك ونشدد على أن المعرفة جهد، جهد لا يضني بقدر ما يمتع العقل الراغب فيه بصدق. هكذا يصبح لديك خريطة بإمكانك استخدامها لاكتشاف ما هو أكثر منها وأعظم منها. وبالطبع ننتظر منك أيضًا رأيك إذا ما قمت بمطالعة أي من هذه الكتب أو بالإضافة إليها.