دليلك لاستكشاف سماء ليل الوطن العربي – مارس/آذار 2018

ترتفع درجات الحرارة شيئًا فشيئًا لتفتح لنا الباب للربيع الذي يحل في الثلث الأخير من مارس. لا يزال الجبار، في تلك الأثناء مسيطرًا على ساحة السماء ليلًا، لكن منافسًا بديعًا آخر يظهر في الأفق ويكتسب ارتفاعًا يومًا بعد يوم، إنه العقرب الصيفي، عدو الجبار اللدود، وبينهما تتنوع سماء مارس بين ألمع نجوم السماء وأكثرها خفوتًا.

أهم الأحداث

4 مارس

فرصة بديعة بعد الغروب مباشرة، أو أثناءه، لالتقاط الرفيقين (الزهرة، وعطارد) يقفان جنبًا إلى جنب في الأفق الغربي، لن يستمر المشهد البديع كثيرًا، ليس أكثر من عدة دقائق باقتراب حلول الظلام، وسوف يمثل ذلك تحديًا للمبتدئين، لكنه تحدٍ ممتع. عطارد سوف يكون مائلًا بدرجة أكبر للون البرتقالي، وهو الأقل في اللمعان.

4 مارس أيضًا

يخرج القمر من الأفق الغربي حول العاشرة مساءً على مسافة قصيرة من نجم السماك الأعزل Spica، في الجهة المقابلة يقف السماك الرامح Arcturus ليظهر وكأن القمر يقف بين السماكين، السماك الأعزل هو نجم أبيض إلى أزرق يمكنك مع بعض التأمل أن تلاحظ ميله للون الأزرق.

6 مارس

بحلول نهاية اليوم، وقبل انتصاف الليل، يشرق القمر وإلى جواره على مسافة قصيرة جرمًا لامعًا أبيض اللون، هذا الجرم هو كوكب المشتري، لك أن تتخيل أن تلك النجمة اللامعة هناك يمكن أن تحمل داخلها 50 بلية صغيرة بحجم هذا القمر الواقف إلى جوارها.

7 مارس

القمر يقف في منزلة الإكليل، وهي مجموعة النجوم الثلاثة التي تمثل مخالب العقرب في كوكبة العقرب، كذلك يتجهز القمر، كما ترى، لأيام الرقص بين الكواكب والنجوم اللامعة.

9 مارس

قبل الفجر، القمر يقف إلى جوار قلب العقرب Antares، ألمع نجوم كوكبة العقرب Scorpius، يمكن لك، بأعلى مكان ممكن من المنزل، أن تلاحظ أن لحظات شروق قلب العقرب، هي نفسها لحظات غروب كوكبة الجبار، لذلك تصور القدماء أنهما عدوين لدودين، إن اختفى هذا ظهر ذاك.

10 مارس

قبل الفجر، يستمر القمر في قفزاته بين الكواكب، هذه المرة يقف على مسافة قصيرة جدًا من كوكب المريخ الأحمر، والذي ينافس بلمعانه اللون الأحمر الخاص بقلب العقرب، والذي تعلمنا عنه بعض الشيء بالأمس، خلال الأشهر القليلة القادمة سيبدأ قلب العقرب باكتساب المزيد من الارتفاع.

11 مارس

قبل الفجر، يتم القمر قفزاته بين نجوم وكواكب الفجر في مارس بقفزة أخيرة على مقربة من الرائع زحل، والذي يظهر بلون مائل للأصفر، حينما نقف على كوكب زحل فقد تخطينا بالفعل حاجز مليار كيلومتر بعيدًا عن الأرض، إنه نقطة لا عودة ربما.

15 مارس

أفضل فرصة لرؤية كوكب عطارد هي حينما يكون في أقصى استطالة غربية أو شرقية، ويمكن لك مع غروب شمس 15 مارس أن تلتقط تلك الفرصة، سوف يبقى القمر بعد الغروب لمدة تزيد على ساعة، حتى أنه سيبقى في الظلام قليلًا، بالأسفل منه تجد الزهرة اللامع، في مشهد لا يمكن تفويته.

19 مارس

أحد أكثر مشاهد مارس إمتاعًا ستكون لا شك أن ترافق القمر الجديد بإضاءة 5% فقط وهو واقف على مسافة ليست بقصيرة جدًا من الرفيقين بالأسفل (عطارد والزهرة)، قبلها بيوم يكون القمر أسفل الزهرة بإضاءة 1.5% فقط، يحتاج الأمر إذن لنظارة معظمة.

21 مارس

في تمام الساعة 06:15 مساءً بتوقيت مصر تتعامد الشمس تمامًا على خط الاستواء، ويبدأ فصل الربيع.

22 مارس

28 مارس

ألمع نجوم الشهر

علامات رصدية

وما يجعل مارس أكثر متعة من غيره هو أنه شهر يخلط بين نجوم الفصول المحببة للقلب، فبعد الغروب مباشرة تظهر السماء الشتوية الممتعة بكل ما فيها من نجوم لامعة، خاصة منطقة الجبار. لكن ما إن يحل منتصف الليل حتى يختفي ذلك كله وتظهر أجزاء من سماء الربيع، والتي يقودها الدب الأكبر الرائع، ذلك الذي يمكننا من رؤية الكثير من مكونات السماء الأخرى.

لكن اهتمامنا هذه المرة سوف ينصب على واحدة فقط من تلك الروائع الربيعية، ورغم أنها تقع ضمن قائمة أكثر الأجرام خفوتًا، فإنها أكبر كوكبة معروفة الآن، تبلغ مساحتها حوالي 1300 درجة مربعة، إنها كوكبة الشجاع Hydra، ويمكن لك تتبع حدودها بسهولة رغم خفوت نجومها الشديد، لكن أولًا دعنا نبدأ من الدب الأكبر Ursa major، حيث سوف نستخدم ذيله للوصول عبر قاعدة (Arc to Arcturus, Spike to spica) التي تعلمناها من قبل لكي نصل في النهاية إلى أحد أجمل وأصغر كوكبات السماء، إنها الغراب Corvus. ذلك هو جانب الكوكبة الأيسر.

ولكي نتعلم عن حدودها جهة اليمين يمكن لنا أن نستخدم الدليلين، النجمين اللذين يشيران بالأعلى إلى النجم القطبي، لكننا سوف نوجههما بخط للأسفل حتى نلتقي بقلب الأسد، أو المليك، تحدثنا عنه قبل قليل في أهم الأحداث، بعد ذلك نستكمل مد الخط على استقامته، تقريبًا، حتى نصل إلى نجم الفرد Alphard، وهو ألمع نجوم كوكبة الشجاع، تراه بوضوح في ليلة صافية.

وتسمية الفرد مناسبة للغاية في الحقيقة، وتعني «الوحيد من نوعه»، ويقصد بها أنه على خفوت النجم، حيث يقع عند القدر الظاهري 2.0، نفس لمعان النجم القطبي تقريبًا، لكنه هو الألمع في تلك المنطقة، لا يحيط به إلا مجموعة من النجوم الأكثر خفوتًا بفارق واضح، ما يجعله بالفعل «فردًا»، ثم مع تأمله قليلًا سوف تجد أنه مائل للون البرتقالي، والذي يتضح أكثر حينما تستخدم نظارة معظمة، رغم ذلك فهو أكثر لمعانًا من الشمس – تخيّل معي – بـ 115 مرة!

أما عن رأس هذا الثعبان الأطول في سماء الليل فتتكون من عدة نجوم تصنع ما يشبه الدائرة، ألمعها هو زيتا بقدر ظاهري 3.1، أما دلتا فيقع عند عند قدر ظاهري 4.2، ثم إيتا عند قدر ظاهري 4.3، ثم إيبسيلون عند قدر ظاهري 3.4، زيتا هو نجم برتقالي لكن البقية هي نجوم بيضاء، يمكن لك متابعة تلك الحلقة الجميلة بشكل أفضل مع استخدام نظارة معظمة، كذلك سوف يتضح الفارق اللوني بين زيتا والبقية بسهولة.

الرفيق إيبسلون من تلك المجموعة هو كذلك حالة خاصة، فهو ليس نجمًا واحدًا ولكنه نجم مزدوج، رفيقه من القدر السابع، ويمكن التقاطه بسهولة مع تلسكوب متوسط، ثم نجد بعد ذلك أن كلًا من النجمين له رفيق يدور حوله، الرفيق اللامع على مسافة نعرف أنها 800 مليون كيلومتر في دورة كاملة كل 15 عامًا، أما المجموع الرئيسي للنجوم الأربعة فيدور حول نفسه مرة كل حوالي 900 عام، دورة كاملة تكفي الأرض لتمر بما يعادل سُبع حضارتنا مثلًا ّ!

يمكنك كذلك، في الليلات غير القمرية، أن تستغل الفرصة مع وجود نظارة معظمة وتلتقط مجموعة أخرى من الكوكبات الخافتة، الباطية Crater مثلًا ستجدها بسهولة إلى جوار الغراب، على مسافة قصيرة، تنام على جسد الثعبان الضخم، ثم إلى يسارها كوكبة السدس Sextans، سوف يكون ذلك رائعًا، لطالما تصورت أن اقتناص النجوم الخافتة هو أروع تحدٍ لهواة الفلك.

علامات تلسكوبية

دعنا هذه المرة نركز على عشرة أجرام يمكن لك اصطيادها بسهولة في سماء مارس، سوف نضع كذلك ملاحظات مهمة بجوار كل جرم منها، ويمكن لك أن تبتكر خطة ممتعة لتقسيمها على مدى الشهر كله، والأفضل، كما أظن، هو أن تضع ليلة كاملة أو ليلتين لتتبع كامل المجموعة مع بقية العلامات الرصدية التي تحدثنا عنها، كذلك يمكنك استخدام أطلس Deep Sky Hunter مع قائمة الأجرام الخاصة به، إذا أردت الدخول لما هو أعمق من ذلك.

حكايات النجوم

حينما قرر أبولو، إله الشمس، الموسيقى، والرماية، أن يسافر في مهمة، ترك الغراب Corvus الأبيض الجميل ليرعى كورونيس التي أحبها كثيرًا، ويراقبها، لكن كورونيس كانت قد فقدت الاهتمام بأبولو ووقعت في حب أيشيس البشري لشجاعته، حتّى أنها حملت منه، هنا أخبر الغراب أبولو بما حدث، فقرر حرق كورونيس وجنينها، لكنه قبل ذلك كان غاضبًا جدًا حينما سمع الخبر لدرجة أنه – من شدة الغضب – نفث لعنته في وجه الغراب فاحترق ريشه الأبيض وأصبح أسود، وظل كذلك للأبد!