دليلك الشامل لفهم سوق الانتقالات الأوروبية
بعد أن كَتب وصيته الأخيرة التي وزع فيها تركته المتبقية على من يستحقها، لفظ الموسم الكروي أنفاسه الأخيرة قبل عدة أيام بإعلانه ريال مدريد بطلًا في نهائي دوري أبطال أوروبا بعد تغلبه على يوفنتوس الإيطالي. ضجة الخبر دامت لبضعة أيام، وعادت الحياة إلى طبيعتها للتفكر فيما هو آت، وكما جرت العادة في اللعبة، تعتبر الخطوة التي تلي نهاية الموسم هي الأكثر أهمية، فالقطاف قد انتهى وحان الأوان للتفكير بتعزيز إنتاجية محصولك أو تحسين جودته.
ومع افتتاح نافذة الانتقالات، يُقال لنا بداية كل سوق إن هذه النافذة هي الأهم والأشرس على الإطلاق، لأن الأموال تزداد مع كل موسم جديد، و تُصرَف بدون رادع أو سقف محدد للإنفاق مِن قبل مَن يُفترض أنهم معنيون باللعبة ويكترثون لأمرها. فسوق الانتقالات تكاد تكون أشبه ساحة حرب وهمية، حيث لا مكان فيها للشجعان كما أخبرونا في الأساطير، فالنصر في هذه الحرب دائمًا ما يكون للأقوياء. لكن لن نناقش اليوم قانون اللعب المالي النظيف الذي يؤثر في خيارات بعض الأندية، ولن نستعرض الأرقام الفلكية والجنون المبالغ به لأسعار اللاعبين، بل سنتكلم عن بعض الأفكار والتفاصيل التي تشغل جمهور اللعبة بكافة توجهاته واهتماماته، وسنذكر العوامل التي تتحكم في سعر الصفقات.
موناكو، بوصلة السوق ووجهته الأولى
هناك حكمة مشهورة تقول«لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد واحدة» وموناكو اتبع هذا النهج منذ التحول الواضح في استراتيجية الملياردير الروسي «ديمتري ريبولوفليف» في إدارته للمشروع الفرنسي، موناكو وخلال محاولته بناء فريق قوي اصطدم بعد صرفه لما يقارب 150 مليون يورو عام 2013 بالواقع الفرنسي الذي ينقصه العوائد المالية الكبيرة مقارنة بأندية البريمرليج وقطبي الليجا، لذلك قرر النادي الاستغناء عن النجوم والبدء بمشروع آخر يعتمد على المواهب الصغيرة والتي لا تكلف النادي أموالًا طائلة. وفي الموسم الحالي بدأ الحصاد المثمر، فاستحوذ موناكو على قدر كبير من الاهتمام المحلي والقاري بسبب الأداء المميز لعناصره الشابة، وكسرهم لقيد الهيمنة الباريسية على لقب الدوري الفرنسي الذي تاه عن طرقات استاد لويس الثاني 17 عامًا. لكن ماذا سيحصل في سوق الانتقالات؟ ماذا سيحل بموناكو وبأندية الوسط الطامحة للمنافسة؟
قبل انتهاء الموسم بأشهر و حتى قبل افتتاح السوق بشكل رسمي في بداية الشهر الحالي، ما زالت الأخبار والإشاعات تربط أهم عناصر موناكو بأندية أخرى وخاصة أندية البريمرليج، بدأت تكثر الإشاعات عن «باكايوكو» وانتقاله لنادي تشيلسي، واستطاع السيتي حسم صفقة «بيرناردو سيلفا» أحد أبرز جواهر نادي الإمارة الفرنسية بمبلغ 43 مليون باوند. ليس سيلفا وحده، بل هناك أحاديث عن اهتمام مماثل من قبل السيتي بكل من الظهير «بنجامين ميندي» ولاعب الوسط «فابينيو»، وكل هذه الأسماء ستكلف خزينة «الشيخ منصور» الكثير من الأموال الطائلة من أجل إعادة السيتي ومدربه «جوارديولا» إلى مركز الصدارة.
الـمان سيتي، مثال جيد لفهم بعض التفاصيل
أن يهتم أحد كبار البريمرليج بأحد لاعبيك فهذا أمر يجلب السرور والتعاسة في آن واحد، إن كنت من أندية الوسط التي ترضى بواقعها فإنك ستكون سعيدًا بلا أدنى شك، لأن الوجهة الإنجليزية دائمًا ما تجلب أموالاً إضافية لخزينتك بسبب غنى الإنجليز ووفرة أموالهم، أما إن كنت من الأندية التي لديها الطموح بالمنافسة والاستمرار بنفس القوة مثل موناكو، هذا يعني أنك لن تكون سعيدًا بهذا الاهتمام بسبب عدم قدرتك على مقارعة ومجاراة الكبار ماليًا، ولن تتمكن من الحفاظ على نجوم فريقك بسبب الإغراءات الكبيرة.
في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الرياضية يكثر الحديث عن المبالغ المهولة التي تدفعها الأندية وعن أحقية المبلغ الذي دُفِع في هذا اللاعب أو ذاك. لكن كيف تتحدد قيمة الصفقة؟ وكيف يخرج أحدنا من خلف شاشته ليقول إن اللاعب الفلاني لا يستحق 20 مليون دولار على أكثر تقدير! كيف له أن يحدد قيمة الصفقة دون إلمامه بخفايا السوق الكروية وشروط عقد اللاعب ومرتبه أو شرطه الجزائي؟
القيمة المادية للصفقة تتعلق بعوامل عديدة وليس هناك معايير ثابتة تنطبق على الجميع، فتتعلق الصفقة بعمر اللاعب وتاريخه الطبي مع الإصابات، وفي بعض الأحيان تتأثر بسلوكه الانضباطي، بالإضافة لعدة أمور أخرى مثل، هل اللاعب في مقتبل العمر أم في منتصف الطريق ولم تنفجر موهبته بعد، أم في نهاية مسيرته المهنية ويمكن أن يستمر بنفس الجودة لعامين أو أكثر!
لكن أهم العوامل تحدد قيمة الصفقة هي رغبة النادي بالشراء وحاجته للاعب، لأن السوق الكروي ليس مختلفًا عن مفهوم السوق الذي يحكمه ويحركه العرض والطلب والذي يعد العصب الرئيسي لهذه العملية. فالسيتي اشترى «كلاوديو برافو» بمبلغ يقارب 20 مليون يورو رغم تقدمه في العمر و وصوله إلى سن الـ33، وهذه الصفقة لن يخطوها أي نادٍ آخر في مستوى أقل من مان سيتي، لكن ما حكم هنا وجعل الصفقة ممكنة الحدوث هو حاجة جوارديولا الماسة لحارس يلعب بقدميه بشكل مميز.
الكبير كبير والنص نص
الأمر الآخر الذي يؤثر في قيمة الصفقة بشكل كبير، هو اسم النادي وحجمه وموهبة اللاعب وقدراته، أن تتسوق من ريال مدريد وبرشلونة أو تبيعهما، ليس كما تبيع أو تشتري من فياريال وهيرتا برلين، ذهابك لابتياع الطعام من أحد الأكشاك على قارعة الطريق، ليس كذهابك لأكل الطعام ذاته من مطعم فاخر بخمس نجوم. لذلك سوق الانتقالات ليس مختلفا عن مفهوم السوق ولا سيما في الجزء العلوي من الهرم الكروي، حيث يوجد عدد قليل من المتسوقين الجديين تنحصر فيما بينهم أفضل الخيارات المتواجدة في السوق.
الجوهرة النفيسة التي لا تشبه أحدًا ولا أحد يشبهها لها روادها القلائل ممن يستطيعون تدبر شئونهم المالية بلا أي حرج للحصول عليها، والقطعة العادية تسرق اهتمام الكثير من الأندية المتوسطة والصغيرة التي تسعى لاصطياد الموهبة والظفر بها. وهذه هي سوق الانتقالات، تكشف عن الطبقات المتباينة بين الأندية كما الحال في المجتمع. وخير مثال على ذلك هو البلجيكي «كيفين دي بروين» لاعب مانشستر سيتي الحالي، دي بروين كان قد انتقل من تشيلسي إلى فولفسبورج عام 2013 بمبلغ وصل إلى 22 مليون يورو، وهو مبلغ قليل نسبيًا مقارنة بموهبته، لكن لم يكن هناك أندية كبرى تنافس فولفسبورج على اللاعب ولذلك كانت قيمة الصفقة منخفضة. لكن بعد عام ونصف في البوندسليجا ومع استمرار تألقه وتقديمه لمردود مميز، ازداد الاهتمام بخدمات البلجيكي من الأندية الكبرى وأصبح هناك صراع حميم للحصول على توقيعه، وهذا ما أدى إلى مضاعفة مبلغ الانتقال ووصوله إلى 75 مليون يورو.
أموال إنجلترا تصعب الأمور على الإنجليز أنفسهم
البعض يعتقد أن الصفقة تتم بسرعة، لكن حقيقة الأمر أنها قد تطول بسبب المشاورات والمفاوضات التي تمتد لأسابيع وأشهر لأنها عملية من شقين مترابطين، الشق الأول يجس فيه النادي الشاري نبض وكيل أعمال اللاعب ويبحث عن موافقة مبدئية قبل التوجه إلى النادي البائع، وتتضمن لاحقًا الإتفاق على البنود الشخصية التي تحتوي على عدد كبير من التفاصيل والشروط، أما الشق الثاني، يتم فيه تقديم عرض رسمي ربما يتم رفضه مرات عديدة في حال كان يريد النادي الحفاظ على لاعبه إن كان بحاجته. كلا الطرفين سواء كان النادي أو الوكيل يسعيان للحصول على أكبر عدد من الأرقام والأصفار المتتالية في حال كان هناك نية في البيع أو الانتقال.
أما البعض الآخر يقيس موضوع السوق وفترة الانتقالات بقيمة الصفقة فقط ويتناسون الراتب السنوي الذي يُعد هو العامل الأبرز خلال مناقشة الصفقة بين النادي ووكيل اللاعب. هناك أندية اتفقت مع لاعبين وأنهت تفاصيل الصفقة ولم يتبق إلا توقيع العقد، وفي النهاية خسرت اللاعب بسبب تقديم نادٍ آخر لراتب أكبر، وسيخبرك في النهاية أنني حلمت منذ الطفولة بارتداء قميص هذا النادي، كما في حالة «ويليان» لاعب تشلسي الحالي، الذي رفض توقيع عقده مع توتنهام في اللحظات الأخيرة بعد اتصال من تشيلسي، وقال فيما بعد إنه القرار الأفضل في حياته.
جون ستونز – مدافع مانشستر سيتي
الجميع في إنجلترا يعاني إن كان البيع داخليًا ضمن البريميرليج، لأن جميع الأندية أصبح بإمكانها رفض عروض كانوا يحلمون بنصفها فيما سبق. على سبيل المثال، «جون ستونز» انتقل من إيفرتون إلى مان سيتي بصفقة قياسية لأنه كان صفقة داخلية وليس خارجية، إيفرتون رفض مبالغ طائلة من تشيلسي الذي كان جديًا في مسعاه من أجل الحصول على خدماته، وذلك بهدف تعويض القائد جون تيري كلاعب إنجليزي محلي، لكن مان سيتي كان لديه الرغبة ذاتها أيضًا، واستطاع تليين موقف إيفرتون بدفعه كمية كبيرة من الأموال وصلت إلى 56 مليون يورو جعلت من ستونز أغلى مدافع في تاريخ اللعبة.
فاكس دي خيا المتأخر
أموال الصفقة لا تُدفع دائمًا بشكل مباشر، فالمسألة تتعلق بطبيعة الإتفاق بين الناديين وكيفية تقسيط المبلغ أو تقسيم الدفعات على عدة شيكات، خيار الدفع المباشر للقيمة المالية كاملة سيجبر النادي البائع بشكل أو بآخر على تخفيض مطالبه المادية لأن الأموال ستتواجد على الفور ولن ينتظر سنة أو سنوات للحصول على المبلغ بالكامل. الخيار الآخر هو تقسيط المبلغ على دفعات يتم الإتفاق على فتراتها سواء كانت سنوية أو نصف سنوية، وربما ستزداد قيمة الصفقة مليونًا إضافيًا أو أكثر بسبب التقسيط، وبالطبع لا يذهب المدير الرياضي وبصحبته حقيبة ملئية بالأموال لكي يدفع قيمة الصفقة.
بمجرد حصول الإتفاق النهائية بين الأطراف الثلاثة « النادي البائع – النادي الشاري – وكيل اللاعب» يتم إخضاع اللاعب للفحص الطبي للتأكد من سلامته الصحية، و ما إن يتم الإنتهاء من الفحص و تجاوزه، يتم تسجيل كافة البيانات من قبل الناديين عبر نظام تطابق الإنتقالات الخاص بالفيفا بشكل الكتروني، و من ثم يتم تسجيلها و تثبيتها في الإتحادات المحلية. و أحد أشهر الأمثلة على تعثرالصفقات بسبب عدم تسجيلها في الإتحاد المحلي، هو الفاكس المتأخر الذي وصل إلى البريد الإلكتروني لنادي ريال مدريد و أدى إلى تعثر انتقال دي خيا إلى النادي الملكي، ما سبب سخرية كبيرة في مواقع التواصل الإجتماعي.