ستتناول العشاء مع رونالدو في السيدة زينب: الميتافيرس إلى أين؟
أعرني خيالك قليلًا لنُبسِّط معنى «الميتافيرس» إلى أقصى قدرٍ مُمكن.
تخيل نفسك «جسديًا تقريبًا» في مدرجات ملعب حديقة الأمراء في باريس لحضور مباراة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بين باريس سان جيرمان وريال مدريد في التاسعة مساءً بتوقيت القاهرة.
في 11:45 مساءً ستعود إلى القاهرة لحضور حفل موسيقى يجمع إليسا بشيرين عبد الوهاب. ستمضي بعض الوقت هناك، ثم تذهب إلى مدريد لتشارك في احتفالات فوز ريال مدريد، قبل أن تعود إلى منزلك في الإسكندرية، حيث سيكون زميل العمل في انتظارك لترتيب ملفات الاجتماع الصباحي، الذي سيحضره في نفس القاعة زملاء من عدة جنسيات، لكنك ستزور قبلها بدقائق مقهى في ريو دي جانيرو لتناول فنجان القهوة البرازيلي.
ستحضر كل هذه الفعاليات بجسدك تقريبًا. على الأقل سيكون مكانك محجوزًا، وستشعر وكأنك في قلب الفاعلية. بينما جسدك على أريكة منزلك في القاهرة نظريًا. كل ما ستحتاجه لتمر بكل تلك التجربة كاملة هو خوذة الميتافيرس. أو ربما لن ترتدي إلا نظارة، وإن كانت التجربة ستكون ناقصة جزئيًا.
للوصول إلى هذه المرحلة، توظف شركة ميتا «فيسبوك سابقًا» نحو 10,000 شخص مع استثمارات بمليارات الدولارات لتأسيس «الميتافيرس» الذي تعتبره الجيل الجديد من مستقبل منصات التواصل الاجتماعي، بينما يتوقع مراقبون أن يصبح الجيل الجديد من الإنترنت عمومًا.
معنى الميتافيرس
الميتافيرس كلمة مكونة من شقين: «ميتا» التي تعني في اللاتينية ما وراء، و«فيرس» اختصار «يونيفيرس» التي تعني الكون». لتصبح التسمية الكاملة «ما وراء الكون».
تستخدم ميتافيرس لوصف الإصدار المستقبلي للإنترنت الذي سيتحول فيه إلى كون افتراضي بديل ثلاثي الأبعاد يدخل إليه المستخدمون باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي أو المعزز بدلًا من أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة.
حينها، لن تشاهد فيديو على تيك توك أو إنستجرام، ولن تجري محادثة صوتية مع صديقك عبر فيسبوك ماسنجر، كما لن تحضر اجتماع العمل بالفيديو، بل ستنتقل بجسدك إلى ساحة الميتافيرس الافتراضية الموحدة، لترى شريك المحادثة وتسمعه وكأنه جالس أمامك بالفعل، وربما تحضر معه حفلة موسيقى تقام في إيطاليا، أو تشاركه مدرجات الكامب نو لمشاهدة كلاسيكو برشلونة وريال مدريد، فيما ستصبح المنصة التقنية الأهم منذ ظهور الإنترنت لو تحققت أحلام مارك زوكربيرج.
فكرة بدأت برواية خيال علمي
قبل أكثر من ثلاثين عامًا، كان كاتب الخيال العلمي نيل ستيفنسون يعمل في مشروع تقني قائم على رسومات الكمبيوتر، يتضمن كتابة كثير من التعليمات البرمجية سعيًا للوصول بأجزاء مختلفة من أجهزة باهظة الثمن للحديث مع بعضها البعض.
بخيال الراوي، فكر في الأمر من منظور مختلف. التجربة صعبة ومكلفة. فكر في متغير يحول تقنية الرسومات ثلاثية الأبعاد المستخدمة رخيصة ومتاحة للجميع في كل مكان تمامًا كالتلفاز. وكانت الإجابة هي نوع من تطبيقات السوق الشامل «I Love Lucy» أو «Ed Sullivan Show»، فخرج بروايته «Snow Crash» التي شهدت أول استخدام لمصطلح الميتافيرس.
تعددت محاولات تنفيذ فكرة الكتاب بعد صدوره بخمس سنوات فقط.. لكن خروجها للنور تأجل ربع قرن آخر، حتى استخدم مارك زوكربيرج المصطلح نفسه في إعلانه عن مشروع فيسبوك الجديد الذي غير اسم الشركة بالكامل إلى «ميتا» ليناسب طموحها المستقبلي.
يقول نيل ستيفنسون: «يحاول الخيال العلمي الجيد تصوير المستقبل المعقول بما يكفي ليبدو مقنعًا للقراء، وكثير منهم أذكياء تقنيًا ونقاد أقوياء. كنت على علم بهذه الحقيقة قبل ثلاثين عامًا عندما كتبت «Snow Crash». ممتع أن يأخذ القراء العمل بجدية كافية ليضعوا وقتهم وأموالهم في جلب أفكار مماثلة لتؤتي ثمارها.. لهذا أنا سعيد بإعلان فيسبوك عن إطلاق مشروع ميتا».
الميتافيرس بدأ بالفعل
تعمل «فيسبوك رياليتي لابز» منذ سنوات على ابتكار منتجات تمهد الأرض لإنشاء الميتافيرس.
في 2014، استحوذت فيسبوك على شركة نظارات الواقع الافتراضي «أوكيولوس» بصفقة بلغت ملياري دولار.
هذه تحديدًا هي أولى الأدوات التي ستعتمد عليها «ميتا» في السماح للمستخدمين بالوصول إلى عالم الميتافيرس.
لذلك، يقول مارك زوكربيرج، إنه سيعمل على تخفيض سعر النضارات إلى أرخص سعر ممكن، مع التركيز على جني الأرباح من خلال الإعلانات عبر الميتافيرس.
بهذا الإطار، أطلقت شركة فيسبوك خدمة Horizon Workrooms التي تتيح للمستخدمين عقد اجتماعات افتراضية بواسطة خوذ الواقع الافتراضي كويست 2 من أوكولوس.
في هذا النموذج التطبيقي، يكون متاحًا للمستخدمين التفاعل من خلال الرسم على لوح أبيض افتراضي، أو نقل إيماءاتهم عبر أجهزة التحكم عن بعد، أو بث ما يظهر على الشاشة أمامهم لتكون متاحة أمام الجميع في غرفة الاجتماعات الافتراضية.
وأتاحت الخدمة لمن لا يملك التجهيزات المطلوبة حضور الاجتماعات عبر تقنية الاتصال بالفيديو.
أوكلوس ركزت حتى الآن على الفيديوجيم. لكن «ميتا» تحاول توسيع الأمر ليشمل تطبيقات أخرى، وصولًا إلى كون الميتافيرس الكامل.
كذلك، أسست بعض ألعاب الفيديو جيم عوالم افتراضية محدودة الحجم للاعبيها. كذلك نظمت سلسلة حفلات موسيقية افتراضية لمغني الراب الأمريكي ترافيس سكوت.
مشكلات التقنية
رسم مارك زوكربيرج وجهة نظر موسعة حول الميتافيرس. لكن محللين يقولون إن نموذج «الإنترنت المتجسد» الذي يتخيله لا يزال بعيد المنال.
يركز الميتافيرس في تصور مؤسس فيسبوك على مستقبل بعيد يعيش عالمًا افتراضيًا يمكن للمستخدمين دخولة من خلال مجموعة متنوعة من الأجهزة.
سيسمح هذا الإنترنت المتجسد «الميتافيرس» للأشخاص بالعيش والعمل في الفضاء الافتراضي باستخدام مزيج من الصور الرمزية الواقعية، وارتداء جميع أنواع الملابس والإكسسوارات الافتراضية.
لكن، وبينما يشرع فيسبوك في مستقبل واسع وطموح، من المهم أن نتذكر عددًا من الأسئلة الشائكة الجديدة التي سنواجهها جميعًا في عالم رقمي يضع الأشخاص البعيدين جسديًا على مقربة شديدة.
من بينها: ما أنواع الكلام والأفعال المسموح بها؟
ومن يدير عالم الميتافيرس الذي يمتد إلى ما وراء حدود الاختصاص القانوني القائم حاليًا؟
وهل ستكون شركة ميتا قادرة على تجاوز مشكلات فيسبوك الحالية «ببنيته البسيطة نسبيًا» حين تنتقل إلى عالم الميتافيرس المعقد؟
هناك تحديات أخرى تتجاوز الأمان والخصوصية في عالم الميتافيرس خصوصًا أنه يهدف إلى وجود عالم افتراضي واحد للجميع، بدلًا من العديد من الأكوان الرقمية المختلفة غير المتوافقة.
وهنا يظهر سؤال آخر: هل ستوافق جوجل وآبل ومايكروسوفت وغيرها على العمل في عالم الميتافيرس بالشروط التي يضعها مارك بمفرده؟
يظهر كذلك سؤال التكاليف والأرباح: كيف يمكن تمويل هذا العالم الافتراضي؟ ومن أين سيجني الدخل؟
هل ستكون كل المحادثات خاصة؟ أم ستخضع بعضها للمراقبة؟
ما معايير الأمان؟
فيسبوك نفسه «ميتا» حاليًا يدرك أن الإجابات غير واضحة على كل تلك الأسئلة الضخمة.
طرق الوصول إلى الميتافيرس
في المرحلة الأولى على الأقل، سيكون الوصول إلى عالم الميتافيرس متاحًا باستخدام المحمول أو اللابتوب. لكن طريقة ظهورك داخل الكون الموازي ستختلف.
باختصار، إن دخلت من اللابتوب أو الموبايل ستظهر أمام مستخدمي الميتافيرس كشاشة وستراهم كبث فيديو حي تمامًا كما تفعل خدمة الفيديو من فيسبوك حاليًا.
لكن، إن أردت تجربة أكثر ثراء، ستحتاج نظارات الواقع الاقتراضي أو الواقع المعزز الذكية التي ستنقلك إلى داخل عالم الميتافيرس وكأنك تعيش هناك بالفعل.
شكل ظهورك هناك ليس واضحًا بدقة. في تجارب «ميتا» الحالية تحول المشاركون في الاجتماعات إلى شخصيات كرتونية. لكن التوقعات تشير إلى توسع استخدام الهولوجرام في نسخة الميتافيرس المطلوبة، حيث ستظهر نسختك بحجمك الطبيعي، وتنقل حركاتك بالكامل لتظهر في العالم الجديد.