ربما لن تعبّر الكلمات عمّا أصابنا وقت رحيلك، لكن لكل منّا حكاية بحاجة إلى أن تروى.

أحمد أبو خليل – رئيس التحرير

كان لي لقاء مع أحمد خالد توفيق ضمن فريق العمل، قبل الموعد بسويعات طرأ لي طارىء فلم أستطيع اللحاق باللقاء، عندما سمعت خبر الوفاة، ظننت أنني حرمت للأبد من رؤية هذا الرجل الذي أدين له بالكثير. لم أكن أعرف أنه سيقدر لي رؤية وجه هذا الرجل بعد أن يُقضى أجله. عندما كنت خارج المشرحة أنتظر مع المنتظرين، وكنت أرى بعض الحضور يدخلون ويخرجون، لم أكن أريد الدخول لأنني ربما لا أستحق هذه النظرة. في النهاية حسمت قراري ودخلت. كانت ابتسامة غريبة، وجه مريح الملامح لأقصى درجة، تُوحي ببساطة وقوة تلك السيرة، ملامح تشبه لغته وموضوعاته وطريقة حياته، ونظرته لنفسه وعلاقته بكل ما ومن يحيطون به، فقط مجرد نظرة أخيرة قُدرت لي.

مهند حامد شادي

وداعًا أيها المعلم.. ذهب جسدك، وبقيت روحك -من خلالنا- تنشر الوعي والنقاء والإنسانية. إلى أن نلقاك .. لك منّا تحية ومحبة وسلامًا.

محمد عثمان

مع كل مقال يظهر فيه اسمه إلى جانب العنوان، كنت أتردد في فتحه بنفس مقدار شوقي لقراءته. أدباء وشخصيات عامة وسياسيون يتساقطون واحدًا تلو الآخر في امتحانات الضمير والثورة، وبقي العراب نقيًا وشفافًا، لم يختلف في جلساته الخاصة عن لقاءاته العامة. لم أر أديبًا يزهد في الظهور والانتشار كالعراب، الذي رسم حدودًا للمساحات التي يرغب في الانتشار فيها، ولم يخضع لابتزاز القارئ ولا ضغط «الترند». لم أر شخصًا بعظمة تأثيره يزهد في الكاميرا للدرجة التي تبحث فيها عن صور احترافية فلا تجد إلا صورة واحدة. أحمد خالد توفيق خسارة ضمن خسائر جيلنا المتتابعة بعد انتكاسة الربيع العربي.

محمود هدهود

لم يكن ما نعيشه اليوم يناسب إنسانًا مثلك، لذا كان من الصعب أن تتحمل البقاء هنا أطول من ذلك، لكنك حتى في رحيلك أعطيتنا مثل ما كنت تعطينا في حياتك، أملًا بأن هناك من هو مثلنا، وأن هناك من سيبكينا عند موتنا.

إبراهيم يوسف

برحيلك يا دكتور؛ صار الثاني من إبريل عنوان هزيمتنا وفجيعتنا. لن تتوقف الحياة، لكنها ستصير أقل دفئًا وأكثر توحشًا. لا نرثيك، ولكن يرثي جيلنا نفسه بفقدك؛ فالحزن شخصيٌّ جدًا هذه المرة.

نَمْ في سلام، فقد زرعت وحصدت محبة عظيمة بين أبناء هذا الجيل، الذي شكلت وعيه وساهمت في جعله كما هو الآن، والذي كنت آخر حائط بينه وبين عالم الكبار بخداعه وزيفه وانحطاط مبادئه.

عزاؤنا أنك رحلت كما تريد، وكما يليق بك، عرابًا لهذا الجيل، وكتب على قبرك ما تمنيت – ‏«أما أنا فأريد أن يُكتب على قبري: جعل الشباب يقرأون» -.

صدق درويش حين قال: «الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء».

إبراهيم بديوي

في عالم السوبر هيرو كان أحمد خالد توفيق يتحدث عن مخاوفه، خوفه من الكِبَر، الوحدة، النضوب، العجز عن الترقي الاجتماعي، وحين كان الارتداد إلى العادية المفرطة مستوحشًا في أعقاب يناير كان أحمد خالد توفيق يتكلم عن الأمل، والطموح الممزوجين بالألم. لم أكن من قرائه الشغوفين حتى أحببت فيه الإنسان، المتواضع. نعزي هذا الجيل الذي رحل عنه من تكلم بلسانه يومًا، تمتم بمخاوفه، وربت على كتفه، اكتشف فيه مواطن القوة وعلامات الضعف، وإن الصبر لمن شيم هذا الجيل المهزوم!

محمد محمود السيد

كان مشغولاً بقضايا الوطن.. أدق تفاصيل الشارع المصري، كان ينقلها للشباب بلغتهم، لغة السهل الممتنع، وأحياناً لغة السخرية، التي اعتاد الشباب عليها مؤخرًا للتعبير عن أزماتهم. كان مشغولًا بقضايا الشباب، وكان يرعى طموحاتهم ومشاريعهم.. لم أدرك ذلك إلا مع بداية مشروع «إضاءات»، والذي راعاه دكتور أحمد منذ اليوم الأول، ومنحه قدرًا عظيمًا من وقته، حينما اختصه بمقالٍ أسبوعي، وسلاسل دورية من القصص القصيرة، وهي المواد التي كان يمكن أن ينشرها في عبر منافذ إلكترونية أخرى، أكثر شهرة، وبمقابل مادي أضخم، لكنه منح إضاءات وشبابها الثقة والأمل. رحمة الله على من منح الشباب الأمل.

مي السيدفي ليلة من ليالي العام 2012، طالبة جامعية أنهت للتو مذاكرة محاضرة رياضيات «غتيتة». رُحت أتصفح جهاز الحاسوب الجديد بعد الثانية عشرة مساءً. وجدت اقتباسًا راق لي، ثم قرأت اسم كاتبه. نعم عرفته في وقتٍ متأخر جدًا .. وفي قوانين الحب لا تهم المدة الزمنية.بدأت أبحث عن أعماله، وسيرته، من هذا أحمد خالد توفيق؟ استغرق الأمر بضع ساعات قضيتها في البحث عن كتبه ورواياته، قبل أن أقع في حبه لأعوام طوال، وإلى الأبد. كانت بدايتي مع «أسطورة النداهة»، التي فتحت لي الباب على كامل السلسلة، وباب منزل د. أحمد خالد توفيق. نعم منزله الذي احتضننا فيه، والدنا الذي خاطبنا في كل قصة ومقالة، والسند الحقيقي في كل موقف متأزم كنّا بحاجة فيه لمن يمسك بأيدينا.تمنيت لقاؤه كآخر أمنية لي ثم بعدها أموت .. لا أدري هي الأقدار أم ماذا الذي دفع بي خلال الأسبوع السابق لوفاته، أن قمت بالبحث عن لقاءاته، وأيّ محتوى مرئي له لأستمع إليه في كل لحظة حتى أثناء عملي يروي ويحكي، ويرُد على ما يشاء من أسئلة متنوعة مع قنوات متعددة، لأتلقى خبر وفاته أخيرًا وأنا أستمع لحديثٍ له على إحدى القنوات على يوتيوب. فُجعت لموته، وبعد مرور الوقت لا زال لدّي حالة إنكار لما حدث.

لن أقول وداعًا د. أحمد خالد توفيق، فلنا لقاء آخر.محمد صلاح قاسم
أحمد خالد توفيق
– ممكن نتصور صورة عميقة يا د. أحمد.. اللي هي فيه حطة الصوابع الأوفر تحت الدقن؟
– هههههه ماشي يا صلاح.هكذا بكل تلقائية وسهولة ومرح، ظفرت بهذه الصورة مع أيقونة الجيل، وملهم الطفولة في آخر إفطار رمضاني لنا مع الرجل في طنطا العام الماضي.رحمك الله يا أبا الجيل.. يا من انتزعت الدموع من جلمود عيني. سأعمل على أن يحظى ابني أحمد منك بالمسمى، كما ظفر بالاسم.

قضيتَ نحبك.. وسننتظر، وبإذن الله لن نبدل تبديلًا.محمد أحمد عليمنذ سنة ومع بداية عملي في إضاءات تكرر اسم العراب أمام ناظري كثيرًا وارتبط الاسم من وقتها بأحمد خالد توفيق ومنذ ذلك الوقت لم أترك تدوينة أو رواية إلا وأقرؤها ببطء وكأنك تهمس بها في أذني. قررت علاج نفسك بالكتابة فعالجت أمة بأكملها. حاولت صنع خيال لكنه كان وصفًا للواقع المؤلم المرير فكيف سنتكيف به بدون نصيحتك.

ستشتاق إليك حروف اللغة العربية أيها العرّاب مثلما ستشتاق إليك عيون الباحثين عنك وعن كتاباتك. عرفتك منذ فترة قصيرة ولكنها عندي تساوي ملايين اللحظات التي تعجبت فيها عن مدى حبنا وفخرنا بك. وداعًا يا قلم الحرية.محمود عصام

الحزن شخصي جدًا ورثاؤك صعب. علمني أبي قيمًا ومبادئ، وعلمتني أمي الحلال والحرام، ثم جئت بكلماتك لتمسك يدي الصغيرة بيدك، وفسرت لي كل ما أراه من حولي. وما يفسر للمرء ما يرى سوى قصص بها تجارب سابقة، وأنت أعطتني كل تجاربك وتجارب من حولك دون توجيه أبوي أو نُصح مباشر. كبرت يدي ممسكة في يدك وما أفلتها. أفهمتني أن الإنسانية أولًا وأننا كلنا معيبون، وبقيت لي مرجعًا كلما اشتد الظلام وبقيت حافظًا لتوازن العقل في مواجهة من لا إنسانية لهم. تشبثت بيدك بأقصى ما أستطيع عندما انهار الكبار من حولي، فما خذلتني. كنت أكبر بجوارك وفي ظلك وما حسبت أنك تكبر أيضًا. فأمثالك لا نراهم بأعيننا بل بأرواحنا. فلتت يدك من يدي أخيرًا وبقى الحزن عليك شخصيًا جدًا والرثاء صعبًا.

ندى القصبي

أدّعي أحيانًا أني لا أخشى الموت، وأني أغمض عيني عنه، فيبتعد عني، حتى اقترب وأفزعني. لست حزينة، أنا مفجوعة. بذكرى لم ترسم، وندوات لم أحضرها، وكتب تراكمت ولم أقرأها، ومقالات أتسلل إليها كل حين بشغف وإحباط لأني لا يمكن لي كتابة شيء مماثل.. كنت أقف متماسكة، بجدارٍ من الضحك واللامبالة، بأني تجاوزت الهزيمة، ثم انقض جداري. لأواجه كل ماوراءه وحدي، كل أصدقائي مصابهم واحد، وأنا عاجزة لا أملك أن أخفف عن أحدهم، لأني أرتجف تحت الطاولة بحاجة إلى من يضمني. أبكي، ثم أصمت. أتجاوز القليل ثم أعاود البكاء، ولا أعرف ما أبكي تحديدًا، غير أني كبرت. الآن كبرت. الآن عليَّ أن أواجه العالم، دون تخفٍ.. انكسر لنا ظهر، هل نبدو كجيل بلغ به البؤس أن ينكسر لوفاة كاتب؟ يبدو يا عزيزي أننا كذلك.

حسام فهمي

هذ الرجل أثبت لنا وبالدليل القاطع أن الكاتب والأديب يمكنه أن يكون إنسانًا جميلًا، مقيمًا في طنطا، لا ينشد أضواء فضائيات رجال الأعمال، ولا يلهث خلف ما تطلبه السلطة، تسأله فيرد، يكتب فيمتعك، تنتقده فيناقشك بجدية، تطلب منه العون فيجيب، وإذا شعر فيك بحزن أو بضيق لن يبخل عليك بتربيتة على الكتف وابتسامة تواسيك، حتى لو لم يكن يعرفك. يشبهنا ونتمنى أن نشبهه في يوم ما.

مجدي مبروك

يحزن البشر لفقد شيء غالٍ ونادر قل أن يوجد، وفي زمن يندر أن تجد إنسانًا بقدر كثرة ما تجد من البشر، من الطبيعي أن تحزن لفقد هذا الإنسان.

إن نظرة سريعة لعينة من عناوين مقالات للدكتور أحمد خالد توفيق تعلمك كم كان إنسانًا، فلست تحتاج أن تكون مطالعًا لرواياته سلسة الأسلوب، أو مقالاته سهلة المأخذ عميقة المشرب، لتدرك تلك الحقيقة.

لا يوازن حزن المرء في هذه الحالة من الفقد إلا الفرح.. إنه الفرح لإنسان حط رحاله أخيرًا بين يدي رب رحيم، فله من الله الفرح والبشرى، ولنا الله في حزننا على دار أقفرت منه.

محمد أسامة

أول ما قرأت للدكتور، صدفة وفي مرحلة متأخرة نسبيًا، كان أحد أعداد فانتازيا. لم أستوعب لحظتها ما قرأته للتو، كان مختلفًا تماما عن أدب الجاسوسية الذي اعتدت عليه من أحد كتاب جيله. في الواقع، لم أحتج وقتًا كبيرًا لأدرك موسوعية أعمال الكاتب الراحل، ففي كل عدد من سلسلة فانتازيا أو ما وراء الطبيعة – مثلًا – عالم جديد وفريد، تتعرف فيه على نوع مختلف من الجمال، ما بين بطوط وجيفارا وغيرهما، مئات العوالم الشيقة. وهذا لا يتأتى إلا بتفرغ تام. هنا أذكر جوابه في إحدى المقابلات التليفزيونية، عن سر غزارة الإنتاج ودسامته، بأنه قد تخلى في سبيل ذلك عن حياته الاجتماعية تمامًا. لكن جنازتك تثبت عكس ذلك، رهبانيتك هذه لم تجعلك وحيدًا، فها نحن الآلاف – ولعلنا ملايين – نسير خلف النعش لنودعك، صديقًا ومربيًا ومصدر فخر في زمن عز فيه أمثالك من الرجال.

أحمد رأفت

عن الرموز التي مثلت جيلنا وماتت قبل أن ترى الخلاص، نفقد كل من اعتقد في الثورة وطالب بالخلاص، بالأمس البعيد كان الدكتور محمد يسري سلامة والشيخ عماد عفت، وفي الذكرى الخامسة للدكتور محمد يسري ننعي ريم بنا الصوت الشجي المقاوم، وما مر الكثير حتى نعينا رمزًا آخر من رموز الثورة والحق الدكتور أحمد خالد توفيق. ربما لم أقرأ له الكثير لكني أحببت قلمه وفُجعت بموته وفرحت بمن لقبه بميدان من ميادين الثورة اجتمع حوله الشباب، وجنازته ربما تكون بصيصًا من الأمل بأن جيلنا فيه من مازال مؤمنًا بالثورة ولم يعتنق ثوب الظالمين. أخبر من قُتلوا في الميادين أننا مازلنا نؤمن بالثورة ونريد الخلاص.

محمد يسري

من بين عشرات الكتاب والأدباء، كان د. أحمد هو (العراب) لجيل يناير بأكمله. عامل مشترك بين كل أولئك الشباب الذين نزلوا إلى الميادين ممتلئين بحب الوطن، وعلى أتم الاستعداد للتضحية من أجله، كان قراءتهم لأحمد خالد توفيق، وتأثرهم به. من خلاله قدروا انتماءهم لقرى مصر الفقيرة وسكانها البسطاء، أحبوا الإنسان وتسامحوا مع ضعفه، عرفوا المقاومة والبطولة والثورة، امتلئوا حبًا لفلسطين، غنوا مع الشيخ إمام، انفتحوا على تراث البشرية كلها، واعتزوا بوطنهم وهويتهم.

ولم تكن هناك مفاجأة، كان (الأب الروحي) يعلم هذا تمامًا. يعلم أننا أبناؤه. ولذا – ومن بين كل الكتاب الذين باعوا الوهم للشباب، ثم باعوهم – لم يخذلنا د. أحمد قط. كانت انتصارات هذا الجيل انتصاراته الشخصية. وكانت (أسوأ أيام حياته) – كما روى لنا بنفسه في 2013 – حين انكسر هذا الجيل. بقدر ما توحد د. أحمد معنا وتوحدنا معه، بقدر ما كان رثاؤنا له رثاء لأنفسنا، وبقدر ما هو حي فينا ما دمنا أحياء.

سهير الشربيني

لم أكن من القراء النهمين مع كل أسف لكتاباته ولم أنل شرف مقابلته، لم أقرأ له سوى القليل حتى انضممت إلى فريق عمل «إضاءات». تابعت مقالاته، وإذا بي أكتشف كنزًا من نوعٍ خاص. فهذا الرجل يحمل من الأفكار ما هو أعمق بكثير مما كنت أتصوره. فأجد كلماته تتسرب إلى الروح بكل سلاسة وأناقة، بينما تستفز أفكاره العقل وتدفعه دفعًا نحو اكتشاف عوالم جديدة بخيال متحمس. عزاؤنا الوحيد أنه ترك لنا في كتبه ومقالاته نبراسًا يضئ لنا الطريق كلما تعثرنا ومرشدًا نسترشد به ليعيننا على السير على دربه.