اليمن: السعودية تضحي بهادي لإنهاء الحرب مع الحوثي
يمر اليمن بلحظات تحول مهمة في تاريخه حيث يقف على مفترق طرق بعد ثماني سنوات من الحرب، بدأت منذ التقدم العسكري لجماعة الحوثي المدعومة إيرانيًّا عام 2014 واستيلائها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول، أعقبه خلافات مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، أدت إلى فراره في 21 فبراير/شباط 2015 إلى عدن، وأعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد.
وبعد اقتراب قوات الحوثيين من عدن، فر هادي إلى السعودية التي أعلنت الحرب على ميليشيا الحوثي في اليمن في الخامس والعشرين من مارس/آذار 2015، ضمن حملة عسكرية موسعة تحت اسم «عاصفة الحزم».
ومنذ ذلك الحين يقيم الرئيس عبد ربه منصور هادي في الرياض عاريًا من السلطة الفعلية. وخلال السنوات الماضية، عجزت حكومته عن السيطرة على الأمور مع طول أمد الحرب والتناحرات بين مكونات معسكر الشرعية نفسها كالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًّا الذي يتبنى مشروعًا لانفصال محافظات جنوب البلاد، وبين حزب «الإصلاح» المحسوب على الإخوان المسلمين، وفئات ومجموعات شتى شغلتها الخلافات الداخلية عن المعركة الرئيسية ضد ميليشيات الحوثي.
ووصلت الخلافات البينية إلى حد الاقتتال في أغسطس/آب 2019 وسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينتي عدن وأبين وطرد حكومة هادي، ووجهت الأخيرة اتهامات رسمية إلى الإمارات بدعم هذا التمرد، لكن الإماراتيين نفوا علاقتهم بالأمر.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تم إبرام اتفاق مصالحة في الرياض بين حكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
ولم تنتهِ الخلافات بين مكونات الشرعية واستمرت مفاوضات تشكيل حكومة جديدة لتقاسم السلطة لما يزيد عن عام، وفي أواخر عام 2020 وصل التشكيل الحكومي إلى مطار عدن ليُفاجأ بهجوم دموي شنه الحوثيون على المطار أوقع عددًا من القتلى لم يكن من بينهم أعضاء الحكومة، وطوال الفترة التالية لم تنقطع الخلافات بين الأطراف المختلفة في ظل عجز هادي (الذي يبلغ من العمر 77 عامًا) عن ضبط الأوضاع.
نقل السلطة
أعلن الرئيس، عبد ربه منصور هادي، في السابع من أبريل/نيسان 2022 إقالة نائبه، علي محسن الأحمر، المقرب من حزب «الإصلاح»، ونقل كامل صلاحياته هو ونائبه إلى مجلس رئاسي، وقال: «أفوِّض مجلس القيادة الرئاسي بموجب هذا الإعلان تفويضًا لا رجعة فيه بكامل صلاحياتي وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية».
ووفقًا للبيان الرئاسي فإن هذا المجلس الجديد باليمن سيدير الدولة سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا ويشرف على ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها خلال المرحلة الانتقالية.
ويرأس المجلس رشاد محمد العليمي، ويتولى حصرًا القيادة العليا للقوات المسلحة، والمصادقة على الاتفاقيات، وإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة، بصفته رئيس المجلس، ومن المقرر أن يتم تشكيل هيئة تتكون من خمسين عضوًا لدعم ومساندة المجلس تحت اسم «هيئة التشاور والمصالحة»، وفريق اقتصادي (برئاسة حسام الشرجبي، نائب وزير المالية السابق)، ولجنة أخرى من رجال القانون (برئاسة إسماعيل أحمد الوزير، رئيس لجنة صياغة الدستور 2014 ووزير العدل السابق) مهمتها كتابة مسودة بالقواعد المنظمة لعمل المجلس الرئاسي وهيئة التشاور والمصالحة والفريق الاقتصادي، بينما يستمر مجلسا النواب والشورى في تنفيذ مهامهما المعتادة.
وجدد الإعلان الثقة بالحكومة المشكلة وفق اتفاق الرياض لكنه منح مجلس القيادة الجديد الحق في إجراء أي تعديلات في الحكومة، أو تشكيل أخرى جديدة.
وضم المجلس تشكيلة توافقية من الشخصيات النافذة من الأطياف المختلفة ليكونوا بمثابة أهل الحل والعقد، وترأس المجلس رشاد محمد العليمي، مستشار سابق للرئيس ووزير الداخلية السابق، ويضم سبعة أعضاء، يحظى كل منهم بدرجة نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وهم: سلطان العرادة، وهو شيخ قبلي نافذ ومحافظ مأرب، وطارق صالح، ابن شقيق علي عبد الله صالح والقائد السابق للحرس الخاص، والقيادي السلفي عبد الرحمن أبو زرعة، زعيم ميليشيا «العمالقة» الجنوبية المقربة من الإمارات، والدكتور عبد الله العليمي باوزير، مدير مكتب رئيس الجمهورية سابقًا، وعثمان مجلي، شيخ قبلي وبرلماني وقيادي من حزب المؤتمر الشعبي، وعيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ومحافظ عدن السابق، وفرج البحسني القائد العسكري لشرق البلاد، وشغل قبل ذلك منصب محافظ حضر موت.
ترتيبات لإنهاء الحرب
رحبت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول العربية بقرار نقل السلطة، واستقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، رئيس مجلس القيادة الرئاسي والأعضاء السبعة، وعبر عن دعمه للمجلس، وأعلنت الإمارات والسعودية تقديم ملياري دولار مناصفة للبنك المركزي اليمني، والتزم السعوديون بدفع مليار ثالث لدعم شراء مشتقات نفطية وإطلاق مبادرات تنموية، ودعوا إلى حشد مؤتمر دولي لدعم اقتصاد اليمن.
وتبدو الرياض راغبة في ترتيب الأوضاع في الداخل اليمني وإنهاء عمليتها العسكرية والتوصل إلى صيغة تتضمن عدم استمرار الأراضي اليمنية مصدرًا للهجمات التي تستهدفها، ولو أدى ذلك لقبول ميليشيات الحوثي ضمن صيغة محلية تستوعب وجودهم.
وقد تضمن الإعلان الذي أصدره هادي تخويل مجلس القيادة الرئاسي مهمة التفاوض مع الحوثي للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في جميع أنحاء الجمهورية والتوصل إلى حل سياسي شامل ونهائي يتضمن مرحلة انتقالية للوصول بالبلاد من حالة الحرب إلى حالة السلام.
وأتت هذه الترتيبات بعد أيام على سريان الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة على لسان المبعوث الخاص إلى اليمن، هانز غروندبرغ بع بعد جهود قام بها المبعوث الأممي منذ أشهر بمساهمة من مجلس التعاون الخليجي، وتكثفت التحركات خلال الأيام الأخيرة، إذ أجرى غروندبرغ سلسلة لقاءات مع قادة الحكومة اليمنية في الرياض، والتقى ممثلين عن الحوثيين في سلطنة عمان، رغم رفضهم السابق للمشاركة في هذه المحادثات.
وأعلن غروندبرغ موافقة الطرفين على وقف جميع العمليات العسكرية الجوية والبرية والبحرية داخل اليمن وعبر حدوده وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في تمام الواحدة ظهرًا بتوقيت اليمن في يوم السبت، أول أيام شهر رمضان الحالي.
وتسري الهدنة لمدة شهرين يمكن تمديدهما إذا اتفق الطرفان على ذلك، ويعد هذا الاتفاق الأول هدنة يتم الاتفاق عليها على مستوى البلاد منذ اندلاع الحرب، ووفق هذه التفاهمات يسمح لـ18 سفينة من سفن المشتقات النفطية بدخول ميناء الحديدة، على الساحل الغربي للبلاد، الواقع تحت سيطرة الحوثيين، ويُفتح المجال أمام تشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعيًّا من وإلى مطار صنعاء -الخاضع للميليشيا أيضًا- إلى كل من المملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية.
كما يتضمن الاتفاق بدء مشاروات بقيادة المبعوث الأممي لفتح الطرق المغلقة بسبب الحرب لتيسير حركة المدنيين ومحاولة تعزيز الهدنة، التي أوضح غروندبرغ مدى هشاشتها وأنها «عرضة للخطر».
لكن ما يعزز من فرص نجاح الهدنة وجود رغبة مشتركة من الطرفين في إنهاء هذه الحرب الطويلة، فالرياض وأبو ظبي لا يريدان الاستمرار في هذا النزاع لأسباب عديدة، والحوثيون يريدون تسييل مكاسبهم الميدانية وتحويلها إلى مكتسبات سياسية دائمة، واتضح ذلك في إعلان مهدي المشاط، رئيس ما يسمى بـ«المجلس السياسي الأعلى» عن مبادرة أحادية لوقف الأعمال العسكرية ضد المملكة العربية السعودية، الشهر الماضي، ودعوته لتحويل هذا القرار إلى التزام ثابت في حال التوصل إلى وقف الحرب.