كحال حقول الربيع العربي حالت ثورة فبراير 2011 خريفًا نكدًا لا يُعرف صفوه من كدره، قد لا نحتاج لأن نشير إلى استهداف الثورة اليمنية بالمبادرة الخليجية التي حاولت إعادة إنتاج النظام اليمني من داخل الدولة الهشة كما بينَّا في الجزء الأول من هذا التقرير.

تداعت الدولة الهشة أمام أول التحديات مع تواصل استبعاد أطراف محركة للعملية السياسية باليمن من المشهد، حتى انتهى المشهد باجتياح الحوثي متحالفًا مع صالح لمدينة عدن والتي تغير معها وجه اليمن بلا رجعة.

توالت بعد ذلك الحرب في كل ربوع اليمن بدعم خارجي، تدخل عسكري وآخر سياسي كما أشرنا في الجزء الثاني من التقرير، وانقلب الحلف على عرَّابه صالح الذي بمجرد أن انفض لنقضه باغتته حركة أنصار الله بنار ودم، فأردته قتيلًا في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وتوالت الحرب على أكثر من 12 جبهة، فانتزعت وسط مدينة تعز تقريبًا من الحوثي، وحوربت الحركة في مدينة الحديدة حربًا شرسة أفضت إلى اتفاق السويد القاضي بتسليمها وتسليم موانئها لهيئة دولية.

تزامن ذلك مع ضغط عسكري قوي من جبهة «نهم» باتجاه «أرحب» المطلة على صنعاء، وتآكلت المساحة التي تسيطر عليها الحركة لأقل من 20% من التراب اليمني، وبإطلالة بحرية صغيرة جدًّا تمثل شمال محافظة الحديدة وجزء من محافظة حجة، وهو ما يدفع الحوثي نحو المفاوضات في ظل أزمة مقتل خاشقجي التي ألجأت السعودية إلى إنهاء الملف اليمني قدر ما استطاعت، لا يعني ذلك انتهاء أزمة اليمن واليمنيين نهائيًّا، لنرى.


ماذا يريد الحوثي الآن؟

أحكمت حركة أنصار الله قبضتها على صنعاء من الناحية العسكرية والسياسية، عبر تأمين خط الإمداد بينها وبين صعدة، مركز الحركة، من خلال فرض السيطرة المحكمة لعمران. وتظل محافظة عمران أحد أهم ركائز الخلاف بين الحوثي وحزب الإصلاح كون سيطرة عائلة الأحمر عليها ودعم بعض أفرادها لحزب الإصلاح – عمليًّا – تجعل من الصعوبة إجراء صلح معها، ما سيشكل خطرًا على وجود حركة أنصار الله في صنعاء ويهدد سيطرتها عليها، ناهيك عن كون الحزب معاديًّا للسيادة الهاشمية كسلطة سياسية، وذلك لأن الإصلاح ظل لصيقًا بالجمهورية اليمنية ودولة ما بعد الإمامة.

تستغل حركة أنصار الله إرثها التاريخي الزيدي؛ لأن ما حدث في اليمن هو حالة تمفصل حاد، فبجانب الاقتناع الشديد بالجمهورية والدولة يتعايش معها مفاهيم أخرى مثل السيادة (الهاشمية) كأثر للاعتقاد على السياسة، فالحركة عندما دخلت صنعاء أكدت حفاظها على النظام الجمهوري كونه أصبح نظامًا ذا شرعية في مخيلة اليمنيين وفي المقابل بإرث إمامي، كما تقوم الحركة بالاستناد إلى الشرعية الثورية في مواجهة التدخل الخارجي وتقوم بحشد شعبي كثيف ضد التدخل السعودي، والذي يلقى آذانًا مصغية لإرث تاريخي غير طيب مع الدولة السعودية، مرورًا بقضايا الحدود وردة فعل دول الخليج السلبية ضد اليمنيين في فترة اجتياح صدام حسين للكويت، بالإضافة لمعارضتها لدخول اليمن مجلس التعاون الخليجي … إلخ.

لكن الحوثي وقع في فخ الاقتصاد وتدهوره وافتقاره للإمكانيات التي أثرت على استقراره السياسي في المناطق التي يسيطر عليها، وانعكس ذلك في تراجعه عسكريًّا، بل رغبته في غلق الجبهات التي تستنزف الكثير، مثل الحديدة، في ظل وضع بديل قد يضمن ضخ الحياة مرة أخرى إلى الخطط العسكرية والسياسية له، فهو يناور وينقلب على اتفاق استكهولم ويعرقله بغية الحفاظ على الحديدة وإيقاف الضربات الموجعة على جبهات القتال الـ 12، فإقرار الحوثي بنقل البنك المركزي إلى عدن والاعتراف به لا يعني اعترافًا بالحكومة الشرعية، بل إقرارًا بالأزمة المالية الطاحنة وتعثر العملية الإدارية والبيروقراطية للدولة في صنعاء بسبب تأخر المرتبات.

ستذهب جماعة أنصار الله أبعد مما يتخيل البعض، لكنها في إطار إعادة صياغة نفسها خلال مرحلة المفاوضات ستنطلق من ملفات مهمة وحيوية بالنسبة لها:

1. محاولة فرض وضع شبيه لوضع حزب الله، لذلك سيرفض نزع سلاحه بالكلية، ولكن سيقبل الانسحاب من بعض المناطق غير الحيوية كصنعاء وشمال الحديدة وساحل حجة الجنوبي.

2. استبعاد حزب الإصلاح أو إضعاف موقفه كونه المكافئ القوي له وهو أحد دعامات الدولة اليمنية الهشة قبل ذلك.

3. إضعاف موقف عائلة الأحمر مهما كلفهم ذلك، واستهدافهم بحيث يمكنهم من استمرار سيطرتهم على عمران، بوابتهم الكبرى لصنعاء.

4. قبوله للجمهورية كأرض مشتركة بينه وبين بقايا المؤتمر الشعبي وقبائل طوق صنعاء.

5. محاولته إنتاج الدولة اليمنية السابقة للثورة مع تغيير الفواعل، والذي يعني استمرار حالة الاحتراب الداخلي.

6. تقديم جماعة الحوثي نفسها للعالم وللولايات المتحدة تحديدًا كنظام يحافظ على الأمن من خطر القاعدة والتيار الجهادي، ومحاولة تسويق نفسها كبديل عن تيار الإسلام السياسي السني، بل قدرتها على تقويضه.

7. القبول بوضع داخلي مضطرب على حساب الكف عن شن طائرات التحالف الهجمات على قواته.


المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى أين؟

كان عبد ربه منصور هادي من أتباع الرئيس علي ناصر، رئيس الجنوب الأسبق، الذي فر إلى الشمال بعد الحرب الأهلية التي وقعت أحداثها في يناير 1986، بينه وبين الرئيس عبد الفتاح إسماعيل، وانتهت بمقتل الأخير والتجاء علي ناصر إلى الشمال.

وفي المقابل حارب هادي ضد الشعب الجنوبي في حرب الانفصال 1994 وعُيِّن وقتها وزيرًا للدفاع ثم نائبًا لصالح. وفي الوقت الذي كان يقاتل في دوفس الجنوبيين ويحاول اجتياح الجنوب كان عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات في الجهة المقابلة مع المقاتلين الانفصاليين الجنوبيين، في هذه الإشارة التاريخية السريعة تلخيص لما ستئول إليه الأحداث بعد اختفاء التدخل السعودي الإماراتي من الواجهة، إذ يتوقع أن تستمر أعمال القتال، مما سيطيل أمد الحرب الأهلية بالداخل.

فبرغم أن جذور الانفصال قديمة، فإن محركها الحالي إماراتي بامتياز، لذا فإن الحالة التي ستستمر في الجنوب حتى بعد إنهاء التحالف أعماله باليمن هي حالة الحرب الأهلية الداخلية بين دعاة الوحدة والانفصاليين، وموقف الحكومة الشرعية ضعيف جدًّا لولا التدخل السعودي، لذا فإن من مصلحة دعاة الوحدة تقوية التيار الإسلامي في الجنوب، كونه الضامن الوحيد لاستمرار الوحدة.

تعي الإمارات ذلك، ولهذا أيدت كل السبل لاستهداف رموزهم وقياداتهم في مدينة عدن، وتحاول استبدال التيار السلفي بهم، مثل تيار هاني بن بريك وكتائب أبو العباس وغيرهم.


أزمة الإصلاح

يتشكل حزب الإصلاح من روافد متعددة، فله امتداد قبلي قوي وآخر علمي سلفي، ويلاحظ أن الشباب الذين تعلموا تعليمًا عاليًا باليمن في فترة تكوُّن تيار الإخوان المسلمين كانوا إما إخوانًا وإما اشتراكيين، كذلك فإن له امتدادًا عسكريًّا، واحتوى بعض التيارات من الملكيين المتبقين من حروب الستينيات.

كنا قد أشرنا لمركزية الإصلاح في دولة علي عبد الله صالح، وأنه أحد دعائمها الأساسية في تثبيت حكمه، سواء عبر حرب الجبهة والتي أخذوا مقابلها نشر المعاهد الدينية ونشر أيديولوجيتهم الخاصة، وكذلك تحولهم للمؤسسة الدينية الرسمية التي تقرر المناهج الدينية في المدارس، وأشرنا لأهميتهم أيضًا في حالة مواجهة الحوثي، لكن يجب الإشارة إلى أن الحوثي يسعى لاستبعادهم بسبب امتدادهم في الدولة اليمنية وقدرتهم على إعادة إنتاجها، بل تغيير هيكليتها وأطرها بما يتوافق مع تطلعاتهم، وذلك كونهم يحتوون مكونات اجتماعية يمنية متعددة.

وفي المقابل يسعى الجنوبيون لاستبعادهم نظرًا؛ لأنهم يشكلون سلطة الشمال على الجنوب، مع سعي من الإمارات والسعودية لاستبعادهم لأسباب سياسية إقليمية وأيديولوجية كما حدث في معركة تعز الطويلة، من دعم فصائل أبو العباس على حسابهم في تعز، وسيظل التحدي أي الأطراف سيحاول احتواءهم أولًا، كمحاولة السعودية استقطابهم بعد مقتل صالح.

وإن كانت مهمة الإصلاح القدرة على محاولة التوافق مع أحد الفواعل السياسية القوية بالساحة اليمنية الآن، لكن – في اعتقادي – عمومًا أن تشظي الإصلاح أصبح أمرًا واقعًا لينتج المشهد اليمني لاعبين جددًا على الساحة اليمنية بعد انتهاء هذه الحرب التي ما زالت مستمرة.


القاعدة كلاعب سياسي

تستوطن القاعدة في الوسط والجنوب اليمني، ويظل تنظيم القاعدة في اليمن أحد أخطر فروع التنظيم على الإطلاق بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك ليس فقط لتلك الأسباب التي سقناها في الجزء الثاني من التقرير، لكن لكونه أكثر فروع التنظيم الذي سعى لتطبيق استراتيجية إدارة التوحش لأبو بكر ناجي، مع وجود حاضنة شعبية له وأرض مكنته من تطوير قدراته الكمية والنوعية والعلمية.

فعبر إنشاء حركة أنصار الشريعة، وهي الجناح الشعبي لفكر التنظيم ونقل كل الإمكانات التي كانت متاحة للتنظيم في السعودية إلى اليمن في 2009؛ تمكن التنظيم من تطوير أساليب ما يسمونه «المقاومة العالمية»، والتي جاءت نوعية وخطرة على كل الأصعدة بالنسبة لأمريكا والمعسكر الغربي، لكن التنظيم تحول بشكل دراماتيكي بعد ثورة فبراير/ شباط 2011، فحاول السيطرة على الأرض وإقامة سلطة سياسية، وظل لأكثر من عام في مناطق مثل أبين ورداع، ثم انسحب منها إثر تدخل الجيش اليمني وقتها بدعم خارجي.

وبعد دخول الحوثي إلى صنعاء حاول التنظيم مرة أخرى، لكن هذه المرة مع المكلا أبريل/ نيسان 2015 وانسحب منها تحت ضغط إماراتي، ثم طرأ تحول في استراتيجية التنظيم، فقد شارك التنظيم في حرب تحرير تعز عام 2017، وانسحب منها بعد تلقيه بعض الضربات.

ومع كونه لا يحتمل الوجود في ظل غياب الغطاء الشعبي هناك فإن هذا التوجه يشير لاستراتيجية القاعدة الراغبة في المشاركة في التوجه العام لأهل الوسط والجنوب وتقديم نفسها كحامية وضامنة لهم، مما يعزز من شعبيتها ويمكنها من إيجاد موطئ قدم لها بعد انتهاء هذه المعارك، كما أنها لا تدخر وقتًا لتتخذ قرار الانسحاب في الوقت التي تبوء فيه خططها بالفشل.

تلقى التنظيم في ظل ذلك ضربات موجعة من الولايات المتحدة منذ عام 2010، عندما أقدم نضال مالك الجندي الأمريكي من أصل فلسطيني على قتل زملائه في قاعدة «فورت هود» العسكرية، وظهرت علاقة بينه وبين أنور العولقي حامل الجنسية الأمريكية، ما دفع أوباما للسعي لتغيير قوانين لتسمح باغتيال مواطن أمريكي خارج الحدود الأمريكية بطائرة بدون طيار، واستمر الحال باستهداف أهم قيادات التنظيم، والذي نال جميع القيادات على أعلى المستويات مثل ناصر الوحيشي و البدوي المرتبط بأحداث تفجير المدمرة كول، مطلع العام الجاري.

أصدرت مؤسسة الملاحم الإعلامية التابعة للتنظيم باليمن منذ ما يقارب الشهرين تسجيلات فيديو تحت عنوان «هدم الجاسوسية»، ترصد الاختراق السعودي القوي للتنظيم من الداخل، حتى نال أحد أعلى المهمات داخل التنظيم، وامتنع التسجيل عن ذكر اسمه، مما حدا بالتنظيم لاعتماد سياسات داخلية صارمة تشمل التضييق على انتماء غير اليمنيين له، مما سيحوله إلى جماعة يمنية محضة مع الوقت.

تجدر الإشارة هنا لبعض النقاط:

1. يقدم التنظيم نفسه كقوة سنية تدافع عن حوزة أهل السنة في مقابل المد الشيعي.

2. يدرك التنظيم إشكالية استهداف المكون العلوي أو الشيعي عمومًا، لذلك نجد سياساته في حضرموت استدعت عدم عداء المكون العلوي فيها.

3. يستغل التنظيم حالة الرفض الشعبي للحوثي كمسوغ لتوسيع شعبيته، لذا فهو لا يستميت في عداء الفرق التي تحاربه ومدعومة من الإمارات،بل يجد سبيلًا للعمل إلى جانبها (يمكن مجازًا أن نشير لتوافق الهدف هنا).

4. بالرغم من أن التنظيم قائم على فكرة الجهاد العالمي فإنه تدريجيًّا يتجه نحو هدف قومي عصبي مهموم بقضايا الداخل، كونها تتوافق بشكل قوي مع غياب الدولة ونمو سلطة القبيلة والمجتمع في المناطق الموجودة فيها.

5. تسعى القاعدة إلى عدم التمايز، لذا فإنه من الصعب استئصالها إلا بانتهاء المسوغ لوجودها.

6. قد تصل القاعدة للتفاوض نظرًا لأن هناك من المجتمع المدني اليمني من وُضع على قوائم الإرهاب، فهي قد تعسى من هذه الحالة لاستغلال تلك المظلومية في عمل مواقف شعبية تلقى قبولًا.

7. سيظل التنظيم في عداء استراتيجي وعقدي مع الحوثي، فمن ناحية لاختلاف المنهج الديني، ومن ناحية أخرى لأهمية عدائه لاستمرار القاعدة ضمن حاضنتها الشعبية، ومن وجه آخر استغلالها لعداء الوسط والجنوب اليمني لإشكالية الشمال ودولته المركزية، فالحوثي ممثل لتلك الصورة التي يمقتونها.


سبيل التنمية وبناء الدولة

لن يكون للحل العسكري أفق إلا إذا أرادت الأطراف الداخلية إعادة إنتاج الدولة، ولا بد أن تفضي المعارك العسكرية إلى طاولات السياسة والتفاوض. على جميع الأطراف الوعي بهذه النقطة والتجهيز لما بعدها، ومع أن الخيار الصعب لم يصبح مستحيلًا بعد، فإننا سنحاول وضع بعض المعايير التي تجب مراعاتها في إعادة بناء السلطة السياسية هناك:

1. معطيات داخلية

أ. استقلالية القوى السياسية الداخلية لليمن مثل (الحوثي، الإخوان، الأحزاب الاشتراكية، المكونات القبلية الكبرى، المكونات القومية والجمهورية … إلخ) بدلًا من أن تكون ممثلة لدول خارجية متصارعة فيما بينها، وأن يكون قرارها مرتبط بالداخل اليمني، ونظرًا لصعوبة تنفيذ هذا الأمر في الوقت الراهن فإن خيار السعي للتوافق النسبي مع أكثر من برنامج لمتدخلين خارجيين قد يعطي فرصة للنجاح بشكل مؤقت والسعي إلى الحسم داخليًّا مهما كلف ذلك.

ب. وجود شخصيات كاريزمية وقيادية، وكذلك قوى سياسية تحظى ببعض القبول تقود إصلاحات سياسية وتفاهمات على نطاق واسع.

ج. حسم بعض المعارك العسكرية لاستخدامها في مرحلة التفاوض والحوار.

د. وصول القوى المتحاربة لتوافق وتوازن داخلي بناءً على قبول اللحظة والظرف الراهن، مع إمكانية القبول بفكرة انفصال الشمال عن الجنوب أو الدخول في وحدة بشروط ومحددات واضحة ومتينة جديدة تعيد شرعية هذا الوضع، وإن كنا نراه صعبًا.

هـ. يجب أن تتعاظم القوى الداخلية وتأخذ بزمام المبادرة حتى تصل لمرحلة من القوة، وأن تبادر في السعي بالحل وإن كان هذا التحرك يبتدئ من توحد اليمنيين في مواجهة كل أشكال التدخل الخارجي، بما يشمل التحالف نفسه.

و. قبول التفاوض مع جميع المكونات السياسية اليمنية وعدم استخدام الحوار المدعوم من الخارج في عمليات الإقصاء السياسي، وأن يكون في إطار يمني – يمني.

2. توازنات إقليمية

أ. إن حل مشكلة اليمن ستنطلق بشكل كبير من طهران والرياض وإن كان هذا الحل غير مجدٍ لشعب اليمن بالقدر الذي سيخدم به تلك الدول الإقليمية.

ب. على اليمنيين أن يجبروا تلك الدول على اتخاذ موقف إيجابي أو اللجوء إلى الحياد، ربما قد يتأتى ذلك بعد أن تدفع بعض تلك الدول فاتورة كبيرة في تدخلها في المستنقع اليمني، وربما تكون الإمارات أول من يحاول الخروج منه دون الاستمرار في دفع تكلفة باهظة، ربما قبل السعودية في حالة عدم استمرار ضغط أمريكي بخصوص ملف اليمن.

ج. أن تعي الدول الإقليمية أن الحرب باليمن لن تنتهي بحسم عسكري وإنما سياسي، عبر السعي لبناء مؤسسات للدولة ثابته وقوية مهما كلفها ذلك من تنازلات بقبول تيارات تختلف معها.

د. يرتبط مصير اليمن بلا شك بمدى حدة الصراع السعودي الإيراني، وكذلك بالوضع السوري، فبلا شك التفاعلات الصراعية بين إيران والسعودية بما أنها صفرية لن تفضي إلى حل شامل وممكن في القريب العاجل.

3. السياق الدولي

أشك في رغبة الولايات المتحدة في الحل العادل للقضية اليمنية، لكن يجب أن نعترف بأنها تملك أوراقًا متعددة للضغط على النظام السعودي والإيراني لإمكانية الحل باليمن، ويظل هذا الأمر معلقًا طالما الوضع الحالي يضمن ضعف تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وعدم قدرتهم على التهديد الخارجي. كما أن استمرار الاحتراب الداخلي يقوض من التهديد الخارجي للجماعات «الجهادية» الراديكالية، كما ثبت في التجربة السورية والعراقية مؤخرًا.

4. مشروعات بناء الدولة

أ. يجب أن تكون واضحة ومحددة من قبل الأطراف المتدخلة باليمن.

ب. يجب أن تكون متسقة مع الوضع والحالة اليمنية المعقدة، وأن تجعل للقبيلة موطئ قدم في عملية الإصلاح السياسي هناك.

ج. أن تشمل رغبة إقليمية في تنمية الاقتصاد اليمني بدلًا من دعمه بالمال فقط.

د. أن يكون هذا النظام ملائمًا لدول المنطقة، غير معادٍ لها، وأيضًا لشعوب المنطقة.

هـ. أن يقبلها اليمنيون بصفتهم الذاتية وليس بصفتهم ممثلين لأطراف دولية وإقليمية.

وأخيرًا فإن أي حل خارجي لن يراعي التعقيد السياسي الداخلي اليمني بواقعية ويعطي فرصة ومساحة جيدة القوى الداخلية لكي تنمو وتسعى فيما بينها للحل فإنه سيخفق، وستتحول اليمن إلى مستنقع مستنزف لهذه القوى الخارجية المتدخلة باليمن.

ربما تتمتع السياسة الإيرانية بشكل أكثر ذكاءً في اليمن كونها لم ترسل قوات كما هو الحال في سوريا، واكتفت بدعم عسكري وخبراتي ومعلوماتي استراتيجي مهم لجماعة أنصار الله، لكنها عبر تحالفها مع مليشيا الحوثي فإنها لا ترجو حلًّا سياسيًّا فعليًّا باليمن خلال الوقت المنظور حتى يطلبه منها التحالف مع إخفاقه.

كل هذا التعنت من قبل الأطراف المتدخلة والتي حظرت الطيران وفرضت حصارًا بحريًّا أيضًا فاقم من الحالة الإنسانية باليمن وانتشرت أمراض ومجاعات على مستوى واسع، مع صعوبة الحل وانعدامه نظرًا للحالة الإقصائية التي يمارسها الحوثي والتحالف على حد سواء للقوى السياسية الأخرى، ما يشكل وضعًا سائلًا جديدًا وانهيارًا لأي مؤسسة يمكن من خلالها إعادة بناء دولة يمنية ذات سيادة ومستقلة وتمتلك مؤسسات فاعلة وراسخة، واحترام للمجتمع اليمني المتنوع.

ربما كان اتفاق الحديدة يمثل بصيص أمل لليمنيين بالرغم من أن جميع المؤشرات تشير إلى استمرارية الصراع والحرب الأهلية اليمنية، حيث أكدت الوقائع حتى الآن انعدام أفق الحل واستمرار الواقع الدموي الكئيب، ويظل السؤال: هل يقبل اليمنيون بدولة تابعة تحمي مصالح الدول العالمية أو هشة ستكون عرضة لنزاعات إقليمية لا تنتهي؟