هل أخطأ «تشافي» بالإشارة لأهمية العشب في الكلاسيكو؟
منذ فترة ليست بالقصيرة، يتغامز محبو نادي ريال مدريد باسم «خبير العشب» للنيل الساخر من القائد الكتالوني «تشافي هيرنانديز» الذي لم يجد غضاضة في التأكيد داخل مؤتمر صحفي علني، عن أن النادي الملكي يستخدم أسلوبًا غريبًا لإيقاف طريقة لعب برشلونة. كان ذلك قبل كلاسيكو هام ضمن نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لعام 2011.
في حالات مشابهة، لا يمكن أبدًا أن نصف الإسباني بالمختل أو الفاشل، لا سيما أن فريقه قد حسم تلك المعركة لصالحه، وبكونه خبيرًا تكتيكيًا محنكًا ولاعبًا من طراز فريد، فإن الإشارة إلى العشب ومدى أهميته في تحديد طريقة لعب الفريق لابد أن يُعتد بها. فإن كانت تلك اللعبة تُلعب داخل مستطيل واحد متشابه في كل مكان في العالم، فإن درجة التشابه الأولى تكمن في الخضرة، ولابد من وجود أهمية قصوى لذلك اللون.
ليست دواعي صحية
في البداية، يجب التأكيد على أن التعامل مع أرضية الملعب يتم من خلال طاقم عمل متخصص في كل ناد، لكل منهم طريقته وخبرته في التعامل، فسواء كان العشب الذي يتم التعامل فيه من خلال الري وطرق المعالجة وفقًا لعدة عوامل أهمها تكمن في درجة الحرارة أو غيره من العناصر.
المقصد هنا أن أرضية الملعب باتت أحد أهم العناصر التي تدخل ضمن دائرة اهتمام المدير الفني ورفاقه، في بعض الفرق يتساوى الحال بينها وبين اللاعبين ذاتهم.
طرق الري باختلافها كانت تعامل – أولًا- كونها عاملًا صحيًا وضروريًا لأي تربة، كانت تلك هي الإجابة الأكثر سهولة ومنطقية بالنسبة لكل المتابعين، لكن بالعودة إلى بطولة يورو من عام 2012، نجد أن الاعتراض على أرضية الميدان ليست عادة خاصة لتشافي، لكن ربما لإسبانيا بأكملها. حيث خرج العديد من المسئولين عن منتخب «لا روخا» في هذه الأثناء،مؤكدين أن قرار إدارة الملعب بعدم ري أرضية الميدان قبل بدء المباراة بـ15 دقيقة، ساعد على خروجها – انتهت بالتعادل الإيجابي- بشكلٍ أكثر سوءًا.
المعروف أن قرار الري يتم بموافقة طرفي المباراة، وإيطاليا، التي كانت الطرف الثاني من نفس اللقاء،لم تقدم موافقتها على تلك العملية، بحجة أن اللاعبين غير معتادين على الملاعب المبللة بشكل يُسّرع من انسيابية الكرة. ربما يمكن القول إن ذلك الحدث، أو من قبله بسنوات، فتح المجال حول استخدام الماء كعنصر من عناصر التكتيك على أرض الميدان.
إذا كنت أحد مشجعي أرسنال أو توتنهام في إنجلترا،ستجد أنه خلال السنين الأخيرة كانت عملية الري تتم قبل وبين شوطي المباراة، وفي أماكن محددة، بالضبط على أطراف الملعب وبمقدار ضعيف يجعل تلك الأمكان مبللة فقط. حيث ستكون الأماكن المفضلة لنقل الكرة وتدويرها، الماء يزيد من انسيابية وسهولة حركة الكرة طالما كان ضمن مقدار محدد، وذلك يساعد فرق مثل إسبانيا وتوتنهام وأرسنال وبرشلونة ومن على شاكلتهم.
العكس صحيح في حالات الفرق الدفاعية، التي ستفضل دائمًا أن تزيد من منسوب المياه بشكل كبير في عمق الملعب، داخل منطقة الجزاء التي يهاجمها الخصم، لتكون حركة الكرة داخلها أبطأ من المعتاد وبالتالي هجمات أصعب.
تشافي لم يكن مجنونًا
في تسعينيات القرن الماضي، تواجد مدرب يدعى «جون بيك» على رأس الجهاز الفني لكمبردج يونايتد.اعتاد ذلك المدرب على أن يعطي أوامر لرجال العناية بأرض الملعب أن يتركوا العشب ليزداد طوله عند أطراف الملعب، بجانب رايات الجانب. اتضح الغرض فيما بعد ذلك بأن الكرة ستتوقف عن الجريان أكثر كلما كان العشب أطول.
مدرب من تلك النوعية التي تفضل اللعبة الإنجليزية المشهورة المعتمدة على الكُرات الطولية، كان يتمنى أن إرسال الكرة على طرفي الميدان أن يتم بنجاح كبير لتتوقف الكرة عند تلك النقط تحديدًا من الملعب. بعد ذلك بسنوات بدأ هذا المدرب تطوير المدربين ضمن برنامج الاتحاد الإنجليزي، مما يجعلنا نتوقع أن تلك السياسة نقلت إلى إنجلترا بالكامل فيما بعد، خاصة أن الأغلبية وقتها كانت تعتمد ذلك الأسلوب، إلا شخص واحد فقط، يدعى «أرسين فينجر».
فور وصول الفرنسي إلى الأراضي الإنجليزية، نقل اللعبة من الجو إلى أرض الملعب، كرة تتحرك كثيرًا فوق أرض الميدان كان شيئًا بغيضًا بالنسبة للأندية المحلية التي اعتادت أن ترفع رؤوسها دائمًا لأعلى، بالتالي أعادوا استخدام سياسة العشب ضد فينجر حتى اشتكى بنفسه من تلك السياسة، التي وصفها بأنها حرب أرضية الميدان، مؤكدًا أنه سيرى مثل هذه السياسات في كل الملاعب الخارجية طالما يعتمد على تدوير الكرة بطريقته الخاصة.
قبل الكلاسيكو المذكور في 2011،أكد أسطورة برشلونة السابق أن طول العشب الذي يُعتمد عليه في ملعب «سانتيجو بيرنابيو» سيؤثر بنسبة مؤكدة على أداء الفريق. وبالرغم من كل السخرية التي نالها تشافي على ذلك التصريح، لكنه لم يرجع عنه وأعاد إحياءه في 2014 مُحملًا العشب أسباب الهزيمة أمام بلد الوليد في الدوري المحلي.
بعد سنوات، كانت جلسة «بيب جوارديولا» مع الطاقم الفني لأرضية ملعب الإتحاد هي أهم الجلسات فور وصوله لقيادة مانشستر سيتي.الطلبات كانت واضحة بألا يزيد طول العشب على 19 ملليمترًا، وطرق محددة في الري تجعل طريقة لعب الفريق تتنفذ بشكلٍ أمثل. يتطابق ذلك الطول مع نظرائه في بافاريا وفي كتالونيا، مما يعني أن طول العشب يدخل ضمن السياسات الحديثة لتطبيق الكرة التي يفضلها بيب ومن ورائه فينجر وتشافي وغيرهما.
«بريطانيا ستاديوم»: ليس العشب وحده
أحد أشهر التحديات التي يخوضها أي فريق في إنجلترا خلال التاريخ القديم والحديث، هو اللعب ضد فريق ستوك سيتي داخل ملعبهم «بريطانيا ستاديوم». سرعان ما تطلق الجماهير التحدي في أغانيهم وأهازيجهم ضد أي لاعب أو فريق يقدم أداء براقًا في العموم: لكن هل يستطيعون فعلها داخل ليلة ممطرة باردة في «بريطانيا ستاديوم»؟
نجح فريق ستوك في الوصول إلى المنافسات الأوروبية في عام 2011/12، لكن في غضون ذلك اضطروا إلى تغيير أبعاد ذلك الملعب الضيق والذي لا يتناسب مع مواصفات الاتحاد الأوروبي للعبة.
صعوبة ذلك الملعب تكمن في ضيقه، الضيق الزائد عن الحد يخنق الفرق التي تسعى لتقديم كرة قدم حركية، بجانب كل لاعب ستجد خصمًا، لن يكون هناك حرية. في ذلك يعترف المدرب الويلزي «مارك هيوز» أنه في شهر مايو من عام 2000، قام بقراءة تعليمات الاتحاد الدولي فيما يخص أبعاد وعرض الملاعب، وأمر بتضيق الملعب حتى الحد الأدنى، كان ذلك قبيل مباراتهم ضد البرازيل. نجح الـ«سيلساو» في تحقيق الفوز وقتها بالرغم من ذلك، لكنه لم يمنع التجربة من التوسع – هي في الأصل لم تكن مستحدثة.
في الكأس الأوروبية لعام 1987، قام فريق رينجرز الأسكتلندي بالأمر ذاته.أمر إداريو الفريق بمسح خطوط الملعب وتقريبها أكثر إلى بعضها البعض، في هذه المرة نجحوا وتمكنوا تحقيق فوز بهدف نظيف. من بعدها، باتت تلك هي الطريقة المفضلة للفرق الدفاعية وخاصة الصغيرة منها، كلما كان الملعب أقل ضيقًا زادت صعوبة الفرق الكبرى والتي تسعى للاستحواذ.
يظل ذلك في إطار قانوني طالما كانت الأبعاد لا تتخطى الحد الأدنى، بريطانيا ستاديوم،الذي كان أصغر ملعب في الدوري الممتاز بـ100 م × 66 م، ظل لفترات طويلة بعدة خطوط عند التماس، ذلك ليتوافق مع كل بطولة على حدة. كلما تغير الحد الأدنى تغيرت مساحة الملعب.
نحو كرة قدم أسرع
كان العالم الكروي لا يعرف إلا العشب الطبيعي لمدد طويلة، حتى أول بطولة عالمية لكرة القدم النسائية والتي لُعبت على أرض صناعية لتقليل التكلفة وعدم إتاحة ملاعب كبرى لها. من حينها تم ظهور موجة من الملاعب التي تقوم على العشب الصناعي، ربما لم تظهر بكثرة في البلاد الأوروبية، لكنها داخل أفريقيا تعد هي العامل السائد.
وحسب الدراسات التي أجرتها إحدى الهيئات الرياضية، مؤخرًا، فإن الأرضية الصناعية تملك معدل ارتداد أكبر من الأرضية الترابية أو المزروعة بنسبة تتخطى الـ28%، مما يعني أن الكرة في حال سقطت على الأرض لن يكن هناك عامل لامتصاص تلك الصدمة أو أنه أقل من الموجود في الأرضية الطبيعية مما يجعلها تتأرجح أسرع وأسرع.
الدراسة تؤكد أن التأثير الأكبر في هذا الجانب يكمن في التصويب، بعد التأثير على سرعة الكرة، فمثلًا، إن أخطأ أحد اللاعبين وتأخر في قرار التصويب بمعدل 1 من مائة للثانية، فإن ذلك سيجعل الكرة تبتعد عن مكانها الطبيعي بـ11 خطوة/ياردة بالضبط.
المؤكد أن استخدام الأراضي الصناعية لم يجد من يستحسن وجوده بكثرة في الوقت الحالي، لكن من يعلم ما الذي يحمله المستقبل طالما لا توجد أي قوانين تضبط طول العشب بمعدل ثابت حول العالم ولا حتى طريقة ري محددة بمنسوب مائي معروف، ولا حتى بُعد واحد لكل الملاعب، فليس من المستبعد أن تسعى الفرق التي تحاول خلق كرة قدم أسرع أن تعتمد على تلك النوعية من الملاعب فيما بعد.