تشافي وبرشلونة: مرحبًا بك في مدينة «المتظاهرين»
كان الرئيس الأمريكي رونالد ريجان على يقينٍ بأن الدول الشيوعية واجهت مشاكل في إنتاج طعام يكفي شعوبها، وفي أحد نوادره، استعان بدعابة، زعم أنّها تتناقل بين المواطنين بالاتحاد السوفييتي.
حسب الرئيس، زار أحد مفوضي ستالين، زعيم الاتحاد السوفييتي، مزرعة بطاطس، وبدأ في سؤال أحد الرفقاء عن أحوال باقي الرفقاء، فرد المزارع أن الأمور على ما يرام. فسارع المفوّض بسؤاله حول المحصول، فأجاب المزارع: «أيها الرفيق المفوّض، لو وضعت البطاطس في كومة واحدة، قد تصل إلى قدم الإله».
تعجّب المفوّض من رد المزارع متسائلًا: أي إله؟ نحن في الاتحاد السوفييتي. فأجابه المزارع: إذن، لا توجد بطاطس.
كان هذا ملخصًا للحياة بالاتحاد السوفييتي؛ الجميع يتظاهر أنّه يفعل شيئًا، تتظاهر الحكومة أنّها تمنح أموالاً لموظفيها مقابل عملهم، ويتظاهر المواطنون أنهم يعملون. والحصيلة، دولة تبدو في ظاهرها قوية، أما من الداخل فهي أكثر هشاشة مما نعتقد.
انسف حمامك القديم
لنعُد خطوة للخلف، تحديدًا بعد خسارة «برشلونة» في دوري أبطال أوروبا أمام «بايرن ميونخ» الألماني في افتتاحية مجموعته بالمنافسة القارّية هذا الموسم بثلاثية نظيفة، والتي أعقبها تعادل إيجابي ضد «غرناطة» بالدوري الإسباني الممتاز بشهر سبتمبر عام 2021.
آنذاك، لم يجد المدرّب الهولندي بُدًا من مصارحة الجماهير بحقيقة وضع النادي الكاتالوني، وخرج في مؤتمرٍ صحفي شهير، اكتفى خلاله بتعديد أسباب انهيار النادي، ومطالبًا الجماهير الكاتالونية بالصبر؛ لأنه السبيل الوحيد لعبور هذه الأزمة الاقتصادية – الرياضية التي يمُر بها النادي.
بعد إقالة كومان المتوقعة لسوء النتائج، استقدم «تشافي هيرنانديز»، الذي جاء محميًا لكونه أحد أساطير حقبة «برشلونة بيب»، مع سيرة ذاتية ربما أقل من تلك الخاصة بـ«كومان». لكن فور تعيينه، قرر الإسباني أن يُخبر الجماهير بما تريد.
تحدّث تشافي في مؤتمر إعلانه كمدير فني جديد للبارسا عن ضرورة العمل كفريق، وإصراره على تطبيق نظام اللعب التموضعي؛ القائم على الضغط من مناطق مرتفعة بالملعب، استخلاص الكرة بنصف ملعب المنافس، خلق عدد وافر من الفرص بكُل مباراة، والسعي للفوز بكل مباراة، حتى ولو كانت ضد بايرن ميونخ. لماذا؟ لأن هذا هو الحمض النووي لبرشلونة، الذي لا يمكن أن يحيد عنه.
ربما يكمُن هنا الفارق الجوهري بين التعامل مع «كومان» و«تشافي»؛ الأول اختار المصارحة، أما الثاني اختار أن يتظاهر أنّ بإمكانه تقديم وجه مغاير لنفس الفريق، قبل حتى أن يتسلّم زمام عمله كمدير فني جديد.
لأننا لا نعلم
على صعيد الالتزام والعمل كفريق، أرسى «تشافي» مجموعة من القواعد الانضباطية؛ مثل ضرورة الحضور لمقر التدريبات مبكرًا، عودة تطبيق الغرامات على المخالفين، وضرورة تناول الطعام داخل مقرّات النادي، والتي اعتقد أنّ بتطبيقها قد يقل حجم المتاعب التي يواجهها اللاعبون على أرض الملعب منذ سنوات، وهذه ربما خطوة تأخرّت كثيرًا، وقد تكون أحد أسباب عدم ظهور الفريق ككتلة واحدة.
على أرض الملعب، تحسّن الفريق من حيث النتائج، لكن العينة لا تزال صغيرة للقياس عليها، وهو ما ينقلنا لاحتمالية تعرّض الفريق لما يعرف في أوساط كرة القدم بـ«الارتداد الإداري».
مع استمرار تعثّر أي فريق لفترات طويلة نسبيًا، تنهار ثقة اللاعبين بمديرهم الفني حتى يُقال، وتكون مهمة المدير الفني الجديد مقتصرةً على تنشيط الفريق، إصلاح بعض المشاكل الفنية التي عانى منها الفريق، والأهم؛ أن يلعب الفريق من أجل «المدير الفني الجديد».
طبقًا لهذه الفرضية، تحسُّن «برشلونة» تحت إمرة تشافي لم يبنى في الأساس على مهارات تم إكسابها لعناصر الفريق فجأة. بالتالي، يُعتقد أن مستقبل برشلونة مع لاعب وسطه السابق مرهون بما يعرف بالانحدار نحو المتوسط، أي العودة مجددًا للمستوى الطبيعي المتوقع من اللاعبين طبقًا لإمكانياتهم فور زوال العشوائية الناتجة عن تغيُّر الأجواء المحيطة بالنادي، إلا إذا جدّ جديد.
حمض برشلونة النووي
بذكر المهارات الجديدة، أضاف «برشلونة» لقائمته مجموعةً من اللاعبين الجُدد في شتاء 2022، هم البرازيلي «داني ألفيش»، الإسبانيان «فيران توريس» و«أداما تراوري» وأخيرًا الجابوني «بيير إيمريك أوباميانغ». وبالنظر للحالة الاقتصادية الراهنة للنادي، وصعوبة تسجيل اللاعبين بسبب تخطّي النادي لسقف الرواتب المسموح من الليجا، يبدو سوق انتقالات البارسا جيدًا من حيث الأسماء، لكن هل يتوافق مع وجهة نظر «تشافي»؟ لنرَ.
يعتقد «جون مولر»، محلل موقع «ذي أثليتيك»، أنّ «تشافي هيرنانديز» اعتاد أن يكون رجلًا مثاليًا، متمسكًا بقناعاته، لكن تولي مسؤولية نادٍ بحجم برشلونة يختلف جذريًا عن تدريب «السد القطري» دون شك. في برشلونة تُختبر قناعات الرجل المثالي بشكل شبه يومي.
في 2020، مع تزايد الأنباء بشأن سعي إدارة البارسا السابقة للتعاقد مع أي من الجناحين الجابوني «بيير إيمريك أوباميانغ» أو السنغالي «ساديو مانيه»، وفي تصريح اختص به «تشافي» صحيفة «ميرور» الإنجليزية، ارتأى مدرب برشلونة أنّه لا يرى أيًا من نجمي البريميير ليغ مناسبًا ليقتحم تشكيل البلوجرانا.
حسب وجهة نظره، برشلونة في حاجة للاعبين يمكنهم اللعب في مساحات ضيقة؛ مثل الكاميروني «صامويل إيتو»، أو الأوروجوياني «لويس سواريز»، وهو ما لا يستطيع القيام به أي من الاسمين أعلاه، إضافة لتفضيله عدم المغامرة بالتعاقد مع لاعب لم يسبق له اللعب في الدوري الإسباني من قبل.
هذا ليس كُل شيء، يخبرنا مصدر مُطلع على طريقة عمل برشلونة في سوق الانتقالات، أنّ الإسباني «أداما تراوري» لا يمتلك سمات الحمض النووي الخاص ببرشلونة، لكنه على أقل تقدير، يستطيع التكيَّف مع بيئة برشلونة الخاصة، كما ارتضى «تشافي» باستعارة جناح «وولفرهامبتون» الإنجليزي السابق، جاء بسبب رغبته في امتلاك لاعب يمكنه إضافة السرعة على الجناح.
أخيرًا، تتردد أصوات أخرى تؤكد تفضيل الإسباني للمدافع الإسباني «إريك جارسيا» على الأوروجوياني «أراوخو» كقلب دفاع، حتى مع تألق الأخير وإظهاره لشخصية وجودة دفاعية أكبر مقارنةً بالأول؛ لكن السبب في ذلك، هو قدرة «جارسيا» على الصعود بالكرة من الخلف.
نعتذر إن أصابك التشتت، يبدو أن «تشافي» مغلوب على أمره، تمامًا مثل جماهير البارسا، فالرجُل يتنازل عن قناعاته تارة، ويتظاهر بتمسّكه بها في أخرى. كذلك الجماهير، ترغب في لعب كرة قدم جميلة مرصعة بتقاليد الـ«تيكي تاكا»، لكنها ترغب في نفس الوقت في المنافسة بشكل جدّي.
لابورتا: تحدّث كثيرًا لتتوه الحقيقة
في كاتالونيا، «خوان لابورتا» هو زعيم المتظاهرين، المحامي الإسباني يمتلك سياسة تؤتي ثمارها، حتى وإن بدت ساذجة، يتحدث كثيرًا، يكيل الوعود، ثم يفي بأقل القليل، فينهال الجميع بالتصفيق لرجل حاول ولم تسعفه الظروف.
بدايةً، أتى «لابورتا» مرتديًا ثوب المُخلّص، حيث بنى حملته الانتخابية على هدف رئيسي؛ وهو تجديد عقد الأرجنتيني «ليونيل ميسي»، وهو ما لم يحدُث بالطبع، لكن لقطات احتضانه لقميص أسطورة البارسا حققت المطلوب دون شك.
المهمة التالية كانت «إعادة برشلونة» لسابق عهده، عبر تعديل أوضاع النادي اقتصاديًا وبناء فريق قادر على المنافسة. وحتى لا نشتتك مجددًا، الوضع الاقتصادي لـ«برشلونة» بسيط بقدر تعقيده. باختصارٍ، يجب التخلُّص من اللاعبين ذوي الرواتب المرتفعة أولًا، من ثم الحديث عن أي شيء آخر.
بالطبع، لا يمكن لوم «خوان» على تحمّله تركة الرئيس السابق «بارتوميو»، لكن القصة برمتها تكمُن في إصرار الرئيس الحالي على التصريح بـ«عودة برشلونة»، على الرغم من إدراكه لحقيقة حجم ديون النادي قصيرة وطويلة المدى، ما يعني استحالة ضَم أي من الأسماء الوازنة، وعلى رأسهم النرويجي «ايرلينج هالاند»، نجم بوروسيا دورتموند.
في الواقع، انتهى سوق الانتقالات الشتوية، التي لم ينجح خلالها لابورتا ومعاونيه في التخلّص من الحمل الزائد المتمثل في لاعب مثل الفرنسي «صامويل أومتيتي»، الذي تقرر تجديد عقده كحيلة مالية لإضفاء قيمة عقده على أكبر عدد ممكن من السنوات. كما لم ينجح النادي في الظهور كلاعب كبير في سوق الانتقالات حسب زعم الرئيس. وما يزيد الطين بلة؛ هو تداعيات الخروج من دوري الأبطال اقتصاديًا على النادي.
حقيقة، يمكننا الزعم بأن لابورتا يتعامل مع برشلونة بمبدأ «تأثير أحمر الشفاه»، وهي ظاهرة اقتصادية تؤكد ارتفاع طلب السيدات على منتج أحمر الشفاه خلال الأزمات الاقتصادية الطاحنة، حيث تتظاهر السيدات أنّه يكفي لكي يظهرن جميلات. بالتالي، ربما يتظاهر الرئيس أن العودة تتمثّل في استعارة «أداما تراوري»، أو التعاقد مع «داني ألفيش»، «فيران توريس» أو حتى «أوباميانغ».
ختامًا، لا ندري ماذا يخبئ المستقبل لبرشلونة تحت قيادة تشافي ولابورتا، لكن الأكيد أن الجميع يتظاهر، الرئيس يتظاهر بأن العودة للطريق الصحيح بدأت، ويتظاهر «تشافي» بأنّه يستطيع استعادة إرث جوارديولا بلاعبين يمتلكون خصائص لا تمثّل هوية البارسا، ويتظاهر الجمهور -مجبرًا- أنّ القادم أفضل.