دليل الكتابة (3/ 8): مراحل عملية الكتابة
الكتابة ليست عملية سهلة على الإطلاق، فأنت لن تتخيل ناتجًا معينًا في داخلك، ثم بسهولة تجد هذا الناتج يصبح محققًا في الواقع، بل إن أغلب الكتاب يؤمن بأن الناتج النهائي الذي قدمه يختلف تمامًا عن الذي تخيله في ذهنه، يقول «غوستاف فلوبير»:
فلا يظن أحد أن الأمر سهل بل إنك تحتاج إلى أن تمر كتابتك بالعديد من المراحل، حتى تخرج بالناتج المرجو، والذي يجعلك تشعر بالرضا عما تقدمه.
مراحل عملية الكتابة
تنقسم مراحل عملية الكتابة إلى أربعة مراحل، ويرافقنا في هذه المراحل كوبرنيكوس كما رافقنا في المقال السابق، حتى يمكن لوجوده أن يسهل علينا فهم المراحل الأربعة وكيفية تطبيقها.
المرحلة الأولى: التخطيط
من أهم المراحل في إنتاج كتابتك هو التخطيط الجيد لها، ولا ينتهي التخطيط بمجرد البداية، بل يستمر معك في كل خطوة حتى الوصول إلى عملية النشر.
عملية التخطيط تبدأ بالطبع من اختيار الفكرة المطلوب الكتابة عنها، وذلك لأنه ليس شرطًا أن تقرر الكتابة وهناك فكرة محددة في ذهنك، بل مثلًا طبيعة عملك أن تقدم ناتجًا أسبوعيًا، وبالتالي فأنت لا تملك دائمًا الفكرة التي تدفعك نحو البداية، بل تحتاج إلى خلق هذه الفكرة.
وقت أن تبدأ في تحديد الفكرة الرئيسية التي ستبني عليها كتابتك، عليك أن تحدد ما هي الأفكار المتفرعة من هذه الفكرة، أو العناصر الأساسية في موضوعك، وذلك لأنه لو كانت الفكرة موجودة لكنها مُعّمّمة، لن تتمكن من تقديم ناتج محدد.
وبناءً على الفكرة الرئيسية يحدد الكاتب الأسلوب الأمثل لاستخدامه في الكتابة.
ما زال الكلام معممًا لذلك نحدد مرحلة التخطيط في عناصر بعينها، من خلال الإجابة على مجموعة أسئلة:
– لماذا أكتب؟ ما الهدف أو الدافع من الكتابة؟ هل الهدف شخصي في المقام الأول كالاستمتاع أو تفريغ الأفكار من الداخل؟ هل الهدف هو إثارة عاطفة الأفراد؟ هل الهدف هو تسليط الضوء على مشكلة في الواقع؟ هل الهدف هو إقناع الأفراد بأمر معين؟ هل الهدف هو النقاش على فكرة محددة؟ طبعًا أغراض الكتابة سبق وتحدثنا عنها في المقال السابق، يمكنك العودة إليها لمعرفة الأغراض المختلفة للكتابة، وما الذي يعنيه كل غرض.
مثال كوبرنيكوس: أكتب لإقناع الناس بخطأ النظرية التي تقول بأن الأرض هي مركز الكون، وأحاول إقناعهم بمركزية الشمس.
-لمن أكتب؟ من الجمهور الذي أخاطبه في كتابتي؟ وقد يكون هناك أكثر من جمهور مخاطب في أثناء الكتابة، تحديد نوعية الجمهور قد يكون أمرًا هامًا في بعض الأوقات، وذلك لسببين:
السبب الأول: معرفة الجمهور يؤثر على تحديد طريقة الكتابة، فالكتابة لصديق مثلًا تختلف تمامًا عن الكتابة لمسئول، والكتابة لمجموعة من الأطباء عن مرض معين تختلف تمامًا عن الكتابة للعامة عن نفس المرض، فلكل فئة الأسلوب الخاص بها في خطابها، وكذلك في المحتوى المقدم، الطبيب أغلب مصطلحاتك في الحديث معه تكون طبية وعلمية بشكل بحت، بينما مخاطبة العامة تكون بشكل بسيط يمكنهم فهمه دون الحاجة للتخصص.
السبب الثاني: لا يتفق الكل على ما يُكتب، هذه حقيقة معروفة في أغلب الكتابات، فمعرفتك بالجمهور يسهل عليك تقبل هذه الحقيقة وفهم سر اختلاف العديد من الأفراد معك.
مثال كوبرنيكوس: الجمهور الذي أستهدفه في فكرتي هو العالم كله.
-ماذا أكتب؟ الفكرة الرئيسية للموضوع، وكذلك العناصر التي تشتمل عليها، وضروري أن تحدد هذه النقاط حتى يمكنك البحث في المعلومات التي تحتاجها في هذا الأمر، فمثلًا لو كنت ستتحدث عن مرض معين، واخترت أعراض المرض من ضمن العناصر، ستقوم بالبحث في المراجع المختلفة حتى يمكنك معرفة هذه الأعراض لتكتب عنها بشكل صحيح دون مغالطات.
مثال كوبرنيكوس: الفكرة الرئيسية هي إيضاح خطأ نظرية مركزية الأرض، وإثبات مركزية الشمس.
العناصر: لماذا الأرض ليست هي مركز الكون، الرد على النظريات التي تؤكد ذلك، الافتراضات التي سأبني عليها مركزية الشمس، تقديم النظرية الجديدة.
-كيف أكتب؟ ما هو الأسلوب الذي أتبعه في كتابتي للموضوع، وما هو الشكل الذي سأعرض به الموضوع وكيف سأقوم بتنظيمه، وأساليب الكتابة مختلفة كما سبق وتحدثنا عنها أيضًا في المقال السابق.
مثال كوبرنيكوس: سأقوم بعمل كتاب مقسم إلى مجموعة أجزاء، وكل جزء يعتمد على مجموعة مقالات علمية مبسطة، وتعتمد على الأدلة المنطقية والعقلية التي تقنع الجميع.
المرحلة الثانية: التأليف
بعد الإجابة على الأسئلة في مرحلة التخطيط يبدأ الكاتب في إنتاج كتابته، وفي الغالب عملية التأليف تركز على توليد الأفكار، بالاعتماد على الأسلوب المناسب والألفاظ ومراعاة قواعد اللغة السليمة.
في النهاية يتكون لدى الشخص منتجه في الشكل المبدئي، بداية من المقدمة، مرورًا بالأفكار والترابط في عرضها، وتقديم الأدلة المناسبة أو المعلومات التي تدعم الفكرة، ثم في النهاية خاتمة الموضوع.
مثال كوبرنيكوس: الإجابة على الأسئلة الأربعة في مرحلة التخطيط هو الناتج المبدئي هنا في عملية التأليف.
المرحلة الثالثة: المراجعة
تتم مرحلة المراجعة على جزئين:
– الجزء الأول: الأفكار: وهنا يقوم الكاتب بمراجعة الأفكار التي قام بتقديمها في الموضوع، هل هناك ما يحتاج للإضافة أو الحذف، ويضع نفسه في وضع الجمهور باختلاف أنواع القراء، كيف سيكون شعور القاريء حيال موضوعه؟ ما هي نقاط القوة والضعف بالنسبة للقارئ؟ الإجابة على هذه الأسئلة يتيح للكاتب مراجعة أفكاره مرة أخرى، ويحدد القرار المناسب في هذه الحالة.
– الجزء الثاني: التنقيح والتحرير: تستكمل المراجعة من خلال هذا الجزء، فيقوم الكاتب بتعديل أي خطأ يكون قد ارتكبه أثناء الكتابة، من ناحية الأخطاء اللغوية أو الإملائية أو أي شيء آخر، بعد إتمام عملية المراجعة عبر هذا الجزء يكون الموضوع جاهز للنشر.
مثال كوبرنيكوس: سأقوم بمراجعة كتابي حتى أتأكد من إمكانية فهمه من الجميع وأضع نفسي في مكان كل القراء المحتملين للكتاب، وسأحدد هل هناك أي أفكار تحتاج إلى تبسيط، أو تعديل على طريقة كتابتها، وهل الألفاظ التي اخترتها سليمة ومناسبة للفكرة التي أتكلم عنها، حتى يمكنني تحضير الناتج النهائي في آخر الأمر.
المرحلة الرابعة: النشر
وهنا يختار الكاتب الطريقة التي يسعى إلى نشر موضوعه من خلالها، فقد يكون النشر إلكترونيًا عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أو مواقع عمل الصحف، أو ورقيًا مع دار نشر، أو جريدة متخصصة، أو مجلة علمية مثلًا، وغيرها من القنوات التي يمكن لأي شخص أن ينشر من خلالها.
وهنا نؤكد على ضرورة اختيار القناة المناسبة لعملية النشر، فالقناة المناسبة هي التي تخاطب الجمهور الذي تسعى إلى الوصول إليه من البداية، فإذا أخطأت الاختيار، قد لا تصل إلى من تريد أبدًا حتى لو قرأ الملايين ما كتبت.
مثال كوبرنيكوس: نشر كتابي سيكون أمرًا صعبًا لأن هناك العديد من القنوات التي لن تقبل النشر، لا سيما وأن الكتاب يتواجه مع الكنيسة ورجال الدين، وبالتالي فلن يقبل أحد معاداتهم، وقد يُنشر الكتاب لكن يتم مصادرته فلا يصل للناس، لذلك يجب البحث حتى اختيار القناة المناسبة ليصل الناس.
هذه المراحل الأربعة يمكن تطبيقها على أي موضوع، وباختلاف الأسلوب المتبع في الكتابة سواء كانت كتابته وظيفية أو إبداعية، فهذه المراحل تضمن أن يكون المنتج بأفضل شكل ممكن وهو المطلوب في النهاية.
لا يوجد تدريب معين في هذا المقال، ولكن يمكنك أن تبدأ في تطبيق هذه المراحل في أي عمل قادم تنوي كتابته، فالغرض الأساسي هو التركيز على الاعتماد على هذه المراحل طوال الوقت نظرًا لأهميتها.
تحدثنا في هذا المقال عن مراحل عملية الكتابة، وفي المقال القادم سنتحدث عن بعض المقومات التي يمكنها أن تساهم في تحسين عملية الكتابة، وسيكون هذا المقال هو آخر المقالات الأربعة التي تتحدث عن الكتابة بشكل عام، نلتقي على خير إن شاء الله.