موجة من الغضب تلك التي اجتاحت الهند مؤخرًا جراء تنامي ظاهرة اغتصاب الفتيات، فللمرة الثالثة خلال أسبوع واحد يتم اغتصاب فتاة وحرقها حية! ويصل الأمر بمرتكبي تلك الجرائم إلى تنفيذها بمنزل الضحية. ولم تكن هذه الموجة هي الأولى من نوعها، إذ سبقتها موجة من الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة في إسبانيا بعد تبرئة خمسة أشخاص من جريمة اغتصاب جماعي لفتاة خلال مهرجان عام 2016.

لعبت هذه الاحتجاجات وما سبقها دورًا كبيرًا في تشديد العقوبة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب، فعلى إثرها أقرت الهند عقوبة الإعدام لمغتصبي الأطفال دون سن الـ 12، ووعدت الحكومة الإسبانية بمراجعة تصنيفها للاعتداءات الجنسية.


الاغتصاب كأداة انتقامية

دائمًا ما تقع المرأة ضحية لجرائم الاغتصاب، ولعل التاريخ هو الشاهد الأكبر على ذلك، بداية من الحرب العالمية الأولى ومرورًا بالنزاعات البينية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، ووصولًا إلى الفاجعة الكبرى مع نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ففي تلك الفترة وقعت أكبر عملية اغتصاب جماعي عرفها التاريخ، فخلال ثمانية أشهر فقط من يناير/كانون الثاني حتى أغسطس/آب 1945 تعرض ما لا يقل عن مليوني امرأة ألمانية للاغتصاب على يد القوات السوفيتية.

فقد كانت النسبة الساحقة من الرجال الألمان مجنّدة في صفوف الجيش وتقاتل على مختلف الجبهات، فبقيت المدن الألمانية شبه خالية من العنصر الذكوري. وتزامنًا مع حلول الجيش السوفيتي بالمنطقة، كانت الألمانيات فريسة سهلة للجنود الذين لم يترددوا لحظة واحدة في إعدام أية امرأة ترفض الرضوخ لمطالبهم. وهكذا تعرض مليونا ألمانية للاغتصابات المتكررة التي بلغت أحيانًا سبعين مرة طبقًا لشهادات عديدة.

بالطبع لم يكن الأمر حصرًا على الجنود السوفيت وحدهم، حيث شارك بتلك الجرائم مختلف جيوش وقوات الحلفاء. فوفقًا لاستجواب حدث بالكونجرس الأمريكي في يوليو/تموز 1945 اعترف الجنرال آيزنهاور، القائد العام لقوات الحلفاء في أوروبا وشمال أفريقيا، أنه عندما دخلت القوات الفرنسية والأمريكية مدينة شتوتجارت الألمانية ساقوا النساء إلى أنفاق المترو، وتم اغتصابهن جميعًا مرات عديدة، ثم جرى إعدامهن.

وطبقًا لكتاب «عندما أتى الجنود.. الاعتداءات الجنسية على الألمانيات نهاية الحرب العالمية الثانية» للمؤرخة الألمانية «مريام غيرهارد»، يوجد نحو 190 ألف اعتداء جنسي قام به الجنود الأمريكيون. ولم يكن الوضع أفضل مع الجنود البريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين، فهم أيضًا اغتصبوا مسنات وأطفالًا بعد وضعهم في السجون، حيث وثّقت الكاتبة 45 ألف اعتداء جنسي قام به الجنود البريطانيون، و50 ألف اغتصاب ارتكبه الجنود الفرنسيون.

أخيرًا، بحلول شهر أغسطس/آب 1945 تراجعت نسبة عمليات الاغتصاب هذه، إثر اتخاذ القيادة العسكرية السوفيتية إجراءات صارمة ضد جنودها المغتصبين، ومع بداية شهر يناير/كانون الثاني 1948 انتهت تلك العمليات، حيث عاد الجنود إلى معسكراتهم وغادروا المناطق السكنية.

لم يعنِ ذلك القضاء على تلك الجرائم بشكل نهائي، إذ تكررت بمختلف الحروب، كما في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، والمجازر التي ارتكبتها بحق الصينيين، والتي كانت ضحيتها اغتصابًا فرديًّا وجماعيًّا لما لا يقل عن 20 ألف امرأة. والصرب في حربهم ضد البوسنة والهرسك، حيث احتجاز النساء في مراكز للاغتصاب على مرأى ومسمع من السلطات المحلية الصربية.


عواصم الاغتصاب الجماعي في العالم

بالرغم من انتهاء تلك الحروب، فإن تلك الجرائم لما تنته بعد. فحتى الآن تتوالى الأنباء تباعًا عن جرائم اغتصاب جماعي لنساء وفتيات قاصرات. ولعل أكثر هذه الجرائم شيوعًا ولفتًا للأنظار كانت بالهند. فبين الحين والآخر نجد السلطات الهندية تلقي القبض على عدد من المتهمين في عمليات اغتصاب جماعية. وكما هو الحال في أفلام بوليود، يتعرض العديد من الضحايا وأسرهن لمختلف أنواع التنكيل من هؤلاء المجرمين، خاصة إذا كانت الأسرة من الطبقات الفقيرة.

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، ما تعرضت له مؤخرًا فتاة هندية في الـ 16 من عمرها من الحرق أمام أسرتها على يد مغتصبيها. فبعد أن اغتصبها مجموعة من الشباب، تقدم والدها بشكوى إلى مجلس القرية، فانتاب الغضب مرتكبي الجريمة، وهاجموا منزل أسرتها وأضرموا النار في الفتاة وهى على قيد الحياة بعد سكب الكيروسين عليها.

فيما كانت البداية الحقيقية لتسليط الضوء على تلك الاعتداءات في 2012. حينما قُتلت طالبة في الـ 23 من عمرها داخل حافلة في دلهي، بعد أن تم اغتصابها جماعيًا. وقد أدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات ضخمة، ما دفع بالحكومة لإصدار قانون يضاعف عقوبة السجن للمغتصبين إلى 20 عامًا، أما الذين يكررون القيام بجرائم الاغتصاب فيواجهون عقوبة الإعدام.

وفي 2013 اغتُصبت فتاة في الـ 21 من عمرها من قبل رجلين، ثم اغتُصبت مرة أخرى من الرجلين ذاتهما بالإضافة إلى ثلاثة آخرين في يوليو/تموز 2016 عندما خرج المشتبه بهما بكفالة.

وفي ظل هذه الأوضاع أكدت تقارير المجلس الوطني الهندي لتسجيل الجرائم أن حوادث الاغتصاب وصلت لما يزيد عن 34 ألف في 2015، وزادت إلى أكثر من 39 ألفًا في 2016، وذلك بمعدل حالة كل 28 دقيقة تقريبًا.

وإذا كان الأمر لافتًا بالهند على هذا النحو، لكنها لم تكن البلد الوحيد في هذا المسار. فقد شهد الكثير من الدول حول العالم حوادث اغتصاب واعتداءات متكررة، وكانت أكثر النسب ارتفاعًا في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والسويد وفرنسا وكندا وبريطانيا وألمانيا.

فالولايات المتحدة طبقًا لإحصائيات وزارة العدل الأمريكية،تحتل المرتبة الأولى في معدل جرائم الاغتصاب، إذ تتعرض واحدة بين كل 6 نساء أمريكيات لمحاولة اغتصاب. فيما تحتل جنوب أفريقيا المركز الثاني، حيث شهدت في 2012 نحو 65 ألف حالة اغتصاب، ما تسبب في إطلاق لقب «عاصمة الاغتصاب في العالم» عليها.

هذا فيما احتلت السويد المركز الثالث على مستوى العالم، وأتت فرنسا في المرتبة السابعة. فطبقًا لبحث حديث أجراه مركز بحوث «جان جورجيه» في باريس، وخرج للنور في 23 فبراير/شباط 2018، تعرض ما يقرب من 4 ملايين فرنسية للاغتصاب مرة واحدة على الأقل في حياتها، بما يُعادل 12% من نساء فرنسا. أما عن الاتحاد الأوروبي، واستنادًا لدراسة حديثة للاتحاد الأوروبي، فإن ثلث الأوروبيات تعرضن لنوع من الاعتداء الجسدي، وواحدة من كل 20 سيدة تعرضت للاغتصاب مرة في حياتها.


المنطقة العربية: الغائب الحاضر

غابت المنطقة العربية عن تلك اللوائح والإحصائيات، إلا أن ذلك لا يدعو إلى السرور كثيرًا، إذ يجب الأخذ في الاعتبار أن واحدة فقط من أصل 10 حالات اغتصاب في الدول العربيّة تُبلّغ للشرطة، أي بنسبة 10% فقط.

والملاحظ في هذا الإطار أن عمليات الاغتصاب الجماعي هذه كانت أكثر شيوعًا في مناطق النزاعات، كما هو في سوريا وليبيا والعراق تحت سيطرة تنظيم داعش. ففي هذه البلدان تعرضت النساء للاغتصاب علي يد جنود الجيش وأعضاء الميليشيات المسلّحة لدى هروبهنّ من القصف وعبورهن الحواجز الحدودية التي تُسيطر عليها الجيوش والتي لا تكون مشاركة في الصراع بالضرورة.

هذا فضلًا عما تتعرض له الكثير من اللاجئات من اعتداءات جنسية خلال رحلات اللجوء وفي المخيمات. فقد أشارت تقارير عدة لمنظمة العفو الدولية إلى استغلال اللاجئات جنسيًّا من قبل المهربين وزملائهن المهاجرين، وكذلك رجال الشرطة وحرس الحدود في الدول المهاجرين إليها، ووثّقت التقارير أمثلة عديدة لهذه الاعتداءات. فهذه امرأة تم اختطافها من قبل مهربين هي وزوجها الذي رُبط إلى عمود، وتم اغتصابها أمامه من قبل 11 رجلًا، وتلك أخرى حاول 4 من الرجال اغتصابها داخل حمام مختلط في مخيم للاجئين بالأردن. وهذه ثالثة تعرضت للاغتصاب وأُجبرت على ممارسة البغاء مقابل المال.

ولا يقتصر الأمر بالطبع على مناطق اللجوء والنزاعات. فبين الحين والآخر يهتز الرأي العام بكل دولة لحوادث اغتصاب فردية وجماعية. ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر وقع ما يقرب من 220 قضية اعتداء جنسي خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الماضي 2017. كما احتلت المرتبة الثانية عالميًا في ظاهرة التحرش، حيث بلغت نسبته وفقًا لتقارير وزارة الداخلية 9642 حالة إلى جانب 132 واقعة اغتصاب.

تلك الإحصائيات لا تعبر -كما سبق الإشارة- إلا عن 10% من النتائج الحقيقية على أرض الواقع. ولكن هل الأمر هنا يتعلق بالقاهرة وحدها؟ الإجابة لا، فالأمر منتشر بمختلف دول المنطقة في ظل تلك الثقافة السائدة بأن المغتصبة تجلب العار إلى أهلها، وهذه التشريعات التي لا تنتصر للضحية، بل تعاقبها بمنح الجاني فرصة الإفلات من العقاب إذا تزوج منها، فتصبح بذلك ضحية لذلك المغتصب والقانون والمجتمع!