الصحافة العالمية تجيب: هل نحن في دولة مبارك؟
في يوم السبت الموافق 24 من نوفمبر 2014م، قامت المحكمة بإسقاط التهم الموجهة إلى الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، فيما يتعلق بقتل مئات المتظاهرين الذين انتفضوا خلال الثورة المصرية في يناير عام 2011م، ضد حكمه الذي دام 30 عامًا.
البداية
بدأت القصة بمشاهد تملؤها الجماهير الملتفة حول الشباب يهتفون «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»؛ وبعد ساعات قليلة من الغضب الشعبي صار الهتاف موحدًا «الشعب يريد إسقاط النظام»؛ حتى خرج اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية ومدير المخابرات العامة آنذاك، في يوم الجمعة 11 فبراير 2011م، ملقيًا بيانًا رئاسيًا على الشعب المصري يعلن فيه تنحي محمد حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية مع تكليف المجلس العسكري بإدارة شئون البلاد.
وذلك بعد أن فقدت مصر في 18 يوم من الثورة 866 قتيلا في أحداث سياسية، و17 قتيلا خلال أحداث انفلات أمني، و189 قتيلا نتيجة عنف داخل أماكن احتجاز وقتيلين لأعمال إرهابية وقتيل واحد في واقعة خرق حظر التجول، لتكون حصيلة القتلى 1075 قتيلا.
شكل توضيحي لتوزيع قتلى ثورة يناير على محافظات مصر
فانتشرت صور مصابي ومفقودي يناير في الصفحات الأولى للجرائد وبات المانشت الرئيسي لكل الجرائد سواء كانت حكومية أو خاصة «الورد اللي فتح الجناين»؛ وبدأ الحديث عن «محاكمة القرن» في إشارة إلى محاكمة مبارك وفلول نظامه؛ والتي انتهي الفصل الأول منها بالحكم على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي في يونيو من عام 2012م بالسجن المؤبد.
وبدأ حينها المستشار أحمد رفعت جلسة النطق بالحُكم بمقدمة وصف فيها ثورة الخامس والعشرين من يناير بأنها «شمس فجر جديد لم ترَه مصر من قبل»؛ وأطلق حكمه على عهد مبارك بأنه «كابوس ليل مظلم أخلد لثلاثين عامًا».
وفي بداية لفصل جديد من «محاكمة القرن»، أعلنت المحكمة يوم السبت الموافق 29 نوفمبر 2014م، ببراءة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ونجليه، ووزير داخليته، و6 من مساعدي الوزير، بعد أربعة أعوام تقريبًا من ثورة بدا وكأنها أطاحت بنظام مبارك، وأودعت كبار رموزه السجون. وقد قال المستشار محمود كامل الرشيدي في حيثيات حكمه ببراءة محمد حسني مبارك «ما كان يتناسب محاكمة رئيس الجمهورية الأسبق بقوة قانون العقوبات».
ثم خرج مبارك بعد براءته في مداخلة هاتفية، ليقر فيها براءته وأنه لم يعطِ أيَّ أمر بقتل المتظاهرين.
القضاء المصري وتعليمات السيسي
لقد ذكر الكاتب «Louisa Loveluck» أن انتفاضة 2011م قد هددت النظام القضائي في مصر، حيث أن معظم القضاة في مصر كانوا رجالًا للشرطة من قبل أن يسلكوا مسلك القضاء في حياتهم المهنية.
واستعرض الكاتب أن محاباة النظام القضائي لدولة مبارك أمر طبيعي، ففي عهده تمتعوا بامتيازات مالية كبيرة. وفي السنوات التي تلت الانتفاضة، وضعت المؤسسة القضائية كامل ثقلها باطمئنان خلف رموز دولة مبارك ردًا للجميل فقد حافظت دولة مبارك على مكتسباتهم وترابطهم الذي شبهه الكاتب بترابط الدولة البوليسية.
وقد استشهد الكاتب بما قاله أحد القضاة المصريين في مارس 2015م، قبل تبرئته لثمانية مسئولين بارزين في الشرطة من تهم قتل متظاهرين، حيث بدأ المحاكمة بخطاب مؤثر موجه للمتهمين قائلًا: «يجب أن تعلموا أنكم لستم متهمين، بل أبطالًا».
ثم تناول محورًا آخر وهو إجراء المحاكمات في السجون وأقسام الشرطة، وقد تناول ذلك في قوله «بالنسبة إلى معظم أولئك الضباط السابقين، فإن المحاكمات تعقد في مضمارهم. ونظرًا لعدد السجناء الكبير الذين تجري محاكمتهم يوميًّا أمام القضاء، فإن القضايا الحساسة يجري النظر فيها داخل مكاتب السجون، بل وفي أقسام الشرطة.
ثم تناول الكاتب قول ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن: «القانون نفسه عادة ما يكون مستبدًا في محتواه، ويترك حرية كبيرة للمسئولين الأمنيين في التعامل مع القضايا الأمنية. ويضيف أن طرق التأثير على نظام القضاء تشمل اختيار القاضي الذي سيتولى القضية، وكيف سيجري التعامل مع الأدلة»؛ وذلك في إشارة منه لبراءة مبارك في قضايا قتل المتظاهرين.
لا جدوى من محاكمة الطغاة
في مقدمة المقال قال الكاتب «Eric Posner» إن أحكام البراءة التي صدرت بحق الرئيس المصري السابق حسني مبارك ومعاونيه هي المسمار الأخير في نعش الجهود العالمية الرامية إلى وضع حد «لإفلات الزعماء والقادة من العقاب». فمحاكمات الطغاة، أمر غير واقعي؛ نظرًا لأن تلك المحاكمات تجري وفق قوانين تم إقرارها من قبل هؤلاء الطغاة أنفسهم بهدف حمايتهم، وعلى أيدي قضاة انتهكت حقوق الإنسان أمامهم مئات المرات ولم يتحركوا قيد أنملة.
إن العدالة الثورية يجب أن تكون الأساس الذي تتم بمقتضاه مرحلة التحول الديمقراطي
وبحسب الكاتب، فإن مبارك كان زعيمًا سلطويًا حكم مصر لمدة ثلاثين عامًا، وشهدت فترات حكمه عددًا من الإجراءات القمعية بحق المعارضة السياسية وحرية الإعلام، من قبيل سجن المعارضين، وتزوير الانتخابات، ووضع رقابة صارمة على الصحف. وامتد فساد النظام السياسي في مصر مع مبارك معتمدًا في ذلك على جهاز أمني عرف بوحشيته وصولًا إلى تراكم ثروته التي قدرت بخمسة مليارت دولار.
ثم اختتم مقاله بقوله: «إن العدالة الثورية يجب أن تكون الأساس الذي تتم بمقتضاه مرحلة التحول الديمقراطي حتى لا تقع الثورات عرضة لتحصين الطغاة من المحاكمات كجزء من الصفقة».
عودة الدولة الأمنية
قالت صحيفة الفايننشال تايمز الأمريكية في إطار تعليقها على أحكام البراءة التي حصل عليها حسني مبارك مؤخرًا أن الدولة الأمنية عادت من جديد تخيم على الدولة المصرية. فرغم مرور أربع سنوات على حادثة انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أفضى مقتله إلى اندلاع ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، إلا أن رياح التغيير التي هبت ما لبثت أن ضلت طريقها في البلدان التي انتفضت باستثناء مهد الربيع العربي تونس. فالثورة المضادة في مصر نجحت في استعادة النظام القديم.
الدولة العميقة في مصر والرأسمالية الفاسدة أفلتت من العقاب وعادت أدراجها من جديد
وأشارت الصحيفة إلى أن الدولة العميقة في مصر والرأسمالية الفاسدة التي ميزت النصف الثاني من حكم مبارك عادت أدراجها من جديد. وليس ذلك فحسب، بل وأفلتت من العقاب. وكانت إحدى المحاكم المصرية قد أسقطت تهم القتل والفساد المالي عن مبارك ونجليه وبعض من قيادات المنظومة الأمنية في عهد مبارك الذين صدرت لهم أحكام بالبراءة من قتل المئات من متظاهري ثورة يناير.
واعتبرت الصحيفة أن القضية التي اتهم فيها مبارك وقد وصفته بالديكتاتور السابق وأعوانه، والتي تم الدفع بها من قبل الجيش في محاولة منه لاسترضاء الجماهير التي أطاحت بمبارك، قد شابها بعض العيوب فيما يتعلق بالإجراءات القضائية. ومع ذلك، تظل المشكلة الحقيقية، التي تواجهها مصر في الوقت الراهن هي عودة الدولة الأمنية من جديد التي تتكأ على المنظومة القضائية باعتبارها أحد أسلحتها. غير أن الجديد هنا هو أن القبضة الأمنية باتت في يد الجيش الذي لا يمتلك عصبة من الامتيازات فحسب، بل وعمد إلى توسيع امبراطوريته الاقتصادية، ناهيك عن تقنين هيمنته السياسية دستوريًا.
من ربيع إلى شتاء
استعرض تقرير لموقع «open democracy» حال الثورة المصرية وما آلت إليه الأوضاع في بلد خرج فيه ملايين المتظاهرين للمطالبة باسقاط النظام. ورأى التقرير المطول للموقع، أن الربيع العربي الذي شهدته 5 دول في منطقة الشرق الأوسط قد تحول إلى شتاء لا يبشر بخير.
ذكر التقرير أن نمط الاحتجاجات التي شهدها الربيع العربي فشل في الالتئام حول برنامج سياسي قادر على الشروع في التغيير الحقيقي، كما هو الحال مع معظم الثورات في مختلف أنحاء المنطقة. وفي مصر، ومن دون وحدة الهدف هذه، فقد تفككت حالة التضامن التي شهدتها فترة ما بعد مبارك بشكل حتمي، وباتت هناك رغبة غالبة في عودة الجيش إلى مركز الصدارة.
ووفقًا لهذا كان من الطبيعي تبرئة محمد حسني مبارك ومعاونيه من قضايا قتل المتظاهرين.
دعم الغرب للديكتاتوريات
القوى العُظمى لطالما قامت بدعم الأنظمة الدكتاتورية؛ سعيًا لتحقيق مصالح إستراتيجية
أشارت الصحيفة إلى أن القوى العُظمى لطالما قامت بدعم الأنظمة الدكتاتورية؛ سعيًا لتحقيق مصالح إستراتيجية، كالحصول على موارد طبيعية، وأمن عسكري، وتحقيق مكاسب مالية. عادة ما تتضمن تلك العلاقة تقديم مجموعة من الحوافز، مثل المعاهدات والاتفاقيات الثنائية، والمعونات الاقتصادية على شكل منح مالية ومساعدات تقنية، بالإضافة إلى دعم عسكري خلال برامج التدريب وتوفير الأسلحة، والقوات العسكرية.
ثم أشار التقرير إلى أنه عادة ما يكون الهدف الأساسي وراء ذلك هو تحقيق الاستقرار السياسي عن طريق دعم سيطرة الحاكم المستبد على السلطة والاقتصاد. ثم ذكرت الصحيفة إشارة النقاد الليبراليين الأمريكيين إلى تناقض الولايات المتحدة في دعمها للديموقراطية في ظل مساعدتها للحكام المستبدين على قمع شعوبهم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدعم يكون في الأصل سياسيًا وبالتالي يرسخ الديمومة لنظام بأكمله وليس للديكتاتور فقط، وفي إشارة منها إلى براءة مبارك وأعوانه؛ أنه كان من المتوقع لأن النظام المباركي لا يزال موجودًا بالفعل.
فشل الثورات
في تقرير نشرته «socialist review» بدأ الكاتب «John Molyneux» بقوله: «الثورة المصرية.. ثورة فشلت في حشد جموع تبقى في الميادين حتى انتصارها»؛ ثم قال الدولة العميقة استطاعت أن تخلي الميادين بسهولة وبعدها أعادت ترميم نظامها مرةً أخرى.
ثم ربط فكرة فشل الثورة بالجدل الدائم حول طبيعة البشر. وقال: «ربما يسود الاعتقاد بأن الثورات ستفشل لأن الناس العاديين غير قادرين على إدارة المجتمع، وعليه فإن السلطة الشعبية ستظل دائما دربًا من دروب الوهم، والعودة إلى ما قبل الثورة هو المسار الطبيعي».
يديعوت أحرنوت
نقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» عن عضو الكنيست الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر قوله: «أنا سعيد على المستوى الشخصي ببراءة مبارك، يمكنه الآن أن يرفع رأسه بكل فخر، وهو بطل مصري، عمل لسنوات لصالح بلاده ومن أجل الاستقرار في الشرق الأوسط؛ فحافظ على اتفاقية السلام مع دولة الاحتلال من منطلق أن ذلك مصلحة مصرية، وليست إسرائيلية فقط».
وبينما اعترف أليعازر بأخطاء مبارك، قائلًا: «مبارك ليس رجلًا بريئًا، لكنه أسهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وفي الغرب بشكل عام».
وقالت الصحيفة : «إن الحكم يأتي مع انحسار الحماس الثوري الذي أطاح بمبارك إلى حد كبير في جميع أنحاء البلاد، مستشهدة بسجن العديد من الناشطين الذين قادوا ثورة يناير ضد مبارك بعد استيلاء الجيش على السلطة، وتخلي السيسي ونظامه -بعد سحق خصومه الإسلاميين- عن الحريات والديمقراطية».