كل ما تريد أن تعرفه عن عالم المراهنات في كرة القدم
بنظرة خاطفة وتفكير سريع من حولك، بإمكانك إدراك أنه لم يعد كافيًا أن تكون مولعًا بكرة القدم أو الألعاب الأخرى كرياضات تُرضي شغفك وتثير عواطفك. مع كل عام جديد، لا بد من ظهور بعض الأفكار التي تبعدك عن مفهوم المشجع الرياضي الذي يهتم بمتابعة فريقه ويكترث لنتائجه ونتائج خصومه.
يكاد يكون مستحيلًا متابعة أي حدث رياضي في العصر الحالي دون أن يكون هناك مجموعة من الأمور التي تشغلك كمتابع عن المباراة، سواء بلعبة «الفانتازي» التي من الممكن أن تجعلك تتابع فريق الخصم وتشجع أحد لاعبيه لمجرد أنك وضعته في قائمتك الأساسية في الفانتازي أو جعلت منه قائدًا للفريق وتراهن على تسجيله للأهداف في مباراة سهلة.
بالإضافة للفانتازي، غزت الإعلانات التي تتعلق بمواقع المراهنات الشاشات التلفزيونية ومواقع التواصل. فقبل بداية المباراة أو خلالها، تَشغَلُ الإعلانات التجارية على القنوات الناقلة وعلى جانبي الملعب حيزًا من تفكيرك باللعبة. تجعلك تتحمس أو تفكر في الإقبال على وضع النقود والرهان على النتيجة من أجل الكسب والربح المادي. وكأن اللعبة بحد ذاتها لا تقدم لك المتعة التي تسعى لها، رغم أن هدفها الأول والأخير هو المتعة والفرحة.
اليوم، أصبحت العديد من المواقع الإلكترونية المختصة في المراهنات مألوفة لجمهور كرة القدم مثل «Bwin» و «Bet365» و «William Hill» و «Betfair»؛ بسبب تواجدها حولنا سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلانات التي تظهر خلال تصفحنا على الإنترنت، أو على قمصان الأندية كنوع من الرعايات التجارية. حتى أن المراهنات أصبحت ظاهرة منتشرة بكثرة في العالم العربي رغم الجدل الدائر حول شرعيتها الدينية والقانونية.
اختلاف الاهتمامات
المراهنات ما هي إلا نشاط اجتماعي يحاول فيه الناس التنبؤ بالنتيجة النهائية لسباق أو مباراة ووضع مبلغ من الأموال كرهان على تلك النتيجة. بطبيعة الحال يختلف هذا النشاط وفقًا للاهتمامات الرياضية المتباينة بين دولة وأخرى تبعًا لأهيمة اللعبة والثقافة. على سبيل المثال، ستجد الغالبية العظمى من الأوروبيين يراهنون على مباريات كرة القدم وسباقات الخيول وليس مباريات البيسبول والهوكي في الولايات المتحدة الأمريكية أو الكريكيت في الهند وباكستان، والعكس صحيح.
ويمكن أن تشمل المراهنات نطاقًا واسعًا خارج الرياضات. أصبح بالإمكان توقع الفائز ببرنامج للمواهب أو الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة . وحتى ضمن الرياضات نفسها يخرج الرهان عن المألوف في بعض الأحيان، حيث وصل الأمر بمدرس سويدي للمراهنة على عض سواريز لأحد اللاعبين في كأس العالم الماضية مما تسبب في ربحه ل 1500 باوند بعد أن وضع 7 جنيهات فقط.
مابين الإجرام والتشريع
في البدء كانت عملية الرهان غير شرعية ومتقصرة على نطاق ضيق في بعض الأزقة والحانات والأماكن سيئة السمعة كمحلات الجزارة وأماكن تواجد العصابات الإجرامية. بعد ذلك كانت الرهانات تُجرى بشكل شرعي على سباقات الخيول، وقد افتتحت شركة «لادبروكس» في عام 1902 من أجل الرهانات على سباقات الخيل، قبل أن تفتتح الرهانات بشكل رسمي على كرة القدم في أوائل الستينات.
ففي عام 1961 تغير الحال عندما تم التصديق على شرعية تواجد مكاتب المراهنات في الأحياء بشكل نظامي في بريطانيا. في غضون أشهر، كانت المكاتب تستقطب من يرغب في وضع نقوده من أجل الرهان على النتيجة. آلاف المشجعين يتهافتون أسبوعيًا لملء قسائم الرهان في محاولة للتنبؤ بنتائج جولات الأسبوع في ظهر يومي السبت والأحد، ويحذوهم الأمل بالفوز بجوائز نقدية.
كسر القيود
بعد عدة أشهر من تشريع المراهنات، افتتح ما يقارب 50000 مكتب في عموم إنجلترا، لكن بقي الحال على ما هو عليه دون أي تطور ملحوظ بسبب القوانين الصارمة التي فرضها المسئولون السياسيون على هذه المكاتب. فكانت القوانين تجبر هذه المحال على وضع زجاج مغشى أو أسود لكي لا يتمكن المارة من مشاهدة عمليات المقامرة على المباريات.
لكن هذا الحال لم يستمر كثيرًا، ففي الثمانينات عندما تم السماح للمكاتب بإجراء تعديلات وتغييرات كبيرة، قامت مكاتب المراهنات بوضع الإعلانات البراقة، وتقديم وسائل ترفيه متعددة، وتحسين الأثاث الداخلي لجذب زبائن جدد من خلال إزالة الزجاج المغشى. بالإضافة لذلك أصبح بإمكان المكاتب تقديم المشروبات خلال متابعة المباريات، فخرجت هذه المراهنات من الظلام الدامس والظلال لتصبح أكثر جاذبية.
ونمت خلال هذه الفترة شركات عدة وسيطرت على سوق المراهنات، وأدركت أن عملية المراهنات هي صناعة قابلة للتطوير، فهي في نهاية الأمر كسائر النشاطات الأخرى التي تتقاطع فيها اهتمامات المجتمع بالأعمال والأموال.
الخروج إلى النور
في عام 1992 اشترت شبكة «سكاي سبورتس» حقوق نقل الدوري الإنجليزي الممتاز وبثها مباشرة على التلفاز. أدى ذلك إلى وصول اللعبة إلى كل منزل في بريطانيا، ما يعني أن اللعبة تصل إلى جمهور أكبر وشرائح متعددة أكبر من أي وقت مضى، وهذا مكسب إضافي لشركات المراهنة. فيما سبق كان الرهان في كرة القدم يقتصر على الرجال للدخول إلى هذه المكاتب بحكم أنها كانت تعتبر نشاطًا غير شرعي في الماضي البعيد، وعمل تضبطه قوانين صارمة في الماضي القريب.
هذا التحول جعل الاهتمام باللعبة يكبر، و بالمراهنات أيضًا، فسابقًا كان يتم الرهان قبل بداية المباراة، ولكي تراهن على مباراة واحدة يجب أن تكون اللعبة منقولة على الهواء مباشرة، أما الرهانات على المباريات غير المنقولة مباشرة يجب أن توضع ضمن باقة جنبًا إلى جنب مع مباراتين أُخريين لتكون صالحة.
أما مع بداية العصر الذهبي للبريمرليج أصبح بإمكان المراهن وضع رهانه أثناء المباراة، وكانت هذه نقطة مهمة جدًا بالنسبة للمراهنين في الطريقة التي يراهنون فيها على اللعبة. بالنسبة للمراهنين أصبحت هذه التطورات أكثر تشويقًا، فامتد الأمر إلى وضع رهان إضافي بجانب توقع نتائج المباريات، حيث كان يتم الرهان على المباراة التي ستقوم «سكاي سبورتس» ببثها على الهواء مباشرة.
دفعة كبيرة
مع ولادة الا=إنترنت في التسعينات، أصبحت الوسيلة الجديدة بمثابة ثورة حقيقية تسعى لإزالة النظام القديم المتبع. أصبح بإمكان الجميع الدخول إلى مواقع المراهنات الإلكترونية والدفع عن طريق بطاقات البنوك من المنازل. وبدأت المراهنات الإلكترونية تخطو أولى خطواتها في مونديال 1998 وكأس أمم أوروبا عام 2000.
بداية المراهنات الالكترونية عام 1998
كما الحياة الآن، تخلت المراهنات عن شكلها الواقعي من حيث التواجد الفيزيائي للمراهنين في المكاتب وملء القسائم يدويًا، وأصبح متاحًا تواجدك الافتراضي بشخصية غير معروفة لكي تكسب الدولارات. أمر لم يكن باستطاعة أحد توقعه أو تخيله قبل سنوات قليلة فقط.
ليس هذا فحسب بل تطورت عملية الرهان بحد ذاتها. لم تعد العملية ذات نطاق محدود تقتصر على توقع الفائز، فأتيحت للمراهن العديد من الخيارات المفتوحة. أصبح بالإمكان توقع مُسجل الهدف، نتيجة الشوط الأول، عدد الركلات الركنية، البطاقات الملونة، ونتيجة المباراة النهائية. حتى أنه في بعض المواقع يمكنك الرهان على هدف مبكر أو متأخر وهذا ما يجعلك تهدر المزيد من الأموال أو تكسب الكثير منها. وكل هذا وأنت في المنزل ولم تكلف نفسك عناء الذهاب إلى مكتب المراهنات وانتظار نهاية المباراة لكسب الأموال.
جيل الألفية
حتى عام 2001، كان يتوجب على المراهن دفع ضريبة تقدر بـ 9% على ما يجنيه من الأموال، لكن في 1 يناير/كانون الثاني من عام 2001 ألغت الحكومة البريطانية الضرائب المفروضة على المراهنين. وفي الوقت ذاته تم إلغاء قانون الحد الأدنى للمراهنة والذي كان يجبر المراهن اللعب على 3 مباريات، وأصبح بإمكانه اللعب على مباراة واحدة فقط. وفي عام 2007 تلقت مواقع المراهنة خبرًا سعيدًا عندما صدر قانون من حكومة «توني بلير» يسمح لها بالإعلان على شاشات التلفزة والصحف، مما سمح لها بالوصول مباشرة إلى المنازل.
هذه التطورات والتسهيلات تعكس الهوس الكبير بقطاع الألعاب والترفيه من جيل الألفية الجديدة. جيل لديه الكثير من الفراغ، والكثير من الكسل. وتحولت المراهنات تدريجيًا إلى صناعة بحد ذاتها تدر المليارات من الدولارات، وأصبحت تهدف إلى إشراك المزيد مع كل عام جديد كما جميع القطاعات الأخرى. فالأفكار المبتكرة فيما يخص المراهنات تتجدد مع كل عام لإغراء فئة جديدة من المتابعين. الأمر أشبه بحفرة يزداد تجويفها وبإمكانها استيعاب المزيد.