أغاني كأس العالم: هكذا شكلت موسيقى المونديال ذكرياتك
كأس العالم بالنسبة لمشجعي كرة القدم ليست مباريات فحسب، وإنما ترتبط تلك البطولة بمستويات مختلفة من الإشباع الحسي. إذا كانت مشاهدتك لكرة القدم طيلة العام لا ترتبط بمستوى معين لصوت المعلق على سبيل المثال وسماع أصوات الجماهير، ستجد نفسك مجبرًا على رفع مستوى الصوت إلى أعلى درجة حين تشاهد مباريات المونديال.
قس على ذلك كل الظواهر الحسية التي يمكن أن تتزامن مع كرة القدم، ولأن الدعاية مرتبطة بالمونديال منذ نشأته في 1930، فقد كان مرور 60 عامًا على إقامة أول بطولة في أوروجواي دون موسيقى مميزة للمونديال هو المثير للاستغراب.
وذلك فإن نسخة 1990 التي شهدت أول أغنية رسمية لكأس العالم، يتم أداؤها قبل مباراة الافتتاح وتظل ذكرى وعلامة من علامات البطولة كانت فتحًا في مجال آخر لإشباع الحواس بالمونديال.
أغاني كل نسخة للمونديال عبرت بشكل لافت عن السياق السياسي والاجتماعي للبطولة، قبل أن تعبر عن الزمان والمكان والأحداث السياسية.
مونديال 1990: صيف إيطالي
هذه الكلمات هي افتتاحية أول أغنية لكأس العالم، وهي أغنية «صيف إيطالي» التي أداها كل من إدواردو بيناتو وجيانا نانيني. كانت تلك هي المرة الأولى من نوعها التي يجري فيها افتتاح كأس العالم بأغنية، وتم ذلك قبل المباراة الأولى في المونديال الإيطالي.
نظرة لكلمات الأغنية ستخبرك بوضع العالم آنذاك، حقًا حينها مع إشراف الاتحاد السوفييتي على الانهيار، وانهيار جدار برلين، واقتراب تفكك يوغوسلافيا، وانتهاء الحرب الباردة، بدا العالم «دائري الألوان» تداعب فيه الرياح أعلام الدول!
مونديال 1994: أرض المجد
هل تعرف ما معنى أن تستضيف أمريكا نسخة واحدة من كأس العالم؟ لقد كان المونديال في 1994 مرتقبًا لأكثر من سياق، الأول لأن أمريكا كانت تعرف نفسها بعالم كرة القدم من جديد بعد فترة طويلة من اندثار اللعبة في البلاد.
ثانيًا، لأن فروق التوقيت كانت عامل تحدٍ لمتابعة المونديال في العالم أجمع، وثالثًا لأن الوضع السياسي في العالم آنذاك كان يعني تربع أمريكا على عرش العالم بعدما جنت ثمار قنبلتي هيروشيما وناجازاكي بعد كثير من الانتظار. انتهى الاتحاد السوفييتي وتفككت يوغوسلافيا وباتت أمريكا كل شيء في هذا العالم.
لذلك لا تستغرب تسمية «أرض المجد» لأغنية المونديال آنذاك، التي أداها كل من أسطورة الروك داري هال وفرقة «ساوندس أوف بلاكنيس» والتي حملت روح وشخصية الأغنية الأمريكية.
كلمات الأغنية التي تعد من التراث الشعبي الأمريكي بعد حروب الاستقلال كانت تقول في مطلعها: «أرض المجد .. في أرض المجد .. أنت هنا في أرض المجد. بدأ الأمر بشعور، وحلم ولد داخلك، تأمل وتصلي كي يأتي هذا اليوم، سترى حلمك يصبح حقيقة مع كل لحظة تمر».
مونديال 1998: كأس الحياة
هنا بدأت حقبة جديدة في أغاني كأس العالم؛ لأن أغنية «كأس الحياة» التي غناها ريكي مارتن لمونديال فرنسا 1998 شهدت صيتًا كبيرًا حتى من غير متابعي كرة القدم، لحنها وطريقة أدائه فيها بخلاف كلماتها جعلها كما لو كانت ترنيمة عالمية آنذاك.
الأغنية مستوحاة من التراث الإسباني، يمكنك أن تسمع ذلك في سياقها اللحني الذي كان مزيجًا من خلفيتها الإسبانية و«روك» ريكي مارتن الصاخب، يعتبرها كثيرون أفضل أغنية كأس عالم عبر التاريخ.
مطلع كلمات الأغنية كان يقول: «كأس الحياة هذا هو، حان الوقت الآن فلا تتوقف أبدًا، لا توقفها يجب أن تكون قويًا، إلى الأعلى، الشعور داخلك سيسيطر، لا شيء يمكن أن يعيقك إذا كنت تريد، أرى ذلك في عينيك، اذهب واحصل على كأس الحياة».
كما كان مونديال 1998 الأول الذي يشهد مقطعًا موسيقيًا آخر بخلاف أغنية المونديال الرسمية التي يتم أداؤها يوم الافتتاح، هذا المقطع عرف باسم «النشيد الرسمي» وهو أيًا كان مقطوعة موسيقية أو شمل غناء، فإن مهمته أخذ السياق اللحني للمونديال في افتتاح المباريات أو في التناول الإعلامي، وقد وقع الاختيار على كل من السنغالي يوسو ندور والبلجيكية آكسيل ريد لأول مقطع على هذه الشاكلة في تاريخ المونديال وعرف باسم «اختبار الكبار».
2002.. بووم!
بدأ الاتحاد الدولي في نسخة 2002 يشارك أكثر في عملية انتقاء الأغاني الرسمية للمونديال بعد النجاح الساحق للمنظومة الموسيقية بشكل عام في مونديال 1998، وقد كان الأمر حتى هذا التاريخ من اختصاص اللجان المنظمة للبطولة بشكل كامل.
في مونديال كوريا واليابان وحين كان كأس العالم ينظم في دول بعيدة عن الجماهيرية المعتادة، وقع الاختيار على المطربة الأمريكية الشهيرة أناستازيا لعمل الأغنية الرسمية لكأس العالم، أتت بعنوان «بووم» وكلمات مطلعها كانت كالتالي: «معقد.. فهم ما يمكنك تحقيقه.. مظلوم.. أو بخس قيمة.. الشخص الفائز، من يصدق؟ إذا ذهبت بعيدًا.. هل يتبعني لهذا المكان الهادئ؟ أين جريان النهر والحقول الذهبية؟ تعالَ تعالَ».
لكن كان لزامًا أن تكون هناك أغنية آسيوية للتعبير عن هذه البطولة أيضًا، عنونت بـ«الأغنية الرسمية المحلية» شهدت مشاركة العديد من الأصوات من كوريا واليابان بكتابة 5 كتاب من البلدين، وسميت بـ«هيا نكون معًا الآن».. وتم غناؤها قبل المباراة النهائية بين البرازيل وألمانيا.
المقطع الموسيقي الرسمي للبطولة تم تلحينه بواسطة اليوناني «فانجيليس» وحمل اسم «النشيد» وكان لأول مرة عبارة عن مقطع موسيقي خالص دون غناء.
مونديال 2006: وقت حياتنا
خرجت الأغنية الرسمية لمونديال 2006 في ألمانيا مختلفة بشكل كبير عن النسخ السابقة، لأنها ذهبت بعيدًا عن «الروك» إلى طابع أوبرالي، حملت الأغنية عنوان «وقت حياتنا» وأداها كل من فرقة «إل ديفو» البريطانية والمطربة الأمريكية توني براكستون.
المقطع الموسيقي الرسمي أتى بعنوان «احتفل باليوم» من غناء وكلمات الألماني هربرت جرونيماير، بمشاركة فرقة آمادو ومريم من مالي.
في 2006 بالذات، يحدث خلط شائع في ما يتعلق بأغاني المونديال، ففي تلك النسخة أحيت الكولومبية شاكيرا حفل الافتتاح بواحدة من أحدث أغانيها وهي «Hips don’t lie» التي اشتهرت بالكلمة الأبرز في مقطعها المكرر «Bambooo»، ولكنها لم تكن الأغنية الرسمية للمونديال آنذاك.
مونديال 2010: واكا واكا
الأغنية التي كانت سببًا في علاقة بيكيه وشاكيرا وإحدى أشهر أغاني المونديالات في التاريخ وأحد أقوى العروض على الإطلاق قبل مباريات الافتتاح.
إقامة المونديال لأول مرة في أفريقيا كان يتطلب كلمات وسياقًا لحنيًا معبرًا عن القارة، وهذا ما دفع شاكيرا لاستيحاء بعض كلمات الفولكلور الأفريقي في «الكورس» الخاص بالأغنية: «تسامينا مينا. واكا واكا» مع تذييله بعبارة: «هذا وقت أفريقيا» بالإنجليزية.
«واكا واكا» من أهم الأغاني عبر التاريخ، ليس تاريخ كأس العالم فحسب، نحن هنا نتحدث عن أغنية حققت عبر «يوتيوب» إلى الآن أكثر من 3 مليارات مشاهدة، وقد ظلم نجاحها الساحق معلومتين أساسيتين، الأولى أن شاكيرا شاركت فيها فرقة «فريشلي جراوند» والثانية أن المطربة الكولومبية هي من كتبت كلماتها بنفسها!
كذلك صاحب إطلاق تميمة البطولة دخول مقطع جديد عن طريق مزيج بين «بيتبول» وفرقة «تي كي زي» و«داريو جي»، مع نشيد رسمي بعنوان «علامة انتصار» من غناء وكلمات روبرت كيلي، ولكن النجاح الساحق لـ«واكا واكا» في تلك النسخة جعل كل شيء إلى جانبه يختفي.
مونديال 2014: نحن واحد
وكأن «بيتبول» لم يعجبه ما حدث في النسخة الماضية من نجاح ساحق لأغنية شاكيرا، فقاد بنفسه الأغنية الرسمية لمونديال 2014 في البرازيل، التي تم أداؤها بـ3 لغات وهي الإنجليزية والإسبانية والبرتغالية، وتشارك فيها مع كل من جينيفر لوبيز المطربة الأمريكية الشهيرة وكلاوديا ليتي من البرازيل.
أتت بعنوان «نحن واحد» مع عبارات «أوليه أولا» وقال مطلعها: «أروا العالم أننا واحد. ضعوا أعلامكم موحدة في السماء» ودخلت فيها موسيقى «الراب» بوضوح لأول مرة في غناء المونديال عن طريق مقطع «بيتبول».
لكن أمة غنائية بامتياز مثل البرازيل لا يكفيها هذا التمثيل الفني في مونديال يقام على أرضها، فجاءت أغنية واضحة على إيقاع السامبا بعنوان «تاتو بوم دي بولا» من كلمات وغناء أرليندو كروز لتحقق نجاحًا كبيرًا بعدما ظهرت كأغنية لإطلاق التميمة الرسمية للبطولة.
مونديال 2018: عش حياتك
وكأن الروس لا يحبون الحديث الكثير في أي شيء، تلك كانت أقل نسخة في تاريخ كأس العالم من حيث التمثيل الموسيقي بمقطع واحد فحسب أداه كل من الأمريكيين نيكي جام وويل سميث إضافة إلى الكوسوفية الألبانية إيرا إيستريفي.
الأغنية أتت باللغتين الإنجليزية والإسبانية واشتملت على ألفاظ خارجة لأول مرة في تاريخ أغاني كأس العالم، ويجدها كثيرون إحدى أسوأ أغاني المونديال رغم أن الإيقاع الموسيقي لم يكن بهذا السوء وإنما لم تكن مناسبة لأجواء كأس العالم.
مونديال 2022: هيا هيا
نسخة قطر 2022 التي تنطلق بعد أيام، هي أكثر نسخة صدرت لها مقطوعات موسيقية على الإطلاق بدءًا من أغنية «هيا هيا» الرسمية للمونديال، التي تشارك في أدائها الثلاثي، الأمريكي ترينيداد كاردونا والنيجيري دافيدو والقطرية عائشة.
تحمل كلمات المقطع المتكرر عبارة: «هيا هيا» مع وجود جملة: «معًا أفضل» في عديد من أجزائها.
وعلى طريقة مونديال 2002، كان لابد من أغنية محلية، لذلك أتت أغنية «أرحبو» ضمن الألبوم، غنيت في نسختين، الأولى بالفرنسية والإسبانية وتشارك الأداء فيها كل من البورتوريكي أوزونا والكونغولي الفرنسي جيمس.
أما النسخة العربية من الأغنية فتشارك في غنائها كل النجوم العرب ناصر الكبيسي وعايض وحنين حسين، وإخراج محمد الإبراهيم ومن كلمات حميد البلوشي، وأنتجت في استوديوهات كتارا «الحي الثقافي» المسؤولة عن عديد من المشروعات ذات الطابع الثقافي في مونديال قطر 2022.
يستمر الألبوم بأغنية «لايت ذا سكاي» الرائعة، التي تأتي من غناء الرباعي النسائي العربي نورا فتيحي وبلقيس ورحمة رياض ومنال وكلهن من الأصوات الشابة ذات اللغة الإنجليزية الجيدة.
لا بد إذًا من مقطع رسمي ختامي عبارة عن موسيقى فقط، ولذلك أتى مقطع «هوية قطر 2022» بلحن بديع معبر عن تراث المنطقة العربية وروح الشرق.
قطر جاهزة لإضافة ذكريات جديدة إلى مخيلاتنا بعرض موسيقي مختلف كليًا، ألبوم موسيقي متكامل يضاف إلى كل شيء مميز تعد به قطر روادها ومشاهديها في المحفل العالمي الأبرز. فكونوا «على الوعد» تمامًا كشعارها في 2022!