كيف تُحسم كأس العالم في غرف الفنادق وليس في الملعب؟
في كتابهما «الحب والجنس والخيانة في البطولات» يروي ليوناردو بيرتوزي وجوستافو هوفمان أن المنتخب البرازيلي حين وصل إلى السويد في كأس العالم 1958 كان طلبهم الأول هو استبدال الرجال بجميع النساء الـ28 العاملات في الفندق، حتى لا يتشتت انتباه اللاعبين، والنتيجة؟ حققت البرازيل اللقب بفوز مريح على السويد في النهائي.
في 2002 كذلك حدث الأمر نفسه، وقرر فيليبي سكولاري منع لاعبيه من ممارسة الجنس تمامًا وطالبهم بعدم اصطحاب زوجاتهم معهم؛ لأنه لا أحد سيموت إن امتنعنا عن ذلك لـ50 يومًا على حد تعبيره، ولا حاجة لتذكيرك بالطبع بما قدمه راقصو السامبا في تلك البطولة.
على الجانب الآخر، كانت النصيحة الأولى التي أسداها المهاجم الأسطوري روماريو لجابرييل جيسوس حين انضم للمنتخب البرازيلي في أول كأس عالم له في روسيا 2018 أن يمارس الجنس بشكل كاف، وكما توقعت لم يسجل جيسوس أي هدف.
ولا يقف الأمر على ذلك، فهناك كثير من تلك الأمثلة، بل نعتقد أن كل كؤوس العالم حسمت بهذه الطريقة وكان الجنس هو المفتاح الرئيس لحسم البطولة، لكن فقط ذكرنا تلك الأمثلة لنؤكد لك أن العنوان ليس خادعًا وأن كأس العالم المقامة حاليًا في قطر لن تحسم في أرض الملعب فقط.
علاقة طويلة
تمتد العلاقة بين الرياضة وممارسة الجنس إلى العصور الأولى، لدرجة أن بعض الأدبيات اليونانية القديمة احتوت على تحذيرات من ممارسة الجنس قبل أداء الرياضة، لأنه يضعف الأداء ويجعل الإنسان أقل قدرة على بذل الجهد.
وظلت هذه الأفكار باقية لدرجة أن بعض لاعبي الملاكمة والرياضات القتالية يمتنعون عن الأمر لأسابيع وشهور قبل المباريات المهمة، معتقدين أن ذلك يجعلهم أكثر قوة وحدة.
وحاليًا لا يقتصر الأمر على المونديال ولا على كرة القدم فقط، في كل البطولات المجمعة يثار هذا الجدل، في أولمبياد طوكيو الأخيرة وحين فوجئ بعض اللاعبين بأسرة من الكارتون، اعتبر بعضهم أنها صنعت كذلك لمنع الجنس لعلمهم بتاريخ هذا الأمر الشائك ورغبة كثيرين في منعه تمامًا.
كان الأمر مجرد إشاعة بالطبع وصنعت الأسرة كذلك لغرض آخر تمامًا، يمكنك معرفته عبر هذا المقال، لكن لنكمل معًا أولًا لندرك لماذا اعتقد اللاعبون ذلك.
تاريخ مونديالي
في كأس العالم تحديدًا، يشغل هذا الأمر دائمًا حيزًا كبيرًا من معسكرات الفرق، ويتشدد المدربون في فرض قواعدهم حوله، لدرجة أن المدرب الإيطالي فابيو كابيلو هدد بمراقبة اللاعبين في غرفهم خلال مونديال 2010 للتأكد من تطبيق التعليمات.
تمنع بعض الدول الأمر تمامًا كما تفعل كوريا الجنوبية والبوسنة والهرسك وروسيا، ودون إبداء أسباب واضحة في بعض الأحيان، فقط الأمر ممنوع مع امتثال تام للأمر من قبل اللاعبين في أغلب الأوقات.
بدرجة أقل، تعامل بعض الدول الأمر كمكافأة عند تحسن النتائج مثل كوستاريكا التي سمحت بالأمر في مونديال 2014 بعد الصعود لدور الـ16، لكنه كان ممنوعًا طوال دور المجموعات.
فيما تضع بعض الدول قيودًا مختلفة على الأمر، حيث سمح منتخب نيجيريا باصطحاب الزوجات فقط خلال مونديال روسيا ومنع العلاقات المؤقتة، فيما لا تتدخل دول مثل إسبانيا في الأمر.
ولتدرك أهمية الأمر الكبيرة فيمكنك فقط أن تبحث عن حديث المديرين الفنيين عنه خلال المؤتمرات الصحفية التي تسبق المونديال، وحينها ستجد مئات التصريحات عن الأمر.
قبل أيام، صرح المدير الفني للمنتخب الإسباني لويس إنريكي في أحد فيديوهات البث التي يشاركها مع الجمهور خلال مونديال قطر الجاري بأنه لا يمانع من مارسة لاعبيه للجنس خلال المونديال ويرى أن حظر الأمر شيء سخيف.
فيما كان للمدير الفني المكسيكي ميغيل هيريرا رأي صارم في هذا الأمر صرح به مرارًا، حيث قال في أحد المؤتمرات: «إذا لم يتمكن اللاعب من ممارسة الجنس لمدة شهر أو 20 يومًا، فلن يكون مستعدًا ليكون لاعبًا محترفًا».
وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من الجدل والاهتمام، فإن تلك الآراء التي قرأتها لم تعتمد يومًا على الرأي العلمي، وإنما بنى أغلبها على التجربة الشخصية والثقافة الشعبية، ورغم تقدم العلم ظلت هذه المنطقة خاضعة بشكل كامل لقرارات المدربين الشخصية ورؤيتهم للأمر.
لكن رغم ذلك فإن المختصين يمكنهم تقديم كثير حول هذا الأمر، أو على الأقل تقديم مبررات علمية لآراء البعض، وإثبات خطأ البعض الآخر.
نصدق العلم
على المستوى العلمي شهدت هذه المساحة كثيرًا من التجارب والأبحاث، وحاول عديد من العلماء تقديم معلومات منضبطة يمكن للمدربين الاعتماد عليها وعدم الاكتفاء التجارب والآراء الشخصية.
وطبقًا لإيان شيرير المختص بالطب الرياضي في جامعة مونتريال الكندية فليس هناك أي تأثير سلبي للممارسة الجنسية الطبيعيىة على أداء الرياضيين، والاعتقاد بأن ممارسة الجنس في الليلة التي تسبق المباراة سيجعل اللاعب ضعيفًا واهنًا ليس حقيقيًا، بل يكون مفيدًا في بعض الأحيان لتفريغ القلق والتوتر.
فيما تذهب الدكتورة نادية غاوا لأبعد من ذلك، حيث ترى أن منع النشاط الجنسي عن اللاعبين قد تكون له أضرار كبيرة، ويؤثر سلبًا على الأداء خلال المباريات.
وتقول الدكتورة نادية غاوا، إن الامتناع عن الأمر قد يثقل اللاعبين بمشاعر الغضب والعداونية ويمنعهم من تفريغها، وهو ما ينعكس عليهم بالحزن والاكتئاب، كما أفادت أن الممارسة الصحية من شأنها إفراز الإندروفين وتعزيز بعض الهرمونات المهمة لجسم الرياضيين.
كما أشارت إلى أنه خلافًا للاعتقاد الشائع فإن الامتناع عن ممارسة الجنس لا يعزز هرمون التستوستيرون ولكن العكس هو الصحيح، حيث يمكن أن يؤدي نقص الاتصال الجنسي إلى تناقص هرمون التستوستيرون، واضطراب النوم، وبالتالي قلق أكبر وإرهاق أقوى.
ويشترك معها في ذلك رئيس الجمعية الإيطالية للطب الجنسي إيمانويل جانيني الذي يؤكد أن الاتصال الجنسي الجيد من شأنه زيادة هرمون التستوستيرون الذي تحتاجه ممارسة الرياضة بشكل كبير حيث يعد المنظم الرئيسي للعداونية الإيجابية.
نصف الحقيقة
وعلى الرغم من تأكيدات العلماء على عدم وجود رابط حقيقي بين ممارسة الجنس قبل المباريات وضعف الأداء، فإن بعض المدربين ما زالوا عند مواقفهم من الأمر ويرفضون السماح به نهائيًا، وربما يحمل رأيهم بعض الوجاهة.
ويأتي السبب بين كلمات العلماء، حيث يتكرر الحديث عن الجنس الطبيعي، وتفادي السلوكيات المصاحبة الضارة، والتي يكون تأثيرها سلبيًا بشكل كبير.
ويقصد بالجنس الطبيعي الممارسة الطبيعية المعتادة، وبأوضاع محددة لا تؤثر على عضلات اللاعبين ولا تتسبب في إرهاقهم، ويحرص كثير من المدربين على تحديد تلك الأوضاع للاعبيهم كما يفعل أنطونيو كونتي على سبيل المثال.
وترى المدير الطبي لمركز جامعة نورث ويسترن الدكتورة لورين شترايشر أنه رغم عدم وجود علاقة مباشرة بين النشاط الجنسي والقدرة على الأداء الرياضي، فإن الأمر مقرون بعدم وجود مشكلات أخرى مثل تأخير النوم أو تناول الكحول، إو الإفراط في الأمر.
وكذلك يحذر العلماء من شرب الخمر أو التدخين أثناء الممارسة، وهي سلوكيات مصاحبة معتادة يفعلها بعض اللاعبين، وهي أشياء تؤثر بشكل كبير وواضح على الأداء الرياضي.
كما يخشى بعض المدربين من تأثير وجود زوجات اللاعبين على تركيزهم، وكذلك حرمان اللاعبين من قضاء أوقات كبيرة سويًا مما يعزز الترابط والروح بين اللاعبين خلال البطولة المجمعة، وهو أمر يمثل أهمية كبيرة في هذه البطولات.
من هذا الجانب، يتخذ بعض المدربين قرارهم بمنع الجنس تمامًا حتى مع علمهم بعدم وجود أي أثر طبي للأمر، حيث يعتقدون أن منع اللاعبين من السلوكيات المصاحبة سيكون أصعب من المنع الكامل، فلا يقدر كثيرون على تنفيذ تهديد كابيلو بمراقبة اللاعبين في غرفهم للتأكد من الضوابط.
خارج الملعب
وحتى ينتهي مونديال قطر ويتحدد الفائز، فتأكد أن وراء الأسباب التكتيكية التي سيسردها المحللون والأسباب المعنوية التي سيرويها اللاعبون فإن السبب الأصلي كان هنا في هذا المقال وليس هناك في أرض الملعب، ومن المؤكد أن البطل لن يكون إسبانيا بعد تصريح إنريكي الذي بدأنا معه.
وصحيح نسينا أن نخبرك، في مونديال السويد الذي فازت به البرازيل كان اللاعبون البارزون مثل جارينشا يهربون لمواعدة الفتيات في الغابات المجاورة، كما فعل روماريو الشيء نفسه في 2002، لكن نرجو ألا يغير ذلك من قناعتك بأهمية الأمر في حسم لقب المونديال.