إمكانات ومشاكل انتفاضة الطبقة العاملة في فرنسا
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
منذ 19 يناير، بدأت المعركة من أجل المعاشات التقاعدية في فرنسا، إنها مواجهة حاسمة تهم البروليتاريا بأكملها، في هذا المقال نناقش خصائص الحركة وحدودها، ومهامها اللازمة للانتصار على سياسات حكومة ماكرون.
قوة المعركة الجارية
من أهم العناصر التي يكشفها تحليل المعركة الحالية في فرنسا هو قوتها، لم تبدأ حركة اجتماعية بهذه القوة في فرنسا منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث وصلت إلى رقم قياسي في يومها الثاني في 31 يناير/كانون الثاني مع ما يقرب من 3 ملايين متظاهر في شوارع البلاد وفقًا للكونفيدرالية العامة للعمل CGT (أهم نقابة عمالية في فرنسا)، و1.27 مليون وفقًا للشرطة، أما في يومي الثلاثاء 7 فبراير/شباط والسبت 11 فبراير/شباط، فتم التأكيد على هذا الإقبال الهائل مرة أخرى، مع تسجيل رقم قياسي جديد في باريس (ولكن ليس على المستوى الوطني ويرجع ذلك جزئيًا إلى بدء العطلات الشتوية في جزء من البلاد) مع أكثر من 500 ألف متظاهر بحسب الكونفيدرالية و93 ألفًا بحسب الشرطة.
لكن هناك عنصرًا آخر مهمًا في هذه التظاهرات، وهو عنصر الحشد الجماهيري، كما أشرنا من قبل، يتيح «إصلاح» المعاشات التقاعدية للجماهير التحدث عن مشاكل اجتماعية أخرى مرتبطة بظروف المعيشة والعمل.
على سبيل المثال قال ريمون سوبي، خبير جيد في الملف من وجهة نظر البرجوازية وأحد مؤسسي الإصلاح السابق لسن التقاعد القانونية كمستشار اجتماعي لساركوزي في عام 2010، ما يلي في جريدة «الباريسي» Le Parisien:
كل هذه العناصر موجودة في الحشد الجماهيري الجاري، الآن، تجاوزت الجماهير مسألة المعاشات حيث يتكلم الناس عن مشاكل تتعلق بالتضخم والأجور ويعبرون أيضًا عن رفضهم الشديد للاستغلال الرأسمالي، يتكلم الناس عن كل هذا بسبب وجود عديد من الموظفين العموميين (المنضمين لنقابات عديدة ذات تقاليد نضال قديمة) وبسبب وجود صناعات في المدن المتوسطة والصغيرة، وكما يلاحظ جيروم فوركيه:
نرى نفس الشيء في منطقة لافال، بمحافظة ماين، حيث وصل الحشد الجماهيري لأرقام قياسية. فوفقًا لمراسل «المراسل» Reporterre:
ويمكن أن نرى نفس ردود الفعل من جانب المتظاهرين في صحيفة لوموند في 31 يناير:
جاء حوالي ثلاثين موظفًا من شركة Fedex ومقرها مطار رويسي للتظاهر في باريس للمرة الثالثة، بعد ليلة قصيرة، يقول مثلًا زهير الذي يبلغ من العمر 57 عامًا: «هذا الصباح انتهيت من العمل في الخامسة صباحًا، نمت ثلاث ساعات ثم جئت إلى هنا وسأواصل التظاهر حتى النهاية».
يستكمل زهير، عامل فرز للتحميل والتفريغ، كلامه قائلًا:
وتستكمل جريدة «لوموند» في تقريرها: «لا تزال مسألة المشقة في صميم عديد من شهادات المتظاهرين».
ويقول العامل أوليفي شنتو:
إلى متى يمكن أن تدوم الحركة في وضع دفاعي؟
حتى ذلك الحين كان حكم ماكرون يواجه حركات أقل عددًا ولكنها أكثر راديكالية، كان هذا هو الحال مع حركة السترات الصفراء التي حشدت مئات الآلاف من الناس في فرنسا في ذروة الانتفاضة وكسر بذلك الطريقة النقابية في الحشد، كان هناك أيضًا الإضرابات المتجددة من أجل التقاعد في شتاء 2019-2020 الذي فرضت بدايته الجماهير المضربة في شركة RATP للمواصلات. حدث هذا الإضراب جنبًا إلى جنب مع عمال السكك الحديدية في SNCF، حيث قاموا بإضراب لمدة شهرين تقريبًا، وهو من أطول الإضرابات في تاريخ فرنسا وذلك على الرغم من العزلة، بشكل عام، اتسمت الدورة الجديدة للنضال الطبقي التي بدأت في عام 2016 بحشد أقل وميول أقوى لأعمال الشغب واللاتنظيم، مما يشير إلى ضعف سيطرة الأجهزة النقابية على الحشد الجماهيري.
ولكن على عكس هذه الحركات، يتم توجيه الحركة الجماهيرية والإشراف عليها الآن من قبل النقابات، تحدد CFDT وزعيمها الحالي لوران بيرجيه الاتجاه السياسي للحراك، دون خرق الاتفاق مع CGT، وهي من أهم النقابات العمالية الفرنسية.
لفهم اتجاه إدارة النقابات تلك، دعونا نتذكر أن «الواقعية» التي دافعت عنها CFDT أدت إلى الدفاع عن سياسة التوافق الطبقي وعن سلسلة من التسويات السياسية مع الحكومات العديدة خلال العقود الأخيرة، هذا حدث خصوصًا منذ ثمانينيات القرن الماضي حيث دعمت CFDT بعد مؤتمر بريست سياسات التقشف الذي فرضه ميتران والاشتراكيون، وأعادت كتابة جزء كبير من قانون الخمري في عام 2016 (إصلاحات في قانون العمل التي أدت إلى نهاية رئاسة هولاند وأزمة الحزب الاشتراكي).
كما خانت الحركة الجماهيرية الكبرى في عام 2003 ضد قانون فيون لإصلاح للمعاشات التقاعدية، تعتبر هذه الوحدة النقابية والحضور الكبير لنقابة CFDT في مجال الحشد الجماهيري هو الشيء الجديد للحركة، لم يكن هذا هو الحال منذ عام 2010 أثناء إصلاح نظام التقاعد السابق عندما فرض ساركوزي سياسته على النقابات بعد شهور من المظاهرات الضخمة.
تلاحظ جريدة Mediapart عن الأحداث الجارية: «اكتشفت النقابات أن الكونفيدرالية الديمقراطية للعمل CFDT قادرة على حشد عمالها على نطاق كبير في المدن الكبرى وأماكن أخرى، وأن يمثل منضمو تلك النقابة ثلث المسيرات، مما يؤثر على ميزان القوى». وتستمر الجريدة: «اليوم، من الواضح أن لوران بيرجيه، زعيم CFDT، هو الذي يقود الحركة النقابية والاجتماعية».
هذا نراه نحن أيضًا مثل صحيفة Mediapart عندما نكون في قلب المظاهرات، حيث نرى انضمام لوران بيرجي إلى رأس المظاهرة، دون أن يُوجه إليه أي انتقاد، ولم نسمع سبة «اشتراكي ديمقراطي خائن»، وهي العبارة الشائعة على لسان نقابيي CGT بشأن هذه النقابة.
لكن ما يوضح تأثير CFDT على الحراك حتى الآن، هو هيمنة الفكر الإصلاحي داخله، ما نلاحظه هو أن الحراك يحاول الضغط على المفاوضات البرلمانية فقط، ويتم ذلك عن طريق سلسلة من المظاهرات النشيطة ولكن غير الراديكالية للتعبير بشكل رمزي عن استياء الجماهير.
يجب أن نؤكد اختلاف الوضع مقارنة بعام 2010، مما يبرر الاستراتجية الإصلاحية وادعاءات «السياسة الواقعية» للنقابات في الحراك الحالي، الآن وعلى العكس من عام 2010، لا يتمتع ماكرون بأغلبية في البرلمان، وقد تم إضعافه منذ بداية ولايته الثانية، ومع ذلك وبعد الفشل لأول مرة في عام 2019، يحاول ماكرون وزمرته الدفاع الكامل عن مصالح البرجوازية الفرنسية ومكانة فرنسا في تحالف القوى الإمبريالية العظمى، إنها قضية مهمة جدًا في وقت أعادت فيه الحرب الروسية الأوكرانية التوترات والصراعات بين القوى العظمى إلى الواجهة.
لكن رفض الحكومة في تغيير سياستها يدل على عجز الإستراتيجية الإصلاحية للوران بيرجي والنقابات وبيروقراطيتها التي تتكيف بسهولة مع «الحوار الاجتماعي» (وهي آلية في فرنسا تُستخدم عند الاضطرابات الاجتماعية، ويعتبرها اليسار الراديكالي نوعًا من أنواع «الخيانة للطبقة العاملة» – ملاحظة المترجم) ومع المفاوضات مع الحكومة.
وعندما سألته جريدة «الصدى» (Les Echos)، قال بيرجي:
المشكلة أن النقابات لا تريد تغيير إستراتيجيتها في الصراع مثلما لا تريد الحكومة تغيير سياستها، كرر مثلًا لوران بيرجي في مقابلة مع «فرانس إنتر»، الأحد، أن: «التظاهر هو إستراتيجيتنا» معربًا عن أمله في «أن تكون تلك الاستراتيجية كافية». لكن ستؤدي تلك الرؤية، بإضافة قلة الآفاق السياسية وعدم وضع خطة واضحة إلى إرهاق العمال فقط، إذا مر إصلاح القانون بشكل نهائي، سيوضح الإصلاحيون أنه من الضروري قبول شرعية الجمهورية وستهاجم النقابات الأكثر راديكالية – مثل CGT – كلاميًا الإصلاح والنقابات الإصلاحية من دون فعل أي شيء.
حتى قبل حسم المعركة الاجتماعية والسياسية، قدم زعيم النقابة الإصلاحية CFDT، لوران بيرجيه، ضمانات للحكومة، مؤكدًا لجريدة «الصدى» (Les échos):
بعبارة أخرى، يوضح بيرجي أنه سيرفض تسييس النزاع ودفع الحراك أكثر يسارًا حتى لو اختارت الحكومة فرض الإصلاح باستخدام أدوات بونابرتية ومناهضة للديمقراطية في دستور الجمهورية الخامسة، مثل 49.3 أو(وهذا ما حدث بالفعل). من الواضح أن CFDT رافضة أن تلعب دورًا نشيطًا في الحشد الجماهيري وفي الحراك حتى إذا اتخذ الحشد طابعًا أكثر راديكالية، تلك النقابة لا تلاحظ أن احتمالية أن يصبح الحراك أكثر راديكالية هو الذي يخيف بالفعل بعض من هم حول الرئيس ماكرون.
في الواقع، لاحظ عديد من المسؤولين المنتخبين الموالين للحكومة والرئيس الفرنسي بعمق الأزمة وقوة الغضب الجماهيري، كما أشار إليه نائب الحزب الاشتراكي فيليب برون: «إنه حشد جماهير قوي جدًا». أيضًا، اكتشف البعض الآخر ارتفاعًا في معاداة «الماكرونية». هذا ما يقوله جيمي باهون: «الاستياء من الحكومة واضح».
في الوقت نفسه، ينفذ صبر القاعدة الجماهيرية لنقابة CFDT، كما ورد في شهادة جمعتها Médiapart: «قال متظاهران من مدينة نيس: علينا إحداث فوضى ما، لا يوجد المزيد لفعله». ويستمر التقرير: «في ليون، فريد، وهو موظف في مختبر في قطاع المستشفى وناشط في نقابة CFDT، يفكر مثلهم».
الإضراب الجماهيري ممكن
لا يمكن أن تدوم تلك القيادة النقابية الإصلاحية التي تؤدي إلى وضع سياسي مائع، يعكس هذا الوضع حالة من الجمود في علاقة القوى داخل المجتمع، يظهر الحراك الجماهيري قوته في الاحتجاجات لكنه لا يزال عاجزًا عن التحرك نحو هجوم مضاد يسمح له بهزيمة ماكرون والهجوم النيوليبرالي بينما تأمل الحكومة، التي لا تزال في موقف دفاعي وضعيفة سياسيًا، أن تستغل تناقضات الحراك الجماهيري وقبل كل شيء دور الاتحاد النقابي لتهدئة العاصفة السياسية التي تضرب البلاد.
بدأ الشعور بنقطة التحول هذه في الاحتجاجات، حيث بدأ المزيد والمزيد من المتظاهرين في المطالبة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة وإغلاق البلاد إذا استمرت الحكومة في عدم الاستماع.
على سبيل المثال، دعت بعض النقابات مثل اتحاد النقابات داخل شركة الـRATP أو عمال السكك الحديدية المنضمين لنقابة CGT في منتصف فبراير، إلى إضراب قابل للتجديد اعتبارًا من 7 مارس. أيضًا، هدد عمال حركة قوة عمالية (Force ouvrière) يوم السبت 11 فبراير، في بيان صحفي: «بأنهم سيقومون بشل اقتصاد فرنسا في جميع القطاعات يوم 7 مارس إذا بقيت الحكومة والبرلمان صماء أمام الاحتجاج الشعبي». إنه مجرد تهديد كما أشار لوران بيرجي بنفسه، موضحًا أن الإعلان عن: «يعطي وقت للحكومة حتى تتحضر لهذا الإضراب» ويؤكد: «لسنا في منطق الإضراب القابل للتجديد وهذه ليست دعوة لإضراب عام»، واصفًا تلك الدعوة بأنها «دعوة إلى الإضراب لمدة 24 ساعة ولكن ليس بالضرورة أطول من ذلك».
عالقًا بين رفض الحكومة في تغيير سياستها والراديكالية المتزايدة لبعض المتظاهرين، اضطر بيرجي نفسه إلى تشديد لهجته ونقده لسياسات الحكومة الفرنسية، ولكن دون تجاوز حدود معينة متجنبًا بكل الوسائل احتمال حدوث إضراب عام سياسي ضد الحكومة، ومع ذلك، نرى أن الطبيعة السياسية للحراك أقوى من الطبيعة المطلبية، إذ يمكن اتخاذ خطوة جديدة في النضال، إذا أرادت الجماهير المعترضة على سياسات الحكومة الفرنسية أن تنجح في تراجع تلك الأخيرة، فعليها أن تنتظر ذلك، وتفكر في الإستراتيجيات النقابية التي فشلت حتى الآن.
في كتاب صدر حديثًا عن النقابات العمالية الفرنسية، يوضح جان ماري بيرنو:
في 2019، عندما حاولت الحكومة الفرنسية إصلاح نظام التقاعد، استوعبت القاعدة العمالية في شركة RATP وفرضت على إدارة النقابات المختلفة إضرابًا متجددًا، امتد بعد ذلك إلى شركة SNCF (الشركة الحكومية لسكة الحديد في فرنسا) وقطاعات أخرى، ولكن رغم عزيمتها، ظلت هذه القطاعات معزولة عن بقية الحركة الجماهيرية ولم تكن قادرة على جلب أكثر فئات العمال هشاشة.
لكن الآن، إمكانية توسع الاحتجاج للقطاعات المنتجة المختلفة اليوم أكبر من أي وقت مضى، لأن إصلاح نظام التقاعد مرفوض من قبل أغلبية الطبقة العاملة، ولا سيما القطاعات الأكثر استغلالًا واضطهادًا، إنها مرفوضة أيضًا من قبل قطاعات «أعلى» في التسلسل الهرمي للشركات، مثل الكوادر، وهناك أيضًا مشاركة نقابات غير معتادة على التظاهر، مثل CFDT وCFTC.
هناك عناصر أيضًا تجعلنا نؤكد إمكانية توسع الاحتجاجات، فكما يلاحظ أحد الجغرافيين:
حتى في المعاقل الرئيسية للحركة العمالية مثل مصافي التكرير، فإن تعبئة عمال المقاولات الفرعية الآن – الذين لم يهتموا بمعركة الأجور السابقة في الخريف الماضي – هي علامة مشجعة على إمكانية تعميم الإضراب حقًا.
ما الإستراتيجية لحل تناقضات الوضع؟
من الضروري أن تكون هناك إستراتيجية حتى لا يؤدي الوضع إلى شلل الحركة بسبب رفض كل قطاع عمالي أن يكون أول من يتحرك، يجب أن تبدأ تلك الإستراتيجية بشكل خاص من القطاعات التي عادة ما تكون في المقدمة، والبحث بنشاط عن جميع القوى التي تدخل الحركة بطرق مختلفة وبإيقاعات مختلفة، وتعزيز مطالب الحركة بحيث تستجيب لكل المعاناة التي يشعر بها العمال بدءًا بمطلب الزيادة الملحة في الأجور، من أجل بناء جبهة بروليتارية حقيقية.
لحل هذه المهمة الإستراتيجية، التي تطرح مسألة توحيد الطبقة العاملة في مرحلتها الحالية من الانقسام الكبير، يمكننا أن نستلهم بأكثر الممارسات المنسية لعام 1995، وهي المرة الأخيرة التي نجح فيها العمال في إجبار الحكومة أن تتراجع جزئيًا عن إصلاح المعاشات التقاعدية.
في مقال حديث عن هذا الإضراب كجزء من أطروحته، يؤكد ريمي أزمار على الجانب التالي:
كما يقول المؤلف نفسه، هذا النوع من النهج أكثر تعقيدًا اليوم، لكن النشطاء والعمال الأكثر وعيًا بالحركة الحالية سيتعين عليهم بالضرورة التغلب على هذه العقبات إذا كانوا يريدون تنظيم إضراب عام جماهيري، القطاع الاستراتيجي الذي يمكن كسبه في المعركة، على سبيل المثال، هو قطاع سائقي الشاحنات، كما أشار جان ماري بيرنو في مقابلة حديثة:
لتطوير إستراتيجيتنا، ليس من الضروري فقط البحث والنقاش مع العمال غير المضربين، ولكن يجب إقناعهم بأهمية النضال إلى النهاية. عندما سئل من حيفة «الباريسي» (Le Parisien) عن خطورة «انفجار حركات اجتماعية عفوية من نوع السترات الصفراء» (أي ليس فقط حركة خارج المنظمات النقابية ولكن أيضًا حركة تحمل مطالب واسعة تستهدف النظام ككل)، أوضح لوران بيرجي على سبيل المثال: «يجب أن نعرف إذا كان هناك شرارة في مرحلة ما ستتسبب في صراع اجتماعي قوي، يمكن أن تكون تلك الشرارة هي قضية المعاشات، لكن لم تكن CFDT أبدًا مع الشعارات العامة، إذا أردنا أن تستمع الحكومة إلينا في موضوع المعاشات، فعلينا التمسك بهذا المطلب فقط». لكن كيف يمكن للعاملين في أكثر القطاعات خطورة وصعوبة أن يدافعوا عن التقاعد عند سن الـ62 في حين أن الكثير منهم لم يعد بإمكانهم العمل في سن 55 سنة؟
هذا البرنامج لا يمكن أن يخلق عزيمة نضالية حقيقية عند عمال البناء، ومساعدي التمريض، وعمال خطوط التجميع في صناعة السيارات أو الأغذية، والعاملين في الصناعات الكيماوية أو الصلب، وعمال النقل على سبيل المثال لا الحصر الذين يعانون من عمل صعب بشكل خاص.
يشمل توسيع «قائمة مطالب الحركة العمالية» سحب هذا الإصلاح في قانون المعاشات للمطالبة بالتقاعد عند سن 60 سنة (55 عامًا للوظائف الشاقة)، والاعتراف بمشقة بعض المهن داخل المصانع، وكذلك الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية على مستوى الحد الأدنى من الأجور.
أيضًا بعيدًا عن مسألة المعاشات التقاعدية، يجب أن نجد حلولًا للمشاكل الفورية لملايين الموظفين المتضررين من التضخم المتزايد، لا سيما في المواد الغذائية وكذلك للمتضررين بسبب انعدام الأمن الوظيفي.
لذلك يجب أن ندافع، كما قلنا من قبل، عن «زيادات الأجور للجميع وتقييدها بالتضخم». هذا السؤال مُلح بالنسبة للعديد من قطاعات الطبقة العمالية، في بعض الشركات، تختار النقابات توفير جهدها من أجل التفاوضات السنوية الإلزامية بين الشركة والعمال (NAO). علينا إثبات أن هذه القضايا مرتبطة ببعضها، إنها أساسية ويمكن حلها مباشرة، فضلًا عن ذلك، فإن هذه المطالب ضرورية لجلب العمال البريكاريا، مثل عمال مستودعات المنصات اللوجستية الذين لم يدخلوا المعركة بشكل حقيقي، يجب أن يشمل هذا البرنامج أيضًا مسألة تقسيم ساعات العمل لتقليله، هذا البرنامج ليس برنامجًا مثاليًا غير واقعي، حيث إنه يستجيب لطبيعة الحشد الجماهيري نفسه لتطوير جانبه السياسي.
ستدفع هذه الإستراتيجية الحراك إلى الأمام، لكن يجب أيضًا أن يتناقش العمال مع بعضهم البعض وألا يكتفوا بالحراك والتظاهر، كما أوضحنا، حرمت النقابات المختلفة المضربين من أفضل الأسلحة، وهي ديمقراطية المجالس، لن يكون هناك إضراب قابل للتجديد من دون حضور ومناقشة القاعدة العمالية في مجالس صنع القرار، هذا درس آخر من الانتصار الأخير للحركة النقابية في فرنسا الذي حدث منذ أكثر من ثلاثين عامًا، كما يقول ريمي أزيمار: «قوة حراك 1995 كانت في خلق مساحات ديمقراطية حقيقية على مستوى الشركات والمدن».
إن «بقرطة» (أي اتساع البيروقراطية داخل النقابات، مما يضعف من أي حراك اجتماعي راديكالي حقيقي) النقابات التي حدثت مع انتصار النيوليبرالية، أدت إلى عزل القيادات النقابية (وحتى القيادات الوسطى) عن الاحتياجات وضغوط القاعدة العمالية.
يجب أن نستغل فرصة القوة الهائلة التي تم إطلاقها مع هذا الحراك الحالي لاستعادة وتوسيع هذا التقليد الديمقراطي، من أجل خلق آليات تمثيل مباشرة للمستغلين والمضطهدين.
ما يجري في فرنسا أمر حاسم، يثبت قوة التظاهرات في المدن المتوسطة والصغيرة على قوة وجود الطبقة العاملة والقطاعات الشعبية في الشارع، على الرغم من أن هذا حدث من قبل (في 1995 و 2010 وجزئيًا في 2016)، فإن وجود الملايين من العمال الذين يتجمعون وراء الاتحادات النقابية، على الرغم من مؤسستها وقيادتها البيروقراطية، يثبت أن تلك المنظمات لا تزال منظمات للطبقة العاملة، لكن كما أوضحنا، إن سياسة وتوجه القيادات النقابية يقوداننا إلى الهزيمة، وإلى تكرار مؤلم لهزيمة 2010.
إن وجود حزب ثوري له تأثير معين في الطبقة سيكون عنصرًا لا غنى عنه في مساعدة العمال أو على الأقل طليعتها، على اتخاذ إجراءات جادة لتحقيق بعض الانتصارات. لسوء الحظ، تحول اليسار الراديكالي الذي حقق انتصارًا سياسيًا بعد انتصار عام 1995، إلى قوة هامشية.
من ناحية أخرى، يُظهر حزب «الحزب الجديد المضاد للرأسمالية» (NPA) (حزب فيليب بوتو وأوليفييه بيزانسينو) ذيلية سياسية لحزب «فرنسا الأبية» (حزب جان لوك ميلانشون) وبرنامجه الإصلاحي الجديد، ومن ناحية أخرى، على الرغم من وجود حزب نضال عمالي في الطبقة العاملة فإنه ظل سلبيًا تمامًا، دون أن يقود أي مبادرة لكسر الروتين وكسر سيطرة الأجهزة النقابية الكبرى على الحراك.
نحن ندافع عن فكرة الإضراب المتجدد، وعن برنامج هيمنة للطبقة العاملة لتنفيذ جميع مطالب الحراك، الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة.
- فرنسا المحيطية وفرنسا المدن الكبرى: نظرية اجتماعية وسياسية اقترحها الجغرافي كريستوف جيلوي حيث يفترض أن فرنسا منقسمة إلى جزأين رئيسيين: فرنسا الحضرية وفرنسا المحيطية، تتميز المدن الفرنسية بمناطق ديناميكية ومرتبطة بالاقتصاد العالمي، فهي موطن للطبقات الثرية والأقليات الثقافية والعرقية، أما من ناحية أخرى، تشمل فرنسا المحيطية المناطق الريفية والبلدات الصغيرة والمتوسطة الحجم والضواحي الشعبية، فهي تواجه مشاكل مثل البطالة وانعدام الأمن الاقتصادي والتدهور الصناعي، وفقًا لجيلوي، أصبحت التقسيمات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية قضايا سياسية رئيسية، تم استخدام هذه النظرية لشرح ظهور حركة «السترات الصفراء» في فرنسا.
- تلك الطريقة في الحشد استخدمت مثلًا في 2009 و 2010.