النساء والسياسة: زعيمات بارعات أم مجرد ديكور؟
تُخبرنا إحصاءات هيئة الأمم المتحدة للمرأة «UN Women» أنه حتى يناير/كانون الثاني الماضي من العام 2023 تستحوذ السيدات على منصب «رئيس دولة – Head of State» في سبع عشرة دولة من بين دول العالم، بجانب تولي تسع عشرة أخريات أيضًا لمنصب «رئيس حكومة – Head of Government».
كما تستأثر النساء كذلك بنسبة 26.5% من إجمالي مقاعد المجالس البرلمانية عالميًّا «الشيوخ والنواب»، جنبًا إلى جنب تولي «الوزيرات» نسبة 22.8% من إجمالي الحقائب الوزارية. بينما لم يصل نصيب مشاركة المرأة حتى في برلمانات أوروبا أو الأمريكيتين نسبة المناصفة «50%»، حيث لم تتجاوز نسبتها في المنطقة الأولى نسبة 31%، وبلغت في الثانية 35% فقط.
الأرقام التي رسمت لنا بها الأمم المتحدة خريطة العمل السياسي للمرأة على مستوى العالم، قد علقت عليها الهيئة بعبارة شعور من الأسف وخيبة الأمل، جاء فيها: «إن ما تُظهره هذه البيانات أن السيدات ما زلن غير مُمَثلات بشكل متساوٍ في عملية صُنع القرار السياسي على مستوى العالم، وأن معظم الدول ما زالت بعيدة عن تحقيق المساواة بين الجنسين على مستويي المشاركة السياسية والحكم».
من هذه الإحصاءات والتقييمات العالمية تظهر التساؤلات التالية:
المرأة أكثر رعاية للشعوب ومصالحها
أعدت «كلية كينجز لندن – King’s College London» تقريرًا لتقييم الأداء المهني للسيدات العاملات في مجال العمل السياسي، في محاولة لاكتشاف التأثير الذي حققه وجودهن على مستويات الحُكم وصناعة السياسات وترسيخ الممارسة السياسية الديمقراطية، وذلك على مدى 25 عامًا في الفترة (1995- 2020)، عبر الاعتماد على أكثر من 500 وثيقة بحثية منشورة خلال تلك الفترة. وقد خلص تقرير لندن إلى الآتي:
على المستوى القيادي، تشير البحوث إلى ميل السيدات لممارسة الحُكم عبر أسلوب قيادي يعتمد على مشاركة الآخرين، بل توسعة دائرة صنع القرار حولها، لتشمل تمثيلًا لتنويعات مجتمعية أكبر، وتعتمد بشكل أقل على الأسلوب الهرمي الذي يحتل القائد فيه قمة صنع القرار منفردًا. وعلى مستوى الأداء السياسي المهني تتجه النساء إلى العمل على أرض الواقع بشكل أكبر من الرجال، كما أن وجود المزيد منهن في مجال للعمل السياسي يرتبط بتحقيق معدلات أقل من الفساد.
وعلى مستوى ملفات العمل والسياسات المُنجزة، تضع المرأة في قائمة أولوياتها السياسية، قضايا الرعاية الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية بشكل أكبر من السياسيين الرجال، ويمتد ذلك أيضًا إلى أدائهن على مستوى السياسات الخارجية والعلاقات الدولية، حيث تقل سياسات إنفاق المرأة على الحروب والتسليح، وتنمو معها سياسات المساعدات التنموية للبلدان الأخرى.
وبالانتقال من تقرير لندن إلى دراسة أخرى بعنوان «لماذا نحتاج المرأة في السياسة؟» قد تطرقت بشكل أكثر تفصيلًا للخلاصات السابقة، وبالاعتماد على بيانات 18 دولة أوروبية والولايات المتحدة، توصل الباحثون إلى أن ارتفاع نسبة البرلمانيات في الفترة (1960-2005) نتج عنه الزيادة في الإنفاق الكلي على التعليم داخل هذه الدول. وكشفت بحوث أخرى أُجريت على بعض المجالس المحلية للقرى في دولة الهند أن المجالس التي شهدت تمثيلًا أكبر للسيدات نُفذت داخل قراها استثمارات في مرافق مياه الشرب بمعدل الضعف، من القرى التي انتخبت السيدات في مجالسها بنسبة أقل، كما كانت جودة الطرق في الأولى أعلى بمعدل الضعف أيضًا من الأخيرة. ووجود امرأة في رئاسة مجلس يثبت معه انخفاض فجوة حضور الفتيات للمدارس بمقدار 13 نقطة مئوية.
وفي تجارب بمناطق مختلفة من العالم، فإن زيادة عدد البرلمانيات في دول مثل المغرب وكرواتيا ورواندا وجنوب أفريقيا وتيمور الشرقية ارتبطت بزيادة التشريعات الوطنية لقضايا مثل: العنف المحلي، ومواجهة التمييز، وقوانين الأسرة والميراث، ودعم وحماية الطفل.
حل الصراعات وعقد اتفاقات السلام
تشير الإحصاءات حول مدى نجاح اتفاقات السلام المنعقدة لحل الصراعات السياسية والأمنية الأهلية داخل الدول إلى أن 50% – النصف – منها يُكتب له الانهيار ويثبت فشله خلال عشرة أعوام لاحقة من التوقيع. تشير البحوث إلى أن إدماج مؤسسات المجتمع المدني ومنها المؤسسات النسائية، يجعل اتفاقات السلام أقل عرضة للفشل أو الانهيار بنسبة 64%، كما أن مجرد تضمين الجماعات المهمشة ومنها السيدات داخل هذه العمليات والاتفاقات يجذب لها الدعم والتأييد بشكل أكبر من مؤسسات المجتمع المدني داخل الدولة.
هل النساء مظلومات سياسيًّا؟
بطريقة مباشرة يتراوح موقف السيدات حول العالم بين ممتنعة وممنوعة، فجمعيهن لسن مُقبلات على العمل السياسي، وجميعهن لسن مرغُوبات في الوجود داخل العمل السياسي، وحتى من تقبل منهن ولا تُمنع، هناك احتمالات كثيرة بأن تصطدم بعدة قيود يطغى معها ظلم سياسي يمنع أقرانها الأخريات من الإقبال على التجربة. ويمكن تلخيص مظلومية المرأة مع السياسة في أربع نقاط، كما يلي:
1. وصمتا الجنس والجسد
وردت العبارة السابقة في مقال نشرته الكاتبة الهولندية النسوية «يوكه سميت – Joke Smit» عام 1972، لتُلخص به الصورة العنصرية التي يرى بها المجتمع المرأة كمجرد كائن تم خلقه كي يكون موضعًا لتفريغ نشوة الرجل الجنسية ومن ثم الإنجاب، جنبًا إلى جنب القيام بوظيفتين أو تخصصين آخرين، الأول هو العناية بجمالهن كفاتنات للرجال أو القيام على وظائف تعكس عبقريتهن الجسدية، كعارضات للأزياء أو مُغنيات بالأوبرا، والثاني هو العناية بأبنائهن كأمهات ومُربيات، أو العمل بمؤسسات الرعاية الخيرية كحد أقصى لوظائفهن.
ورغم أن هذا النص تمت كتابته قبل 55 عامًا من الآن، فإن مقابلة أُجريت مع سبع من السياسيات اللبنانيات نهاية عام 2022، طُلب منهن فيها الكشف عما يعترض عملهن من قيود، فأقررن ثمانية قيود، ستة منها تتماهي مع «وصمتي الجنس والجسد» التي ذكرتهما «يوكه» في مقالها.
ومن أبرز القيود التي ذكرنها أنه ما زال هناك تمييز ضد المرأة على أساس الجنس حتى وهي سياسية، ومنه أن السياسيين الذكور يستخفون بآرئهن، ويعاملونهن باستعلاء، وذكرت إحداهن «كنت أرفع صوتي ليُنصَت إليَّ، وعندما أفعل ذلك وأرفعه، يتهمونني بداء اضطرابات الهرمونات».
ومنها أيضًا إقرار السيدات السبة بتعرضهن للعنف على أساس جنسهن كنساء، فعندما وصفت إحداهن البرلمان – وهي من البرلمانيات – باعتباره نادٍ للصبيان، أبدى بعض النواب الذكور ملاحظات جنسية علنية حول طريقة لبسها ومظهرها وابتسامتها.
2. الالتزامات الأسرية وعلاقتها مع شريكها
بالانتقال إلى أمثلة من المجتمعات الغربية الأكثر تقدمًا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، تجادل الدراسات أن السيدات في السويد قد لا يطمحن إلى الترقي وإحداث التقدم في مسار عملهن في السياسة لأسباب تخص التزاماتهن الأسرية وعلاقاتهن مع شركائهن من الرجال.
هناك بحوث قد أثبتت أن السيدات السويديات اللاتي ترشحن لمنصب «عمدة مدينة» وهو أعلى منصب في الحُكم المحلي، واجهن زيادة كبيرة في احتمالية الطلاق من أزواجهن، ولا يحدث ذلك مع العُمد الذكور، وهو ما يُثني الأخريات منهن عن الطموح والتقدم لهذا المنصب.
3. الآليات والنظم السياسية
طبيعة النظام السياسي نفسه داخل الدولة قد لا تسمح للمرأة بمجرد العمل في المكاتب الحكومية، وليس تولي المناصب السياسية والقيادية، فحركة طالبان التي تحكم دولة أفغانستان منذ أغسطس 2021، قد سَنَّتْ حكمًا بمنع النساء من العمل بالمكاتب الحكومية، وكذلك في المؤسسات المحلية والأجنبية، فضلًا عن حرمانها من التعليم بعد الصف السادس. يُضاف إلى ذلك، مع عدم التشكيك في كثير من الحالات، أن الحفاظ على وجود المرأة بنسبة ما داخل النظم غير الديمقراطية التي تسمح بدخولها العمل السياسي هو محض لفتة رمزية لمجموعة من الإناث يُزيِّن طاولة حكمهم الذكوري، لا أقصى ولا أكثر من ذلك قيمة.
وحول آليات العمل السياسي نفسه تلفت البحوث إلى أن الأحزاب السياسية باعتبارها البوابة الأهم لتولي المناصب السياسية في الدول الغربية، يُفضل القائمون على رئاستها في بعض الحالات، عدم الدفع بالسيدات كمرشحات عن الحزب، ويُرجحن الرجال بشكل أكبر، وقد يعود هذا التفضيل لسبب موضوعي مهم مثل العلم المسبق بتحيز المصوتين للمرشح الرجل بشكل أكبر من المرأة في الدوائر المقصودة. ومن ناحية أخرى، قد لا يكون هناك تحيز من المصوتين، ولكن تميل الأحزاب إلى انتقاء الدوائر المعلوم مسبقًا أنها الأسوأ لها ومرشحيها، ويتم دفع السيدات بها، كإجراء تفضيلي للسياسي الذكر عن الأنثى التي يمكن إلصاق الفشل والإخفاق لها دون الرجل.
4. بعيدًا عن السياسة: مجالات التمكين الأخرى
هذا ما تكشفه عامًا بعد عام تقارير قياس الفجوة بين الرجال والنساء، من حيث حصول المرأة على نصيب مساوٍ للرجل في أربعة قطاعات وهي (الفرص الاقتصادية، والتحصيل التعليمي، والصحة، والتمكين السياسي)، وقد أعلن التقرير الأخير لعام 2023 الذي يغطي حالة 146 دولة، أن هذه الفجوة تمثل نسبة 31.1% عالميًّا لغير صالح المرأة. ولم توجد دولة واحدة يغطيها التقرير قد وصلت إلى المساواة الكاملة بنسبة «صفر%» فجوة بين الجنسين، والدولة الأفضل عالميًّا «أيسلندا»، تبلغ النسبة بها 8.8%.
هل العمل السياسي بحاجة إلى المزيد من السيدات؟
يُجيب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على النصف الأول من هذا السؤال قائلًا: «أثق تمام الثقة أنه متى حُكمت كل دولة على الأرض بواسطة امرأة لمدة عامين فقط، فإننا سوف نرى تحسنًا فائقًا في كل شيء، كالتحسن في مستويات المعيشة، وكل ما يمكن أن ينتج عن هذا التحسن .. فالمرأة ليست كائنًا كاملًا، ولكنهن أفضل من الرجال .. وإذا نظرتم إلى مشكلات العالم فستجدون أن من يقف وراءها هم الكهلة، وغالبًا كهلة من الرجال، ولا يتنحَّون عن العالم جانبًا أبدًا!».
وفي معرض الإجابة على النصف الأخير من السؤال جهتان ادعتا امتلاكهما الإجابة وهما «هيئة الأمم المتحدة للمرأة، والمنتدى الاقتصادي العالمي»، فوفقًا لحسابات الأولى والإحصاءات التي لديها، فإن الوصول إلى المساواة بين الرجال والنساء عالميًّا، في المناصب السياسية الأعلى «رئيس دولة، ورئيس حكومة»، يُمكن تحقيقه في غضون 130 عامًا من الآن. بينما يُقدر «المنتدى الاقتصادي العالمي» أنه وفقًا لمعدلات التقدم في تمكين المرأة، التي تحققت خلال الـ 17 عامًا الأخيرة (2006-2023)، فسنحتاج 162 عامًا أخرى لتحقيق التمكين السياسي للمرأة بقدر مساوٍ للرجال وبلا أية فجوات، بينما سيستغرق العالم 169 عامًا لتمكينها اقتصاديًّا، و16 عامًا فقط لتمكينها تعليميًّا.