«أدعم منع تعدد الزوجات في مصر»، «الولاية حقي»، «ارفعوا أيديكم عن النساء».

الجمل السابقة هي عبارة عن وسوم إلكترونية تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي في الشهور القليلة الأخيرة، الأمر لم يقتصر قط على «الهاشتاجات» بل كان أشبه بصحوة نسائية خاصة بعد تقديم مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يحد من صلاحيات المرأة كزوجة وأم فيما يخص التصرف في أمور أبنائها، ويحد من صلاحياتها فيما يخص التصرف في نفسها أصلاً من حيث التزويج والتطليق والحصول على الحقوق الأساسية.

الكثير من المقالات والتدوينات واللقاءات التليفزيونية، كلها تدور في فلك الحديث عن المرأة وحقوقها المهدورة واتهامات بالنسوية –وكأن النسوية تهمة مشينة– لكل من يتحدث في الأمر أو يطالب بأي حق بديهي للمرأة أو يحكي مأساة شخصية أو يشارك في الحراك المجتمعي الذي يطالب باعتبار المرأة كائنًا حيًا شريكًا في المجتمع يعيش ويتعايش وله حقوق.

وبما أن الفن هو قوة المجتمع الناعمة، والرسائل التي بإمكان فيلم أو مسلسل واحد أن يمررها تتفوق على عشرات اللقاءات الحوارية والمناظرات الأكاديمية والمقالات المكتوبة، ولأن شخصية درامية واحدة بإمكانها أن تحدث تغييرًا كبيرًا حتى في القوانين الوضعية (انظر فيلم أريد حلاً على سبيل المثال) فقد قررنا اليوم أن نلقي نظرة على المسلسلات الرمضانية وما تقدمه من أفكار وشخصيات نسائية في ظل مجتمع يمور بكل هذا الضجيج.

اللي قادرة عالتحدي وعالمواجهة

تأتي على رأس الشخصيات النسائية الرمضانية شخصية «هنا» التي تلعبها مني زكي في مسلسل لعبة نيوتن من تأليف وإخراج تامر محسن، التي قررت مع زوجها أن تهرب في أمريكا بعد انتهاء المؤتمر الذي سافرت له بصحبة زملائها في العمل لتلد طفلها المنتظر هناك ليحصل على الجنسية الأمريكية، والتي لم يتمكن زوجها من اللحاق بها فقررت أن تخوض التجربة منفردة.

شخصية هنا مرسومة بدقة شديدة، خلفية متقنة، ملامح راسخة وحقيقية، وتوجيه أكثر من رائع ليخرج من منى زكي هذا الأداء الجيد والمختلف عن معظم ما قدمته من قبل. زوجة مصرية عادية جدًا، متعلمة تعليمًا عاليًا ولكنها غير مثقفة إطلاقًا، تتعثر في قراءة وفهم وتحدث الإنجليزية، تحب زوجها وترى عيوبه بوضوح شديد، لديها الكثير من المشاكل المادية والعائلية والصحية، ولكنها ترغب في أن تكون نسخة أفضل من نفسها. هناك هاجس داخلي يلح على شخصية هنا أنها يجب أن تفعل شيئًا ما، فنرى أنها حاصلة على الماجيستير في تخصص زراعي عادي جدًا، ثم شريكة لزوجها في مشروعهما الصغير، ثم أم محتملة، ثم تائهة في أرض الأحلام.

شخصية هنا تقدم طرحًا منطقيًا وعقلانيًا لوضع المرأة في المجتمع المصري. هنا غير محجبة وتعمل وتحب زوجها، ولكنها تعاني من التدخل من أهله ومن تقليله المستمر من قدراتها وإمكانياتها. وهي تحاول جاهدة أن تتغلب على صورتها الذاتية السلبية في طريقها لإنجاز مهمتها، شخصية هنا –حتى الآن– ضرورية للعرض على مجتمعنا، للنقاش في مدى استحقاق المرأة «العادية» للفرص، وكيف أن تلك المرأة العادية بإمكانها ليس فقط أن تنجو دون وصاية مجتمعية، بل أن تنجز أيضًا.

أن تؤذن في مالطة

لا أعرف أصل مصطلح «يدن في مالطة» الذي نستخدمه كمصريين للتدليل على أن «القول ضايع» عندما يبذل شخص ما مجهودًا كبيرًا في الحديث عن شيء ما لشخص أو لمجموعة من البشر وأن تكون محصلة كل حديثه ومجهوده تساوي صفرًا، الحديث عن المشاكل التي تتعرض لها المرأة من تحرش وعنف وفرض وصاية وحرمانها من التصرف فيما يخص أبناءها وقضية الولاية التعليمية، كل هذا يضيع سدى عندما نتحدث عن الدراما.

في مسلسل «خلي بالك من زيزي» من بطولة أمينة خليل ومحمد ممدوح والذي سوف نتحدث عن شخصيته الأساسية لاحقًا بشيء من التفصيل، نرى إحدى الشخصيات وهي هدى التي تلعب دورها أسماء جلال، في دور أم تعاني من مشاكل أسرية مع زوجها الذي تعيش في بيت عائلته في المنصورة فتقرر أن تأخذ ابنتها وتسافر لأخيها القاهرة، وبسرعة تقرر أن تنقل الابنة من مدرستها في المنصورة لإحدى مدارس القاهرة، وبسرعة تستطيع الحصول على عدد من المقابلات الشخصية في عدة مدارس في منتصف العام الدراسي، وبسرعة أكبر تعثر على مدرسة وتنقل إليها الطفلة وكل هذا بسلاسة منقطعة النظير ودون أن يعرف والد الطفلة أي شيء عن أي شيء.

هذه التفصيلة الصغيرة تضرب في مقتل كل ما تحدثت عنه الآلاف من النساء تحت هاشتاج الولاية حقي، وبعد أن حكوا الكثير من القصص المأساوية عن الولاية التعليمية التي ليست من حق الأم، وعن المشكلات التي تحدث لو أرادت أي أم في مصر أن تتصرف في أي شيء يخص العملية التعليمية لأطفالها حتى في وجود وموافقة الأب. الأم في مصر ليس لها أدنى حق في أن تنقل طفلها من مدرسته، فكيف أغفلت مريم نعوم المشرفة على كتابة المسلسل تفصيلة بهذه الأهمية وقد كان المسلسل فرصة ذهبية لتسليط الضوء عليها ولطرق الحديد وهو ساخن حيث إن موضوع وحكايات ومآسي الولاية التعليمية ما زالت متداولة إلى الآن؟

في مسلسل «ملوك الجدعنة»، وعلى الرغم من كم الغرابة والركاكة في المسلسل ودون الدخول في نقاش حول مدى جودته، نرى في أحد المشاهد أحد الأبطال يتحدث مع حبيبته ويطلب منها الرحيل لأن «الشيطان شاطر»، فتجيبه أنها تتمنى لو تحرش بها وصارت فضيحة يضطر على إثرها لتصليح غلطته ويتزوجها أخيرًا! هكذا بمثل هذه البساطة، الكثير من المناهدة وبح الصوت في الحديث عن أن المرأة لا ترحب بالتحرش حتى من شريكها في العلاقة، وأن العلاقات الحميمة يجب أن تكون رضائية، وأن كون المرأة مع رجل في علاقة لا يعطي له الحق في الاعتداء عليها وأن موافقتها ركن أساسي في أي تطور جسدي في العلاقة، كل هذا يذهب سدى، هذا بالطبع غير الحديث المطول عن الطبقة الفقيرة وسكان العشوائيات الذين ليسوا حيوانات وأن نساءهم وفتياتهم لسن مباحات، كل هذا لا وزن له ولا قيمة لدى ملوك الجدعنة.

أما عن زيزي أو أمينة خليل، الشخصية الرئيسية في مسلسل «خلي بالك من زيزي»، والتي –من المفترض- أنها تعاني من مشكلات تتعلق بالتحكم في الغضب وتتعرض لظلم من زوجها السابق وتحاول الحصول على حقوقها في مسلسل خفيف كوميدي من خمس عشرة حلقة، فإن أي شخص يمتلك إنترنت وجهازًا ذكيًا بإمكانه أن يعرف أن المسلسل يخلط تمامًا بين المريض النفسي وبين الشخص غير المسئول، فزيزي تعاني –كما يبدو– من أعراض اكتئابية ومشكلات في التحكم في الغضب إلى جانب ثورة هرمونية لأنها خضعت لأربع عمليات حقن مجهري في سنتين ولكننا نرى إنسانة مختلة تمامًا، أشبه بالشخصية السايكوباتية المعادية للمجتمع.

زيزي تترك سيارتها في أي مكان ولا تلقي بالاً لاعتراضات الآخرين، وتفسد الأمور في السوبر ماركت ولا تهتم بإصلاحها، ولا تستطيع أن تجد أي شيء في حقيبتها، وتصرخ في الجميع حتى لو كانوا يهدهدونها، تجلس بطريقة سوقية وتتعمد استفزاز الجميع ولكنها تستطيع فرملة كل شيء إذا تعلق الأمر بمصلحتها. هذه ليست امرأة تعاني من مشكلات نفسية هذه امرأة مستفزة، وليذهب كل الحديث عن وصم المرض النفسي والتعيير المجتمعي الذي يطال الذين يعانون من المشكلات النفسية إلى الجحيم، فالمسلسل يجب أن يكون مضحكًا والمرأة التي تعاني من المشكلات النفسية مادة خصبة جداً للضحك، وللوصم.

مفيش قضية أوي ندافع عنها

منذ عدة سنوات كان اسم نيللي كريم على المسلسل بمثابة علامة جودة استباقية، منذ 2013 ومع مسلسلها «ذات» والذي أتبعته بعدد من علامات الدراما مثل «سجن النسا»، و«تحت السيطرة» وغيرهم، بدت وكأنها تهتم في المقام الأول بالمحتوى الذي تقدمه خاصة في أعمالها مع مريم نعوم. كما كانت أعمالها بشكل خاص تتعرض للمرأة المصرية الحقيقية. وبدا وكأن نيللي كريم منحازة لقضايا المرأة، حتى بدأ السقوط بمسلسلها «لأعلى سعر» عندما خرجت لنا بمسلسل كل تفاصيله ركيكة بداية من القصة وانتهاء بالراكور. وقتها فهم الجمهور أن الموضوع ليس قضية ندافع عنها ولكنها سبوبة نقتات عليها، احشر المرأة في أي قصة وقدمها للجمهور وستبيع، حتى لو كانت مهلهلة.

هذا العام تطل علينا نيللي كريم في مسلسل «ضد الكسر» في شخصية «إنفلونسر» مهتمة بالطبخ وشئون المرأة تتعرض لمحاولة قتل فتتكشف الكثير من الحقائق المحيطة بها في إطار تشويق درامي. المسلسل متقن على مستوى الصناعة، فخيوطه الدرامية محكمة والتمثيل جيد والحوار شيق، المشكلة الوحيدة أن نيللي كريم ترسخ في مسلسلها لصورة غريبة عن المرأة التي تتكسب من الإنترنت، صورة نمطية تمامًا تجدها في تعليقات الجمهور على أخبار أي من المشاهير ناعتين إياهم بأسوأ الصفات. فهي طرف في علاقة مشبوهة، تمارس التدليس بسهولة، أموالها تفتح لها كل الأبواب المغلقة، تسهر في أماكن ماجنة وتشرب الخمر وتتشاجر مع زوجها إذا انفعل عندما يلمس صديق لهم جسدها بأريحية. تنميط شديد ومهين للمرأة التي تقرر أن تستفيد من مواهبها –الشخصية موهوبة في الطبخ– لتتكسب من الإنترنت، وكأن كل من تقرر أن تظهر في فيديوهات على الإنترنت هي بالضرورة تعيش حياة ماجنة.

كل هذا وأكثر في موسم رمضاني واحد، وكأن صناع الدراما يعيشون في عالم غير الذي نعيش فيه، لا يقرؤون نفس أخبارنا ولا يعيشون نفس تجاربنا. الغريب على الإطلاق أن كل هذه السقطات تأتي بالتزامن مع فترة من فترات الحديث المكثف عن مشكلات المرأة في المجتمع المصري، وكأن صناع الدراما يتحدون النساء ويخبرونهن بمنتهى القوة والجبروت أن قضاياهن ووجهات نظرهن وحقوقهن وحناجرهن التي يصرخن بها طلبًا لبعض الاهتمام ليست مهمة بالمرة، أو كما قالت الفنانة ياسمين صبري التي حرمنا هذا العام من مسلسلها: «مفيش قضية أوي ندافع عنها».