طوال تاريخها تعرضت المرأة المصرية لنكسات اجتماعية اضطرت فيها للتعامل مع كونها مجرد أداة، كأن تُنتهك أمام أعين الناس، وتستباح أمام زوجها وأبنائها، ويُضرب بحقوقها البسيطة عرض الحائط، على الرغم من تحقيقها لطفرات، وتكريمها من بعض السلاطين المماليك، حتى صار لها ألقاب عظيمة مثل «بركة الدولة وخوند والجليلة». 

لكن مثل كل فترة من الفترات التاريخية قد يواجهن المآزق والتي تبدو غريبة، كأن تكون المسؤولة عن إعالة زوجها.

المرأة تعيل زوجها

في عهد الأمير خاير بك أراد قاضي العسكر سيدي جلبي، أن تتشبه نساء مصر بنساء إسطنبول، ففرض على المرأة أن تدفع لزوجها نصف المهر الذي دفعه لها للزواج منها، وأن يكون كساء زوجها كل عام على نفقتها، أما الزوج فهو مُطالب فقط بإطعامها كل يوم قليلًا أو كثيرًا. 

يقول ابن إياس «فرح العامة لقرار القاضي بينما اغتمت النساء بذلك».

وبعدها بأيام أصدر قرارًا آخر بأنه لا امرأة تخرج للسوق إلا العجائز، وكل من تخالف ذلك من النساء تُضرب، وتربط من شعرها، ويُطاف بها في شوارع القاهرة. 

وكان قاضي العسكر صاعدًا إلى القلعة حين سمع بعض النسوة يمتدحن في السباهية، وأنهم يقاتلون أفضل من المماليك، فأصدر حزمة قوانين إضافية للتنكيل بالنساء، أبرزها ألا تخرج امرأة مُطلقًا من بيتها، ولا تركب على حمار، ومن تُضبط، يُشنق حمارها.

وضُبطت إحدى السيدات راكبة على حمار، فأنزلوها بينما هرب الحمار، وتعرضت للضرب، ومزقوا ملابسها وغُرمت أشرفين (عملتين ذهبيتين).

النساء حينها لم يرضين بذلك، فلجأن لحيلة أكثر ذكاءً للتغلب على القوانين، بادرت السيدات بشراء «أكاديش – عربة» يجرها الحمار، وبعضهن ركب على بغل. 

وقبلها كان السلطان سيف الدين برسباي أصدر أمرًا بمنع النساء من الخروج إلى الأسواق، وفرض على النساء المُضطرات للخروج الحصول على تصريح أولًا، مثل المغسلات.

عدو الموضة

كان السلطان الناصر محمد بن قلاوون عدوًا للموضة الجديدة التي تختلقها النساء، في كتابه «السلوك لمعرفة سير الملوك» يحكي المقريزي أن نساء السلطان وجواريهن استحدثن موضة القمصان التي تجر ذيولها على الأرض، وذات الأكمام الواسعة، وكان يُعرف باسم «البهطلة»، إلى جانب موضة الخفاف ذات الكعب العالي، وكان ذلك في سنة 745 هجرية.

حينها بدأت نساء القاهرة الميسورات التشبه بهن وانتشرت الموضة أكثر فأكثر، فصدرت فتاوى بتحريمها، وأمر السلطان بصناعة تماثيل تشبه النساء مرتدية القمصان الممنوعة وتعليقها على باب زويلة لإرهاب النساء. 

وكانت الشرطة تطوف في الشوارع إن رأت إحداهن مرتدية الفستان تُقص أكمامها وأحيانا يُطلب منها خلع الفستان وتسليمه للجنود، وكانوا يطوفون على محلات الملابس يقطعونها، ومنعوا الأساكفة من صناعة الخفاف ذات النعل المرتفع. 

أداة للتنكيل

كانت النساء أداة في يد الأمراء إذا أرادوا التنكيل ببعضهم البعض، يحكي المقريزي، عن مسؤول النظارة في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ويُدعى شرف الدين عبدالوهاب النشو، أراد التنكيل بأحد كبار الموظفين ويُدعى موسى بن التاج إسحاق، فألقى القبض على زوجته وكانت حاملًا، وأمر بضربها حتى طرحت ابنها أرضًا وكان ذكرًا. 

كما استخدمهن في التجسس _خاصة العجائز_ على كبار المسؤولين في الدولة، وبسبب وشاية إحداهن ألقى القبض على موظف آخر يُسمى يحيى بن الجيعان، وطالبه بدفع 200 ألف دينار ذهبي، ولم يستطع دفعها فقتله وقتل أولاده، وبعدها ألقى القبض على أقاربه وطالبهم بالمبلغ.

المرأة اللعوب والمسجد

في سنة 662 هجرية كانت هناك امرأة جميلة يُقال لها «غازية» كانت تخرج بزينتها بصحبة امرأة مسنة، وكانت تذهب إلى الرجل في الطريق فتغويه وتطلب منه أن يتبعها إلى المنزل، حتى إذا وصل خرج إليه رجال آخرون وقتلوه وأخذوا ما معه، وفي إحدى المرات استدرجت ماشطة (كوافيرة) ترتدي الكثير من الذهب، بحجة وجود عرس، فجاءت الماشطة ومعها جارية، لكن الجارية تركتها عند الباب فعادت.

فما كان منهم إلا أن قتلوا الماشطة، ولما عادت الجارية تبين لها أنها قتلت وأبلغت عنهم، ووجدت الشرطة حفرة مليئة بالقتلى داخل المنزل، وحكم عليهم بالقتل، وبني مسجد مكان البيت سمي بـ «الخناقة» تيمنًا بتلك المرأة.

على الرغم من انتشار بيوت الدعارة في وقت المماليك، فإنه بين الحين والآخر كانت تُجرم أو تُفرض عليهن غرامة، وفي عهد الأمير خاير بك تم تجريمها، وحينها ألقى الوالي حسين باشا القبض على امرأة يُقال لها «أُنس»، وكانت تقيم في الأزبكية، يجتمع عندها «عاهرات»، فأمر خاير بك بإغراقها في المنشية عند قصر ابن العيني مع امرأة أخرى يُقال لها بدرية، واجتمع الناس لمشاهدة عملية إغراقهن.

وكانت موردًا مهمًا لمال الخزينة السلطانية في بعض الأحيان، مثلما حدث لرئيسة المغاني، هيفة اللذيذة، والتي عندما علم السلطان الغوري أنها تمتلك أموالًا كثيرة، ضُربت وألزمت بدفع 5 آلاف دينار للسلطان، ودفعت منها ألف وخفض باقي المبلغ لـ 500 دينار بعدما تبين أنها بالفعل لا تملك المبلغ.

اغتصاب علني

يقول ابن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور (الجزء الثالث) إن مجموعة من السباهية (جنود من الفرق العثمانية يعملون مع المماليك)، كانوا قد عادوا لتوهم من محاربة العربان الذين حاولوا الاستيلاء على الشام، وبمجرد عودتهم صاروا يخطفون النساء من الطرقات تحت أعين الجميع وكذلك الصبيان الصغار، وكان ذلك سنة 925 هجرية.

خطفوا امرأة من أمام دكان لبيع الكعك، عند سلم مدرسة المؤيدية «وفسقوا» بها ولم يجرؤ أحد من الناس على تخليصها منهم، وحدثت مشكلات بينهم والأمير المملوكي خاير بك بسبب ذلك. 

ويستكمل ابن إياس أنهم في إحدى المرات توجهوا إلى بيت القاضي عبد العظيم وهجموا عليه، واغتصبوا نساءه أمامه. 

استباحة النساء انتشرت بين أمراء المماليك حتى أن السلطان الناصر أبا السعادات ابن الأشرف قايتباي، كان يطوف في منطقة بين القصرين بصحبة نجلي عمه، وإن أعجبتهم امرأة هجموا عليها في بيتها وضربوا زوجها.

الجواري أيضًا كن يُعاملن معاملة مشابهة، تبينها قصة مريم الزنارية من ألف ليلة وليلة «عندما عادت مريم إلى والدتها بعد غياب طويل فسألتها عن حالها وهل ما زالت بكرًا أم لا، فردت الفتاة على أمها قائلة: بعد أن يُباع الإنسان يصير محكومًا عليه…

قليلٌ من الإنصاف

على الرغم من التنكيل الذي لحق بالنساء في عهد المماليك، فإن الأخبار والقصص الواردة تحكي أن النساء تمتعن ببعض الحماية الرسمية والشعبية، وكان عقاب المساس بهن أليمًا، يروي الدكتور أحمد عبدالرازق في كتابه «المرأة في مصر المملوكية» إن السلطان الظاهر بيبرس كان يطوف متنكرًا في القاهرة فرأى مجموعة من الرجال يقومون بتعرية فتاة في الشارع ولم يتدخل أحد لإنقاذها، وبعد إنقاذها، أمر في اليوم التالي بقطع أيدي مجموعة من نواب الولاة والمقدمين والخفراء، لتهاونهم في حفظ أمن النساء. 

كما قام الأمير أشرف قايتباي، بنصر امرأة رفعت إليه شكوى من بدر الدين بن القرافي أحد نواب قضاة المالكية، إذ أمر بإحضاره وبطحه وضربه ضربًا مؤلمًا وغرمه مبلغًا ماليًا، أما السلطان قنصوة الغوري ضرب ثلاثة من المماليك ضربًا مبرحُا لخطفهم ثلاثة من النسوة، وحصلت كل سيدة على تعويض ألفي درهم.

أو الأمير خاير بك الذي اشتهر بقراراته ضد النساء، لكنه كان منصفًا لهن في القضايا الشخصية، حتى أنه انحاز لزوجة الأمير جاني بك (أخي الأمير قايتباي الدوادار)، حين اشتكته فأنصفها وفرض على زوجها غرامة «الترسيم».   

حتى الفتيات الصغيرة كان المساس بهن في بعض الأوقات يعتبر جريمة لا تُغتفر، يقول ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» إن شخصًا في سنة 926 هجرية يُقال له محيي الدين بن مثرى الزددار، كان له ابنة عمرها 7 سنوات ويقيمون في مزار السيدة نفسية، الفتاة كانت تلعب في الشارع وعلى رأسها كوفية مُطرزة ببعض الذهب، فنصب عليها صبي وعبد أسود واستدرجوها لمكان خرب خلف مزار السيدة، وذبحوها لسرقة الكوفية ثم ألقوها في فسقية موتى.

أمر خاير بك بالبحث عنها، ثم أُلقي القبض على الصبي أثناء محاولته بيع الكوفية، وأرشد والعبد عن مكان الفتاة، فوجدوها حية لا زالت تتلوى، وتم علاجها على نفقة الأمير كمشبغا. 

وعلى مستوى الطبقات المتوسطة، كانت المرأة مُكرمة من عائلتها أو زوجها، وكان من الشائع أن يقوم كل زوج بتوفير حمار يقوده مكاري ويتبعها خادم، وكان عاديًا عند العامة، أن تخرج المرأة لفترات طويلة من بيتها وقلما يتعرضن للوم من أزواجهن، وكانت المرأة تتمتع بالحرية الكبيرة في شوارع القاهرة وأسواقها، وكانت لهن حمامات عامة، وكان الاختلاط يحدث بكثرة على شاطئ النيل والبرك.  

المراجع
  1. بدائع الزهور في وقائع الدهور، الجزء الثالث
  2. السلوك لمعرفة سير الملوك، الجزء الثالث
  3. السلوك لمعرفة سير الملوك، الجزء الرابع
  4. المرأة في مصر المملوكية – الدكتور أحمد عبد الرازق