أزمة ميراث المرأة: كيف تعامل معها الساسة في تونس؟
لم تسكن أزمة مساواة المرأة والرجل في تونس حتى الآن، أسبوع تقريبًا من الجدال على الفضاء الإلكتروني داخل تونس وخارجها، اتهامات بالخروج على شرع الله، وأخرى بالجمود والوقوف في وجه التحديث وتطور المجتمع، اشتباك بالألفاظ بين المؤسسات الدينية والسياسية، صدمة بين صفوف جماهير التيارات السياسية جرّاء مواقفها من القضية.
رصاصة السبسي
في كلمته التي ألقاها، الأحد 13 أغسطس/آب، بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية، أطلق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي رصاصته التي دوت في أرجاء المجال العام داخل تونس وخارجه، عندما دعا لمراجعة القانون المتعلق بمنع المرأة التونسية من الزواج بغير المسلم، كما دعا إلى ضرورة المساواة في الإرث بين الجنسين.
الرئيس التونسي طالب حكومته بالعمل على تغيير القانون رقم 73، الصادر عن وزارة العدل التونسية عام 1973، والذي يقضي بمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بأجنبي غير مسلم. وبموجب هذا القانون تُطلب حاليًا في تونس شهادة اعتناق الإسلام من أي رجل غير مسلم، لإتمام زواجه بتونسية مسلمة. وفي حال إبرام الزواج خارج تونس دون هذه الوثيقة، فإن عقد الزواج لا يمكن تسجيله في تونس.
السبسي أيضًا دافع بأن الإرث ليس مسألة دينية وإنما هو من أمور البشر التي تركها الله ورسوله لاجتهاد العباد، مضيفًا: «لدينا دراسات تقول إن المرأة التونسية تساهم بنسبة 45% في مصاريف العائلة».
من هذا المنطلق،قال السبسي إنه «يمكن الحديث عن مسألة الإرث، وأن العقل القانوني التونسي سيجد الصيغ الملائمة لهذا الأمر بشكل لا يتعارض مع الدين والقانون، ولا يصدم مشاعر عدد من المواطنين والمواطنات».
دعوات السبسي أطلقت العنان للصراع في المجال العام، بعد أن أفصحت العديد من المؤسسات الدينية والسياسية عن آرائها ومواقفها تجاه مسألة مساواة المرأة والرجل في الإرث، والسماح للمرأة التونسية بالزواج من غير المسلم.
ديوان الإفتاء التونسي
جاء رد ديوان «الإفتاء» التونسي سريعًا، حيث أصدر في اليوم التالي لخطاب السبسي، بيانًا أشاد فيه بمقترحاته.
يقول البيان:
الأزهر يدخل على الخط
على الرغم من أن الأزمة أُثيرت داخل تونس، ولم يخاطب الرئيس التونسي عموم الدول العربية بدعواته، إلا أن مؤسسة الأزهر دخلت على الخط، من خلال وكيلها،الدكتور عباس شومان، الذي أعلن رفضه لمقترحات السبسي وتأييد الإفتاء التونسية لها.
وتحت عنوان «تبديد لا تجديد»، نشر شومان بيانًا أحدث جدلًا في الأوساط التونسية، حيث يرى وكيل الأزهر أن «دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام».
وأكد على أن «المواريث مُقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة وكلها في سورة النساء وهذا مما أجمع عليه فقهاء الإسلام قديمًا وحديثًا».
وتطرق شومان إلى مسألة زواج المسلمة من غير المسلم، وقال:
قيادات «نداء تونس» تفتح النار على الأزهر
بيان وكيل الأزهر تسبب في موجة غضب عارمة داخل أوساط حزب «نداء تونس» الحاكم.
سريعًا،ردّ برهان بسيس، المكلف بالشئون السياسية في حزب «نداء تونس»، على تصريح وكيل الأزهر، قائلًا: «أما وقد دخل الأزهر المصري على الخط، فمن المفيد التذكير بأن نقاشنا التونسي الداخلي يظل ظاهرة صحية ومطلوبة مهما بلغ حجم اختلافاتنا تجاه قضايا مثيرة للجدل مثل المساواة في الإرث أو زواج المسلمة بغير المسلم. لكن أن تقتحم علينا مؤسسة مثل الأزهر سبق أن أفتت بحرمة بث فيلم الرسالة لمصطفى العقاد وصنفت مشاهدته ضمن المحرم دينيًا، وتدخل على خط تداولنا الداخلي لقضايا تهم مجتمعنا التونسي فذلك أمر يدعونا لتحصين أجواء الجدل الفكري والثقافي بيننا كتونسيين».
وشن سمير العبدلي، رجل الأعمال والقيادي في الحركة، هجومًا حادًا على تصريحات وكيل الأزهر، حيث قال: «ليس للأزهر، وعلمائه ومناهجه، وكتب الفقه فيه، التي تبيح أكل لحوم البشر والمرأة والصبي، دون شيّها، وتجيز للإنسان قطع جزء من جسده وأكله إذا اضطر، أن تلقّن تونس درسًا في آليات تطوير الأحكام الشرعية والمجتمعية».
أما حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس، والمدير التنفيذي للحزب، فاكتفى بنشر صورة لبورقيبة، مرفقة بعبارته الشهيرة: «سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون، لن أنتظر ديمقراطية شعب من المنخدعين بالثقافة الذكورية باسم الدين».
وبعيدًا عن الأزهر، أصدرت حركة «نداء تونس» بيانًا تؤيد فيه دعوت السبسي، أبرز ما جاء فيه:
قيادات «النهضة»: لسنا ناطقين باسم الإسلام
أعلن عدد من قيادات حركة النهضة التونسية موقفهم من دعوة الرئيس التونسي باجي قايد السبسي، للمساوة بين المرأة والرجل في الميراث، وحق المرأة التونسية المسلمة في الزواج من غير المسلم.
ردود أفعال قيادات «النهضة» اتفقت على أن مقترحات السبسي مطروحة للنقاش، وأن الحركة ليست ناطقة باسم الإسلام، وأنها حزب سياسي وليست دار فتوى، وأن دعوات الرئيس التونسي تخص كل أفراد الشعب وليس الحركة فقط.
أكد عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة والنائب الأول لرئيس البرلمان، أن الحركة ليست مفتيًا، بل طرف سياسي يأخذ بعين الاعتبار المرجعية الإسلامية، ولا يريد الدرس على مقدسات الوطن، لكنه منفتح للفهم والإدراك.
وفيما يخص مسألة زواج المرأة من غير المسلم، قال مورو، في تصريحات إذاعية، إن هذه القضية ترجع لإرادة الزوجة، مضيفًا: «اختيار الزوج حق من حقوق المرأة، وهي تعلم جيدًا حكم الشرع في هذه القضية، فإن تجاوزته فهذا موقف شخصي لا يحق لي التدخل فيه، ولا المنشور أيضًا يستطيع أن يمنع المرأة التي تريد الزواج من غير المسلم، هذه مسألة شخصية تخص الزوجة فقط».
المنشور الذي يشير إليه مورو، هو قانون 1973، والذي يحظر زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين.
وبخصوص قضية الميراث،قال مورو: «قضية الزواج هي قضية أفراد، بينما قضية الإرث هي قانون عام ينطبق على كل الناس».
حول القضية ذاتها،رحب نور الدين العرباوي، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، بنقاش مقترحات الرئيس التونسي، قائلًا: «ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية مطروح للنقاش الطويـل والواسع»، مضيفًا: «ونحن كحزب سياسـي سنكون شركاء فـي النقاش في المجتمع ومؤسساته وكذلك تحت قبة البرلمان».
بينما قال عماد الخميري، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، في تصريحات إذاعية: «الفكرة التي طرحها رئيس الجمهورية مجتمعية بامتياز تحتاج إلى لجنة لبلورتها وفق ضوابط معينة». وأضاف: «ولكن إلى حين عرض مبادرة تشريعية حول الفكرة التي عرضها رئيس الجمهورية يصبح من السابق لأوانه الحديث عن مواقف سياسية مع أو ضد».
وأشار الخميري إلى أن التوجه العام لحركة النهضة حول هذا الموضوع هو أن هناك ثوابت متعلقة بأحكام الدستور وأحكامه في توطئته وجميع فصوله، وكذلك لا ينبغي أن تتعارض مع قيم الإسلام ومقاصده.
وعلى درب مورو،سار عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى حركة النهضة، الذي أكد أن الحركة حزب سياسي ديمقراطي ليس ناطقًا باسم الإسلام، وأشار إلى أن قضايا الهوية ونمط المجتمع تهم كل التونسيين، مضيفًا «النهضة لا تدخل المعارك الهامشية والدستور حسم قضايا الدولة والمجتمع بتوافق واسع».
واتفق سمير ديلو، القيادي بحركة النهضة ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سابقًا، مع مورو والهاروني، مستنكرًا أن يكون خطاب السبسي «حشرًا» للنهضة في زاوية، مؤكدًا على أن الحركة «ليست ناطقة باسم الشرع، ولا الوكيل الحصري لتأويل آيات الله»، وأنها حصلت في مارس/آذار 2011 على ترخيص سياسي لا دار فتوى.
ديلو أكد أن «الطرف الذي عليه التفاعل مع مبادرة رئيس الجمهورية ليس حركة النهضة تحديدًا بل عموم المواطنات والمواطنين، وكل ذات رأي، وكل ذي موقف واجتهاد، سواء كان المعنيون سياسيين أو من أهل الفكر والفقه والثقافة والفن».
أما علي العريض، القيادي في حركة النهضة، تفاعل مع مبادرة الرئيس التونسي، وقال إنها يجب أن تحترم الإسلام ومقاصده من جهة، والدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس، من جهة أخرى.
وأشار العريض إلى أن «لا أحد هو الناطق الشرعي باسم التفسير والتأويل والاجتهاد»، مضيفًا: «ولكن أولى الناس بالإدلاء برأيهم هم العلماء والمفكرون والمجلس الاسلامي الأعلى ومفتي الجمهورية وكل من له القدرة على الاجتهاد ليستفيد منهم الجميع».
وأكد أنه من حيث المبدأ لا شيء يمنع من طرح قضايا للحوار في مناخ مناسب ودون إرباك لأولويات اللحظة.
وعدّد العريض تلك الأولويات من وجهة نظره، قائلًا: