بالمخدرات والسم وتحطيم العظام: رحلة المرأة الصعبة نحو الجمال
لم تتوقف مساعي النساء نحو الجمال على مرِّ التاريخ، وهو سلوك رصدناه في كافة الحضارات الإنسانية مهما كانت موغلة في القِدم. الغريب أن بعض هذه المساعي استعانت بأي وسيلة متاحة في هذا العصر حتى لو كانت قاتلة، وكأن لسان حال المرأة يقول «لا يهم كم أعيش من سنوات، المهم أن أقضيها جميلة ونضرة».
وهو ما دفع الصحفي الأمريكي بنيامين فلاور ليكتب يومًا في مقالةٍ له «لا توجد عبودية أقسى أو كثر ضررًا على المدى البعيد من قواعد الموضة التي يفرضها المجتمع على النساء».
في هذا التقرير نستعرض أبرز «وسائل التجميل» المميتة التي استعانت بها النساء على مدار الزمن.
الصين: دمِّروا الأقدام
بدأ حُكم أسرة هان للصين بداية من 206 ق.م واستمرّ حتى 220م، وشاع في هذه الفترة غرام الصينيين بالفتيات النحيفات أصحاب الأقدام الصغيرة.
وهو ما دفع النساء لربط أقدامهن مبكرًا كي لا تنمو أكثر من اللازم ولا يزيد طولها عن 3-4 بوصات المقاس المثالي حينها، ما سبّب في بعض الحالات تشوهًا شديدًا في الأقدام.
هذا النشاط المدمِّر للجسد كان شديد الشيوع في الصين، لدرجة دفعت الحكومة الصينية لإصدار تشريع قانوني يُجرِّم هذه الفعلة عام 1949م، إلا أنها لا تزال تُمارَس سرًّا في بعض أنحاء الصين.
إنجلترا في القرن السادس: فلنشرب السم
في هذا العصر باتت البشرة الوردية من أهم مقاييس الجمال، وهو ما دفع النساء لاستعمال مساحيق التجميل لتحقيق ذلك الغرض.
وفي الوقت نفسه، اكتسبت البشرة الشاحبة سُمعة سيئة بسبب ارتباطها بالنساء الريفيات اللائي يعملن في الهواء الطلق ويتعرّضن للشمس، وهو المصير الذي سعت نساء الطبقة الراقية لتجنّبه بأي ثمن.
أحد أشهر هذه المساحيق هو «ماء سليمان»، الذي حقّق نتائج فعالة في تخليص البشرة من البقع والنمش، لكنه للأسف كان مصنوعًا من الزئبق ما أصاب النساء بأضرار جمّة بعدما تسبب في تآكل الطبقة الخارجية للجلد.
وفي بعض الأحيان أدى الإفراط في استعمال مستحضرات التجميل إلى الوفاة، مثلما حدث مع الكونيسة الأيرلندية ماريا كوفنتري التي تسّرب الرصاص إلى جسدها من المكياج حتى ماتت، وهو ما يدفعنا لمنحها لقب «شهيدة الجمال».
لتنضم بذلك إلى القائمة الطويلة من شهيدات الجمال اللائي حفظ التاريخ لنا أسماءهن، مثل ديان دي بواتييه (Diane de Poitiers) عشيقة الملك الفرنسي هنري الثاني، والتي كانت تكبره بـ19 عامًا، وهو ما دفعها للكفاح من أجل الحفاظ على جمالها حتى تظل مكافئة له فأسرفت في استعمال منتجات التجميل المصنوعة من الزئبق كما أنها كانت تشرب جرعة من الذهب السائل يوميًّا!
عصر النهضة: احلقوا الجباه
شاع في عصر النهضة، اعتبار الجبهة العريضة من أهم معايير الجمال، لذا حرصت النساء -اللائي لا يمتلكن جبهة عريضة- على حلق مُقدِّمات رؤوسهن لإزالة الشعر منها حتى يمتلكن «أعرض جبهة» رأس ممكنة.
إنجلترا الفيكتورية: حطّموا العظام
طوال القرن الـ18 الميلادي، ساد الاعتقاد بأن «الساعة الرملية» هو الشكل الأمثل للمرأة الجميلة، وهو ما دفع النساء إلى ارتداء «كورسيهات» خانقة على البطون لينلن الشكل المطلوب، وهي العادة التي أقبلت عليها حتى الفتيات الصغيرات والنساء الحوامل.
الإفراط في استخدام الكورسيه أصاب النساء بالعديد من الأضرار، فهو يقلل من قدرة الرئة على التنفس، ويُضعف من قوة عضلات الصدر والظهر، كما أن أربطة الكورسيه الضيقة تسببت في بعض الأحيان في مشاكل طويلة الأجل بالجسم مثل الإصابة بالإمساك وتعرّض الجهاز الهضمي للأضرار وفي بعض الأحيان كان يؤدي إلى الإجهاض وهبوط الرحم.
كما شاعت إصابة النساء بأحد أنواع الفتاق الناجمة عن الكورسيهات شديدة الضيق عُرف بِاسم «متلازمة سومرينج»، نسبة إلى الطبيب الألماني الذي كان من أوائل الناس الذين حذروا من خطورة استعمال الكورسيهات الضيقة على الجسم.
أيضًا استعانت النساء بأنواعٍ «حمضية» من قطرات العيون لإضفاء «لمعان» على العين، والتي ثبت لاحقًا أنها قد تُسبب العمى، كما شاع استخدام الزرنيخ والزئبق لزيادة نضارة البشرة، وكذلك استخدمت النساء صبغات لإخفاء الشعر على الجسد مصنوعة من الرصاص.
لاحقًا كشفت الأبحاث الحديثة الخطورة الشديدة لتلك على الجسد، فالزرنيخ قد يؤدي إلى إتلاف الجهاز العصبي وتساقط الشعر وكذلك إصابة الجسم بالبهاق، ولا يُمكن رصد مدى تسبب تلك المنتجات في وقوع الوفيات بين مستخدماتها، ولكن– بلا شك- وسائل «التجميل السامة» تلك قتلت من النساء الكثير والكثير في الخفاء، وعلى رأسهن الملكة الإنجليزية إليزابيث الأولى.
فلقد اشتهرت الملكة بالحرص على استعمال مستحضرات التجميل التي تُكسب بشرتها لونًا شديد البياض، لذا سُمِّي ـ«المكياج الطباشيري»، وتزامن حرص التأنق عند إليزابيث برغبتها في إخفاء البثور االتي ملأت وجهها بعد إصابة قديمة بمرض الجدري، فاستعانت -مثل بقية نساء عصرها- بمستحضرات تجميل مصنوعة من الرصاص.
العشرينيات: الرمل الذري!
خلال بداية التسعينيات لاحظ البعض الآثار الفعالة للراديوم (عنصر مُشع خطر على جسد الإنسان) –الذي كان قد اكتُشف حديثًا على يدي ماري كوري-، فروّجوا لاستعماله كوسيلة للتجميل، حتى أن نشاطًا تجميليًّا شاع في أوروبا بدهن أجساد النساء برملٍ مُشه أُتي به خصيصًا من أماكن ذرية!
الستينيات: الامتناع عن الأكل
شاع بين النساء الرغبة في امتلاك قوامٍ نحيف ولو عبر الامتناع تمامًا عن الأكل، وهو بالطبع سلوك بالغ الخطورة لأنه يحرم الجسم من كافة العناصر الحيوية التي يتحصّل عليها من الطعام.
تحكي إيما مكليندون منسقة متحف الأزياء في نيويورك: البعض يعتبر أن في هذه الفترة تحرّرت المرأة، هذا غير صحيح. بالفعل، لم تعد النساء مضطرات لاستخدام الكورسيه، لكن الضغوط الإعلامية والمجتمعية عليها استمرّت لتحظى بجسد نحيف، تم استبدال الكورسيه بالتمارين الرياضية.
للأسف، لم يتوقف الأمر فقط على استخدام التمارين الرياضية، وإنما شاع في التسعينيات بين النساء الرغبة في امتلاك قوام بالغ النحافة -مثل عارضات الأزياء كـ«كاتي موس Kate Moss» – بأي ثمن حتى لو شربن المخدرات لدرجة عُرف بها هذا المظهر النحيف بـ«هيروين شيك heroin chic».
شاع هذا السلوك بين عارضات الأزياء لدرجة دفعت معها بعض بيوت الأزياء العالمية على حثِّ العارضين والعارضات لديها على شُرب المخدرات لاكتساب المظهر الشاحب المطلوب، وهو ما أدّى لوفاة العديد من العارضين!
وبسبب التركيز الإعلامي المبالغ فيه على «نحافة المرأة» انتشرت أمراض «اضطرابات الأكل» بين الشابات، بحسب عددٍ من الدراسات العلمية. كلهن طمعن في القوام الأنيق فتخليّن عن الأكل السليم فوقعن في براثن المرض.
شيوع هذه الظاهرة لفترة طويلة وتأثيراتها السلبية الممتدة على المجتمع االأمريكي استدعت انتقادًا من رئيس أمريكا -بيل كلينتون- الذي قال إن «صور الموضة في السنوات القليلة الماضية جعلت إدمان الهيروين يبدو ساحرًا ومثيرًا ورائعًا».