مسلسل «بـ100 وش»: العصابة التي سرقت الموسم الرمضاني
منذ قليل كنت أتحدث مع إحدى صديقاتي على ماسنجر، كنت أسجل لها رسالة صوتية أخبرها فيها بأمر ما، ردت علي بجملة «مليونير مليونير بكرة هبقى مليونير» ثم أخبرتني أنها لم تركز فيما كنت أقوله، ولكن في خلفية حديثي كان تتر الحلقة الجديدة من مسلسل بـ100 وش، فأخبرتها أنهم استطاعوا أخيراً أن ينفذوا عملية السرقة ونجحوا في الاستيلاء على المال، فردت عليّ بأنها سعيدة أن هذا حدث أخيراً ودعونا للعصابة ألا يتم القبض عليهم، ثم انتهى حوارنا عند هذه النقطة دون الرجوع للموضوع الأصلي الذي كنا نتحدث فيه!
كوميديا حقيقية
بدءاً من أغنية التتر، التي يغنيها المدفعجية برتم سريع يشبه المهرجانات مع الأخذ في الاعتبار أن فرقة المدفعجية أصلاً من رواد موسيقى المهرجانات، واشتراك آسر ياسين ونيللي كريم في غناء بعض المقاطع، كان هناك وعد بأنك ستشاهد شيئاً مختلفاً ولطيفاً، بالفعل منذ الحلقة الأولى استطاعوا أن يجذبوا انتباه المشاهدين، إيقاع مناسب للأحداث وكوميديا حقيقية تعتمد على الموقف وعلى الإمكانيات التمثيلية للممثلين، عوامل كلها مختلفة عما يحدث مؤخراً – هذا الموسم تحديداً – في الأعمال الكوميدية.
ثم الكتابة، الكتابة الجيدة جداً والحوار الذكي الطازج الذي تشارك فيه أحمد وائل وعمرو الدالي، اللذان كتبا إفيهات مضحكة فعلاً ومبنية على أحداث وردود أفعال وشخصيات ليست ذات بعد واحد ولا مسطحة، تأصيلاً لحيواتهم وأسباب وجودهم في هذا المكان في هذه اللحظة ليتبادلوا هذا الحوار، فيخرج الضحك حقيقياً و«متعوباً» فيه وذكي، الذكاء جميل ومهم وفعال، ويربح دائماً.
ثم كاملة أبوذكري، التي كانت تميمة حظ نيللي كريم، منذ بنت اسمها ذات وهما يشكلان ثنائياً رائعاً لا يخيب، كاملة مخرجة موهوبة ومتمكنة، معظم أعمالها علامات فارقة تحدث عنها الجميع، ولكن لتعاونها مع نيللي كريم نكهة خاصة جداً، فما زال مسلسل ذات علامة حقيقية في الدراما المصرية والبطولة النسائية وفي تاريخ نيللي كريم حتى بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات عليه، في بـ100 وش استطاعت كاملة أبوذكري أن تثبت أنها متمكنة أكثر، فالعمل كوميدي تماماً ويختلف عن أعمالها المعتادة، ولذلك فهي تثبت من خلال إحكام تفاصيله وجودة العمل أنها مخرجة كاملة فعلاً.
لصوص ولكن ظرفاء
التمثيل هو بطاقة عبور الأعمال الدرامية للمشاهد، آسر ياسين، مؤخراً، لا يمكن الجدال حوله تقريباً، فالتحول التام من أقصى التراجيديا والمأساة في مسلسله مع منة شلبي في كل أسبوع يوم جمعة، إلى الكوميديا مع نيللي كريم في بـ100 وش، يمكنك أن تقرر بضمير مستريح أن آسر ياسين من أفضل – وأذكى – الوجوه في جيله، وأنه يتمتع بقبول إلهي يساعده هو باختياراته وتطوير أدائه وتركيزه فيما يفعله، هنا يلعب آسر ياسين دوراً يبدو سهلاً، حيث إنه دور شاب ثري ذكي وسيم مسيطر، ولكنه استطاع أن يلعب دور النصاب الوسيم بتفاصيل تخصه وحده، ومنذ الحلقة الثانية تقريباً استطاع أن يقلب وسائل التواصل الاجتماعي بجملة باي شوجر، التي أصبحت علامة شخصية عمر المسجلة.
نيللي كريم أيضاً ممثلة جيدة جداً، تتبروز موهبتها مع مخرج متمكن وكتابة جيدة، ولكنها حتى عندما تختار أعمالاً ضعيفة – انظر مسلسل لأعلى سعر – تستطيع أن تكون عنصر جودة فيه، ولذلك فهي عندما تشارك في عمل كل عناصره جيدة تبدع فعلاً، في بـ100 وش تجرأت نيللي كريم ودخلت عالم الكوميديا وخرجت من منطقتها الآمنة التي حققت فيها النجاح، ولذلك فنجاحها في تقديم شخصية سكر يحسب لها مرتين، مرة لأنها نجحت فعلاً في تلبس الشخصية ومرة لأنها جازفت بأن تلعبها أصلاً.
أما باقي الشخصيات، فلا بد أن نعترف أنهم ممثلون رائعون في المقام الأول، ثم تبلورت روعتهم تلك بتوجيهات كاملة أبوذكري، إسلام إبراهيم مثلاً، الشاب الموهوب الذي كانت موهبته واضحة منذ أن كان يقدم ستاند آب كوميدي في قناة فضائية مغمورة، كان يقدم فيها اسكتشات بطلها رجل دمياطي اسمه حمادة، اليوم وبعد تقريباً عشر سنوات يبدع في تقديم شخصية حمادة، الهاكر البلدي الفقير الذكي محدود الإمكانيات كبير الطموحات، بتعابير وجه حقيقية وردود أفعال كوميدية فعلاً دون ألش ودون استسهال، إسلام فعلاً يمكننا أن نعتبره خير من أنجب برنامج إس إن إل بالعربي، وفي بـ100 وش هو بطل حقيقي، حتى أن الجمهور يشعر بالظلم أن حمادة سوف يتقاضى نفس المبلغ الذي سيتقاضاه باقي أفراد العصابة باستثناء سكر وعمر.
أيضاً دنيا ماهر في شخصية نجلاء الممرضة، دينا موهوبة وقدمت مع نيللي كريم وكاملة أبوذكري دوراً جيداً جداً في سجن النسا، تعود هذه المرة لتستكمل نجاحاتها حتى لو كانت أدوارها صغيرة ولكنها دوماً ما تعلق في ذهن الجماهير، أيضاً زينب غريب التي قدمت هي الأخرى دوراً جميلاً وحقيقياً في سجن النسا – كانت إحدى الفتاتين قريبتي درة – كانت فيه طبيعية ومذاكرة الشخصية كما يقولون، تقدم هنا شخصية رضوى، التي تلعب بهدوء وخفة وواقعية دور الفتاة المعجبة بعمر التي تعبر عن إعجابها دوماً دون أي مبالغة ودون أن تنفرط منها، لدرجة أنك تسعد عندما يسأل عنها عمر في إحدى الجلسات التي لم تكن حاضرة فيها، أما شريف دسوقي الذي اشتهر على السوشيال ميديا بشخصية سبعبع فهو اكتشاف هذا الموسم، كوميديان سكندري مخضرم آت من عالم مسارح الأقاليم التي تخفي كنوزاً لم يتعرف إليها أحد بعد.
لا كازا دي بولاق
استطاع مسلسل بـ100 وش أن يحتل مكانة متقدمة بين مسلسلات رمضان، ويحصد الإعجاب الحقيقي من المشاهدين، وحتى لو كان المسلسل قدم ضمن موسم قوي كان أيضاً سيحصد نفس رد الفعل غالباً، لأنه مسلسل جيد وطازج فهو ليس أحسن الوحشين ولكنه مسلسل بالفعل جيد.
قرر الجمهور أن يعتبر عمر وسكر وعصابتهما أبطال لاكازا دي بولاق على غرار البروفيسور وعصابته في المسلسل الإسباني لاكازا دي بابل أو بيت الورق، مفارقة لطيفة أن يكون المسلسلان يتحدثان عن عصابتين وعن سرقة، والألطف أن يقارب المشاهد بين مسلسل لاقى استحساناً عالمياً ومسلسل محلي يعجبه، فهذا بالطبع نجاح حقيقي لطاقم العمل، الذي بالفعل يستحق النجاح، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن بـ100 وش لم يحاول من قريب أو من بعيد أن يقلد المسلسل الإسباني، فهو يشترك معه في تيمة مغامرة السرقة والعصابة ولكنه لم يأخذ «فورمات» المسلسل الإسباني رغم أن استخدام الفورمات الأجنبي أصبح توجهاً في الفترة الأخيرة إلا أن بـ100 وش عمل أصلي تماماً، وهذا هو ما جعله ينجح في سرقة الموسم الرمضاني هذا العام والهروب به إلى النجاح.