مد الإرهاب وجزره: هل يشهد عام 2019 تراجع الموجة الحالية؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
وسط أطنان من ركام العناوين الخبرية، وسيول الأخبار المتدفقة، ومشاعر الخوف الناجمة عن التهديدات الإرهابية، تتوه حقيقة أن هجمات الإرهاب تتراجع حول العالم، وبشكل ملحوظ في مناطق بعينها.
لاحظ الباحثون في شئون الإرهاب مثلي منذ زمن، أن عدد الهجمات الإرهابية يرتفع وينخفض في موجات، تمتد الواحدة منها لعقود عدة.
كاتب هذه السطور هو المدير المؤسس للمجمع الوطني لدراسة الإرهاب والاستجابة للإرهاب، المعروف اختصارًا باسم «ستارت – START»، وأحد المؤسسين الأوائل لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي.
لقد صككت مع زميلتيّ «لورا دوجان» و«إرين ميلر» تعريفًا للإرهاب باعتباره:
وتُبيِّن قاعدة البيانات أن موجة من الإرهاب غطت العالم بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ويبين البحث الذي أجريته، اعتمادًا على قاعدة بيانات مجمع ستارت، أن الهجمات الإرهابية حول العالم تضاعفت 12 مرة بين عامي 2002 و2014، وأن عدد ضحاياها من القتلى تضاعف أكثر من 8 مرات. أما المناطق الأكثر تضررًا فكانت: العراق وأفغانستان في الشرق الأوسط، والهند وباكستان في جنوب آسيا، ونيجيريا في أفريقيا جنوب الصحراء.
التنظيمات الإرهابية الأكثر نشاطًا خلال هذه الفترة كانت حركات طالبان والشباب وبوكو حرام، وتنظيم داعش، والحزب الشيوعي الهندي (الماوي). لكن بدءًا من عام 2014، تبدل المشهد بشكل دراماتيكي في غفلة من وسائل الإعلام. دعونا الآن نتحقق من هذا التبدل.
بداية التراجع
في عام 2015، تراجع عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 11.5%، وتراجع عدد ضحايا الإرهاب القتلى بنسبة 12.7%. وشهد العام التالي، 2016، تراجعًا أبعد بنسبة 9.2% لعدد الهجمات الإرهابية، و10.2% لعدد ضحايا الإرهاب القتلى.
وفي 2017، آخر الأعوام المتاحة بياناتها، استمر التراجع بنسبة 19.8% لعدد الهجمات الإرهابية، و24.2% لعدد ضحايا الإرهاب القتلى.
عند ضم بيانات الأعوام الثلاثة معًا، نجد أنها الأعوام التي شهدت أكبر انحسار في عدد الهجمات الإرهابية وعدد ضحاياها، منذ تأسيس قاعدة بيانات الإرهاب العالمي عام 1970، أي منذ نصف قرن تقريبًا.
وهذا الانحسار الأخير يتبع توزيعًا جغرافيًا مشتتًا، ففي عام الذي شهد ذروة التراجع، 2014، وقع 57.2% من الهجمات الإرهابية حول العالم في العراق وباكستان وأفغانستان وأوكرانيا والصومال، وفيها راح أكثر من نصف ضحايا الإرهاب القتلى. لكن بحلول نهاية 2017، شهدت الدول الخمس جميعها انحسارًا مُعتبرًا في عدد الهجمات.
وفي ثلاث دول من الخمس، تراجعت أعداد الضحايا القتلى بشكل جذري، وبنسب بلغت 53.6% في العراق، و55.4% في أفغانستان، و97.1% في أوكرانيا، التي اختبرت ذروة عنفها في 2014 و2015، مع تصاعد ثورة الميدان الأوروبي (أوروميدان)، التي تُوجت بإزاحة الرئيس المدعوم روسيًا فكتور يانوكوفيتش.
وخلال الفترة ذاتها، ارتفعت نسبة ضحايا الإرهاب القتلى بنسبة 12.5% في أفغانستان، و203% في الصومال، بيد أن هذا المد لم يكن عاليًا بما يكفي لموازنة الجزر في العراق وباكستان وأوكرانيا.
انحسار الجماعات الكبرى
من بين الملاحظات هنا أن أعداد الهجمات والضحايا لعمليات الجماعات الإرهابية الأكثر نشاطًا وخطورة في العالم قد تراجعت بدورها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
في 2014، كانت الجماعات الإرهابية الخمس الأكثر نشاطًا في العالم هي: داعش وطالبان والشباب وبوكو حرام وجمهورية دونيتسك الشعبية، وهي منظمة انفصالية نشطة في أوكرانيا تتلقى الدعم من روسيا.
وبحلول نهاية 2017، انحسرت هجمات التنظيمات المذكورة باستثناء داعش، الذي تراجعت هجماته بنسبة 2.2% بين 2014 و2015، قبل أن تزداد بنسبة 7.7% بين 2016 و2017.
لقد تراجعت الهجمات الإرهابية جذريًا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة منذ السبعينيات، وفي 2017 سجلت أوروبا الغربية 2.7% فقط من الهجمات الإرهابية حول العالم، وهبطت النسبة إلى ما دون 1% في الولايات المتحدة.
تبدو هذه الأرقام والنسب غريبة بالنظر إلى اللهاث الإعلامي وراء هجمات ضئيلة العدد، وإن كانت في مواقع مؤثرة. في 2015 أودت العمليات الإرهابية بحياة 130 شخصًا، فضلًا عن إصابة 400 آخرين، وفي 2016 نفذ تنظيم داعش وأذرعه سلسلة من الهجمات عبر أوروبا الغربية؛ في نيس وبروكسل وبرلين.
وبينما لم يزل العدد الإجمالي للهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة ضئيلًا، أحدث هجوم سيد فاروق وتاشفين مالك في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، الذي أودى بحياة 14 ضحية، وكذا هجوم «ديلان روف» في كنيسة إيمانويل الأسقفية الميثودية الأفريقية في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا، الذي حصد 9 ضحايا، أحدث صدمة لدى الجمهور.
وفي 2016، قُتل 49 شخصًا في هجوم نفذه عمر متين في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، وراح 8 أشخاص في العام التالي ضحية هجوم نفذه سيف الله حبيب اللهفيتش سايبوف، الذي أعلن مبايعته تنظيم داعش.
بؤر لم تزل ساخنة
مع ذلك، لم تتراجع أعداد الهجمات الإرهابية وضحاياها في كل مكان وكل عام. تخبرنا بيانات مجمع «ستارت» أن هذه الأعداد ارتفعت في الهند والفلبين ونيبال عام 2017. وفي 2016، ارتفعت في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وتركيا. وفي العام السابق، 2015، ارتفعت في أفغانستان وبنجلاديش ومصر.
وحتى مع تراجع الهجمات الإرهابية عالميًا بوجه عام، لم تزل بعض الدول مستهدفة. وفي حين بلغ عدد الدول المستهدفة 100 دولة في 2014، فقد بلغ 99 دولة في 2015، و108 دول في 2016، و100 دولة في 2017. ومن بين الدول التي استهدفها الإرهاب في 2016 كازاخستان وبنما وسويسرا.
ولعل أوضح نماذج هذا الوضع هو تنظيم داعش وخلاياه التابعة، فقد نفذ عددًا أقل من العمليات التي راح ضحيتها عدد أقل من الوفيات في 2017، لكن هجماته طالت عددًا أكبر من الدول.
ثمة ملاحظة غريبة بعض الشيء هنا، وهي أن الأسباب المؤدية إلى انحسار موجة الهجمات الإرهابية ليست كلها إيجابية.
وعلى سبيل المثال، يمكن للمرء أن يجادل بأن تراجع عدد الهجمات الإرهابية في أفغانستان يعود جزئيًا إلى نجاح حركة طالبان خلال السنوات الأخيرة في استعادة السيطرة على البلاد.
ولا شك أن تفسيرًا مماثلًا يصح في حالة سوريا، وإن كان النظام هذه المرة –لا الجماعات الإرهابية– هو من أفضت استعادته السيطرة على البلاد إلى تراجع عدد الهجمات الإرهابية وضحاياها.
وعلى الرغم من هذا التراجع الملحوظ في أعداد الهجمات الإرهابية وضحاياها بين عامي 2015 و2017، لم تزل هذه الأعداد كبيرة مقارنة بفترات تاريخية أخرى، وعند مقارنة عام 2017 بعام 2012، نجد أن عدد الهجمات الإرهابية أعلى بنسبة 27.9%، فيما عدد الضحايا القتلى أعلى بنسبة 70.6%.
المدهش أكثر أن عدد الهجمات عام 2017 يبلغ ضعف مثيله عام 1992، الذي كان عام الذروة في موجة مد إرهابي سابقة.
نهاية الفوضى؟
هناك أمر واحد مؤكد؛ وهو أن عدد الهجمات الإرهابية في أي منطقة من العالم يصل إلى ذروة معينة ثم يبدأ بالانحسار مجددًا. ويبدو منطقيًا هنا أن نخلص إلى أن الفوضى التي تعقب العمليات الإرهابية تحفز المجتمعات بقوة لتبني استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
ليس هناك أفراد أو مجتمعات كثيرة تفضل الحياة في فوضى وعنف، وكل ما نأمله أن نكون قد وصلنا في عامنا هذا إلى نقطة الذروة التي يبدأ عندها منحنى الإرهاب في الهبوط، لكن علينا في الوقت ذاته أن نتواضع ونعترف بأن التنبؤ هو أكثر الخطوات اهتزازًا في العلوم الاجتماعية.