هل سنهاجر؟ ناسا تكشف عن نظام جديد بسبعة كواكب شبيهة بالأرض
تَوْقُ أهل المنطقة للهجرة جعل كثيرًا من المعلقين عن كشف ناسا عن مجموعة نجمية مكتشفة حديثًا ذات كواكب شبيهة بالأرض يتحدثون ساخرين عن احتمالات الهجرة لهناك، وهل سنبدأ من الآن في الانتهاء من الأوراق المطلوبة أم سننتظر حتى التأكد من وجود مياه سائلة أو حتى حياة يمكن أن نعقد معها أواصر الصداقة الفضائية. فهل تتحقق أحلامهم قريبًا؟ هذا ما تريده ناسا بالفعل مع الإعلان عن الإنجازات العلمية المماثلة، والتي تشحذ خيال الجماهير وتدفع العالم كله للحديث عن ناسا كل فترة.
فما هو الاكتشاف هذه المرة؟ وهل سنحقق أحلامنا بالهجرة بالفعل؟
مجموعة شمسية قريبة ومشابهة
أعلنت ناسا في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء عن اكتشاف جديد لمرصدها الذي ما زال يعمل بمعجزة – إن صح هذا التعبير – «مرصد سبيتزر الفضائي Spitzer Space Telescope»، والذي كشف عن تفاصيل مجموعة نجمية تعد المجموعة الأولى من نوعها – غير مجموعتنا – بهذه المواصفات، قد تم رصد بعض كواكبها لأول مرة عن طريق تليسكوبي ترابيست الشمالي والجنوبي في تشيلي والمغرب.
فحول القزم الأحمر فائق البرودة TRAPPIST-1، وعلى بعد حوالي 39 سنة ضوئية من الأرض -378 مليار كيلو متر، تدور سبعة كواكب ذات أحجام مقاربة للأرض في مدارات شديدة القرب من القزم، منها ثلاثة كواكب في المنطقة القابلة للسكنى the habitable zone حول النجم. وبسبب حرارة – أو برودة القزم – فاحتمالات وجود مياه سائلة على أسطح السبع كواكب قائمة بقوة، كما احتمالات وجود بيئة صالحة للحياة كذلك. وعلى هذه المسافة من الأرض وفي كوكبة الدلو constellation Aquarius، تعتبر TRAPPIST-1 من المجموعات القريبة نسبيًا من الأرض، مما سيجعل دراستها مستقبلاً مهمة سهلة ومحببة.
كشف عن المجموعة لأول مرة في مايو 2016 المرصد التشيلي «- The Transiting Planets and Planetesimals Small Telescope TRAPPIST»، ومنه جاءت تسمية المجموعة. حينها أعلن العلماء عن الكشف عن ثلاثة كواكب بمساعدة بعض التلسكوبات الأرضية الأخرى. قام بعدها Spitzer بتأكيد وجود كوكبين من الثلاثة وكشف عن خمسة آخرين ليصبح المجموع سبعة كواكب، وذلك قبل أن تعلن مجموعة العلماء المساهمين عن الإنجاز في ورقة بحثية نشرت في مجلة نيتشر مع الإعلان الصحفي لناسا عن الأمر.
والكواكب الخارجية المعلن عنها -Exoplanets، نظرًا لوجودها خارج مجموعتنا الشمسية- يعتقد أنها جميعًا صلبة، وذلك بناء على حساب الكثافة باستخدام بيانات Spitzer بعد رصد أولي لأحجامهم وكتلهم، عدا كتلة الأخير والأكثر بعدًا عن القزم، والذي يعتقد العلماء أنه ربما ذو سطح متجمد.
وتدور جميع الكواكب في مدارات أقرب للقزم من مدار عطارد نسبةً للشمس، مما قد يعطيك فكرة عن مدى ضعف طاقة هذه القزم الأحمر مقارنة بشمسنا. كما أنهم قريبون جدًا من بعضهم البعض، أو كما يقول بيان ناسا: «يمكن للشخص على أحدهم أن ينظر للآخر للكوكب الآخر ليرى سحبه وملامح سطحه، فالكوكب سيظهر له أكبر من حجم القمر من الأرض». ويعتقد أن سطحهم جميعا يحمل الماء في حالته السائلة، لكن تظل الاحتمالات أكبر لدى الثلاث كواكب في المدارات القابلة للسكنى، وسيتم التحقق من الأمر بمزيد من الرصد المستقبلي.
يقول توماس زربوكن، مدير بوكالة ناسا
إذا نظرت للقمر من سطح الأرض في أي وقت ومن أي مكان، فإنك سترى نفس الوجه الذي كان يراه أجدادك منذ آلاف السنين، حيث يدور القمر حول الأرض في حركة متزامة مع دورانه حول نفسه بسبب تأثير جاذبية الأرض على سرعة دورانه حول نفسه. ينتج عن هذا مدار متزامن synchronous rotation، وهكذا أيضًا تدور الأقمار الصناعية حول الأرض بحيث تواجهها دائما بنفس الوجه.
وجدت ناسا أن كواكب TRAPPIST-1 تدور حول قزمها بنفس التزامن، أي أن وجهًا واحدًا من الكوكب يواجه النجم ليعيش نهارًا دائمًا، بينما يواجه الوجه الآخر ظلامًا موحشًا أبديًا. ولهذا فالطقس على سطح الكواكب لن يكون مشابهًا للأرض بأي حال، حيث يتوقع أن تكون هناك رياح شديدة عاصفة مستمرة مع اختلافات كبيرة بين درجات الحرارة على وجهي الكوكب. فهل يمكن لطقس كهذا أن يدعم حياة؟ ربنا قد نعرف هذا يومًا ما.
ويظن العلماء أن وجود المياه السائلة على سطح الكواكب ستختلف أسبابه حسب قرب الكواكب من القزم، فالكواكب الأكثر قربًا ستكون حرارتها أعلى قليلاً من حرارة ذوبان الثليج، بينما ستحتفظ الأبعد بحرارتها نتيجة تأثير الصوبة الزجاجية لغلافها الجوي أو طاقتها الداخلية أو تأثير الانثناء المدى tidal flexing في توليد طاقة. وإذا احتفظ أي كوكب بالمياه المتبقية على سطحه بعد نشأته، فربما تكون ما زالت موجودة في حالة سائلة.
أما عن القزم الأحمر TRAPPIST، فهو أكبر قليلاً من المشترى، مع ثمانين ضعفًا لكتلته، حوالي 8% من كتلة شمسنا الألمع منه بـ 2000 ضعف، ويعتقد أن عمره يبلغ من نصف مليار حتى بعضة مليارات من الأعوام. وتنتشر الأقزام الحمراء المماثلة لترابيزت ultracool M dwarf بكثرة في مجرة درب التبانة مقارنة بنوعية شمسنا G dwarf star النادرة نوعيا.
وسيمثل اكتشاف هذه المجموعة حول نجم قزم بارد كـ TRAPPIST تغيرًا كبيرًا في فلسفة البحث عن كواكب خارجية توفر ظروفًا مناسبًا لاستضافة حياة. فرغم أن الأقزام الحمراء هي الأكثر، إلا أن البحث عن كواكب دائمًا ما تركز حول النجوم المشابهة لنجمنا، وسط استثناءات من بعض العلماء. وسيعيد هذا الإنجاز النظر مرة أخرى في أولويات البحث في الفضاء، مع تركيز أكثر حول الأقزام والتي -بحسبة منطقية بسيطة- قادرة بشكل أفضل على توفير ظروف مواتية للحياة للكواكب القريبة منها.
كيف يُكشف عن كوكب خارجي
هناك طرق مختلفة يستخدمها العلماء لاستنتاج وجود كواكب حول نجم بعيد بدون رؤية الكواكب نفسها بشكل مباشر، وهو ما يجعل كل صور الكواكب الخارجية التي تصدرها ناسا صور تخيلية بناء على المعلومات التي رصدت عن حجم الكوكب، كتلته، تكوينه، قربه من نجمه.
وتجمل ناسا أهم الطرق التي كشف بها عن كواكب خارجية بالفعل:
- تأثير كتلة الكوكب على حركة النجم: تخيل أنك تمسك بيدي ابن اختك البالغ من العمر عامين لتديره حولك في سرعة. رغم كتلة الطفل الضئيلة إلا أنها تؤثر على دورانك حول نفسك أثناء اللعب معه، وستجد نفسك تدور حول نفسك لكن ليس دورانا في وضع الثبات، بل في مدار دائري صغير. هذا ما تفعله الكواكب في حركة النجوم التي تدور حولها وتربط كتلتهما رباط لا ينفصم من الجاذبية. يمكن من خلال المراقبة المستمرة للنجوم ملاحظة هذا المدار الدائري للنجم بمراقبته اقترابه وابتعاده عن الأرض بملاحظة تأثير دوبلر، وبذلك نستنتج وجود الكواكب ونحسب كتلتها التقريبية كذلك. يعرف هذا بـ «Radial velocity» أو «Doppler spectroscopy». اكتشف 621 كوكبا خارجيا بهذه الطريقة
- مراقبة تأثير مرور الكوكب على ضوء النجم الملتقط «Transit photometry» : بسبب مرور الكوكب بشكل مستمر بيننا وبين النجم الذي نراقبه، يتأثر شدة ضوئه بهذا المرور ببشكل ضئيل لكن قابل للالتقاط. تخيل مرور ذبابة من أمام مصباح غرفتك في مجال رؤيتك، الأمر واحد لكنه مستمر ويحمل نمطا ثابتًا يوجد في حالة الكوكب لا الذبابة. وبمراقبة النجم لفترة طويلة كذلك بأجهزة دقيقة تقيس شدة استضائته، يمكن من انخفاضها استنتاج وجود كوكب ومعرفة حجمه كذلك. 2703 كوكبًا تم اكتشاف عن احتمال وجودهم بتلك الطريقة.
- التصوير المباشر «Direct imaging» : رغم أن التصوير المباشر لكوكب بجانب نجمه أمر صعب وذلك لضعف الضوء المنعكس عن الكوكب مقارنة بلمعان النجم، إلا أنه تم الكشف عن 44 كوكبًا بتصويره بشكل مباشر. ولا يقوم العلماء بتصوير الضوء المرئي لكن الأشعة تحت الحمراء، حيث إن أغلب لمعان الكوكب يكون في شكل حرارة غير مرئية. ويلزم لتصوير الكوكب بشكل مباشر أن يكون كبيرًا بما فيه الكفاية ليعكس كمًا جيدًا من حرارة نجمه، وبعيدًا عنه لكي يستطيع العلماء فصل انعكاساته عن النجم، لكن قريبًا بما يكفي لكي لا يكون باردًا.http://gty.im/463913929
- انحناء الضوء نتيجة الجاذبية Gravitational microlensing: في نسبيته العامة قال أينشتاين إن الضوء ينحني بفعل تأثير الكتلة على نسيج الزمكان، وهو ما تم اثباته لاحقا في مناسبات متعددة. فبسبب كتلة النجوم العملاقة، يحدث حولها انحناء في نسيج الزمكان يمكن تشبيهه بالعدسة، ويؤدي لانعطاف الضوء القادم من الجهة الأخرى. تشاهد المراصد الأرضية والفضائية المئات بل الآلاف من ظواهر انحناء الضوء بتأثير الجاذبية كل عام. ويمكن استخدام ذلك لملاحظة وجود كوكب حول نجم ما بمراقبة تأثير كتلة وجاذبية الكوكب على الأثر الكلي للظاهرة المرصودة. وبهذه الطريقة كشفت ناسا عن احتمال وجود 44 كوكبا.
- القياسات الفلكية المباشرة «Astrometry»: المراقبة الفلكية المباشرة للنجم وحركته قد تمكن المراقب من اكتشاف اضطرابات في حركة النجم تجعله، بعد قياسات وتدقيق مستمر، يستنتج وجود كواكب في مدار هذا النجم، وتعد من أقدم الطرق في مراقبة حركة الأجرام السماوية، وكشف بها عن بعض الأنظمة النجمية المزدوجة.
مساهمة علمية من المغرب العربي
كشف عن المجموعة TRAPPIST-1 على أكثر من مرحلة كما أسلفنا. ساهم في المرحلة الأولى تلسكوب «ترابيست» الجنوب في شيلي، و«ترابيست» الشمال في المغرب كما صرح زهير بنخلدون -أحد المشاركين في الورقة البحثية ومدير مرصد أوكايمدن الفلكي بالمغرب- في حواره للنسخة العربية من مجلة العلمي الأمريكي «العلم»
يقول زهير:
ويضيف كذلك:
وتعد هذه مساهمة كبيرة من مركز بحثي عربي في كشف علمي توليه ناسا كل هذا الاهتمام.
سبيتزر وتعاون مشترك مع هابل وكبلر
شين كاري، مدير مهمة المرصد سبيتزر
يعتبر المرصد القديم سبيتزر-على اسم عالم الفلك ليمان سبيتزر- من أنسب المراصد التي تراقب هذه المجموعة، وذلك لأن أغلب طاقة قزمها تصدر في هيئة أشعة تحت حمراء، لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لكن سبيتزر متخصص في رصدها.
ومهمة المرصاد سبيتزر هي إحدى مهمات ناسا القديمة نسبيًا، وجزء من المهمة الأكبر «برنامج المراصد الكبرى» لمراقبة جميع أطياف الأشعة الكهرومغناطيسية؛ هابل Hubble Space Telescope لرصد الضوء المرئي visible light، وسبيتزر Spitzer Space Telescope للأشعة تحت الحمراء، بينما كومبتون Compton Gamma Ray Observatory برصد أشعة جاما، وأخيرًا شاندرا Chandra X-ray Observatory لرصد أشعة رونتجن أو الأشعة السينية.
يمارس سبيتزر مهامه منذ 2003 في مهمة كان من المتوقع لها أن تستمر لمدة خمس سنوات، قبل انتهاء غاز الهيليوم المبرد المخصص للحفاظ على أجهزة سبيتزر باردة، وهو ما حدث في 2009 لتتوقف أغلب أجهزة المسبار عن العمل ويبدأ في المرحلة الدافئة من مهمته Spitzer Warm Mission والتي ما زالت مستمرة حتى الآن مع استمرار كاميراتين فقط مختصتين بتصوير الموجات تحت الحمراء Infrared Array Camera.
قام سبيتزر بمراقبة TRAPPIST-1 لمدة 500 ساعة متواصلة استطاع خلالها التعرف بشكل أكثر وضوحًا على التركيبة المعقدة للمجموعة، وحساب السرعة التقريبية للكواكب في مداراتها، وذلك بمراقبة تأثير مرور الكوكب على ضوء النجم الملتقط كما ذكرنا. قام بعدها هابل برصد كواكب المجموعة محاولاً للتعرف أكثر على تكوين أغلفتها الجوية، خصوصا وأن أحجامهم المقاربة للأرض قد تحمل لنا البشر نتائج مثيرة.
نيكول لويس، عالم فلك وقائد مشارك في مهمة تليسكوب هابل
يقوم مسبار كبلر كذلك بمراقبة TRAPPIST-1 هذه الآونة بهدف التدقيق أكثر في القياسات المكتشفة حتى الآن بجانب الكشف عن كواكب أخرى محتملة في المجموعة.
هذه المراقبة المستمرة والمشتركة تصب في صالح المهمة الكبرى القادمة لناسا، إطلاق التليسكوب الفضائي الجديد العملاق، جيمس ويب «James Webb Space Telescope» في 2018، والذي يمتاز بدقة وبتقنيات غير مسبوقة، ستجعله قادرًا عن الكشف عن الآثار الكيميائية لوجود المياه والأكسوجين والميثان والأوزون في الكواكب السبع، بجانب تحليله لحالة غلافه الجوي ودرجة الحرارة والسطح محاولاً الوصول للإجابة على السؤال القديم، هل يصلح كوكب آخر غير الأرض للحياة بالفعل؟
أحلامنا، أم أحلام ناسا؟
رغم أن حلم وجود كوكب خارجي يأوي حياة هو حلم أي كاتب خيال علمي أو ربما هو حلم بشري جمعي بشكل ما، إلا أن اللعب على أوتار هذا الحلم بشكل دوري من قبل ناسا بالإعلان عن الكشف عن كواكب مع عنوان عريض يؤكد احتمالية وجود حياة عليها لا تخفى أسبابه عن متابعي أخبار الوكالة بدقة وعن قرب.
فأحلام ناسا الحقيقية في وجهة نظري هي الأحلام قريبة الأمد المؤثرة بشكل فوري وقريب على شكل ورفاهية الحياة البشرية؛ كتطوير الأقمار الصناعية البيئية، تطوير تقنيات البحث العلمي في بيئة منخفضة/ منعدمة الجاذبية دفعًا للبحث العلمي لآفاق أخرى أوسع بكثير -كالأبحاث الجينية والبكتيرية والزراعية على متن محطة الفضاء الدولية-، وإنشاء برنامج فضائي أمريكي قادر على إرسال بشر للفضاء مرة أخرى بعد إنهاء البرنامج المكوكي الفضائي واعتماد ناسا الكامل على روسيا في هذا الأمر. وكذلك الوصول قريبا للمريخ برحلة مأهولة بشريًا حسب الخطط الموضوعة.
لأجل هذا وغيره من المهام القريبة، تستهلك ناسا الكثير والكثير من المال، ومازالت تحتاج لأكثر وأكثر كذلك. وفي عهد أوباما خفضت الميزانية السنوية المخصصة لناسا غير الكافية ابتداء لخططها ومهامها المتعددة. لهذا تحتاج ناسا من آن لآخر لتسليط الضوء بشكل كبير على مهامها الأكثر جماهيرية، وبشكل يثير خيال الجمهور والإعلان بشكل متساوٍ. فالبروباجاندا تفيد بكل تأكيد.
كان فيلم المريخي The martian المدعوم من ناسا في هذا الإطار كذلك، مع الإعلان المتزامن أثناء عرض الفيلم عن بعض الأخبار العلمية المتعلقة بوجود مياه على سطح المريخ، واستخدام الفيلم لكثير من التقنيات الحقيقة التي ما زالت قيد التطوير في معامل ناسا.
لا يمكن لوم ناسا بالتأكيد، بل إنني أدعمها كذلك في مسعاها هذا للبحث عن التمويل بكل الطرق الممكنة، يمكنك أن تقول في ناسا كل ما تريد، لكن النتيجة النهائية لإنجازاتها دائمًا تصب في صالح البشرية جمعاء، وهذا ما نريده، أليس كذلك؟