هل سيسافر البشر يومًا ما إلى نجم آخر؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ربما كان ضربًا من ضروب الخيال العلمي، وشيئًا غرق الكثيرون في تخيله وقتًا ما أو وقتًا آخر، وهي فكرة إرسال سفن فضائية تحمل على متنها أشخاصًا ليقوموا بغرس بذرة الإنسانية بين النجوم. وما بين استكشاف عوالم جديدة، وربما إيجاد حضارات بعيدة عن الأرض، يصبح حلم التوسع بعيدًا عن النظام الشمسي هو الحلم الذي لن يكون واقعًا في القريب العاجل.
على مدار عقود، تأمل علماء في الكيفية التي يمكن للبشرية من خلالها تحقيق ذلك الحلم الكبير يومًا ما. كما أن نطاق المفاهيم التي خلصوا إليها، تحمل كثيرًا من الإيجابيات والسلبيات. وأثيرت تلك الإيجابيات والسلبيات خلال دراسة نشرت مؤخرًا لمارتين برادوك العضو بجمعية «مانسفيلد وساتون الفلكية» والزميل بالجمعية الملكية للبيولوجيا والجمعية الفلكية الملكية.
والدراسة التي جاءت تحت عنوان Concepts for Deep Space Travel: From Warp Drives and Hibernation to World Ships and Cryogenics «مفاهيم السفر في أعماق الفضاء: من محركات الاعوجاج والبيات الشتوي إلى سفن الأجيال والتبريد الفائق» ظهرت مؤخرًا في مجلة Current Trends in Biomedical Engineering and Biosciences. وكما يشير برادوك في دراسته، فإن تناول الكيفية التي يمكن للبشرية بها استكشاف أنظمة النجوم المجاورة قد أصبحت أكثر أهمية في الأعوام الأخيرة بفضل اكتشافات الكواكب خارج المجموعة الشمسية.
وكما أشرنا في مقال سابق تحت عنوان «كم يستغرق من الوقت للسفر إلى أقرب نجم لنا»، فثمة عدد كبير من الوسائل المقترحة والنظرية للسفر بين نظامنا الشمسي ونجوم أخرى في المجرة. على الرغم من ذلك، وبعيدًا عن التكنولوجيا المستخدمة لتحقيق ذلك الغرض والوقت الذي يستغرقه الأمر، فهناك أيضًا التداعيات البيولوجية والنفسية على الفرق التي تقوم بتلك المهمات، وهي الأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مسبقًا.
وبفضل النهج الذي تجدد بها الاهتمام العام باستكشاف الفضاء في السنوات الأخيرة، فإن تحليلات التكاليف والفوائد لجميع السبل الممكنة للسفر إلى نجوم أخرى، بات أمرًا ضروريًا بشكل متزايد. وكما قال الدكتور برادوك لوينفيرس توداي عبر البريد الإلكتروني:
«لقد أصبح السفر بين النجوم منطقيًا بشكل أكبر نظرًا لتضافر الجهود لإيجاد وسائل من قبل جميع وكالات الفضاء للحفاظ على صحة الإنسان في فترة سفر للفضاء والتي تتراوح ما بين العامين والـ3 أعوام».
ويضيف: «وإذا وضعنا في الاعتبار البعثات المزمع توجهها للمريخ وتسليط الضوء على أحد معتقدات ستيفن هوكينج في ضرورة استعمار الفضاء السحيق وعزم إيلون ماسك على تقليل النفايات في السفر إلى الفضاء والرؤى المتجددة لقطع غيار محطة الفضاء الدولية فإن جميع تلك الأمور تستحضر بعض المفاهيم الخيالية».
ويعتبر برادوك أن هناك 5 وسائل أساسية لزيادة عدد البعثات الفضائية إلى أنظمة نجمية أخرى في دراسته. تتضمن تلك الوسائل السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء FLT، وأنظمة البيات الشتوي والسفن الفضائية القادرة على دعم أجيال متعددة من المسافرين، وتقنيات التجميد الفائق.
وبالنسبة للسفر أسرع من الضوء، فإن مزاياه واضحة، وعلى الرغم من أنه يظل نظريًا بشكل كامل في هذه النقطة، فإن ثمة مفاهيم يتم إجراء أبحاث بشأنها في يومنا هذا. بمعنى أن أحد مفاهيم الحركة مفرطة اللمعية، والتي تُعرف باسم Alcubierre Warp Drive، يتم إجراء أبحاث عنها في الوقت الحالي من قبل العديد من المنظمات ومن بينها مؤسسة تاو زيرو ومختبر الدفع المتقدم في مركز لندون بي جونسون للفضاء التابع لوكالة ناسا.
ولتوضيح ذلك الأمر بإيجاز، فإن تلك الطريقة من السفر عبر الفضاء، والتي تتضمن مط نسيج الزمكان بالتموج، مما قد يسبب (نظريًا) انكماش الفضاء أمام السفينة وتوسعه خلفها. حينها تتجول السفينة في تلك المنطقة فيما يُعرف باسم «فقاعة الاعوجاج warp bubble» في أرجاء الفضاء. ولأن السفينة لا تتحرك داخل الفقاعة، لكنها تكون محمولة بينما تتحرك المنطقة نفسها، فإن الآثار النسبية التقليدية مثل تمدد الزمن لاتسري في تلك الحالة.
وكما يشير الدكتور برادوك، فإن مزايا نظام دفع مثل تلك تتضمن القدرة على تحقيق سفر أسرع من الضوء دون خرق لقوانين النسبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن السفر عبر الفضاء في فقاعة الاعوجاج لا ينبغي أن يكون مثارًا للقلق بينما يتعلق باصطدام السفن بالحطام الفضائي، كما أنه لن يكون هناك حد أعلى للسرعة القصوى التي يمكن تحقيقها. لسوء الحظ، فإن الجوانب السلبية لهذه الطريقة من السفر واضحة على حد سواء.
وتشمل الجوانب المذكورة سلفًا عدة أمور منها، أنه لا يوجد في الوقت الحالي وسائل معروفة لإنشاء فقاعة اعوجاج في منطقة ما من الفضاء لا تحتوي بشكل فعلي على واحدة منها. بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك حاجة لكميات هائلة من الطاقة لإنشاء تأثير «فقاعة الاعوجاج» كما أنه لا توجد طريقة معروفة يمكن لأي سفينة من خلالها الخروج من فقاعة الاعوجاج حال دخولها إليها. باختصار، فإن مفهوم تجاوز سرعة الضوء هو مفهوم نظري بحت في الوقت الحاضر، ولا يوجد ما يشير إلى أنه سوف ينتقل من النظرية إلى التطبيق في المستقبل القريب.
ويقول برادوك «إن الاستراتيجية الأولى وهي السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء، لكن الاستراتيجيات الأخرى تقِر بأن الاستراتيجية الأولى نظرية للغاية وأن أحد الخيارات هو إطالة أمد حياة رواد الفضاء أو الانخراط في رحلات متعددة الأجيال». ويضيف «والخيار الأخير يمكن تحقيقه في المستقبل، بالنظر لوجود ذلك الاستعداد لتصميم سفينة فضائية كبيرة بدرجة كافية وتطوير تكنولوجيا الدفع لتحقيق 0.1 من سرعة الضوء».
بمعنى آخر، فإن المفاهيم الأكثر قبولًا للسفر عبر الفضاء بين النجوم ليست على الأرجح هي تحقيق سرعات أكثر من 10% من سرعة الضوء. لا يزال هذا الأمر صعبًا للغاية بالنظر إلى أن أسرع مهمة حتى تاريخنا كانت (هيليوس 2) والتي حققت سرعة قصوى أكثر من 66 ألف متر/ ثانية (240 ألف كم/ساعة، 150 ألف ميل/ ساعة). ومع ذلك، يوفر هذا إطارًا أكثر واقعية للعمل داخله.
وإذا انتقلنا للحديث عن السبات أو البيات الشتوي، فإن المزايا والعيوب تظهر بشكل أوضح. بالنسبة للمبتدئين، فإن تكنولوجيا البيات الشتوي قابلة للتطبيق وأجريت عليها دراسات واسعة النطاق على فترات زمنية أقصر لكل من البشر والحيوانات. وفي الحالة الأخيرة الخاصة بالحيوانات، توفر دورات البيات الشتوي الطبيعية الدليل الأكثر إقناعًا بأن استمرار البيات لعدة أشهر قد يكون ممكنًا دون وقوع حادث معين.
أما بالنسبة للسلبيات، فهناك مخاطر محتملة من ضمور الأنسجة الناجم عن فترات طويلة من الوقت الذي يتم قضاؤه في بيئة منخفضة الجاذبية. يمكن تخفيف ذلك عن طريق الجاذبية الصناعية أو وسائل أخرى (مثل تحفيز العضلات)، ولكن هناك حاجة إلى إجراء أبحاث سريرية كبيرة قبل محاولة الإقدام على ذلك. كما أن ذلك يثير مجموعة كاملة من القضايا الأخلاقية، لأن مثل هذا الاختبار سيشكل مخاطر استثنائية.
هناك وسيلة أخرى تقدمها مؤسسة «Strategies for Engineered Negligible Senescence SENS» حيث تقدم إمكانية للبشر لمواجهة آثار رحلات الفضاء طويلة الأمد عن طريق إبطال أثر الشيخوخة. بالإضافة إلى ضمان أن نفس الجيل الذي صعد على متن السفينة هو الذي سيصل إلى وجهتها، فإن هذه التقنية لديها أيضًا القدرة على دفع أبحاث العلاج بالخلايا الجذعية على الأرض.
على الرغم من ذلك، وفي سياق الرحلات الفضائية طويلة المدة، فمن المرجح أن تكون العلاجات المتعددة (أو المستمرة منها طوال السفر) ضرورية لإعادة الشخص لشبابه وحيويته بشكل كامل. هناك حاجة إلى إجراء قدر كبير من الأبحاث مسبقًا من أجل اختبار العملية ومعالجة المكونات الفردية للشيخوخة، مما يؤول مرة أخرى إلى عدد من القضايا الأخلاقية.
أيضًا هناك سفن الأجيال «GENERATION SHIPS» حيث تكون السفينة الفضائية كبيرة بما يكفي لاستيعاب استخدام عدة أجيال من المسافرين للفضاء داخلها. تعتمد تلك السفن الفضائية على الدفع التقليدي ولذا فإنها قد تستغرق قرونًا للوصول إلى نظام نجمي آخر. إن الميزات الآنية لذلك المفهوم هو أنه سيحقق هدفين أساسيين من استكشاف الفضاء، أولهما، الحفاظ على مستعمرة خاصة بالإنسان في الفضاء، وثانيهما، السماح بالسفر لكوكب خارج المجموعة الشمسية يحتمل أن يكون قابلا للعيش عليه. بالإضافة إلى ذلك، فإن سفينة الأجيال تعتمد على مفاهيم الدفع التي يمكن تنفيذها في الوقت الحالي، وسوف يضاعف سفر طاقم مكون من آلاف الأشخاص من فرص نجاح استعمار كوكب آخر.
بطبيعة الحال، فإن تكلفة بناء وصيانة هذه السفن الفضائية الضخمة ستكون باهظة. هناك أيضًا التحديات المعنوية والأخلاقية لإرسال أطقم بشرية في الفضاء السحيق لفترات طويلة من الزمن. على سبيل المثال، فهل هناك ضمان ألا يفقد الطاقم المسافر للفضاء عقله ويقتل أفراده بعضهم البعض؟
وفي نهاية الأمر، تبرز أمامنا حقيقة أنه سيتم تحديث سفن أكثر تطورًا على الأرض في هذه الأثناء. يعني ذلك أن سفينة أسرع ستغادر الأرض لاحقًا وستكون أكثر قدرة على تجاوز سفينة جيل قبل أن تصل إلى نظام نجمي آخر. إذن، لماذا نقضي المزيد من الوقت والجهد والمال على سفينة يُحتمل أن تغدو بالية قبل أن تصل إلى وجهتها؟
أما آخر المفاهيم، وهو التبريد الفائق، وهو المفهوم الذي تم استكشافه بشكل شامل في العقود القليلة الأخيرة كوسيلة ممكنة لإطالة أمد الحياة والسفر عبر الفضاء. من نواح عدة، يعد هذا المفهوم امتدادًا لتكنولوجيا البيات الشتوي، ولكنه يحقق استفادة من عدد من التطورات الحديثة. الميزة الآنية لهذه الوسيلة هي أنها تضع في الحسبان جميع القيود الحالية التي تفرضها التكنولوجيا والنسبية في الكون.
في الأساس، لا يهم إذا كانت ما إذا كان تحقيق سرعة أسرع من الضوء ممكنا أو كم من الوقت ستستغرق الرحلة حتى يصبح طاقم السفينة نائمًا ولم يمسسه سوء طوال مدة الرحلة. علاوة على ذلك، نحن ندرك بالفعل أن التكنولوجيا تؤتي أكلها كما هو موضح في التطورات الأخيرة حيث تمت تدفئة أنسجة والأعضاء الكائنات الحية بعد تجميدها كليًا.
على الرغم من ذلك، فإن المخاطر أكبر بكثير مع البيات. على سبيل المثال، فالتأثيرات طويلة الأمد للتجميد الفائق على وظائف الأعضاء والجهاز العصبي المركزي من الحيوانات العليا والبشر، ليست معروفة حتى الآن. يعني ذلك أنه ستكون هناك حاجة لاختبار شامل وتجارب على البشر قبل أن يتم الإقدام على محاولة تجربتها، والتي تثير مجددًا عددًا من التحديات الأخلاقية.
في النهاية، فهناك الكثير من الأشياء المجهولة المرتبطة بجميع الطرق المحتملة للسفر بين النجوم. وبالمثل، هناك حاجة إلى المزيد من البحث والتطوير قبل أن نقول باطمئنان أي من تلك الوسائل هو الأكثر جدوى.
في غضون ذلك، يعترف الدكتور برادوك أنه من المرجح أن تتضمن أي رحلات بين النجوم استغلال الروبوتات المستكشِفة باستخدام تقنية التحكم عن بعد لإظهار عوالم أخرى – رغم أنها ليست بنفس الواقعية.
ويقول برادوك «من المؤكد أن ذلك يعيد النظر للمفهوم القديم للسفن القادرة على إنتاج نسخة من نفسها لفون نيومان. ويضيف أن الأقمار الصناعية المكعبة أو ما على شاكلتها ربما تحقق بشكل جيد هذا الهدف لكنه على الأرجح لن يجذب انتباه خيال الناس بنفس القدر الذي يجذبه به السفر عبر الفضاء. ويعتقد برادوك أن السير مارتين ريس قد أشار إلى مفهوم مسبار ذكي لديه قدرات شبيهة بقدرات البشر، أيضا في المستقبل.
حالياً، هناك مهمة واحدة مقترحة لإرسال مركبة فضائية بين النجوم إلى نظام نجمي قريب. وستكون هذه المهمة عبر برنامج ( Breakthrough Starshot) البحثي والتطويري وهو مقترح لإرسال سفينة دقيقة يتم دفعها بالليزر إلى النجم ألفا سنتوري في غضون 20 عامًا. وبعد زيادة سرعتها إلى 160,934,400 كم/ ساعة (100 مليون ميل/ ساعة) وهو ما يعادل 20% من سرعة الضوء، يمكن لتلك السفينة التحليق على مقربة من النجم ألفا سنتوري كما ستكون قادرة على التقاط صور للنجم وإرسالها للأرض.
وبعيدًا عن ذلك، فجميع البعثات التي تنطوي على مغامرة في النظام الشمسي الخارجي تتكون من أدوات آلية، عكس البعثات المقترح توجيهها لإرسال رواد فضاء إلى القمر والمريخ. ومع ذلك، فإن البشرية بدأت للتو في استكشاف الفضاء، ومن المؤكد أننا بحاجة إلى الانتهاء من استكشاف نظامنا الشمسي قبل أن نتمكن من التفكير في استكشاف ما هو أبعد من ذلك.
في النهاية، ستكون هناك حاجة إلى الكثير من الوقت والصبر قبل أن نتمكن من البدء في المغامرة إلى ما بعد (حزام كويبر) و (سحابة أورط) لمعرفة ماذا يوجد هناك.