أوبر: هل ستصل إلى الربحية يومًا ما؟
«ستصل أوبر إلى الربحية نهاية هذا العام». هل قرأت خبراً بهذا العنوان العام الماضي؟ العام الذي سبقه؟ يبدو هذا الخبر الاعتيادي عن أوبر. ثم تأتي نهاية العام بالإعلان عن الخسارة، مع توقع بدء الربح في العام الجديد. لكن يبقى السؤال المطروح دائمًا: هل ستصل أوبر إلى الربحية فعلًا في يومٍ ما؟ وحتى يحدث هذا الأمر، هل ستقدر الشركة على الصمود؟
قصة إيجاد سيارة أجرة تكلفت المليارات
في واحدة من ليالي عام 2008 في باريس، وأثناء مشاركة ترافيس كالانيك وجاريت كامب في مؤتمر بالمدينة، أراد الثنائي استقلال سيارة أجرة، لكنّهما لم يجدا واحدة. جعلهما هذا يدركان مشكلة العثور على سيارة عند الحاجة، وإمكانية توظيف التقنية لعلاجها، وتساءلا: ماذا لو كان بإمكانك طلب سيارة بمجرد النقر على هاتفك؟
بدأ العمل على الفكرة بمجرد عودة كامب إلى سان فرانسيسكو، بتصور أولي عن تقديم خدمة ليموزين يتشاركها الأفراد بالوقت. ثم طوّر الفكرة وبنى النموذج الأولي لها باسم UberCab في منتصف عام 2009. اختبرت الفكرة للمرة الأولى في نيويورك اعتمادًا على 3 سيارات فقط، وفي مايو 2010 أطلقت الخدمة رسميًا في سان فرانسيسكو.
تتبع أوبر نموذج عمل يستهدف السوق ذا الجانبين، حيث تعمل كوسيط بين السائقين، والأشخاص الذين يبحثون عن التوصيل، من خلال التطبيق الخاص بها، وتحصّل رسومًا للمعاملات بين الطرفين. لم يقتصر عمل الشركة على هذا المجال فقط، بل نجحت في تقديم المزيد من الخدمات.
دخلت أوبر مجال توصيل الطعام من خلال Uber Eats، وكذلك في مجال توصيل البضائع من خلال Uber Frights، وتسعى كذلك إلى تطوير المزيد من وسائل النقل البديلة، مثل طائرات الهليكوبتر والمركبات ذاتية القيادة، إذ ستساعدها الأخيرة في خفض التكلفة التي تدفعها للبشر.
عندما ظهرت أوبر، نجحت في إقناع العملاء باستخدامها، وذلك لأنّها قدمت لهم ميزة أساسية، إذ ليس عليهم الانتظار بعد الآن للحصول على توصيلة، بل يمكنهم فعل ذلك بنقرة واحدة. إلى جانب ذلك، تقدم أوبر 15 خيارًا مختلفًا للتوصيل، ما بين السيارات الاقتصادية الموفرة، والسيارات الفارهة، وكذلك الوسائل الأخرى مثل الدراجات والسكوتر.
ماذا حققت أوبر حتى الآن؟
اليوم تطبيق أوبر هو الرائد العالمي في مجال مشاركة الرحلات. من اللحظة الأولى لظهور الشركة، وهي تستهدف النمو. ظهر هذا الأمر في أنّها بعد عامٍ فقط من عملياتها في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت توسعها عالميًا من خلال باريس في فرنسا، وأصبحت الأسواق غير الأمريكية تمثل نحو 80% من إجمالي الرحلات. اليوم تقدم الشركة خدماتها في 10 آلاف مدينة داخل 71 دولة. وتملك نحو 93 مليون عميل حول العالم، و3.5 مليون سائق.
في عام 2020 نجحت أوبر في تحقيق 26.61 مليار دولار من إجمالي الحجوزات في عام 2020، وقرابة 13.75 رحلة يوميًا خلال العام، وهو الرقم الذي قل بنسبة 25% عن عام 2019، نتيجة التأثر بجائحة كورونا.
تعرف أوبر بأنّها رائدة الاقتصاد التشاركي. يعرّف الاقتصاد التشاركي على أنّه نظام مجتمعي اقتصادي يقوم على مبدأ شخص إلى شخص (peer to peer)، من خلال مشاركة الموارد والأصول بين الأفراد والمؤسسات، فعلى سبيل المثال في أوبر، يتشارك شخص هو السائق (صاحب السيارة) المورد الخاص به (السيارة) مع شخص آخر هو الراكب، وذلك مقابل مبلغ مالي يدفعه الراكب للسائق. صاحب السيارة هنا لديه بالفعل مورد لا يستخدمه كثيراً، ومن ثم قام باستغلاله لخدمة شخص آخر (الراكب) مقابل توفير مصدر دخل إضافي له (للسائق) ويقوم التطبيق هنا بدور الوسيط بين الطرفين.
هذا ما يقوم به أيضاً موقع مستقل، والذي يقوم بالربط بين مقدمي الخدمات من المستقلين وأصحاب المشروعات من رواد الأعمال، لكي يجدوا ما يحتاجونه من خدمات بمقابل مناسب.
عزز التقدم التكنولوجي من قيمة الاقتصاد التشاركي، إذ أصبحت المنصات الرقمية تستخدم في تنفيذه، والجمع بين العملاء ومقدمي الخدمة، من خلال موقع إلكتروني أو تطبيق على الهاتف. وكدليل لريادة أوبر لهذا الاقتصاد، أصبحت كلمة (Uberisation) تستخدم في وصف الصناعات القائمة على التشارك.
خلال مسيرة أوبر، نجحت في الحصول على ما يزيد على 25 جولة استثمارية، بواسطة أكثر من 100 مستثمر، وجمعت أكثر من 25 مليار دولار. في عام 2019، طُرحت الشركة في بورصة نيويورك، وذلك بعد استثمار من شركة باي بال بقيمة 500 مليون دولار.
بلغت قيمة الاستثمار الأكبر في أوبر 9 مليارات دولار إجمالًا من مجموعة Softbank، التي تدير أحد أكبر الصناديق الاستثمارية التكنولوجية في العالم، بنحو 100 مليار دولار، والمعروف باسم Vision Fund. وحصدت في مقابل ذلك حصة قيمتها 15% من الشركة.
تبدو هذه الأرقام واعدة لمن يراها عن قرب، وبالتأكيد سيظن أنّ هذه الشركة تحقق أرباحًا باستمرار، إذ هذا الدافع الذي يقود المستثمرين إلى أخذ قرار ضخ المزيد من الأموال في الشركة. لكن الواقع غير ذلك تمامًا.
تمخض الجبل فولد خسارة
بالعودة إلى التقارير المالية للشركة سنكتشف الخسارة الحادثة في الواقع. مثلًا التقرير المالي للربع الأخير من عام 2020، والعام بأكمله، يوضح الخسارة في العمليات. يشير تقرير عام 2019 إلى النتائج ذاتها. وكذلك السنوات الماضية، فدائمًا تكون التكاليف أكثر من الإيرادات، وهو ما يسبب الخسارة.
وفقًا لهذه الأرقام،أوبر لا تعمل بالشكل المتوقع، فما يحدث هو استمرار الشركة في تحقيق الخسارة. إذًا السؤال، لماذا لا تحقق أوبر الربحية؟
مفتاح الإجابة: العودة إلى نموذج العمل
منذ بدايتها، افترض مؤسسها ترافيس كالانيك 6 افتراضات رئيسية لنجاح نموذج عمل الشركة. من خلال تطبيق هذه الافتراضات، يمكن للشركة تحقيق الأرباح. هذه المبادئ كالتالي:
- الاعتماد على تأثيرات الشبكة القوية Network effect في زيادة عدد المستخدمين، مما يمكنها من زيادة عملياتها في مقابل صغر التكاليف نتيجة عدم وجود أصول كبيرة مطلوبة، مما يجعلها تقتنص بقوة ميزة اقتصاديات الحجم (Economies of Scale)، لتكون هي الميزة الأولى المحركة للشركة.
- من خلال جمع الشركة للاستثمارات الهائلة، سيكون لديها احتياطيات نقدية كبيرة، تستخدمها في القضاء على المنافسة في الأسواق، وفرض سيطرتها على هذا المجال في العالم.
- من خلال الاعتماد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة، والعمل بمقياس أوبر كميزة أساسية، يمكن للشركة تقديم أوقات انتظار أقل لكلٍ من الركاب والسائقين. سيؤدي ذلك إلى تحسين إنتاجية السائق وحصوله على مقابل مادي جيد، واستفادة الشركة في تحقيق الربحية من هذه العمليات.
- من خلال ولاء العملاء للشركة ودعمهم لها، لن تتمكن الحكومات من تقييد عمليات أوبر، حتى عند إدراكها لتعارض أولوياتها مع القوانين.
- ستوفر الامتدادات لخط الإنتاج في الشركة، المتمثلة في خيارات أخرى مثل الهليكوبتر، الفرص لتحقيق الأرباح، وتعويض الخسائر الناتجة عن الرحلات الأساسية.
- على المدى البعيد، بعد تمكن الشركة من تحقيق الأرباح، إضافة إلى الاستثمارات التي تملكها، سيكون بإمكانها الانتقال إلى المركبات ذاتية القيادة بالكامل، وهو ما يجعلها تحصل على مستقبل أكثر ربحية.
تبدو هذه الافتراضات رائعة للوهلة الأولى، إذا ماذا حدث؟
النمو الذي قتل اقتصاديات الحجم: ما تحققه أوبر في أحد الأسواق، تخسره في آخر
تسعى أوبر منذ البداية إلى الاعتماد على استراتيجية اقتصاديات الحجم، وهذا هو الافتراض الأول في نموذج عملها، والميزة الأساسية في هذا النموذج. إذ تحاول الاستفادة من تأثيرات الشبكة القوية من الأفراد، فتقدر على زيادة عملياتها، مما يمكنها من خفض التكاليف التي تتحملها.
تعمل أوبر وفقًا لتكلفتين رئيسيتين: تكلفة اكتساب السائق والاحتفاظ به، تكلفة اكتساب العميل والاحتفاظ به. حتى تنجح الشركة في تحقيق نموذج عملها بالشكل المثالي، فهي بحاجة إلى مضاعفة أرقام السائقين والعملاء باستمرار، فيمكنها ذلك من مضاعفة عملياتها.
لذا، احتاجت الشركة في البداية إلى منح السائقين مكافآت كبيرة، كانت تصل أحيانًا إلى 5 آلاف دولار، عند إكمال بعض الرحلات على التطبيق. لم يكن بإمكان الشركة الاستمرار في منح المكافآت ذاتها للسائقين الجدد، لا سيّما مع التوسع في دول أخرى، وحاجتها إلى الوصول لعدد أكبر من الأفراد.
من الناحية الأخرى، تسعى الشركة إلى بذل الجهد ذاته للتغلب على منافسيها في كل مكان. لا سيّما وأنّ مسألة تكوين شبكة قوية ليست بهذه السهولة، فلا يوجد ما يحفّز الأشخاص من أجل استخدام الخدمة، لمجرد أنّ الآخرين يفعلون ذلك.
بالطبع إذا كانت الشركة تعمل في سوق واحد فقط، ربما كان بإمكانها إدارة الطرفين بصورة أفضل، لكنّها مع التوسع تضطر إلى تحمل مجموعة متنوعة من التكاليف الجديدة، من بينها مثلًا: العمولات التي تدفعها لجذب السائقين، الحوافز، مصاريف التسويق، التأمين، الضرائب، أي مصاريف تشغيل أخرى. وتكمن المشكلة الرئيسية في اختلاف كل دولة عن الأخرى، وكذلك اختلاف لوائحها وأنظمتها وثقافات مستخدميها.
وهذا هو جوهر الأمر، فما تحاول الشركة البناء عليه وتحقيقه في سوق معين، من خلال الاستعانة باستراتيجية اقتصاديات الحجم. عندما تدخل إلى سوق جديد، تضطر إلى تخصيص التكنولوجيا لتتوافق مع عملاء هذا السوق، وتفكّر كثيرًا في الحملات التسويقية المناسبة لهم. بالتالي، تتحمل تكاليف كثيرة لا يمكن التنبؤ بها بسهولة نتيجة هذه الاختلافات.
أي أنّ أوبر في كل سوق جديد، تضطر إلى البدء من الصفر، ومن ثم لا تستفيد من الحجم الذي حققته في الأسواق الأخرى، وتخسر هذا بسبب النمو. وتكون النتيجة النهائية هي عدم تحقق الافتراض الأول في نموذج العمل، وعدم التمكن من البناء على تأثير الشبكة للاستفادة من اقتصاديات الحجم.
ما بعد الاستثمارات الهائلة: لماذا لم يساهم هذا في ريادة الشركة؟
يشير الافتراض الثاني إلى سعي الشركة منذ البداية إلى جمع استثمارات كبيرة، الأمر الذي نرى أوبر تفعله بالفعل منذ بدايتها. إذ في عام 2011 أعلنت عن الاستثمار الأول لها في الجولة أ بقيمة 11 مليون دولار من شركة رأس المال المخاطر Benchmark. استمرت الشركة بعد ذلك في جمع الاستثمارات، لكن رغم ذلك لم يمنحها هذا الريادة كما أرادت. وهذا نتيجة لعنصرين أساسيين:
1- سلسلة الاستحواذ: التضحية بالأموال من أجل النمو
كان الهدف الأساسي للشركة من الاستثمار وفقًا للافتراض، هو امتلاك احتياطات نقدية تستخدمها في إدارة عملياتها، وإدارة المنافسة. لكن نحن رأينا كيف أنّ الافتراض الأول لم يتحقق، بالتالي يعني هذا تحمل الشركة لتكاليف أعلى من تقديراتها. الأمر الثاني، هو أنّ للنمو ضرائب أخرى.
إذ لا يمكن للشركة إدارة النمو بمفردها باستمرار. لا سيّما مع رغبتها في تحقيق أهداف سريعة، مما يجعلها في حاجة إلى استخدام موارد موجودة بالفعل لإنجاز ذلك. هذا ما يدفع أوبر إلى الاستحواذ على الشركات الأخرى، وهو ما يؤدي إلى فشل الافتراض الثاني في نموذج العمل، إذ تلجأ الشركة إلى صرف الكثير من المبالغ من أجل عمليات الاستحواذ.
على سبيل المثال، استحوذت أوبر على شركة Otto في 2016، وشركة Mighty AI في 2019 لمساعدتها في تطوير الشركات ذاتية القيادة. في 2018 استحوذت على شركة Jump Bikes لمساعدتها على دمج خيار طلب الدراجات في التطبيق.
في 2019 استحوذت على Cornershop وهي خدمة توصيل عند الطلب في سوق أمريكا اللاتينية، وفي العام الماضي استحوذت على Postmates وهي خدمة لتوصيل الطعام، وبلغت قيمة هذا الاستحواذ 2.7 مليار دولار، وهو الثاني من حيث أعلى الصفقات التي دفعتها الشركة.
بلغت سلسلة الاستحواذ لأوبر حتى الآن 13 شركة، آخرها الاستحواذ على شركة Drizly التي تعمل في سوق توصيل المشروبات الكحولية عند الطلب، وهو مصمم بما يتوافق مع اللوائح في أكثر من 1400 مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية.
بالطبع تؤثر هذه الاستحواذات على القوائم المالية للشركة، إذ يظهر أثرها في قوائم التدفق النقدي. نتيجة لذلك، بدلًا من استثمار الأموال الموجودة بالفعل من التمويلات السابقة في العمليات، تصبح الشركة في حاجة إلى الحصول على المزيد من الاستثمارات لتعويض المبالغ المدفوعة في سلسلة الاستحواذ، من أجل الحصول على سيولة أخرى تمكنها من الإنفاق على عملياتها.
2- المنافسة: صراع العروش للسيطرة على أسواق النقل التشاركي في العالم
العنصر الثاني هو أنّ الشركة اعتقدت إمكانية استثمار أموالها للقضاء على المنافسة. لكن في الحقيقة، فالأمر ليس سهلًا، ولا يقتصر على وجود الأموال فقط. في كل مكان تجد أوبر غالبًا أحد المنافسين، وهذا شيء طبيعي نتيجة سعيها للعمل في سوق الاقتصاد التشاركي حول العالم، الذي يلقى رواجًا مستمرًا في السنوات الأخيرة.
تتعرض أوبر للمنافسة في معظم خدماتها التي تقدمها. بعضها لا تزال الشركة تنافسه أو نجحت في الاستحواذ عليها بالفعل، البعض الآخر لم تتمكن من الاستمرار معها واضطرت إلى ترك أسواقها. لنلقي نظرة على تاريخ المنافسة الخاص بأوبر:
1- أمريكا: Lyft
تعمل شركة Lyft في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا منذ عام 2012. تعتمد على طريقة أوبر ذاتها في العمل على الأغلب. تبلغ حصة أوبر في السوق نحو 69%، مقابل 31% لشركة Lyft، وفقًا لـSecond Measure. لكن على الرغم من ذلك تسجل الأخيرة تقدمًا مستمرًا مع الوقت، وهذا ما يجعل المنافسة شرسة بين الشركتين.
على سبيل المثال، يشير تقرير من موقع digitaltrends إلى مقارنة بين التطبيقين في عدة عوامل: بعضها يتفوق أوبر فيه مثل تجربة الراكب، وأماكن العثور على التوصيلة. والبعض الآخر يتفوق فيه Lyft مثل الخدمات والأسعار، والتعامل مع السائقين، والأقل في إثارة الجدل.
2- الصين: Didi
كانت شركة Didi هي المنافس الأول لأوبر في الصين، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 1.3 مليار شخص. لهذا السبب اختارت أوبر الاتّجاه إلى تأسيس شركة باسم (Uber China)، وذلك في عام 2014. إذ ذهب ترافيس كالانيك إلى هناك، وقضى أكثر من 70 يومًا في الصين للإشراف على التأسيس.
رغم ذلك لم تتمكن أوبر من الاستمرار في المنافسة مع Didi، لا سيّما مع دعم الحكومة لها. هذا ما جعل أوبر مضطرة إلى إنفاق العديد من الأموال للبقاء في المنافسة، لكنّها في النهاية خرجت من الصين بعد بيع الشركة إلى Didi، بصفقة بلغت قيمتها 7 مليارات دولار، مقابل حصة في الشركة تخطت 18% في وقت انعقاد الصفقة.
3- ماليزيا: Grab
هي شركة ماليزية بدأت في عام 2012، ونجحت في الانتشار إلى 21 مدينة في جنوب شرق آسيا. بنهاية عام 2015، كانت قد نجحت في اجتذاب 340 مليون دولار من التمويل، حتى أصبحت التطبيق الأكبر للحصول على سيارات الأجرة في تلك المنطقة.
كانت المنافسة بين أوبر وشركة Grab قوية، ولم تتمكن أوبر من التفوق عليها. في مارس 2018، قررت الشركة الخروج، في صفقة اعتبرتها مكسبًا لها، إذ نجحت في الاستحواذ على حصة جيدة من الشركة، تبلغ تقريبًا 30% مقابل 2.28 مليار دولار. تتراجع هذه الحصة مع الوقت، حتى وصلت 23% بعد حصول أوبر على الأموال.
4- روسيا: Yandix.Taxi
هي خدمة للربط بين سيارات الأجرة مع الركاب، التي أنشئت في عام 2011 بواسطة شركة Yandex، الشركة التكنولوجية الأكبر في روسيا. تعمل الخدمة في 17 دولة حول العالم، وروسيا هي السوق الرئيسي لها. يعد هذا الخروج الثالث للشركة، لكن بصورة مختلفة قليلًا.
اتفق الاثنان على تشكيل مشروع مشترك، للعمل على خدمات النقل وتوصيل الطعام، داخل أكثر من 127 مدينة في روسيا. تبلغ حصة أوبر 38%، وهي حصة تساوي 1.4 مليار دولار. كما أنّ الشركة الأم تعمل في مجال السيارات ذاتية القيادة، وهو ما يمكن الاستفادة منه مستقبلًا.
5- الشرق الأوسط: Careem
Careem هي الشركة التي اعتادت على منافسة أوبر في الشرق الأوسط. بدأت الخدمة في عام 2012، وهي متوفرة في 14 دولة في المنطقة، داخل أكثر من 100 مدينة. إلى جانب عملها في أفريقيا وجنوب آسيا كذلك.
في 2019 اضطرت أوبر إلى الاستحواذ على Careem بقيمة تخطت 3 مليارات دولار، وهي صفقة الاستحواذ الأكبر في تاريخ أوبر، التي أرادت الاستفادة من نجاحات كريم ونموها داخل المنطقة، بالتالي تحصل على حصتها السوقية وتمزجها مع حصة الشركة. مكّن ذلك أوبر من التوسع في هذا السوق، وفرض سيطرتها عليه، بدلًا من التنازع مع كريم.
بالطبع لا تنتهي منافسة أوبر عند هذه الأسماء الخمسة، بل يوجد لها منافسون في العديد من المناطق الأخرى حول العالم، من بينهم مثلًا: Ola Cab في الهند، Cabify في إسبانيا، Bolt في إستونيا، Gojek في إندونيسيا. إلى جانب المنافسة مع وسائل النقل الاعتيادية: التاكسي والمواصلات العامة. وستظل المنافسة مستمرة دائمًا، طالما تسعى أوبر لفرض سيطرتها على هذه الصناعة.
المشكلة الأساسية في المنافسة بالطبع هي نموذج عمل أوبر، إذ اعتمادها على الربط بين السائقين والباحثين عن الرحلات، بالتالي فهي لا تملك موظفين يعملون معها. عندما تدخل إلى الأسواق الجديدة، فهي تحتاج دائمًا إلى بذل المجهود ذاته في محاولة الوصول إلى الطرفين، وتتحمل تكاليف مرتفعة.
يؤدي ذلك إلى خسارة حالة الاحتكار التي تحاول فرضها في الولايات المتحدة الأمريكية كسوق رئيسي لها، وهو ما يؤثر على الافتراض الأول في نموذج العمل، فتخسر الحجم الذي حققته، ويصعّب حدوث الثاني بفعل المنافسة. لا سيّما عندما يحصل المنافسون على دعم الحكومات، أو استثمارات قوية في أماكن يملكون القوة بها، فهذا يجعل المهمة أكثر صعوبة على أوبر.
لا تنافس أوبر الشركات فقط، لكنّها تنافس أيضًا مجموعة SoftBank الاستثمارية، المستثمر الرئيس في أوبر للغرابة، التي تحاول التحكم في هذا السوق حول العالم، وبلغ حجم استثماراتها ما يزيد على 20 مليار دولار، وبإمكانها دائمًا تمويل منافسين آخرين لأوبر. مما يجعل أوبر غير قادرة على الفوز في المنافسة طوال الوقت، حتى مع امتلاكها الاستثمارات، فهي شركة واحدة في النهاية تواجه البقية، وهو ما يثبت خطأ الافتراض الثاني في نموذج العمل.
في البدء كان السائق: كيف خسرت أوبر رضا السائقين؟
تركّز أوبر افتراضها الثالث على أنّه محاولة لتحسين إنتاجية السائقين، حتى يشعروا بالرضا وأنّهم قادرون على تحقيق الأرباح من خلال الشركة، بالتالي يستمرون في العمل معها. لكن الواقع يختلف تمامًا عن ذلك، إذ أشار تقرير في عام 2017 إلى بقاء 4% فقط من السائقين على أوبر بعد انتهاء العام الأول.
والواقع أنّ الشركة تواجه احتجاجات دائمة من السائقين، نتيجة لظروف العمل السيئة، والأجور المنخفضة التي يحصلون عليها. في عام 2015 ذكرت الإعلانات أنّ متوسط الربح المتوقع للسائق هو 25 دولارًا في الساعة الواحدة.
لكن في الواقع لا يحدث هذا الأمر. إذ وفقًا لحسابات معهد السياسة الاقتصادية، يبلغ متوسط الأجر الذي يحصل عليه سائق أوبر في الولايات المتحدة الأمريكية 9.21 دولار فقط في الساعة، بعد حذف النفقات. وهو ما يعني عدم ملاءمة الأرقام للسائقين، واكتشافهم لذلك بعد بدء العمل، ويضطرهم إلى الاعتراض أو مغادرة الشركة.
نتيجة لذلك، قررت لجنة التجارة الفيدرالية في 2017 أنّه على أوبر دفع 20 مليون دولار للسائقين، كتعويض عن هذه الادّعاءات التي لم تكن صحيحة بالمرة، وذلك بعد بحث اللجنة الذي وجد اختلافًا كبيرًا في الأرقام داخل 18 مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية. وافقت أوبر على دفع هذا التعويض.
لكن المشكلة استمرت في الحدوث، وهذا ما دفع العديد من السائقين للخروج في احتجاجات– داخل مدينة مانهاتن- على رواتبهم وظروف العمل، وتنظيم إضراب عن العمل، من خلال منع حركة المرور في ساعة الذروة داخل المدينة، يوم الخامس والعشرين من شهر مارس في 2019.
ثم عاد السائقون إلى تنظيم الاحتجاجات ذاتها في شهر مايو من العام ذاته، وذلك قبيل طرح أسهم الشركة في بورصة نيويورك. إذ تم تنظيم هذه الاحتجاجات داخل 14 مدينة، وانضم إليها العديد من الأشخاص في دول مختلفة حول العالم.
على الرغم من محاولات أوبر لتنفيذ الافتراض الثالث، وهو الإبقاء على السائقين سعداء. مثل دفع كثير من الأموال كحوافز إضافية للسائقين، مثل ما فعلته UberEats مع السائقين في 2019، بحوافز بلغت قيمتها مليار دولار سواءً كعمولات زائدة على المكسب، أو كإحالات للسائقين لجذب عدد أكبر منهم للخدمة.
لكن يبدو أنّ هذا الأمر لا يحدث في الواقع، والصراع بين الشركة والسائقين لا يزال مستمراً. إذ يرغب هؤلاء أن تصنفهم الشركة كموظفين، هذا ما ترفضه أوبر، ويجعل سعادة السائقين في جميع الخدمات حلمًا بعيد المنال، ويجعل الافتراض الثالث في نموذج العمل غير قابل للتحقيق في الواقع.
صراع أوبر مع القوانين: هل يخدمها ولاء العملاء لها حقاً؟
تملك أوبر في داخلها ما يعرف باسم «قانون ترافيس»، الذي ينص على أنّه عندما يتفوق المنتج على الوضع الحالي، فإنّ العملاء الراضين عنه، سوف يدافعون عنه باستمرار. وهو ما تبنته أيضًا في الافتراض الرابع في نموذج العمل، ظنًا منها أنّ هذا سيساعدها في مواجهة الحكومات والقوانين.
الواقع أنّ أوبر تواجه صراعًا قويًا مع القوانين في مختلف أنحاء العالم بالفعل، من بينها صراعات متعلقة بقانون العمل والحد الأدنى للأجور، ومن بينها اتهامات للشركة بالسعي للاحتكار نتيجة تحكمها في عملية التسعير، وكذلك قوانين السلامة والأمان.
1- الصراعات مع قانون العمل والحد الأدنى للأجور
نجحت أوبر في الاستفادة من قانونها الداخلي في الإفلات من اللوائح التنظيمية في أسواق سان فرانسيسكو وواشنطن، وذلك من خلال جذب نموها للمستخدمين. كما استفادت منه في مواجهة مشكلاتها مع الحكومات والنقابات العمالية، للتأثير على نتائج الصراعات. لكن في الحقيقة لا يحدث هذا الأمر باستمرار، والصراع لا يزال قائمًا مع الشركة لتغيير طريقة تعاملاتها مع السائقين.
من بين هذه الدعوات كانت معركة أوبر ضد قانون العمل داخل ولاية كاليفورنيا (AB 5)، الذي يجبر شركات الأعمال الحرة على تصنيف عمالها كموظفين، ومنحهم مزايا مثل: الأجور الإضافية، الإجازات المرضية مدفوعة الأجر، التأمين ضد البطالة.
تسبب هذا القانون في أزمة لشركة أوبر، إذ تمثل كاليفورنيا بالنسبة لها سوقًا مهمًا. سعت أوبر وشركات أخرى مثل Lyft للعمل ضد هذا القانون، وضخت أكثر من 200 مليون دولار في العرض 22 للاقتراع. حصلت الشركة على التصويت الذي أرادته، بالتعامل مع موظفيها بتصنيف مختلف كمستقلين، مع منحهم بعض المزايا، مثل الحد الأدنى من الأجور، والتأمين ضد الحوادث.
على الرغم من ذلك، لا يزال هذا القانون، وغيره من القوانين المشابهة في أماكن مختلفة، يمثل تحديًا كبيرًا للشركة. إذ يعمل المحامون مثل شانون ليس-ريوردان والمهتمون بالشأن العمالي لمهاجمة الشركات مثل أوبر، وتكرار هذه المعركة سيجعل الشركة تعاني على مستوى التكاليف، وربما يزيد من التكلفة التي تتحملها مستقبلًا، أو في أفضل الظروف، ستظل الشركة تنفق أموالًا على الحملات ضد هذه الدعوات، حتى لا يتوقف عملها.
2- قوانين السلامة والأمان
تواجه أوبر انتقادات دائمة بشأن المزاعم الخاصة بالسلامة والأمان. على سبيل المثال: تفرض بعض القوانين على الشركات وجود مقاعد لذوي الإعاقة، لكن مع ذلك لا يملك أغلب السائقين في أوبر هذه المقاعد، وهو ما يجعل الشركة غير قادرة على تنفيذ القانون.
أيضًا يوجّه انتقاد للشركة بشأن سلامة السائقين خلال الرحلة، إذ يضطر السائق لاستخدام هاتفه أثناء ركوب السيارة، من أجل تنفيذ الإجراءات المختلفة الخاصة بالرحلة مثل: قبول الرحلة، التواصل مع الباحثين عن الرحلات، وغيرها من الإجراءات.
لكن بالطبع يظل التحدي الأكبر فيما يتعلق بقوانين السلامة والأمان، هي الجرائم التي يقوم بها السائقون، أو من ينتحلون شخصية السائقين لاستدراج الراكبين، واضعين شعارًا يشبه شعار الشركة، والادّعاء بأنّهم السائق الذي ينتظره الراكب.
حدث هذا مع سامانثا جوزيفسون في أبريل 2019، التي تعرضت للقتل على يد شخص انتحل شخصية سائق أوبر. وصدر قانون جديد عرف باسم (قانون سامي) على اسم الضحية، يجبر شركات النقل مثل أوبر بالاعتماد على نظام وصول إلكتروني، يمكن بواسطته مطابقة السائقين مع الركاب قبل بدء الرحلة من أجل زيادة الأمان.
في 2017 اضطرت الشركة إلى تحمل غرامة قدرها 8.9 مليون دولار، من لجنة المرافق العامة في كولورادو، بعد اكتشافها سماح الشركة لـ57 شخصاً بالقيادة، رغم افتقارهم إلى رخص قيادة سارية، أو مخالفات أخرى كان الواجب استبعادهم نتيجة لها.
أمّا الحدث الأشهر في مشكلات الأمان، فهو سحب الرخصة من لندن في نهاية 2019 بواسطة هيئة النقل، التي لاحظت وجود بعض المشكلات في نظام الشركة يعرّض سلامة الركاب للخطر. إذ كان نظام أوبر يسمح للسائقين غير المصرح لهم باستخدام الخدمة، القيام بتحميل صورهم على حسابات سائقين آخرين.
وفقًا لتقرير هيئة النقل، كان هناك ما لا يقل عن 14 ألف رحلة احتيالية في لندن، بين أواخر 2018 وأوائل 2019. بالتالي أعلنت الهيئة عن سحب رخصة أوبر، التي تمثل أكبر سوقًا أوروبيًا للشركة. هذا ما دفع أوبر إلى الاستمرار في محاربة القرار، حتى حصلت العام الماضي على حكم قضائي بالعودة للعمل مرة أخرى في لندن، مع خضوعها لرقابة صارمة من الهيئة.
لا تنتهي مشكلات السلامة والأمان للشركة، وهذا ما يجعل بعض الدول تمنع عملها مثل ألمانيا. بالتالي تستمر الشركة في الصراعات مع القوانين، وربما يساعدها ولاء العملاء أحيانًا، لكن هذا لا يحدث باستمرار، فالقانون هو القانون، ولن تنجح الشركة بهذه الطريقة دائمًا، وهو ما يؤثر على الافتراض الرابع سلبًا، ويجعل الشركة غير قادرة على تحقيقه في كل مكان رغم المجهودات المبذولة.
الخدمات الأخرى لأوبر: «جبتك يا عبد المعين تعيني!»
يقوم الافتراض الخامس على رؤية أوبر للخدمات الأخرى التي تقدمها، على أنّها فرصتها لتحقيق الأرباح، وتعويض أي خسائر محتملة في خدمتها الأساسية. لنلقي نظرة على خدمتين من أهم هذه الخدمات لأوبر، ونبحث أثرهم على عملياتها وقوائمها المالية:
1- Uber eats
في خلال العام الماضي، حدث نمو كبير في سوق خدمات التوصيل. بالطبع كان هذا السوق واعدًا في نظر العديد من الأشخاص، إذ يحل مشكلة كبيرة للمستهلكين، وهم يبحثون بالتأكيد عن القيمة المضافة من خلاله. لكن هذا لا يعني بالضرورة كونه سوقًا رابحًا. تنافس أوبر في هذا السوق من خلال خدمة UberEats.
لم يكن الأمر مربحًا للشركة خلال العام الماضي، فعلى الرغم من مساهمة الخدمة بإيرادات قيمتها 4.8 مليار دولار، فإنّ تقرير الشركة أعلن عن التكلفة الحقيقية للخدمة، الذي يُنتج خسارة. إذ تتكلف الشركة 43.5 دولار، من أجل توصيل وجبة طعام قيمتها 40 دولاراً.
اعتمدت الشركة على مبدأ اقتصاديات الوحدة (Unit Economics) لحساب هذه الخسارة، إذ يستخدم هذا المبدأ لحساب الربح أو الخسارة لأي نموذج عمل، على أساس الوحدة الواحدة من المنتج. يعتمد حساب اقتصاد الوحدة على طريقتين: الأولى، هي حساب ما يدفعه العميل، ومقارنته بتكلفة إنتاج الوحدة الواحدة. الثانية، هي قسمة القيمة الدائمة للعميل (CLTV) على تكلفة جذب العميل (CAC).
استخدمت الشركة الطريقة الأولى في الحساب (كما تشير الصورة بالأسفل)، وكانت النتيجة هي إعلان الشركة عن توقف الخدمة في الشرق الأوسط وبعض البلاد الأخرى، في محاولة لتقليل الخسارة، وتركيز مجهود الشركة في الأسواق الأخرى، التي يمكن من خلالها تحقيق الأرباح فقط.
2- السيارات ذاتية القيادة
بالعودة إلى افتراضات أوبر، عن التحول إلى السيارات ذاتية القيادة، ورغبة الشركة في الاعتماد عليها كبديل للسائقين. يبدو هذا الأمر منطقياً، ويسير مع رغبة الشركة في توفير تكلفة السائقين، ويجنّبها أي خسائر من فشل الافتراض الثالث عن إنتاجية السائقين. لذا، اتّجهت أوبر للإنفاق من أجل بناء هذه التقنية بجودة عالية، لكن كانت النتيجة في النهاية هي التكلفة العالية لإنتاجها.
أنفقت الشركة قرابة 2.5 مليار دولار على هذا المشروع، المعروف باسم Advanced Technologies Group (ATG)، وهو الأمر الذي وصفه بيل جورلي أحد المستثمرين الأوائل في أوبر أنّه كان بمثابة إهدار للأموال، مشيراً إلى أنّه كان أفضل للشركة استثمارها في خدمة أخرى مثل UberEats مثلاً.
على الرغم من تقدم المشروع في بعض فتراته على منافسين مثل جوجل وتسلا، لكنّه تعرض لمشكلة كبيرة، عندما تعرضت امرأة للقتل بواسطة واحدة من سيارات أوبر ذاتية القيادة، عندما كانت تعبر الطريق في ولاية أريزونا عام 2018. إلى جانب تعرض الشركة لمعارك قانونية، إذ تعرضت لدعوة قضائية من شركة وايمو التابعة لجوجل، بدعوة سرقة التكنولوجيا.
في النهاية وجدت أوبر أنّ الأفضل هو التوقف عن مجهوداتها في هذا المجال، وبيع المشروع ATG إلى شركة Aurora التي تعمل في تصنيع المركبات ذاتية القيادة، وذلك نهاية العام الماضي في مقابل 4 مليارات دولار. كجزء من الصفقة، تستثمر أوبر 400 مليون دولار، مقابل حصة ملكية قيمتها 26%، على أمل الاستفادة من هذه السيارات مستقبلاً.
توضح هذه النقاط أنّ الشركة، ما زالت لم تحقق ما تسعى إليه بواسطة الخدمات الأخرى، وهو ما يؤدي إلى إثبات عدم تنفيذ الافتراض الخامس في نموذج العمل، بل تتكلف الشركة الكثير من الأموال بسببها. ومع بيع شركة ATG لم يعد الأمر مثلما كان مخططاً له في البداية، فلم تعد الشركة تضمن قدرتها على تحقيق الافتراض السادس في الواقع، فهي ليست المالكة لمشروع السيارات ذاتية القيادة الآن.
مشكلات أوبر حول العالم: هل يشعر أحدهم بالحب نحو الشركة؟
لم تكن مسيرة أوبر متعلقة فقط بما تعانيه من تحديات مع قوائمها المالية، لكنّها تخوض صراعات حقيقية في محاولات تحقيق الانتشار. في مسيرتها كانت هناك العديد من الأزمات، بعضها انتهى والبعض الآخر لا يزال يهدد الشركة، وتعاني من أثره على أدائها من حين لآخر.
النقطة الأساسية هي أنّ إدارة أوبر لم تسر في طريق صحيح، وتعرضت للعديد من الاتهامات بسبب أخطائها، مما نتج عنه تراجع في شعبية الشركة وتقدير العملاء لها. كل هذا يترتب عليه تراجع في قيمة الشركة، ويضعّف من عملياتها، ويؤثر سلباً على جميع الافتراضات في نموذج العمل.
ربما تكون قد رأيت كالانيك المؤسس وهو يجادل أحد السائقين في الفيديو المشهور له، وطريقة تعامله السيئة، ورده الاستهزائي على شكوى السائق. وهي سلسلة من مشكلات استمرت في الظهور من إدارة الشركة.
شملت مشكلات أوبر كل شيء: التعامل مع الموظفين والمنافسين والقوانين والمجتمع ككل. لنلقي نظرة على أشهر المشكلات التي نتجت عن هذا الأمر:
1- ادّعاءات التحرش الجنسي
في شهر فبراير من عام 2017، صرّحت سوزان فاولر، المهندسة السابقة بالشركة، بأنّها تعرضت للتحرش الجنسي بواسطة أحد المديرين، وتلقت تهديدات بالفصل من قبل مدير آخر بالشركة، إذا استمرت في محاولات الإبلاغ عن الحادث. شبّهت سوزان ما حدث بأنّه يشبه صراع العروش، إذ يتنافس الموظفون داخل الشركة على السلطة.
بالطبع نُشرت هذه التصريحات بعد ترك سوزان الشركة، مع إشارة لمعرفة كالانيك المدير التنفيذي وقتها بالأمر. استعانت الشركة بالمدّعي العام السابق إريك هولدر للتحقيق في هذه الادّعاءات، بإشراف من أريانا هافينغتون- عضو مجلس الإدارة في الشركة- على التحقيق.
في النهاية أعلنت الشركة فصل أكثر من 20 موظفاً كنتيجة للتحقيق، وأخذ كالانيك إجازة إلى أجل غير مسمى. أيضاً أجبره بعض المستثمرين الكبار في الشركة، على ترك منصبه كمدير تنفيذي، والبقاء ضمن مجلس إدارة الشركة فقط، وتم تعيين دارا خسروشاهي في هذا المنصب منذ هذا التاريخ.
2- حملة DeleteUber
في مطلع عام 2017 أعلن الرئيس الأمريكي وقتها دونالد ترامب، عن قيود للهجرة، الأمر الذي أدى إلى حالة غضب من الناس، والتجمع في مطار جون إف كينيدي الدولي للاحتجاج على الأمر. في الوقت ذاته تقريباً، أعلن تحالف عمال سيارات الأجرة في نيويورك، أنّه لن يخدم المطار بين الساعة 6 مساءً و7 مساءً، كتضامن مع المتظاهرين.
في المقابل غرّدت شركة أوبر على تويتر أنّها لن تقوم برفع الأسعار، الأمر الذي رآه البعض على أنّه محاولة لاستغلال الموقف بشكل سلبي. وبدأت حملة من تويتر بعنوان #DeleteUber، إذ بدأ الناس في تشجيع بعضهم على إلغاء حساباتهم في أوبر، لا الاكتفاء فقط بحذف التطبيق من الهاتف. بلغ عدد الأفراد الذين قاموا بحذف التطبيق أكثر من 200 ألف شخص.
لم يكن الأمر في صالح أوبر قط، ولم يهتم أحد بمعرفة السبب من وراء قرار أوبر، كانت المشكلة الأكبر هي وجود كالانيك ضمن المجلس الاستشاري الاقتصادي للرئيس الأمريكي، وبالتالي بدا الأمر وكأنّ أوبر تؤيد القرار.
واجه كالانيك غضبًا من الموظفين المتسائلين عن السبب في بقائه ضمن هذا المجلس، وفي النهاية اضطر إلى تركه. ألقى هذا الأمر بظلاله على الشركة، التي اضطرت إلى إطلاق حملة تسويقية بقيمة نصف مليار دولار، في محاولة لإعادة بناء الصورة الجيدة عن الشركة مرة أخرى، لكن لم يكن الأمر سهلًا.
3- إقالة الموظفين
في قرار مفاجئ وصادم في عام 2019، أعلنت أوبر عن تسريح 400 موظف، من فريق التسويق الخاص بها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (Mena Region). لم يكن هناك أي إشعار مسبق ولا شرح لسبب هذا القرار، إذ تم الإعلان عنه، الإثنين 29 يوليو، ودخل حيز التنفيذ اليوم التالي مباشرةً.
عكست هذه الخطوة صورة سيئة جداً عن الشركة، إذ قدمت رسالة غير مباشرة إلى الموظفين أنّهم لا يملكون أي أمانٍ وظيفي، وقد يتم التخلّي عنهم في أي لحظة، وهو ما يجعل الشركة غير قادرة على كسب رضا الموظفين، فكيف ستقدر على كسب رضا المستخدمين؟
4- المنافسة غير الشريفة مع الشركة المنافسة Lyft
منذ ظهور Lyft وتوسعها داخل نيويورك، عملت أوبر جاهدة من أجل القضاء على هذه المنافسة، حتى لو ترتب على ذلك استخدام طرق غير مشروعة من أجل تحقيق هذا الأمر. إذ سعت إلى السيطرة على المنافسة، من خلال محاولة الاستيلاء على سائقي Lyft بطريقة غير شريفة، وجمع بياناتهم لمحاولة السيطرة عليهم، فيما عرف باسم (Operation Slog).
إلى جانب ذلك أعلنت Lyft في أغسطس 2014، أن 177 موظفاً من أوبر، قد طلبوا وألغوا قرابة 5500 رحلة على التطبيق، وأنه قد عُثر على روابط لموظفي أوبر من خلال البحث وراء أرقام الهواتف المستخدمة. أشار التقرير إلى راكب واحد مثلاً، تم تحديده بواسطة سبعة سائقين مختلفين في Lyft، قام بإلغاء 300 رحلة من 26 مايو إلى 10 يونيو فقط. بالطبع أثار هذا الأمر ضجة حول أوبر، وطريقة تعاملها مع المنافسين.
5- اعتماد أوبر على برمجية الكرة الرمادية في التغلب على القوانين
في عام 2017، ذكر تقرير في صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ أوبر استخدمت أداة تسمى Greyball على مدار سنوات، وذلك من أجل خداع المسئولين عن تنفيذ القوانين بطريقة ممنهجة، في المدن التي تنتهك خدمتها فيها اللوائح، وشمل ذلك مدناً داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية.
يعمل البرنامج من خلال وضع المسئولين الذين كانوا يحاولون استدعاء أوبر باللون الرمادي، فيرون رموزًا لسيارات داخل التطبيق، لكن لا يأتي أحد لاصطحابهم. بينما يحصل السائق الحقيقي على الطريقة التي تمكنه من إلغاء الرحلات التي يطلبها هؤلاء الأفراد.
دافعت أوبر عن الأمر قائلة إنّ هذا البرنامج، تم تصميمه من أجل منع المستخدمين الذين ينتهكون شروط الخدمة. تمكنت أوبر من تحديد هؤلاء المسئولين، من خلال تحديد مواقع فتح التطبيق، وإذا كان ذلك يحدث بشكل متكرر بالقرب من المكاتب الحكومية حيث مقر العمل الخاص بهم.
في 8 مارس من العام ذاته أعلنت الشركة أنّها استخدمت البرنامج، من أجل إحباط محاولات المسئولين الحكوميين في الوصول إلى رحلاتها، وتعهدت بالتوقف عند استخدامها لهذا الغرض، رغم بقائها في حالة دفاع عن فائدة البرنامج من حيث إيقاف منتهكي الخدمة.
السؤال الآن: هل ستصل أوبر إلى الربحية؟
ربما قد أتى الوقت للتساؤل حول إمكانية تحقيق الأرباح المستمرة، في الاقتصاد التشاركي بشكلٍ عام، وفي مجال خدمات النقل بشكلٍ خاص. إذ مع وضع أوبر حاليًا، وكذلك وضع الشركات المنافسة لها كذلك مثل Didi في عام 2019، قبل أن تتمكن، أخيراً، من تحقيق الأرباح العام الماضي. بينما ما زالت Lyft لم تصل إلى الربحية.
بالطبع السبب في ذلك هو أنّ المنافسة في هذا المجال صعبة، وتواجه كيانات أخرى تحصل على دعم من الحكومات. إلى جانب نظرة العاملين في هذا المجال، مثل السائقين في أوبر، الذين يرغبون في تغيير أوضاعهم، ومع سخطهم على الشركة، فقد يتوقفون عن العمل لديها.
لا يعني ذلك أنّه على أوبر التوقف عن العمل، لكن إعادة التفكير مرة أخرى بشأن نموذج عملها، بعد أن ثبت خطأ افتراضاتها الموضوعة في النموذج إلى الآن كما رأينا. ما يحدث في الواقع هو حرق الشركة للأموال (Cash burn)، وإنفاقها المستمر على رحلة التوسع والنمو، من دون تحقيق للأهداف الحقيقية، وعدم تمكنها من السيطرة على السوق بالاعتماد على استراتيجية اقتصاديات الحجم.
ربما يكون الوقت قد أتى لتفكّر الشركة في تغيير طريقة تعاملها مع الأمر، والبدء في مواجهة الواقع والتفكير في الربحية كأولوية قصوى، وتوجيه نموذج عملها لتحقيق ذلك، من خلال تغيير الافتراضات الخاصة بالنموذج، أو تطوير طرق أخرى فعّالة لتحقيق الافتراضات الحالية حقاً، لا مجرد كلام على الورق. مع ضرورة التحكم فيما تقوم به من مشكلات، ومحاولة تحسين صورة الشركة أمام المجتمع قدر الإمكان.
من دون هذه التغييرات، سيظل نموذج العمل غير صالح في الواقع، وسيبدو الأمر وكأنّ هناك من يرغب في إنفاق أمواله، فقط ليرى شعار أوبر موجود من حولنا، أو لأنّه أدمن قراءة الأخبار مطلع كل عام، التي تتنبأ بتحقيق أوبر للربحية بنهايته، من دون أي دلائل تشير إلى ذلك.