الجدار الفاصل: هل يقمع الفولاذ بدل السلك انتفاضة 2022؟
بعد أشهر من سلسلة من العمليات الفردية التي شنها مقاومون فلسطينيون في قلب الأراضي المحتلة، بدأت سلطات الاحتلال عملية إحلال وتجديد وتطوير لأحد أول الأجزاء التي بنتها من الجدار الفاصل في الضفة الغربية قبل 20 عامًا.
الجدار الخرساني الجديد سيرتفع لتسعة أمتار، ويمتد بطول 45 كيلومترًا، من شمال الضفة إلى مستوطنة بيت حيفر الضخمة في قلب طولكرم المحتلة، ويتكلف نحو 93 مليون دولار (300 مليون شيكل بالعملة المحلية)، وفق خطة أقرتها حكومة الاحتلال في أبريل/ نيسان 2022، ليرث مكان الأسلاك التي كانت منتشرة بالفعل في نفس النقطة.
عودة لانتفاضة الأقصى
اقترحت سلطات الاحتلال بناء حاجز أمني في الضفة الغربية المحتلة في تسعينيات القرن الماضي، حين رأى رئيس وزراء الكيان حينها إسحق رابين، أن الاحتلال بحاجة لوسيلة فولاذية تفصل الأراضي المحتلة عن الأراضي التي يسكنها الفلسطينيون في الضفة الغربية. لكن المعارضة الداخلية أفشلت مشروع رابين.
دخلت الفكرة الأدراج، حتى أعيد إحياؤها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية «انتفاضة الأقصى» التي استمرت بين عامي 2000 و2005، حين شنت حركات المقاومة موجة من العمليات الاستشهادية والتفجيرات في قلب المدن المحتلة، انطلاقًا من الضفة الغربية. وبالفعل، بدأت أعمال البناء، التي فجرت مظاهرات محلية وإدانات دولية؛ بعدما اخترق مزارع الفلسطينيين التي صادرها الاحتلال بالقوة، باعتبار أن نحو 85% من الجدار الفاصل تمتد داخل الضفة الغربية نفسها، بينما تمتد نسبة الـ15% المتبقية على طول الخط الأخضر.
وفقًا لمركز الكنيست للأبحاث والمعلومات، قدرت تكلفة بناء الجدار الفاصل بنحو 2.8 مليار دولار (9 مليارات شيكل) في المجموع، بعدما بناه الاحتلال من سياج إلكتروني متصل، بسلسلة مزودة بكاميرات مراقبة وأجهزة استشعار أخرى، معزول بأسلاك شائكة ومنطقة حظر بعرض 60 مترًا في المتوسط، على أن يتحول السور في المناطق المأهولة، وبينها محيط القدس وبيت لحم وقلقيلية وطولكرم، إلى جدار خرساني بارتفاع يتراوح بين ثمانية وتسعة أمتار.
ويبلغ طول مسار الجدار- بما في ذلك الأجزاء المبنية بالفعل أو تلك التي لا تزال قيد الإنشاء أو تنتظر قرارًا بإطلاق عمليات البناء- 712 كيلومترًا. وهذا يزيد على ضعف طول الخط الأخضر الذي يبلغ طوله 320 كيلومترًا.
حق الفلسطينيين في اختراق الجدار
بخلاف الحق التاريخي للفلسطينيين في استرداد أراضيهم المحتلة، أضاف الجدار الفاصل مشكلة أخرى؛ إذ عزل سكان نحو 150 مجتمعًا فلسطينيًا عن أراضيهم- بما في ذلك المزارع والمراعي- تاركة التجمعات السكانية شرق الجدار وأراضيهم في جهته الأخرى، معزولة بين الجدار الجديد والخط الأخضر.
وبذلك، منعت إسرائيل آلاف الفلسطينيين من الوصول بحرية إلى أراضيهم وزراعتها. نظريًا، بنت سلطات الاحتلال 84 بوابة في الأجزاء المكتملة من الجدار لتمكين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم. ومع ذلك، فمن الناحية العملية تعيق البوابات الشكلية الوصول إلى الأرض. فبحسب أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لعام 2016، فإن تسعة فقط من هذه البوابات تفتح يوميًا، ليضطر المزارعون الفلسطينيون للتخلي عن المحاصيل الربحية التي تتطلب متابعة يومية، واستبدالها بأشجار الزيتون، التي وإن كانت تحتاج لمتابعة أقل، فإنها تضررت هي الأخرى.
ولم يقتصر الأمر على الأرض التي قطعها الجدار الفاصل عن باقي مناطق الضفة الغربية وسكانها، فهناك نحو 11 ألف فلسطيني يعيشون في 32 بلدة محاصرة الآن بين الجدار الفاصل والخط الأخضر. جميع جوانب الحياة لسكان هذه التجمعات تقريبًا مشروطة بالحصول على تصاريح مؤقتة من سلطة الاحتلال، تمتد من يوم واحد إلى عامين، لاستمرار العيش في المنازل التي عاشت فيها عائلاتهم لأجيال، بينما يسمح للمستوطنين، أو اليهود غير الإسرائيليين، بدخول هذه المناطق والبقاء فيها بحرية، حتى لو لم تطأ أقدامهم المكان من قبل.
كان الهدف المعلن منع الفلسطينيين دون تصاريح من دخول الأراضي المحتلة. لكن العامل الرئيسي في تحديد مسار الجدار الفاصل كان الضم الفعلي لمعظم المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين، وضم كثير من الأراضي إلى محيطها لتسهيل توسيعها مستقبلًا. وبالنتيجة، كان الجدار ترسيخًا عمليًا لاحتلال 10% إضافية من مساحة الضفة الغربية.
ماذا تغير؟
بمرور الزمن، اخترقت الثقوب الجدار، مشكلة فتحات كبيرة في مساحة تقدر بعشرات الكيلو مترات في الجدار، وهي الثغرة التي استغلها آلاف الفلسطينيين، في السنوات الأخيرة، لدخول الأراضي المحتلة، يوميًا، قبل أن يستغلها مقاومون مؤخرًا في شن سلسلة من هجمات المقاومة في قلب الكيان، فقررت الحكومة الإسرائيلية التحرك في 3 مسارات، بدأت بنشر آلاف الجنود إلى منطقة التماس حول الثغرات، والتي يحتمل أن يستغلها مقاومون في التسلل، وإطلاق العمل لإصلاح الثقوب. لكن العمليات لم تتوقف، ففي 7 أبريل/ نيسان، أطلق مسلح فلسطيني- دخل الكيان من فجوة في الجدار- النار، فقتل ثلاثة أشخاص في تل أبيب. ثم أطلق فلسطيني عبر الحاجز بسيارة – النار فقتل خمسة آخرين في بني براك، شرق تل أبيب. وفي الخامس من مايو / أيار، قتل فلسطينيان تسللا عبر الجدار، ثلاثة مستوطنين، في هجوم بالفأس، فأطلقت الخطة الجديدة.
وبحسب بيانات حكومة الاحتلال، سيحل جدار فولاذي محل السياج الحالي، بارتفاع تسعة أمتار، مجهز بكاميرات مراقبة وأجهزة استشعار ووسائل تكنولوجية أخرى، على مسافة 50 كيلومترًا، من مستوطنة أفني حيفتس، الملاصقة لمدينة طولكرم، إلى مستوطنة أورانيت، جنوب مدينة قلقيلية، في منطقة التماس المتاخمة للخط الأخضر، ليضاف إلى خندق عميق، بدأ جيش الاحتلال حفره، في عملية هندسية كبيرة، جنوب الضفة الغربية، على مسافة 20 كيلومترًا.
تقنين رغم انعدام القانونية
في 9 يوليو/ تموز 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي، رأيها الاستشاري حول شرعية الجدار الفاصل ومساره، فقررت أن بناء الحاجز عمومًا غير قانوني؛ باعتبار أنه ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني من ناحية، وأن المستوطنات التي صمم مسار الجدار للمساعدة في ضمها أقيمت في انتهاك للمعايير الدولية.
لكن المحكمة العليا الإسرائيلية تجاهلت الرأي الدولي، فأعطت ختم موافقتها على بناء الحاجز داخل الضفة الغربية في أحكامها بشأن أكثر من 150 التماسًا طعنت في شرعية الجدار بأكمله، فضلًا عن قانونية أقسام معينة. لكن القضاة قبلوا حجج حكومة الاحتلال حينها، باعتبار أن الحاجز مؤقت، وأن المسار مخطط على أساس الاعتبارات الأمنية وحدها، متجاهلين التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون بشأن أهداف إسرائيل الجيوسياسية التي يخدمها الجدار الفاصل.
هذه المرة، يتحول الجدار «المؤقت» إلى دائم، دون أي مؤشرات على تغيير قرار المحكمة، التي رفضت مؤخرًا التماسات من فلسطينيين ضد الجدار؛ باعتبار أنه «لا مبرر للتدخل في قرار قائد الجيش»، حتى لو أثر على معيشة الفلسطينيين؛ باعتبار «معظم المظالم الفردية التي رفعها الفلسطينيون ألغيت أو سيتم إلغاؤها قريبًا»، ناصحة المتضررين بقبول التسويات المعروضة، ونسيان أي محاولة لإزالة الجدار نفسه.