«بكرة هبقى مليونير»: هل ستجلب عملة Pi-Network الملايين؟

تخيل معي للحظة أن شخصًا ما، يبدو عليه الاحترام ويرتدي بدلة سوداء من ماركة عالمية، عرض عليك صندوقًا مُغطَّى بالكامل بملاءة، ولا يمكنك معرفة ما بداخله. ثم يخبرك هذا الشخص أن داخل الصندوق وتحت الملاءة كنز من الذهب، وأن كل ما عليك فعله هو الانتظار، وعند لحظة محددة من الزمن، لا يعرفها أحد سواه، سوف يزيح الملاءة من فوق الصندوق، وحينها يمكنك أن تحصد نصيبك من الذهب، بل ويمكنك أن تحضر من تعرفهم وتثق بهم، ليشاركوا معك هذا الكنز، وحينها سيزيد نصيبك منه أيضًا، كل ما عليك فعله حقًا هو الاطمئنان يوميًا على الصندوق، ولا تفعل أي شيء آخر. وفي النهاية سنغني معًا: «مليونير مليونير.. بكرة هبقى مليونير!».

إن كنت تعتقد أن هذا أمر مستبعد الحدوث، وأن هذه قصة سخيفة، فهو لأنها سخيفة فعلًا. حسنًا، دعنا الآن من تلك القصة، وتخيل معي هذا الشعور الغريب، عندما ترى هذه القصة نفسها منتشرة على فيسبوك، وترى شخصًا يحاول تطبيقها على ما يزعم أنه عملة رقمية جديدة!

إن كنت مثلي، فأول شيء ستشعر به أن هناك شيئًا ما خطأ. كيف يمكن استخدام الهاتف الذكي في «تعدين» عملة رقمية جديدة؟ هذه العملة تحمل اسم Pi Network، وليس لها وجود حتى هذه اللحظة، والمفترض أن الفكرة والتطبيق يعملان منذ عام كامل. كيف يمكن أن تكسب كل هذه الأموال بمجرد أن تقوم بتنزيل تطبيق على هاتفك الذكي؟

ربما تطورت التقنية لهذه الدرجة، وفجأة وجدت هذه العملة الحل السحري الذي بحثت عنه مئات العملات الرقمية حتى هذه اللحظة ولم تتمكن من الوصول إليه! حتى الآن كل شيء غامض، وليس عليك أن تصدق أي شيء حتى وإن لم تكن متابعًا أو خبيرًا في الاقتصاد والعملات الرقمية، وأنا مثلك لا أعرف سوى ما بحثت عنه، ولهذا كل ما عليك فعله هو أن تقوم بقليل من البحث لاتخاذ قرارك، وهل ستشارك وتنتظر هذا الكنز الجديد أم لا؟

اقرأ أيضًا: Bitcoin والعملات المشفرة تحت المجهر

«فوق العظمة»: ما الذي تخبرنا به عملة Pi Network الرقمية؟

حسنًا، هناك مصطلح معروف باسم الحرص الواجب، أو العناية الواجبة، وهو أن تقوم بإجراء تحقيق أو تدقيق أو مراجعة بيانات للتأكد من الحقائق حول مسألة ما أو عقد جديد بين طرفين. وفي عالم المال والاقتصاد، تتطلب العناية الواجبة مثلًا فحص السجلات المالية قبل الدخول في صفقة مقترحة مع طرف آخر.

ولذا يمكنك تطبيق هذا المصطلح على ما تذكره الشركة نفسها على موقعها الرسمي الخاص بالعملة الجديدة Pi Network، وستجد بيان الشركة الرسمي، أو الورقة البيضاء White Paper، وهو ما تشرح فيه الشركة ببساطة كل شيء عن عملتها الرقمية الجديدة!

في عالم العملات الرقمية هناك بعض المعلومات المهمة التي يجب أن تذكرها المؤسسة أو الشركة أو أي شخص يحاول إطلاق عملة رقمية جديدة، وهي معلومات تشمل التقنية التي تقوم عليها هذه العملة، فيم يمكن أن تُستخدم؟ كيف تبدو البيانات المالية؟ وما هي الوعود التي تقدمها لمن يدعمها؟

أولًا: ما هي التقنية؟

الحل الذي يحاول فريق Pi Core صنعه هو جعل اللا مركزية أكثر لا مركزية، ووفقًا لما درسوه في سوق العملات الرقمية منذ نشأته مع عملة بتكوين، فإن الجيل الأول عانى من مركزية الأثرياء، أو من يملكون الأجهزة الأقوى القادرة على تعدين تلك العملات، مثل مرافق التعدين الضخمة في الصين، لذا يحاول الفريق تطوير نظام قديم ولكن بشكل جديد وهو Stellar Consensus Protocol، والذي يقوم على نظام معروف باسم Federated Byzantine Agreement System.

باختصار، يحاول الفريق بناء شبكة من الأشخاص للعملة الجديدة، بدلًا من تقنية البلوك تشين المعتادة، وتتكون الشبكة من أشخاص يقومون بدورهم من خلال التفاعل المباشر مع البروتوكول. ويمكن لهم أن يفعلوا ذلك من خلال هواتفهم الذكية، ويتم مكافأتهم بعمله Pi داخل التطبيق.

لذا فليس هناك عملية «تعدين» من الأساس، على الأقل بالمفهوم نفسه لدى العملات الأخرى التي تقارن بها مثل بتكوين. كما ليس هناك محفظة للعملة، إلا إذا اعتبرت أن التطبيق هو «المحفظة». وحتى الآن لا يمكن لأحد الوصول إلى هذه العملة، فكل شيء مغلق حتى الآن.

نحن نعرف التقنية لأنها موجودة بالفعل، ولكن لا نعرف ما الذي يجري هنا داخل عملة Pi Network تحديدًا. هذا ليس تعدينًا، وليس هناك وسيلة لاستكشاف البلوك تشين أو أي شيء آخر. وقد يكون العدد المكتوب في قمة التطبيق هو مجرد رقم فقط، عداد يعمل ويزداد مع الوقت بدون أي عملة مشفّرة متعلقة به. لأنه على عكس العملات الرقمية، والتي تكون مفتوحة المصدر، ويمكن لأي شخص الاطلاع عليها، عملة Pi Network مغلقة المصدر، وهذا يجعلها مبهمة وغير مفهومة من الأساس!

ثانيًا: ما هو استخدام العملة؟

يذكر الفريق المطور ببساطة أن مهمة عملة Pi Network هي توفير المشاركة للجميع حيث يمكن لأي شخص أن يساهم في مشروع العملات المشفّرة والحصول على تلك العملة نظير مشاركتهم. من حيث المبدأ، فهي فكرة عظيمة بالطبع، فلما لا يشارك الجميع، ويتشاركون في هذا الكنز الهائل من العملات الرقمية؟

لكن ما الذي سيستخدم من أجله هذا الكنز تحديدًا؟ ما نوع المعاملات المالية التي نبحث عنها؟

عملة Stellar مثلًا واضحة في هذا الأمر، حيث يريدون أن تكون عملتهم وسيطة لمعاملات مالية دولية أرخص وأسرع، وهذا استخدام مباشر وواضح لهذه العملة الرقمية. لكن، بالإضافة إلى كونه مجرد مخزن للقيمة، ما هي التطبيقات التي تبحث عنها عملة Pi Network؟ هذا ليس واضحًا بالشكل الكافي.

ثالثًا: كيف تبدو البيانات المالية؟

كما يذكر الموقع، فإن قيمة عملة Pi Network تساوي صفر دولار! وليس لدينا معلومات عن مصدر العملة، ولا كيف يمكن أن يتم تبادلها، لا شيء. بالتأكيد، لا تزال في مرحلة البداية، ويمكن أن تلتمس العذر لمشروع جديد بالطبع، لكن المهم أنك تدفع بالضبط الثمن الذي تستحقه العملة وهو لا شيء.

فإذا كنت قادرًا على شراء هذه العملة، والتي لا تملك محفظة أي لا يمكن إرسال أو تلقي العملة أصلًا، فمن المهم أن تعرف كم يتوقع الفريق عدد العملات الإجمالي، وكيف يمكن استخدام تلك العملة، ومن سيقبلها أصلًا لشراء أو بيع أي شيء؟ فإذا قرر كل مستخدمي التطبيق بيع عملاتهم وتحويلها إلى منتجات مثلًا، أو حتى إلى دولارات، فما الذي يشجع أي شخص آخر على شراء تلك العملة منهم؟ وهل سيشتريها أصلًا من لا يعلم عنها أي شيء؟ هذه الأسئلة لا يوجد عليها أي إجابات، ومن المفترض أن تقدمها أي عملة رقمية أو غير رقمية، وإلا ستصبح مجرد رقم لا يعني أي شيء، لأن هذا هو المبدأ الأساسي في العملات، مبدأ الثقة.

رابعًا: ما هي الوعود التي تقدمها؟

حسنًا، الأمر غير واضح أيضًا، لا يوجد وعود بأي شيء حقيقي على ما يبدو، سوى أن من يشارك أولًا سيكون من المؤسسين لهذه الشبكة الجديدة، وبهذا يمكنه أن يملك الكثير فيما بعد عندما تتحول العملة إلى أموال حقيقية. وهنا يحاول الفريق ومن يتحدث عن العملة مقارنتها متعمدًا بعملة بتكوين. بمبدأ أن بتكوين كانت غير معروفة عند بدايتها، وأن الجميع خسر الاستثمار فيها، وبعد ذلك رأينا جميعًا ما الذي حدث لها من قفزات هائلة خلال عقد من الزمن.

حسنًا، هذه ليست وعودًا منطقية، لأن عملة بتكوين لا يمكن مقارنتها بأي عملات رقمية أخرى، والأمر معقد للغاية. وهناك المئات من العملات التي تحدثت أنها سوف تغير من سوق العملات الرقمية، وأنها سوف تقهر عملة بتكوين، ولكن معظمها اختفى أو كان نصبًا في الأساس، وهناك قصة مشهورة عن عملية نصب عالمية بمليارات الدولارات عام 2017 من خلال عملة رقمية وهمية باسم OneCoin.

«شكرًا على ثقتك الغالية»: لماذا يطلب التطبيق كل هذه الصلاحيات؟

عرفنا أن عملية الـ «تعدين»، التي لا تعتبر عملية تعدين في الواقع، تحتاج إلى شبكة من الأشخاص، وسيقوم كل شخص بدعوة شخص آخر للتطبيق لتأسيس هذه الشبكة، ولن يمكنك الدخول إلى التطبيق إلا من خلال هذه الدعوة. كل هذا جميل طبعًا، وما الذي يمكنك أن تخسره إذا كان الأمر مشابهًا للتسويق الشبكي؟ ليست مشكلة، لكن المشكلة الحقيقية هي لماذا يطلب التطبيق كل هذه الصلاحيات؟

على سبيل المثال، يمكنه قراءة جهات الاتصال على الهاتف، قراءة محتويات وحدة التخزين أو التعديل عليها أو الحذف منها، قراءة حالة وهوية الجهاز، التحكم الكامل في الشبكة، الرسم فوق التطبيقات الأخرى، وبدء التشغيل عند تشغيل الهاتف، وغيرها من الصلاحيات.

إن كنت لا تخشى فقدان بياناتك الشخصية، فهذا أمر مفهوم بالطبع، لأن كل مواقع التواصل الاجتماعي لديها بياناتك بالفعل. لكن على الأقل هذه المواقع تذكر هذا بصراحة، وتستهدفك بكمية إعلانات هائلة، ولهذا تتمتع بخدماتها مجانًا، لأنه «إن كانت الخدمة مجانية فاعلم أنك أنت السلعة».

لكن من المفترض أن هذا التطبيق خاص بعملة Pi Network، فلماذا سيحتاج كل هذه البيانات والصلاحيات؟

«في فلوس هتطير.. انسى تعدّها»

بدايةً من أول شهر مايو، أعلن فريق Pi Network عن إطلاق الإعلانات بداخل التطبيق، وهو كما ذكروا لتغطية النفقات الكثيرة للشبكة. هنا يتحول الأمر إلى بعض الوضوح قليلًا، فيبدو أن لا علاقة له بالعملات الرقمية أصلًا!

مثلًا منذ صدور عملة بتكوين لم تطلب أي معلومات شخصية أو حتى قامت باقتراح وضع إعلانات في أي مكان خاص بها، وهذا ببساطة لأنها عملة رقمية حقيقية، لكي تحصل عليها يجب أن تبذل مجهودًا حقيقيًا وليس مجرد عملية تسويق، أو محاولات إضافة إعلانات داخل التطبيق للاستفادة من ملايين المشتركين.

هناك احتمال لا بأس به أن يتحول التطبيق مثلًا إلى شبكة اجتماعية، بما أنه يملك بالفعل إمكانية الدردشة بداخله، أو ربما يقرر أصحابه أن يبيعوه بكل هذه الملايين من المستخدمين، أو الأكثر واقعية أن يبيعوا البيانات إلى طرف ثالث مثلًا، أو الاحتمال الأخير أنهم يحاولون إقناع مستثمر ما بقدرتهم على جمع ملايين البشر بأبسط طريقة ممكنة، وهي استغلال حب المكسب المادي السهل لدى البشر.

الدخول إلى عالم العملات الرقمية ليس بهذه السهولة، وسيحتاج منك على أقل تقدير فهم ما هي تلك العملات أصلًا، وليس لمجرد أنك سمعت قصة عملة مثل بتكوين، وكيف بدأت وكم كانت تساوي حينها وإلى أين وصلت الآن، فإن بإمكان أي عملة أن تصل لهذا المستوى نفسه، وأن الاستثمار فيها سوف يفوتك مثلما فاتك الاستثمار في سابقتها.

وهذا تحديدًا ما يلعب عليه أي نصاب، حلم الثراء السهل بدون بذل أي مجهود، وبدون حتى عملية بحث بسيطة لتعرف معها كيف تعمل العملات الرقمية، وما هي التقنيات المتوفرة. بشكل عام، قد تصبح هذه العملة الجديدة المُفترضة «عملة رقمية» بالفعل في المستقبل، لا أحد يستطيع الجزم بأي شيء، لكن منذ بدايتها، وكما هو واضح من كلام الموقع الرسمي لها، لأنه خلال عملية البحث لم أجد سوى كلام الموقع الخاص بهم فقط، فإن الأمر لا يبشر بالخير!

عمومًا يمكنك خوض التجربة على مسؤوليتك -ولا ننصح به أبدًا- وأن تجلب معك أصدقاءك، وتنتظروا الكنز، ونغني معًا في النهاية «في فلوس هتطير.. انسى تعدّها! مليونير مليونير.. بكرة هبقى مليونير!» لكن قبلها على الأقل، يمكنك قضاء بعد الوقت مع منشور خبير الأمن الرقمي محمد عبد الباسط، وحديثه التقني المفصل حول العملة.