هل تنجح مبادرة الصدر في إصلاح الأوضاع بالعراق؟
يأبى العراق أن يخرج ولو لأيام قليلة خارج محور اهتمامات الصحف ووسائل الإعلام، فمن المعارك الحربية لتحرير الموصل إلى مظاهرات تطالب بتغيير مفوضية الانتخابات العراقية، تأتي مبادرة الزعيم الشيعي «مقتدى الصدر» لتتصدر المشهد العراقي خلال الأيام القليلة الماضية.
تيار الصدر
ولد مقتدى الصدر بمدينة النجف في 12 أغسطس/آب 1973 لأسرة شيعية، والده هو الزعيم الشيعي محمد صادق الصدر الذي اغتيل في فبراير/شباط 1999 مع اثنين من أبنائه، ومنذ مقتل والده، أصبح مقتدى الصدر مشرفا على «الحوزة الدينية» في النجف، وقد أوكل إليه والده رئاسة تحرير مجلة «الهدى» وعمادة جامعة الصدر الإسلامية.
وبعد حرب العراق عام 2003 واحتلال القوات الأمريكية للعراق ركز الصدر في البداية على المقاومة السلمية للاحتلال ودعا أنصاره لذلك، وأعلن تشكيل جيش المهدي، وهو تنظيم شيعي مسلح، في إحدى الخطب بشهر يوليو/ تموز 2003، وهو ما مهد للصدام المسلح مع مطلع عام 2004، والذي شهد قرارا من الحاكم العكسري الذي عينه الاحتلال «بول بريمر» بإغلاق صحيفة الحوزة الناطقة باسم الصدر.
وفي مايو/أيار 2004 اتسعت المواجهات بين جيش المهدي في مدينة النجف، والقوات الأمريكية التي حاولت القبض على الصدر، واتسعت رقعة المواجهات بين الطرفين لتصل لمدينة النجف والبصرة بالإضافة لمدينة الصدر في بغداد، واستمرت شهورا قبل أن تنتهي بتدخل المرجع الشيعي في العراق آية الله علي السيستاني، الذي قدّم مبادرة سلام انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار.
وعقب انتهاء الأزمة ظهر تحول في موقف الصدر بإعلان قبوله الانضمام إلى العملية السياسية الجارية في العراق، ودعوة أنصاره إلى وقف القتال في جميع أنحاء العراق، لكن جيش المهدي ظل موجودا، واتهم بالضلوع في عمليات تطهير طائفي ضد سنة العراق في عدد من المناطق.
وغادر الصدر العراق متجها إلى إيران في عام 2007 كمنفى اختياري، ليكمل دراسته الفقهية، وفي 2008 جمّد الصدر أنشطته ووزع أغلب أنصاره على منظمتين مدنيتين غير مسلحتين، ثم عاد إلى العراق مع بداية عام 2011، وقرر العودة إلى المشهد مع سيطرة مسلحين من العشائر العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية على بعض المناطق العراقية، وأبرزها الموصل، في يونيو/حزيران 2014، ليتصدر تيار الصدر المشهد العراقي، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن يلعب تيار الصدر دورا مهما فى الساحة العراقية.
أزمة مفوضية الانتخابات
الجدير بالذكر أنه في 7 فبراير/شباط الجاري دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أنصاره إلى التظاهر في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد للمطالبة بتغيير مفوضية الانتخابات، حيث ينتمي أعضاؤها إلى أحزاب السلطة الكبيرة، إلى جانب المطالبة بتعديل قانون الانتخابات.
وفي 11 فبراير / شباط 2017 شهدت المظاهرات اشتباكات عنيفة بين أنصار الصدر وقوات الأمن بعدما خرج عشرات الآلاف من أنصار الصدر في مظاهرات اجتاحت شوارع العاصمة العراقية؛ مطالبين بإجراء تعديلات على المفوضية التي تشرف على الانتخابات العراقية بعدما أعلنت عن موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
وذلك قبل دعوة الصدر لأنصاره بوقف التظاهر والهدوء المؤقت عقب سقوط قتلى ومصابين على إثر إطلاق قوات الأمن قنابل الغاز والأعيرة النارية.
مبادرة ما بعد تحرير الموصل
بهذه البنود بدأ مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري فى 20 فبراير/ شباط الجاري طرح مبادرة بعنوان «مشروع مرحلة ما بعد تحرير الموصل»، والتي تتكون من 29 بندا، بهدف طريقة إدارة العراق بعد تحرير الموصل من قبضة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، بعد المعركة المستمرة منذ حوالى 5 أشهر، والتي بدأت فى أكتوبر/ تشرين الأول بإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء عمليات استعادة مدينة الموصل، والواقعة بشمال العراق من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وأن المعركة ستتم عن طريق قوات الجيش والشرطة فقط.
ومن أبرز بنود المبادرة أن يقتصر تأمين الحدود العراقية على قوات الجيش وحرس الحدود حصرا، وكذلك تطالب المبادرة في بندها السادس عشر أن يجمع السلاح المتناثر بالعراق وتسليمه إلى الدولة من خلال آليات واضحة وصارمة مع الحفاظ على هيبة الجهاد والمقاومة.
كما طالب الحكومة ووزارة العدل بالنظر فءي ملف المعتقلين الأبرياء ومحاسبة الإرهابيين والمفسدين، مع ضرورة عدم التمييز بين طائفة وأخرى، وكذلك غلق جميع مقرات الفصائل المسلحة أو تحويلها إلى مؤسسات ثقافية مدنية أو اجتماعية.
ويعد تركيز مبادرة الصدر في أكثر من بند على الحديث عن السلاح والتنظيمات المسلحة ومقراتها وسيطرة الجيش فقط من الأمور اللافتة للنظر، والتي تعد تلميحا ضد جهات معينة، ولعل فى مقدمة تلك الجهات «الحشد الشعبى العراقي».
الخلاف الشيعي يتصدر المشهد
تحدثت مبادرة الصدر عن أهمية تسليم التنظيمات المسلحة أسلحتها للجيش العراقي، إلى جانب ضرورة أن يصبح الجيش العراقي فقط هو المسئول عن حماية الحدود العراقية.
وهي النقاط التي تؤكد – إلى حد كبير – على توجيه الصدر تلك النقاط بالمبادرة للحديث عن ميلشيات «الحشد الشعبى العراقي» وهي شيعية أيضا، وقد ظهرت للمشهد فى يونيو/حزيران من عام 2014، بعد دعوة المرجع الشيعي «علي السيستاني» لمساندة الجيش العراقي أمام حربه مع تنظيم الدولة الإسلامية، من خلال تشكيل ميليشيات من المتطوعين ليظهر الحشد الشعبي في صورة قوات عسكرية شيعية شبه نظامية.
منذ ذلك التاريخ وحتي الآن يعمل الحشد الشعبي العراقي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ووجهت له اتهامات من قبل أطراف سنية ومنظمات دولية، بارتكابه انتهاكات تقترب من التطهير العرقي للمسلمين السنة فى المدن التي تمت استعادة السيطرة عليها من قبل تنظيم الدولة. وهو ما عرضه لانتقادات جعلت دوره يتراجع خلال الفترة الماضية، وربما تكون الإشارة إليه إحدى المحاولات من قبل تيار الصدر لتهدئة الأوضاع بالعراق ووقف التصعيد الطائفي المتبادل، وهو ما يكشف أسباب رفض البعض للمبادرة.
وكان في مقدمة الرافضين «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، والذي أعلن على لسان أحد نوابه أن بعض الفقرات بالمبادرة ليست دستورية وتدعو للعودة إلى العشائرية.
و قال القيادي في تحالف المالكي سعد المطلبي إن مبادرة الصدر تضمنت إرسال وفود عشائرية من وسط وجنوب العراق إلى المناطق المحررة، وبالعكس، للعمل على رفع الاحتقان الطائفي، كذلك تشكيل لجان أهلية عشائرية تعنى بالخدمة الشعبية، وهي دعوة واضحة للعودة إلى العشائرية، وحول إشارة المبادرة للحشد الشعبي فإن الحشد الشعبي أصبح جزءا من مؤسسات الدولة.
فيما قالت القوى السنية في العراق إن ظهور «داعش» واكتساحه العديد من المحافظات العراقية عام 2014، جاء نتيجة الخلافات السياسية وتفرّد أطراف شيعية بالحكم في بغداد وغياب الرؤية المشتركة لإدارة المؤسسات الحكومية، خصوصا الأمنية والسياسية.
أظهرت مبادرة الصدر إلى السطح مدى الانقسامات في المشهد العراقي «الشيعي- الشيعي» والذي يعكس حالة القلق حول مصير العراق بعد تحرير الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يجعل الصدر يبدو بديلا شيعيا يحظى بقبول القوى السنية والكردية في العراق، حيث يحاول الصدر من خلال هذه المبادرة دغدغة مشاعرها بالحديث عن العراق الموحد والخاضع لسيطرة الجيش ومؤسسات الدولة غير القائمة على المحاصصة الطائفية.
وهو السيناريو الحالم الذي تقف أمامه أطماع باقي التيارات الشيعية وتخوفات الطوائف الأخرى، خاصة السنية بالعراق، فيخشون حال وصول تيار الصدر لمراده أن يتحول ضدهم ويسير على نهج الحشد الشعبي ليصبح السنة كالمستجير من الرمضاء بالنار.