بتعليمات شرطة المهرجانات: هل يغير صمت «شاكوش» المجتمع؟
منذ أيام أصدر نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر قراراً بمنع مطربي المهرجانات من الغناء، جاء القرار على خلفية الجدل الدائر من أسابيع حول أغنية/مهرجان بنت الجيران لحسن شاكوش الذي اجتاحت المجتمع المصري، وبعد أن كان حسن شاكوش وعمر كمال نجومي حفل عيد الحب الذي أقيم في إستاد القاهرة، والذي قدمته المذيعة جاسمين طه زكي ذات التاريخ الطويل في تقديم الحفلات الرسمية والأوبرالية.
الحفل أثار استياء الجمهور الذين رأوا أن مكاناً بتاريخ ومكانة إستاد القاهرة، ومذيعة بحجم وتاريخ جاسمين طه زكي عندما يستضيفان مغنياً مثل حسن شاكوش وأغنيته فإن هذا يدلل على انحدار الذوق العام وتراجع الذائقة الفنية للمجتمع المصري.
قرار نقيب الموسيقيين هو الآخر أثار استياء قطاع عريض من الجماهير المدافعين عن حرية الفن والرافضين للرقابة على ما يفضله الجمهور، تشتعل السوشيال ميديا الآن بآراء تناقش القرار وتناقش حرية الجمهور – على الأقل – في الاستماع لما يريده، فهل موسيقى المهرجانات فعلاً مسئولة عن تدهور المجتمع المصري؟ أم أن شكل المجتمع هو المسئول عن خلق هذا النوع من الموسيقى بما تحمله من كلمات فجة؟
كيف بدأ الخلق؟
مقاومة التغيير ليست سمة جديدة على الإنسان، فهو بطبيعته يميل إلى الاستقرار ويفضل المناطق الآمنة التي توفر له مساحة من الثبات، وهذا القانون يسري على سلوك الإنسان بشكل عام، وحتى في الفنون فالتغيير يصطدم دوماً بمن يفضلون أن تبقى الأمور على ما هي عليه حسب مفضلاتهم الشخصية، عبدالحليم مثلاً واجه رفضاً شديداً في بداياته، فعندما قدم أغنيته الأولى صافيني مرة في أولى حفلاته رفض الجمهور هذا اللون الخفيف من الغناء والذي كان لا يشبه الغناء السائد وقتها، بعد الرفض الذي تعرض له عبد الحليم أصبح العندليب الأسمر أشهر مطرب مصري حتى أن هناك من جماهيره من انتحروا حزناً عليه.
ثم ظهر هاني شاكر نفسه الذي أصدر قراراً يمنع فيه اليوم المهرجانات، فواجه نفس الرفض، وكان من أوائل من هاجموه عبد الحليم حافظ نفسه، ثم تمكن هاني شاكر من أن يصبح نجماً ويفرض غناؤه على الساحة الفنية حتى أصبح أمير الغناء العربي ونقيب الموسيقيين الذي يصدر اليوم قراراً يكرر فيه التاريخ، ويعيد تدوير الهجوم الذي تعرض له قديماً.
وعند ظهور الغناء الشعبي الخفيف الذي قدمه أحمد عدوية والذي يختلف عن الطرب الشعبي القديم الذي كان يقدمه محمد رشدي مثلاً، واجه نفس الهجوم والرفض من المجتمع ومن المشتغلين بالفن، ثم تدور الدائرة الطبيعية ويكتسح اللون الجديد الساحة، إذن فمهاجمة الألوان الجديدة والمختلفة ليست حكراً على هذا الزمن، ومن هوجموا قديماً يهاجمون اليوم، والتاريخ يكرر نفسه بإصرار مثير للإعجاب، فقط البشر ينسون بسرعة.
أهم من الشغل… تظبيط الشغل
أغنية 1
حكاية عن شاب تتخلى عنه حبيبته فيخاطبها مذكراً إياها أنها لم تعد صالحة للحب من بعده لأنه أتى على كل شيء فيها، مع إيحاءات جنسية توضح أن الحبيب الجديد لن يكون سعيداً عندما يكتشف ما حصل عليه حبيبها القديم.
أغنية 2
حكاية رجل أعجبته فتاة قاصرة صغيرة السن، يتمنى فقط لو كانت أكبر حتى تستطيع مبادلته الحب، مع إيحاءات أنه يستطيع أن يغويها لولا أنه طيب القلب، وهذا فقط ما يمنعه عن استغلالها.
أغنية 3
شاب يحب فتاة، ويريد معرفة رأيها في الموضوع، يشرح لها مشاعره الرومانسية ويقر لها أنه دونها سوف يضيع وربما يصل الأمر للانحراف.
ثلاث أغنيات لثلاثة مطربين مختلفين، الأغنية الأولى لمطرب الجيل تامر حسني «اعتذري للي هييجي بعدي خليه يسامحني أصل أنا..أخدت كل حاجة في عهدي وشوفي عهدي كان كام سنة»، الأغنية الثانية للهضبة عمرو دياب «يا نور قلبك يا نور طيب لمسني لمسة شبعني..أنا لو بس مش طيب مفيش ولا حاجة تمنعني..ياريت سنك يزيد سنتين عشان سنك كدة صغير»، أما الأغنية الأخيرة، فهي أغنية بنت الجيران التي بدأت شرارة الغضب، بنت الجيران لحسن شاكوش «تسيبيني أكره حياتي وسنيني أتوه ومش هلاقيني واشرب خمور وحشيش».
الثلاث أغنيات تعبر عن شكل العلاقات العاطفية في المجتمع، والأمر ليس جديداً فأغنية تامر حسني عمرها أكثر من عشر سنوات، وأغنية عمرو دياب صدرت منذ أكثر من خمس سنوات، وأغنية حسن شاكوش جديدة جداً صادرة منذ أسابيع قليلة، الفرق أن أغنيات تامر ودياب أغنيات لمطربين مهمين مصنفين على أنهم ملوك الرومانسية، بينما حسن شاكوش يتحدث بلغة الشارع الدارجة التي يتكلمها الجميع في الوقت الراهن.
من الجاني؟
الفرق ليس في تصنيف الأغنية رومانسية أو شعبية، فمواضيع الأغنيات متشابهة وإيحاءاتها كلها صادمة، ولكن عندما تكون مطرباً لامعاً وذا خلفية جذابة تخاطب الطبقة الأنيقة في المجتمع، يتقبلك الجميع لأنك تعبر عن الصورة الذهنية التي يريدها الجميع لنفسه، يستقبل الجمهور أغنيتك على أنها أغنية خفيفة الدم ويعتبرونها تغييراً ودماء جديدة تضخ في عروق الغناء، أما أن تكون مؤدياً شعبياً صاعداً من الطبقة الأدنى التي يحتقرها الجميع ويرفضون سيطرتها يهاجمك الآخرون، كيف تجرؤ أن تجد لك مكاناً وسطنا؟ يجب أن تظل في القاع.
حالة إنكار تامة تنتاب المجتمع المصري في كل شيء، والغناء أحد هذه الأشياء، يصر الجميع على أن كلمات أغاني المهرجانات المليئة بالإيحاءات والصخب تساهم في تدهور المجتمع المصري، رغم أن الفن هو من يحاكي المجتمع وليس العكس، الغناء يستلهم حالة حقيقية ويحولها لحدوتة مسجوعة وملحنة، الغناء لا يخلق حالة غير موجودة وإلا لن يستمع إليه أحد، ولكن الجميع يصرون أن ما يحدث هو العكس تماماً.
منع المهرجانات لن يساهم في الارتقاء بشكل الحب والعلاقات والألفاظ المتداولة بين المصريين، الناس سوف يظلون يتحدثون نفس اللغة، والطبقة الفقيرة سوف تظل هي السواد الأعظم من المجتمع، الشيء الوحيد الذي سوف يتغير هو أن هذه اللغة لن تتحول لكلمات مسجوعة، ولكن الناس سوف يظلون يتحدثونها في الشوارع.
المشكلة الآن ليست في الصراع الدائر بين دور الفن في الارتقاء بالمجتمع ودور المجتمع في الارتقاء بالفن، المشكلة الآن أن هذا المجتمع يمارس وصايته الأخلاقية وسياسة الإخراس والإسكات لأي صوت يتحدث بالحقيقة، حتى لو كانت تلك الحقيقة قبيحة، لكنها حقيقة، نحن هنا لا ندافع عن المهرجانات ولا ندافع أيضاً عن الحريات، نحن هنا نحاول فقط أن نقول إن الصراع عبثي، وإن ما يجب أن يتغير فعلاً هو لغة ومشاعر وسلوك الناس في المجتمع، وليس في أغاني المهرجانات التي هي إفراز طبيعي للمجتمع وابنة شرعية للواقع.