هل يغيب لقب الدوري عن الأهلي والزمالك السنوات المقبلة؟
قبل سنوات، كان ظهور أي لاعب مميز في أندية الدوري المصري خلال الموسم يعني نهاية حتمية في سوق الانتقالات التالي. صراع بين الأهلي والزمالك سيحسمه أحدهما بلا شك، وبمبلغ ارتفع تدريجيًا بمرور الوقت، لكنه ظل صراعًا ثنائيًا لم يدخله غيرهما لعقود.
ارتفعت الأسعار بالطبع بمرور الوقت، وتزامن ذلك مع ارتفاع عالمي في قيمة ورواتب لاعبي كرة القدم، لكن في مصر تزايدت الأرقام في السنوات الأخيرة بشكل غير مسبوق لدرجة فاقت الأندية الأوروبية نفسها.
الأموال التي تنفق على الدوري المصري تستحق كثيرًا من الدراسة بالطبع، قد تخرج مئات المقالات لمحاولة فهم هذا الأمر وحده، لكن المشكلة التي تعطل هذه المقالات حتى الآن هي عدم وجود أرقام حقيقية مفصلة لاستخدامها.
العثور على رقم رسمي معلن أو ميزانية ناد مفصلة حلم بعيد لم يتحقق بعد في مصر، لكن بإمكاننا أن نتسلل بين الأرقام المتاحة، لنكتشف كيف تشكل الأموال حاليًا كرة القدم المصرية من جديد.
الإيجيبشن ليج
لا نحتاج إلى كثير من الأرقام لنقر بالمعلومة الأولى، فقط نظرة بسيطة لقائمة رواتب لاعبي الدوري، أو قيمة الصفقات مؤخرًا، أو حتى رواتب المدربين في الدوري المصري وستدرك الأمر.
تفوق تلك الرواتب جميع الدوريات في أفريقيا، لدرجة تجعل مصر وجهة مثالية لأغلب لاعبي شمال أفريقيا، وانتقل كثير منهم بالفعل إلى مصر مثل علي معلول وحمدي النقاز وفخر الدين بن يوسف، وآخرهم محمد الشيبي ظهير المنتخب المغربي الذي انتقل إلى بيراميدز قبل يومين.
لكن المثير في الأمر ليس التفوق على الأندية الأفريقية، ولكن التفوق على الأندية الأوربية ذاتها. يتقاضى لاعبون مثل علي معلول ورمضان صبحي وزيزو وعبد الله السعيد وبيرسي تاو رواتب تقترب من 1.5 مليون دولار، وهو رقم يفوق مئات اللاعبين في دوريات مثل فرنسا وتركيا والبرتغال.
وللتأكيد، فإن راتب مصطفى محمد مع جالطة سراي لم يصل مليون يورو، وتقاضى تريزيجيه مع طرابزون سبور رقمًا أقل من 1.5 مليون يورو، وبالتالي ليس غريبًا أن يفكر المحترفون المصريون في العودة إلى مصر في ظل تلك الرواتب وآخرهم كان كريم حافظ الذي حط الرحال في بيراميدز.
هذا التضخم لم يضرب رواتب اللاعبين فقط، لكن رواتب المدربين في مصر تشهد أرقامًا خيالية، وانتشرت أخبار مؤخرًا حول تعاقد كيروش مع إيران مقابل 50 ألف دولار شهريًا في مقابل نحو 100 ألف دولار تقاضاها حين كان مدربًا للمنتخب المصري.
كذلك تقاضى مدرب الأهلي السابق ريكاردو سواريش 125 ألف دولار شهريًا مع الأهلي، وهو مدرب لم يحظ بمسيرة كبيرة في أوروبا ولا يُعتقد أن راتبه كان يتخطى ربع هذا الرقم مع فريقه البرتغالي قبل قدومه.
هنا بالطبع لا بد أن يتوقف الجميع لحظة ليسأل عن السبب، لكن لا يهم، جاء المدرب وحصل على رقم هائل، وقرر الأهلي رحيله دون أن يتوقف أحد للسؤال.
لا تقتصر الزيادة على المدربين الأجانب، إذ كان تقاضى حسام حسن مع الاتحاد السكندري نحو مليون جنيه شهريًا، أما إيهاب جلال فكان يحصل على أكثر من مليون جنيه أثناء تدريبه بيراميدز، ويحصل علي ماهر على نحو 700 ألف جنيه من فيوتشر.
بالطبع لا نحتاج إلى أن نخبرك باستخلاص بديهي، كرة القدم في مصر لا تنتج هذا القدر من الأموال، لا في الأهلي والزمالك ولا في غيرهما، لكن الأمور تتزايد في كل موسم دون أن ينعكس ذلك على مستوى الدوري أو أرباحه.
صراع مفتوح
شهدت رحلة الأسعار طفرات عديدة بالطبع، أبرزها كان قبل 4 سنوات، حين انتقل صلاح محسن إلى الأهلي مقابل مليوني دولار. كان هذا بداية عصر جديد للكرة المصرية، عنوانه عالم ما بعد صلاح محسن.
لا يعني صلاح محسن كثيرًا بالطبع في هذا الصراع، لكنه كان الصفقة الأخيرة التي يدخلها الأهلي والزمالك وحدهما، قبل أن يفرض الوافد الجديد بيراميدز نفسه على الجميع.
بدخول بيراميدز تغيرت بعض القواعد، أهمها أن شعبية الأهلي والزمالك لم تعد وحدها كافية لحسم الصفقات. يمكنك أن ترى أسامة جلال يذهب إلى بيراميدز رغم رغبة الثنائي في ضمه، بل والأهم أن تشهد انتقال نجوم الفريقين لبيراميدز حتى لو أغضب ذلك الجماهير.
لم تكن الأموال غائبة عن المشهد قبل دخول بيراميدز، لكن الصراع الثنائي بين الأهلي والزمالك لم تكن الأموال فيه بالأهمية ذاتها التي فرضها دخوله إلى المشهد.
عرف الأهلي والزمالك خلال تلك الفترة معنى المنافسة على الصفقات، لكن ظلت إدارة بيراميدز غير قادرة على المنافسة كرويًا بسبب تركيزها على إنفاق الأموال بشكل أكبر من رغبتها في تحويل ذلك لمنتج كروي.
في طور النضوج
المرحلة التي أعقبت تلك الفترة شهدت تطورًا لفكرة بيراميدز. وجدت كثير من الأندية التي تمتلك قدرة مالية مميزة، لكنها لا تنفق بالقدر ذاته، وتخطط بشكل أفضل.
وشهد الدوري تجارب مميزة، على الأقل حتى الآن، حيث ظهر فيوتشر وفاركو وسيراميكا كيلوباترا ومعها التجارب المستمرة التي تمتلك قدرًا جيدًا من الأموال مثل سموحة والمصري وإن كان بصورة أقل، وحضرت تلك الأندية في موسم الانتقالات بشكل مميز منذ ظهورها.
خلال فترة الانتقالات الحالية على سبيل المثال، تعاقد بيراميدز مع ظهير المغرب الدولي محمد الشيبي، وتعاقد المصري مع مهاجم منتخب مصر مروان حمدي مقابل 10 ملايين جنيه، كما يرفض فيوتشر التفريط في نجمه الشاب محمد رضا بوبو للأهلي.
في وقت سابق كانت الأندية تنتظر موسم الانتقالات لتفرط في مواهبها للأهلي والزمالك لتجني بعض الأموال، ولم تكن كثير من الأندية قادرة على رفض عروض الأهلي والزمالك أو معادلة رواتبهما لإقناع اللاعبين بالبقاء، ورضيت الأندية بهذا الدور لسنوات دون أن يفكر أي ناد في تغيير الفكرة.
لكن هذه الفئة الجديدة من الأندية لا تعاني من تلك الأزمة، وتمتلك قدرًا كافيًا من الأموال تستغني به عن بيع نجومها، وهو ما يمنحها قوة أكبر في التفاوض، وكذلك قدرة مميزة لاستقطاب المواهب ومنافسة الأهلي والزمالك عليها.
رفع ذلك التنافس أسعار اللاعبين بالطبع، يحاول الأهلي خلال الوقت الحالي التعاقد مع مصطفى شلبي جناج إنبي، ويصر إنبي على 25 مليون جنيه طبقًا للتقارير، وما زال مصرًا على موقفه رغم رفض الأهلي للمبلغ، والسبب أن بيراميدز يمكنه دفع المبلغ المطلوب بسهولة حتى لو انسحب الأهلي من الصفقة تمامًا.
هذا عصر جديد يتعرف عليه الأهلي والزمالك لأول مرة، أن تنافس فيوتشر وبيراميدز على مواهب الدوري المصري وأن تنخفض قدرة شعبيتك على إغراء اللاعبين بعد عقود من السيطرة الثنائية على سوق المواهب.
ما بعد الميركاتو
هذا الصراع الذي شهده سوق الانتقالات سيكون له ما بعده، حيث ستنعكس تلك القدرة على المنتج الكروي بالطبع، ومن المنتظر أن تظهر كثير من الأندية بشكل مختلف في الفترة المقبلة.
وخلال المواسم المقبلة، ستبدأ تجربة هذه الأندية في النضوج تدريجيًا، حقق فيوتشر المركز الخامس خلال الموسم الأول له في الدوري متساويًا في عدد النقاط مع المركز الرابع. ونافس بيراميدز على اللقب نفسه لنهاية الموسم، ولم يتوقف الثنائي عن التدعيم خلال سوق الانتقالات.
ما زال الأهلي والزمالك يملكان اليد العليا بالطبع في الصراع على اللقب بحكم التمرس، لكن الوقت كاف لتصدق هذه الأندية أنفسها وتصبح ندًا حقيقيًا في البطولات كما أصبحت ندًا في صراع الصفقات.
تمتلك هذه الأندية لاعبين مميزين وتتمكن من الحفاظ على مواهبها ضد إغراءات الأهلي والزمالك، ومع قدرتها على استقدام مدربين مميزين لن تعاني في منافسة الأهلي والزمالك، خصوصًا مع انخفاض قيمة الجمهور من الصراع في مصر مع غيابه عن المدرجات في السنوات الأخيرة.
منافسة أقوى
بنظرة أشمل قد يكون ذلك مفيدًا للأهلي والزمالك وتخلق منافسة أقوى على الدوري، حيث عانى الدوري المصري خلال سنوات من انعدام المنافسة، انعدام جعل فوز الأهلي به قبل جولات من النهاية روتينًا عاديًا.
خلال تلك الفترة كان يمكن اعتبار الأهلي مثالًا واضحًا لما يطلق عليهم Super Clubs. أندية تفوز لأنها تفوز وأكبر من الفشل ذاته، ومهما ارتكبت إداراته من الأخطاء يظل قادرًا على الفوز وتحقيق البطولات، وكان يوفنتوس وريال مدريد وبرشلونة أمثلة واضحة خلال العقد الماضي.
لكن مع استمرار الأمر أصيبت هذه الأندية بالكسل على حد تعبير جاك بيت محرر ذا أثليتك، اعتقدت هذه الأندية أنها تفوز لأنها تدار بشكل صحيح، فاستمرت في فعل الشيء نفسه، حاول ريال مدريد تدمير نفسه مرارًا واتخذ عشرات القرارات الخاطئة لكنه ظل في الصدارة رغم فترات تذبذب دفع فيها ثمن ذلك الكسل، ويدفع يوفنتوس وبرشلونة منذ فترة ضريبة ذلك الكسل.
فعل الأهلي الشيء نفسه، وحاولت إداراته ارتكاب كل الأخطاء الممكنة، ولم تمتلك خطة ذكية للتعاقدات أو تفكر في حلول لتفادي الصراع على الصفقات، لكنها بطريقة ما فازت بأهم بطولات الفريق في سنواته الأخيرة.
تقييم عمل الإدارة منفصل بالطبع عن النتائج، الفريق الذي حقق للأهلي بطولتي دوي الأبطال لم يبنَ بشكل منظم أو طبقًا لطريقة معينة، لكن بعشوائية مفرطة تكون دون أن تدرك الإدارة سبب الفوز لتكرره، جاءت صفقات أجنبيه بملايين الدولارات دون دراسة، وذهب مدرب وأتى دون أسباب أو معايير واضحة.
ولذلك لم يكن فقدان الأهلي للدوري لموسمين متتاليين حدثًا مفاجئًا طبقًا لمعطيات إدارة الفريق في السنوات الأخيرة. كان ضريبة منطقية للكسل، وحتى لو لم يكن الزمالك أفضل كثيرًا، فإن الصراع الثنائي المغلق بينهما هو ما جعل الزمالك المستفيد الأول من تراجع الأهلي.
هذا ما نشهد تغيره حاليًا، وسوق الانتقالات الجاري يؤكد أن كثيرًا من الأندية على استعداد للدخول إلى هذا الصراع، ومن الوارد أن نجد من يعاقب الأهلي والزمالك على تراجعهما.
وخفوت قدرة الأهلي والزمالك في الانتقالات ستكون عاملًا مهمًا بالطبع مع بداية الدوري، وربما يكون الموسم المقبل بداية إيمان باقي الأندية بأن الفرصة متاحة لإنهاء هذه السيطرة الثنائية واقتحام المنافسة.
من يدري؟ ربما يكون الدوري المصري على موعد مع بطل جديد خلال السنوات المقبلة بعد عقدين من الزمن على آخر بطل مختلف، وعندها قد يخسر الأهلي والزمالك تفوقهما، ويحظى الدوري بمنافسة أكبر ومع الوقت تسويق أفضل وأموال أكثر وهو الأهم.