فجر رئيس الوزراء البريطاني، أمس الأربعاء، قنبلة شديدة الانفجار، بطلبه من الملكة تعليق عمل البرلمان. يسعى جونسون من وراء طلبه الذهاب منفردًا وبلا عوائق إلى القادة الأوربيين للتفاوض حول الخرج البريطاني. أتت الخطوة الجريئة من جونسون جراء خشيته من تعطيل البرلمان لمساعيه للخروج من الاتحاد بلا اتفاق في حال تعذر الوصول إلى اتفاق مع القادة الأوروبيين، وهي الخطوة التي يرفضها حزب العمال، لأن الخروج بلا اتفاق يعني خسارة بريطانيا الكثير.

ستمثل حالة اللا-اتفاق (No deal Brexit) نهاية مأساوية للمساعي البريطانية، إذ ستواجه خسارة شريك تجاري ثقيل، بحجم الاتحاد الأوروبي. صحيح أن دول الاتحاد ستخسر الشراكة التجارية مع بريطانيا، لكنها خسارة موزعة بين عدد من الدول، على عكس الحال مع بريطانيا.

المفاجأة الثانية أتت مبكرة، بعد ساعات من تقديم جونسون طلبه. وافقت الملكة إليزابيث الثانية على الطلب، وعلقت عمل البرلمان. وبحسب البيان الملكي، فإن دورة الانعقاد من المقرر لها أن تبدأ بعد التعليق – في الـ14 من أكتوبر – بإلقاء الملكة خطاب العرش، وهو التقليد المتبع في بريطانيا.

هل هو انقلاب على الديمقراطية؟

اعتبر جون بيركو، رئيس البرلمان البريطاني، قرار جونسون بالتعليق خرقًا للقيم الدستورية، لأنه يمنع النواب من ممارسة دورهم في مناقشة قضايا الشعب، ويعتبر البريكست بالنسبة للشعب البريطاني القرار الأكثر أهمية على مدار العقود الثلاثة الماضية.

ووصف النائب المحافظ – والوزير السابق- دومينيك غريف تصرف الحكومة بأنه «تصرف مشين». وحذّر غريف بأن من شأن هذا القرار أن يؤدي إلى إجراء تصويت بحجب الثقة عن جونسون، مضيفًا: «ستسقط هذه الحكومة حتمًا».

أما زعيم حزب العمال جيريمي كوربين فقال في وقت سابق: إنه «صعق إزاء تهور حكومة جونسون، الحكومة التي تتحدث عن السيادة في الوقت الذي تسعى فيه لتعليق عمل البرلمان من أجل تجنب الرقابة على خططها الرعناء لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق». وأضاف الزعيم العمالي: «هذا عمل مشين ويمثل تهديدًا لنظامنا الديمقراطي».

وكان عدد من كبار السياسيين – ومنهم رئيس الحكومة السابق جون ميجر- قد هددوا باللجوء إلى القضاء لإيقاف قرار تعليق البرلمان، وبالفعل بدأت دعوى قضائية أقامتها الناطقة باسم الحزب الوطني الأسكتلندي -الذي يقود الحكومة المحلية في أسكتلندا- جوانا تشيري، تشق طريقها في المحاكم الأسكتلندية. كما جمعت عريضة تطالب بوقف قرار تعليق عمل البرلمان، جمعت إلى الآن 1.3 مليون توقيع، بينما دعمتها شخصيات سياسية مرموقة.

فرص البرلمان للانقلاب على الانقلاب؟

من المفترض أن يعود البرلمان من العطلة الثلاثاء المقبل، 3 سبتمبر/ أيلول. ومن المفترض أيضًا أن عمله سيُعلق بداية من الاثنين 9 سبتمبر ولمدة 5 أسابيع كاملة. المهلة المتاحة لإحداث تغيير هي فقط أسبوع، من 3 إلى 9 سبتمبر.

ثمة احتمالان، إما أن يتقدم زعيم المعارضة جيرمي كوربين بطلب لسحب الثقة من الحكومة أو أنه لا يتقدم، في الثانية سيُعلق عمل البرلمان ويعود للعمل في 14 أكتوبر. يذهب جونسون في 19 أكتوبر للقاء القادة الأوروبيين آملًا في الحصول على موافقتهم على طلبه بإعادة التفاوض حول صفقة مرضية، وإما أن توافق الكتلة الأوروبية على ذلك ويعود جونسون للبرلمان للتوصل معهم إلى صفقة جديدة أو ترفض الكتلة الأوروبية بما يعني خروج بريطانيا في 31 أكتوبر دون صفقة (No Deal Brexit).

إذا ما تقدم زعيم المعارضة في التاسع من سبتمبر بطلب لسحب الثقة من الحكومة، فثمة احتمال أن ينجح أو يفشل. في حال فشل كوربين سيمضي جونسون في طريقه كما أوضحنا. لكن في حال نجح كوربين في مسعاه فهذا سيعني بالطبع أنه سحق حكومة جونسون، وسيكون أمام البرلمان خطوة واحدة قبل الدعوة لانتخابات عامة، وهي التصويت على تمديد المادة 50 من قانون الاتحاد الأوروبي.

لا يبدو حزب العمال عازمًا على طرح سحب الثقة من الحكومة، لأنه أكد أكثر من مرة أنه لن يفعل ما لم يضمن النجاح، ومهمة تشكيل أغلبية لسحب الثقة من الحكومة تبدو مهمة صعبة، وما كان جونسون ليخاطر بمثل هذا القرار لو أنه يخشى على حكومته المكونة حديثًا، لكن حزب العمال مع المتمردين من المحافظين يمكنهم عرقلة مساعي جونسون للخروج غير المشروط من الاتحاد من خلال التشريعات.

ما هي المادة 50 من معاهدة لشبونة؟

خلافًا لسحب الثقة قد يسعى البرلمان بدلًا من ذلك للتصويت على قرار بتمديد العمل بالمادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي. لا تتجاوز المادة 50 خمس فقرات، وتنص على أن على أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي راغبة في الخروج من الاتحاد أن تحيط المجلس الأوروبي علمًا بذلك وأن تتفاوض على ذلك، على أن لا تتجاوز مدة المفاوضات سنتين، إلا في حالة موافقة جميع الدول الأعضاء الأخرى على تمديد هذه الفترة. تنص المادة أيضًا على أن الدولة التي تريد الخروج من الاتحاد الاوروبي لا يحق لها المشاركة في المشاورات داخل الاتحاد الاوروبي حول هذا الموضوع. وتنص المادة 50 كذلك على أن أي اتفاق لخروج أي دولة من عضوية الاتحاد يجب أن يحظى «بأغلبية مشروطة» (أي 72 بالمائة من الدول الأعضاء الـ27 المتبقين في الاتحاد الأوروبي مما يمثل 65 بالمائة من سكان دول الاتحاد) وكذلك بتأييد نواب البرلمان الأوروبي.

وتتطرق الفقرة الخامسة من المادة 50 إلى إمكانية عودة الدولة التي قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى عضوية الاتحاد.

في حال طلبت بريطانيا تمديد العمل بالمادة 50، أي تمديد فترة التفاوض للحيلولة دون الخروج دون صفقة، فإن ذلك يتطلب موافقة الدول الـ27 الأخرى داخل الاتحاد.

هل ينجح بوريس جونسون؟

يبدو جونسون إلى الآن ممسكًا بزمام الأمور، وأنه بالفعل قلب الطاولة على البرلمان، الذي عطّل من قبل تيريزا ماي واضطرها للاستقالة وإعلان فشلها عن إنجاز ما جاءت إليه، الخروج. لكن ما يفعله جونسون هو اعتداء على أعتى الديمقراطيات في العالم، وبالتأكيد سيكون له ما بعده.

اليوم أعلنت زعيمة حزب المحافظين الاسكتلندي روث ديفيدسون استقالتها غداة قرار تعليق البرلمان. كانت روث صاحبة الشعبية الجارفة قد رفضت في 2016 الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي بيان استقالتها قالت، إنها تنوي فقط البقاء في البرلمان الاستكتلندي كأحد أعضائه. كذلك وصف وزير المالية السابق فيليب هاموند، الذي استقال عندما أصبح جونسون زعيمًا لحزب المحافظين، هذه الخطوة بأنها «غير ديمقراطية بشكل كبير».

شكل قرار جونسون صدمة مدوية، لكن من الأرجح أنه سيؤتي ثماره بالمضي قدمًا ببريطانيا خارج الكتلة الأوروبية، حتى وإن كان ذلك بلا اتفاق.