هل ينتصر حلفاء حفتر في ليبيا؟
بهذا البيان أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) يوم 16 فبراير/شباط الجاري عن تلقي الحلف طلبًا رسميًا من حكومة الوفاق الوطني لدعمها في بناء المؤسسات الأمنية والدفاعية، لتزيد الأزمة تعقيدًا، ويتنافس الجميع على خلق ذراع عسكرية له داخل ليبيا.
الحرس الوطني ينافس الجيش الليبي
دخلت مجموعات مسلحة يوم 9 فبراير/شباط الجاري إلى العاصمة طرابلس، ينضوي معظمها تحت راية القوات التي طردت تنظيم داعش من سرت العام الماضي، معلنةً عن تشكيل قوة عسكرية مستقلة تحت اسم «الحرس الوطني الليبي»، موالية لرئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل.
وأعلن محمود زقل، آمر منطقة مصراتة، الذي يقود الحرس الوطني، أنهم سعوا لبناء مؤسسة وطنية بعيدة عن التجاذبات السياسية والحزبية، وذلك في خطوة جديدة من الإنقاذ لإثبات وجودها العسكري والحصول على موطئ قدم في الترتيبات التي تجري الآن بوساطات دولية وإقليمية وحدوث تغير في المواقف تجاه خليفة حفتر، الشخصية الأكثر نفوذًا وتأثيرًا فيما يجري الآن.
وتحاول حكومة الإنقاذ تأهيل نفسها مرة أخرى بذراع عسكرية، ليضاهي الجيش الوطني الليبي الذي يتزعمه حفتر، وذلك بعد أن أعلن الغويل يناير/كانون الثاني الماضي استرداد الإنقاذ مقرات الحكومة بـطرابلس، في انقلاب سياسي جديد على اتفاق الصخيرات، ولكنه فشل حتى الآن في تحقيق هذا النفوذ عسكريًا ويحاول من خلال «الحرس الوطني» تثبيت ذلك أو على الأقل تحسين موقفه في الترتيبات التي يتم وضعها الآن.
ويتخوف الجميع من التشكيلات العسكرية في ليبيا التي ستؤثر على ما يجري من ترتيبات سياسية إضافة إلى تأثيرها على مصالحها، ولهذا أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من التشكيل العسكري الجديد، وأوضحت وزارة الخارجية الأمريكية أن «هذا الانتشار من شأنه إضعاف الأمن – الهش – في طرابلس»، داعيةً إلى تشكيل «قوة عسكرية وطنية موحدة تحت قيادة مدنية تضمن الأمن لكل الليبيين وتحارب الإرهاب».
ورفضت حكومة الوفاق تشكيل الحرس الوطني،وأكدت أن «هذه المجموعة ومن يدعمها خارجة عن القانون ولا صفة لها»، واعتبرت الوفاق أن هذه الخطوة محاولة لخلق جسم موازٍ للحرس التابع للمجلس الرئاسي المكلف بحماية مؤسسات الدولة.
مصر من الداعم إلى الوسيط
استطاعت مصر مؤخرًا الإمساك بالملف الليبي، وفرض حفتر بعد أن استبعد بموجب اتفاق الصخيرات المُوقع في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتسعى القاهرة لتعديل هذا الاتفاق وضمان دور قوي لحفتر، وقد ساهم ذلك في تغيير الكثير من مواقف الدولة الأوروبية.
واستضافت مصر يوم 14 فبراير/شباط الجاري كلًا من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، وعلى الرغم من فشل اجتماعهما معًا على طاولة واحدة، فإنه تم الخروج ببيان ينص على ترتيبات سياسية تعتبر جيدة ولكن ستكون هناك صعوبة في تنفيذها.
وأعلنت اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا عقب انتهاء المباحثات، عن توافق بين السراج وحفتر حول عدد من الثوابت الوطنية، و4 خطوات لحل الأزمة الليبية، وتمثلت في التالي:
- تشكيل لجنة مشتركة مختارة من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبحد أقصى (15) عضوًا عن كل مجلس، للنظر في القضايا التي سبق التوافق على تعديلها في الاتفاق السياسي (الصخيرات)، والتوصل لصيغ توافقية، ثم رفعها للبرلمان لاعتمادها.
- إجراء مجلس النواب التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري.
- العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير/شباط 2018، اتساقًا مع ما نص عليه الاتفاق السياسي.
- استمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا، التي سيتم الاتفاق عليها وفقًا للإجراءات المشار إليها أعلاه، ولحين انتهاء الفترة الانتقالية وتولي الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما في 2018.
أوروبا والتغير في المواقف
أصبح الهم الأوروبي يتركز الآن بشكل أساسي على أزمة اللاجئين، التي مثلت تهديدات أمنية وسياسية لدول الاتحاد الأوروبي، إضافةً لدورها في تنامي العمليات الإرهابية، ولهذا جرت تغيرات في الموقف الأوربي الذي كان رافضًا لحفتر، وداعمًا لحكومة الوفاق، فقبلت بوجود دور لحفتر إلى جانب طرح احتمالية التخلي عن حكومة الوفاق.
وأكد السفير الإيطالي في ليبيا، جوزيبي بيروني، في تصريحات له، أن «حفتر جزء من الحل للأزمة»، مشيرًا إلى تقدير دور الجيش الوطني في محاربة الإرهاب، فيما قالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتغيير موقفه تجاه قضية الاعتراف بالطرف الذي يحكم ليبيا إذا ما توافق الليبيون على ذلك، وذلك في إشارة إلى التخلي عن حكومة الوفاق.
وكذلك تخلت بريطانيا عن موقفها السابق، وتمثل ذلك في دعوة وزير خارجيتها بوريس جونسون يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي إلى توسيع العملية السياسية والانفتاح على حفتر، وأكد التنسيق مع مصر وروسيا من أجل دعم الاستقرار في ليبيا، وهذا يوضح إدراك لندن لتغير موازين القوى على الأرض، ودور القاهرة ومن ورائها موسكو القوي في ليبيا، وبالتالي لن يمكن الوصول إلى تفاهمات بدون التوافق معهما.
وهذا ما أكدته فيدريكا موغريني أن الاتحاد الأوروبي مستعد للتعاون مع روسيا في حل الأزمة الليبية، فقد أدركت أوروبا أن موسكو قد تجعل من ليبيا سوريا جديدة، وذلك حينما استضافت إحدى حاملات الطائرات الروسية المشير حفتر على متنها قبالة السواحل الليبية، وكشف وقتها قائد الجيش الليبي استعداد روسيا دعمه عسكريًا في محاربة الإرهاب.
وتمثل ليبيا أهميةً كبرى لأوروبا أكثر من سوريا، لأنها البوابة الأساسية على ساحل المتوسط الأقرب للقارة العجوز، وتستطيع روسيا من خلالها إغراقها باللاجئين وتصدير الإرهابيين، وإن لم تقدر موسكو على المغامرة بالدخول بشكل مباشر في ليبيا فإنها قد تفعل ذلك من خلال وكلائها، وهو ما تخشاه أوروبا، لذا وافقت على الجلوس مع الروس، وبحث مصالحهم في ليبيا، لأنهم لن يستطيعوا تجاهل الدب الروسي أكثر من ذلك.
ومن المرجح ألا توافق الولايات المتحدة على هذه الترتيبات فهي تخشى من قوة نفوذ روسيا في ليبيا، وبالتالي ستدخل لإفشال مثل هذه المساعي، وتمثل ذلك في اعتراضها على تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض مبعوثًا أمميًا لليبيا، بحجة أن هذا على حساب حليفتها إسرائيل ودعمٌ لدولة فلسطين التي لا تعترف بها أصلا، وهذا قد يبدو صحيحًا لكن أمريكا لا ترغب في فرض شخصيات معينة عليها تتشكُّك في نواياها وقد لا تراعي مصالحها.
وتحاول أوروبا استدراج حفتر إلى جانبها، إلى جانب محاولة التقرب من روسيا، لكن حالة التشكيك المتبادلة، دفعت الدول الأوروبية لتأمين نفسها، وخلق وكيل محلي قوي، وتبدى ذلك في إعلان حلف الناتو يوم 16 فبراير/شباط الجاري الموافقة على الطلب الرسمي المقدم من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، للمساعدة في تدريب وتطوير القوات المسلحة الليبية، وبناء المؤسسات الأمنية والدفاعية، إلى جانب استعداده للعمل داخل وخارج ليبيا.
روسيا واستعادة المصالح المفقودة
استطاعت روسيا أن تجبر الجميع على مراجعة مواقفه تجاه مصالحها في ليبيا، وهذا ما تبين في التغيير الأوروبي، فموسكو ترى أنها خدعت في ليبيا وأن محاولة تجاهل مصالحها في ليبيا لن تمر بسهولة.
وأشارت الإذاعة الألمانية، في تقرير لها، إلى أن الأوروبيين ما زالوا لا يعرفون كيف يتعاملون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما ترسل روسيا إشارات حول استعدادها للعب دور في ليبيا، لكسب أوراق جديدة كما في سوريا، وأوضحت أنه في حال تراجع الدور الأمريكي في ليبيا فإن ذلك سيغري موسكو مما يجعل سياسة اللجوء رهينة الموقف الأمريكي والروسي.
وكشفت الإذاعة الألمانية أن موسكو تدعم حفتر، فيما يشبه تصفية حساب قديم في ليبيا مع الغرب، فقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من قبل بـ«من هنالك (ليبيا) بدأ كل شيء» في إشارة إلى ثورات الربيع العربي، ويرى الروس أن الغرب دعمها واستغلها لصالحه، وسعى لتشكيل النظم الجديدة بالمنطقة لتراعي مصالحه فقط، وتقويض النفوذ الروسي بجانب توسيع الناتو نفوذه في دول الجوار الروسي بأوروبا الشرقية.
وأخيرًا يمكن القول إن الصراع سيطول في ليبيا لأن كل طرف ومن ورائه داعميه ما زال يصر على خلق ذراع عسكرية له، فحكومة الإنقاذ أطلقت الحرس الوطني، وأوروبا ستبني مؤسسات عسكرية وأمنية قوية لحكومة الوفاق، والجيش الوطني بقيادة حفتر تدعمه مصر وروسيا، أما الولايات المتحدة فموقفها الحقيقي في عهد ترامب لم يتضح بعد، ومن المؤكد أن ليبيا لن تترك لروسيا لتجعلها ورقة ضغط على واشنطن وحلفائها.
وعلى دول الجوار، وخاصة مصر، القبول بإدماج حفتر كجزء من العملية السياسية وعدم جعله المتحكم الأول في ليبيا لأن هذا غير مقبول، ما سيخلق حالة من الصراع المسلح في ليبيا، ستكون مصر من أشدد المتضررين منه، إلى جانب جعل ليبيا ساحة تصفية حسابات دولية بين أوروبا والناتو من طرف وروسيا في طرف آخر.