هل كرواتيا مرشحة بالفعل لنيل لقب المونديال؟
تتقدم كرواتيا بخطوات ثابتة في مشوارها خلال كأس العالم الحالي، فبعد أن استطاعت أن تتصدر مجموعتها المتشابكة على حساب منتخبات الأرجنتين وأيسلندا ونيجيريا بعلامة كاملة وثلاثة انتصارات متتالية، الأخير منها بنصف القوام الأساسي بعد ضمان الصدارة، تقدمت كرواتيا خطوة جديدة بالفوز على الفريق الدنماركي لكي تضرب موعدًا مع المضيف الروسي في دور الثمانية.
الجميع يؤكد أن كرواتيا هي الحصان الأسود لكأس العالم، الكل منبهر بالأداء الكرواتي الملفت، لكن حتى نستطيع أن نتفهم لماذا تبدو كرواتيا بتلك الجودة والفاعلية دعونا نحاول أن نتتبع التجربة من بدايتها، تحديدًا من لحظة الانكسار والتغيير.
إذا حدث خلل في الهوية فلابد من التغيير
هكذا صرح لوكا مودريتش النجم الأبرز في منتخب كرواتيا بعد مباراة انتهت بالتعادل مع الفريق الفنلندي وأرسلت منتخب كرواتيا إلى المركز الثاني في المجموعة المؤهلة لكأس العالم عن قارة أوروبا، والتي تقتضي بتأهل صاحب المركز الأول مباشرة، بينما أصحاب المركز الثاني من كل مجموعة يخوضون ملحقًا آخر للتأهل.
الحديث هنا من مودريتش واضح وفي وقت حرج، قبل مباراة واحدة من نهاية مباريات المجموعة أمام المنتخب الأوكراني والذي يملك نفس عدد نقاط المنتخب الكرواتي آنذاك.
لكن النجم الكرواتي كان يتحدث عما هو أبعد من المباراة القادمة، إنه يتحدث عن خلل في هوية الفريق، فالفريق الكرواتي خلال مشواره نحو التأهل لكأس العالم قد خسر من منتخبي تركيا وأيسلندا وفاز بصعوبة على منتخب كوسوفو الضعيف، ولذا فالحديث هنا كان واجبًا بضرورة التغيير حتى لا تطمس هوية المنتخب الكرواتي والذي أصبح يعاني أمام الصغار.
التقط الاتحاد الكرواتي لكرة القدم الرسالة بسهولة، ربما ساعد على ذلك أن رئيس الاتحاد هو النجم الكرواتي الشهير دافيد سوكر والذي قرر إقالة المدرب أنتي تشاتيتش من منصبه وتعيين مدرب جديد قبل يومين فقط من المواجهة المصيرية أمام المنتخب الأوكراني في كييف وهو” زلاتكو داليتش”.
استطاع المنتخب الكرواتي أن يستعيد هويته سريعًا مع المدرب الجديد وحقق فوزًا بهدفين في كييف، وعلى الجانب الآخر استطاعت أيسلندا أن تحافظ على المركز الأول في المجموعة بفوز على منتخب كوسوفو لتتأهل مباشرة إلى كأس العالم، بينما كان على كرواتيا أن تخوض ملحق التأهل.
أوقعت القرعة منتخب كرواتيا مع المنتخب اليوناني في مباراتين بنظام الذهاب والعودة لتحديد المتأهل منهما لكأس العالم، سحق المنتخب الكرواتي في مباراته الأولى في زغرب نظيره اليوناني بأربعة أهداف مقابل هدف ثم تعادل سلبي في اليونان صعد بكرواتيا إلى كأس العالم.
انقلب إذن الوضع الكارثي إلى وضع طموح بين ليلة وضحاها، أصبح لسان حال منتخب كرواتيا «إننا الآن في كأس العالم لنرى ماذا سنستطيع أن نفعل».
ربما أكثر من سيشعر بمسألة هوية المنتخب تلك هو الجمهور المصري بعد أن أضاع الأرجنتيني هيكتور كوبر هوية فريقه تمامًا، أما توقيت تغيير المدربين، فالأعلم بها هو المنتخب السعودي الذي يفاجأ بتغيير مدربه منتخبه كل فترة دون أي سبب واضح، لكن لنعد لكرواتيا أفضل.
مشوار المنتخب الكرواتي خلال البطولة
أوقعت قرعة نهائيات كأس العالم منتخب كرواتيا مع المنتخب الأيسلندي مرة أخرى بجوار العملاق الأرجنتيني والمنتخب النيجيري.
الجميع تنبأ بمجموعة متشابكة فما بين مهارة الأرجنتين وقوة خطوط المنتخب الكرواتي والفوارق البدنية لمنتخبي أيسلندا ونيجيريا فالنزال لن يكون سهلًا.
استهلت كرواتيا مبارياتها بملاقاة المنتخب النيجيري والذي ظهر بصورة باهتة خلال المباراة، مما ساعد المنتخب الكرواتي على أن يمتلك زمام المباراة منذ البداية.
إلا أن ملامح المنتخب الكرواتي بدأت في الظهور، فالمدرب زلاتكو قرر الاعتماد على مودريتش كخط وسط متأخر بجوار راكيتيتش لضمان دقة التمرير في خط الوسط بصورة دقيقة للتغلب على العامل البدني المميز للفريق النيجيري إلا أن ذلك لم يكن العامل المميز للجانب الكرواتي خلال المباراة بل الاعتماد على الكرات العالية والفوز بالصراعات الهوائية والأرضية أيضًا.
نجح المنتخب الكرواتي في الفوز بالكرات العالية 31 مرة مقابل 18 مرة للمنتخب النيجيري، واستخلص الكرة من أقدام لاعبي المنتخب النيجيري 32 مرة مقابل 17 مرة فقط للاعبي نيجيريا.
تفوق واضح للاعبي المنتخب الكرواتي في الصراعات الهوائية في وسط الملعب وداخل منطقة جزاء منتخب نيجيريا.
كانت النتيجة فوز منتخب كرواتيا بهدفين، الأول هدف ذاتي بعد ضربة ركنية نجح المنتخب الكرواتي في التعامل معها هوائيًا حتى اصطدمت بالدفاع النيجيري وهزت الشباك، والآخر من ضربة جزاء نتيجة لركنية كرواتية أيضًا فشل الدفاع النيجيري أن يتعامل معها.
أما في مباراة الأرجنتين فاستطاع المنتخب الكرواتي أن يقدم مباراة مثالية اعتمد فيها زلاتكو تغيير خطة اللعب إلى 4-1-4-1 ليضمن الضغط على ميسي بأكبر عدد متاح من اللاعبين من جانب وحرية الانطلاق لمودريتش وراكيتيتش دون أن يثقلهما بمهام دفاعية دائمة على الجانب الآخر، وهو ما أسفر عن الفوز بثلاثية والحد من خطورة ميسي الذي لم يستطع القيام بأكثر من 6 مراوغات فقط طوال المباراة جميعها خارج منطقة الجزاء.
أما في المباراة الثالثة، فقرر زلاتكو أن يريح بعضًا من العناصر الأساسية، ورغم أهمية المباراة لأيسلندا إلا أن البدلاء كانوا على قدر الحدث وأبرزهم بالطبع هو كوفاسيتش لاعب ريال مدريد الذي بلغ عدد تمريراته 79 تمريرة أكثر من أي لاعب في المباراة وبدقة بلغت 98.7%. كرواتيا تمتلك دكة قوية من البدلاء.
زلاتكو الذي أجاد استغلال الفرصة واللاعبين أيضًا
هكذا صرح دافور سوكر رئيس الاتحاد الكرواتي لكرة القدم بخصوص تولي زلاتكو داليتش تدريب المنتخب قبل يومين من مباراة مصيرية، تصريح يشوبه القلق والتبرير المسبق رغم جراءة القرار إلا أن السبب الرئيسي في ذلك هو تواضع السيرة الشخصية للمدرب الكرواتي.فزلاتكو لم يكن لاعبًا مشهورًا في أحد أندية القمة، كما أنه لم يمثل المنتخب الكرواتي من قبل، حتى على المستوى التدريبي أغلب نجاحات الرجل في الخليج العربي، حيث استطاع أن يحقق كأس ولي العهد مع نادي الهلال السعودي، أما قمة نجاحه التدريبي كانت مع نادي العين الإماراتي حيث توج بالدوري والكأس، وحل وصيفًا في بطولة أمم آسيا للأندية.
للرجل مواقف واضحة حيث رفض تولي تدريب نادي الزمالك المصري في وسط الموسم، كما أنه استبعد اللاعب كالينيتش بعد رفضه اللعب احتياطياً أمام نيجيريا. إلا أن الرجل أحسن استغلال الفرصة التي أتيحت له كما أحسن استغلال هذا القوام الرائع للمنتخب الكرواتي.
أهم ما يميز منتخب كرواتيا هو تكامل خط وسطه فثنائية مودريتش راكيتيتش تبدو مثالية للغاية ، فمودريتش ذو البنية الضعيفة لاعب قادر على استغلال المساحات بصورة مثالية، وقادر على التحرك بين خطوط المنافس و إرسال الكرات للمهاجمين بلمسة واحدة بينما يأتي راكيتيتش كرجل قادر على أن يركض طوال اليوم مجهود فائق ودقة في التمرير تحت ضغط ومهارة جيدة لاستخلاص الكرة من الخصوم.
هناك أيضًا جناح نادي إنتر والذي يرتبط اسمه كل موسم انتقالات بالعديد من الأندية إيفان بريزيتش والذي يتميز بسرعة كبيرة ومجهود وافر، أما في الهجوم فاللاعب ماريو مندوزكش الذي يعد دومًا خيارًا مضمونًا لأندية القمة فلاعب اليوفي الحالي قد لعب من قبل لأندية بايرن ميونخ وأتليتكو مدريد، ربما يظهر كوفاسيتش بديلًا في المباريات إلا أنه بديلًا مثاليًا تمامًا لما يمتلكه من قدره على التحكم في خط الوسط بالكامل.
يطمح لاعبو كرواتيا أن يذهبوا إلى أبعد نقطة في كأس العالم، ولكن من الأكيد أن من يحظى بالفرصة ويجيد استغلالها ربما يحقق أكثر مما يتخيل، ربما يكتب هذا الجيل بمدربه المغمور تاريخًا جديدًا لكرواتيا في كأس العالم، لأنهم ببساطة يستطيعون فعل ذلك!