«باب النجار مخلع»: العمال يهجرون اليسار لصالح اليمين المتطرف
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
افتخر جان ماري لوبان، في أوائل الثمانينيات، بإطلاق لقب «رونالد ريجان الفرنسي» عليه. وطالب قائد حزب الجبهة الوطنية National Front اليميني حينها بتحجيم راديكالي لمهام الحكومة الفرنسية وعودتها إلى دورها «كحارس ليلي» – الجيش، الشرطة، القضاء، والعمل الدبلوماسي- مشبهًا السلطات المالية بمحاكم التفتيش الإسبانية. وأراد لوبان تقليص الضرائب والنفقات. فكما صرح حينها: «يجب أن تزاح الحكومة من فوق كاهلنا وتخرج أياديها من جيوبنا». بعد مرور ثلاثين عامًا طالبت ابنته مارين، خليفته كقائدة للحزب عام 2011، بفرض ضرائب على الأغنياء، منتقدة تبعات «الليبرالية المتطرفة» العالمية، وناشدت لتأسيس «دولة استراتيجية» قوية كطريقة الوحيدة لمجابهة زيادة مستويات اللا مساواة. تقدمت الأحزاب المعادية لحركات الهجرة نفسها بعرض أوروبا كمدافع وحيد صادق النية عن مصالح الطبقة العاملة، كحزب الجبهة الوطنية National Front بفرنسا وحزب جيرت فيلدرز «من أجل الحرية» Party for Freedom (PPV) بهولندا وحزب استقلال المملكة المتحدة UKIP بالمملكة المتحدة. فقد استطاعوا بالفعل تحقيق مكاسب مؤثرة في المناطق المأهولة بالطبقات العاملة التي تعاني من الانهيار الاقتصادي، حتى أنهم استطاعوا الفوز بنصيب الأحزاب الاجتماعية الديموقراطية من أصوات الطبقة العاملة، مثلهم كمثل دونالد ترامب. لتحقيق هذا توشح العديد منهم برداءات يسارية التوجه: معارضة الخصخصة Privatization، الدفاع عن استحقاقات الرعاية الاجتماعية والمطالبة بسيطرة أكبر على ميزانية الدولة. يمثل هذا لمعظم هذه الأحزاب تحولا راديكاليا من الأجندة الليبرتارية libertarian التي تبنوها في الماضي. على الرغم من ذلك، فهذا التحول الظاهري لمبادئ اليسار السياسي الاقتصادية أغلبه تزييف للحقائق: فغالبًا ما نجدهم مصطفين مع مصالح رجال الأعمال ويهاجمون حقوق العمال، بعيدًا عن أنظار الناخبين.
من «الحارس الليلي» إلى الدولة القوية
يمكن اقتفاء أثر توجه اليمين الأوروبي المتطرف، منذ أيامه الأولى، إلى السوق الحر، بتتبع منابع أصول قادته. مالت نجوم قادته السياسيين إلى البزوخ وسط أحزاب متحفظة أو ليبرالية، تأخذ على عاتقها الدفاع عن مصالح رجال الأعمال والطبقة البرجوازية الصغيرة. فانتخب جان ماري لوبان لعضوية البرلمان، لأول مرة عام 1956، كجزء من حزب بيير بوجادي، الذي ناصر تمردا ضريبيا نيابة عن صغار أصحاب المحال التجارية ضد ما أسماه «جستابو المالية».أما فيلدرز فقد كان ولي عهد فريتز بولكشتاين، السياسي الليبرالي المؤيد المتحمس لسياسات الرئيس ريجان الاقتصادية Reaganomics، والذي ناصر رفع القيود عن سوق العمل الأوروبي راديكاليًا بصفته مفوضًا للاتحاد الأوروبي. يُذكر بولشتاين باقتراحه الشهير بالسماح للشركات ببلد ما بتوظيف العمال «لنفترض لوكسمبورغ» ودفع رواتبهم بنفس قيمة ما قد يتلقونه ببلادهم الأصلية (لنفترض بولندا).يُعد حزب استقلال المملكة المتحدة UKIP في المملكة المتحدة مثالا آخر للأحزاب البارزة من ماضي الحركات الليبرالية. فقد كان مؤسسه ألان سكيد عضوًا بالحزب الليبرالي Liberal Party، بل مَثّل الحزب بالبرلمان في السبعينيات. كما كان من الأعضاء الأوائل في مجموعة مارجريت ثاتشر المعروفة بمجموعة بروجز Bruges Group، المؤسس بناءً على خطبة ألقتها ثاتشر عام 1988، تجادل فيها أن حزب المحافظين ببريطانيا the Tories لم يناضل، بنجاح، من أجل تقليص حدود الدولة ببريطانيا، فقط ليُعاد فرضها مجددًا على مستوى أوروبي.
كان حزب استقلال المملكة المتحدة، في البداية، تحرريًا. بما يتناسب مع جذوره، عارض الحزب تطور الاتحاد الأوروبي إلى ما خشى أن يصبح يومًا دولة عظمى super-state.قدمت اقتصاديات السوق الحر للأحزاب المناهضة للمؤسسات، خاصة في أوساط أوروبا الديموقراطية الاجتماعية، ميزة ذات طابع تمردي. فتم التقديم لاقتراحات خفض الضرائب، تحجيم الحكومة وخصخصة الخدمات العامة كخطوات لسلب القوة من هؤلاء المتحكمين في الدولة. في الثمانينيات رأى لوبان سياسات الرئيس ريجان الاقتصادية كفرصة لتحدي النخبة السياسية الفرنسية، التي أشرفت على دولة رفاهة Welfare state ضخمة وصناعات مملوكة من قبل الدولة.رأى جيرت فيلدرز، مؤسس حزب من أجل الحرية الهولندي، في المحادثة الاقتصادية على طريقة الولايات المتحدة ما جذبه. فانطلق في رحلة دراسة إلى الولايات المتحدة بعد أن انشق عن حزبه عام 2005. قابل، خلالها، غروفر نوركيست، مؤسسة التراث، معهد المشاريع الأمريكي، والحزب الليبرتاري الأمريكي.استطاع أن يرى فيلدرز ما قد يمثل عواقب تمنع تبني هذه الأجندة إلى أبعد حد ممكن في أوروبا، لكنه استطاع خلق رابط بين أجندته المعادية للمهاجرين والتخفيضات الضريبية: فكما شرح، ترفع حركات الهجرة من الحاجة إلى الضمان الاجتماعي، أما تقليصه فيؤدي إلى خفض الضرائب. وأتاح غياب حزب سياسي هولندي يطالب بتخفيضات جذرية للضرائب له فرصة دمج أجندة معادية للمهاجرين وأخرى رافضة للضرائب الباهظة، كما سمح لحزبه بالظهور كأكثر من مجرد مجموعة هامشية معادية للإسلام.لكن بحلول عام 2011، مع الأزمة الاقتصادية في عز أوجها جاءت رحلة مارين لوبان المشابهة بتأثير أقل بمراحل. بينما تمكنت من الوصول إلى أرضية مشتركة مع عضو الكونغرس الأمريكي رون بول حول السياسة الخارجية الانعزالية، إلا أنها كانت أقل انبهارًا بأفكاره الاقتصادية. فقد كان البرنامج الاقتصادي لحزب الجبهة الوطنية شديد التباين، بمرور كل هذا الوقت، من المبادئ التحررية.يعرض، اليوم، إجراءات لزيادة معاشات التقاعد لكبار السن، خفض الضرائب عن الشرائح العشرية الثلاث الأكثر فقرًا، زيادة الائتمانات لهؤلاء محدودي الدخل، مراقبة أسعار الغاز والكهرباء، الحفاظ على الحد الأقصي لساعات أسبوع العمل عند علامة الخمس وثلاثين ساعة وفرض عقوبات على المديرين التنفيذين للشركات الكبيرة التي تنخرط في ممارسات مشابهة للكارتيلات. أخذ حزب الجبهة الوطنية أكثر الخطوات نحو اليسار ظهورًا مقارنة بباقي الأحزاب اليمينية المتطرفة، لكن الآخرين ابتعدوا كثيرًا عن جذورهم المنادية بسوق حر. حزب استقلال المملكة المتحدة يُعد مثالًا حديثًا مهمًا. فقد نادى قائده الجديد بول نوتال، يومًا ما، بخصخصة هيئة الخدمات الصحية الوطنية the National Health Service، كاتبًا:«إنها باهظة التكلفة، غير فعالة ومليئة عن آخرها بالبيروقراطيين، مثلها كمثل كل محتكرات الدولة»، كما أن وجودها يخنق فرص المنافسة. بعد أن خلف نايجل فاراج كقائد للحزب، راجع نوتال موقفه، متعهدًا الحفاظ على هيئة الخدمات الصحية الوطنية عامة، حتى أنه جعلها واحدة من قضاياه المحورية بالانتخابات الفرعية بستوك the Stoke by-election.بينما ناصر حزب استقلال المملكة المتحدة، يومًا ما، ضريبة ثابتة flat tax واقترح التخلص من نظام التقاعد الحكومي، إلا أنه اليوم يساند نظام الضرائب التقدمي، ويناضل من أجل حماية المعاشات. هذا التحول يتناسب جيدًا مع قاعدته الانتخابية الجديدة. تُظهر الإحصائيات أن 79 بالمائة من ناخبيه يساندون تأميم شركات الطاقة و73 بالمائة منهم يساندون تأميم السكك الحديدية.
كيف انتهى المطاف بالعمال إلى اختيار اليمين المتطرف
تحدث حركة إعادة وسم اليمين المتطرف في لحظة يجذب فيها بتزايد مستمر أصوات ناخبي الطبقة العاملة. حظيت مارين لوبان بأكبر معدلات المساندة للانتخابات الرئاسية الفرنسية وسط طبقة العمال. فهم يمثلون أهم مجموعة انتخابية لحزب الجبهة الوطنية.
يمكن ربط هذا بتغيريات جوهرية في أنماط التصويت الطبقي بأوروبا. لأغلب القرن العشرين، وجد حد فاصل سياسي واضح بين أسفل وأعلى التسلسل الهرمي الاجتماعي. ففي أغلب الأحيان، ألقت الطبقة العاملة بأصوات ناخبيها لصالح الأحزاب الشيوعية والاجتماعية- الديموقراطية بينما ساندت الطبقة البرجوازية الأحزاب الليبرالية والمحافظة.لكن منذ نهاية الثمانينيات، تغيرت هذه التحالفات الطبقية-الحزبية إلى حد بعيد. هجرت الطبقة العاملة الأحزاب الاجتماعية-الديموقراطية لصالح إما الامتناع عن التصويت أو اليمين المتطرف بداعي القلق من موجات الهجرة والعولمة. في كل أنحاء العالم الصناعي، يزداد الفارق في معدلات المشاركة بالتصويت في الانتخابات بين الأثرياء والفقراء باستمرار، جاعلًا المجموعات محدودة الدخل أقل جاذبية لمخططي استراتيجية الأحزاب، وبالتالي أكثر صعوبة في الحشد.يتراجع اعتماد الأحزاب الاجتماعية- الديموقراطية بأوروبا على الطبقات العاملة أكثر فأكثر. فقد اعتمدوا في أحدث عودة ناجحة لهم للساحة السياسية على القاعدة النامية من الطبقة الوسطى العاملة في القطاع العام والصناعات الإبداعية. الأكثر شيوعًا هو تحولهم إلى أحزاب خيمة كبيرة catch-all parties غير ناجحة، حيث يجذبون معدلات متوسطة من المناسدة بين طبقات متعددة، لكنهم يفتقرون إلى القدرة على حشد أي منهم بشكل فعال. في هذه الأثناء، اتجه العديد من ناخبي الطبقة العاملة إلى أحزاب تقترح تحقيق الأمان الاقتصادي والحضاري عن طريق القومية بدلًا عن الديموقراطية الاجتماعية، بعد أن فقدت أحزاب وسط اليسار center-left التواصل معهم.هنالك العديد من الأمثلة على التغير في الرابط بين الطبقة الاجتماعية والتوجه الحزبي. عاشت بلدة هينان بومون بشمالي فرنسا قرابة السبعين عامًا تحت سيطرة الحزب الاشتراكي. إلا أنها أصبحت البلدية الرئيسية لحزب الجبهة الوطنية عندما انتخبت محافظًا ينتمي إلى اليمين المتطرف عام 2014. أحرز حزب الجبهة الوطنية تقدمًا ذا أهمية حيثية في ضواحي باريس الحمراء، المشهورة بسيطرة الحزب الشيوعي التاريخية عليها، حتى وإن كان مازال بعيدًا عن مضاهاة مستويات سيطرته على معقله التاريخي في الريفيرا الفرنسية أو الشمال غير الصناعي.نحلل في بحثنا مشاركة ناخبي الطبقة العاملة في القاعدة الانتخابية لأحزاب منتمية لليمين المتطرف في سبعة بلدان، واضعين في الاعتبار العاملين بالجهاز الخدمي وليس فقط العاملين بالصناعات والحرف اليدوية.حيث تشكل الوظائف الخدمية المتطلبة لحد أدنى من المهارة جزءا أكبر من سوق العمل عن الوظائف الصناعية بمعظم البلدان. تشغل معظم هذه الوظائف الخدمية نساء. غالبًا ما تفوق ظروف العمل بهذه القطاعات مثيلتها الصناعية سوءًا، حيث يمكن للعمال الاعتماد على الحشد النقابي. ازدادت نسبة المصوتين، تقريبًا بكل البلدان التي بحثنا في أمرها، لصالح أحزاب اليمين المتطرف من ناخبي الطبقة العاملة بمرور الوقت. يمثل ناخبو الطبقة العاملة ما بين 60 و75 بالمائة من قاعدة اليمين المتطرف الانتخابية في كل من النمسا، فرنسا، هولندا، والمملكة المتحدة، بينما يمثلون ما بين 44 و54 بالمائة من مجموع ناخبي هذه البلدان. كما وجدنا زيادة تمثيلية للعمال بين القاعدة الانتخابية لأحزاب اليمين المتطرف في كل من الدنمارك وسويسرا. يُعد حزب رابطة الشمال The Lega Nord الإيطالي حالة استثنائية، حيث إنه الحزب الوحيد الذي لم يظهر زيادة تمثيلية للعمال. على الناحية الأخرى، تشهد معدلات تصويت ناخبي الطبقة العاملة لصالح أحزاب الجناح اليساري تراجعًا ملحوظًا. مازال يمكن رؤية زيادة تمثيلية للعمال في قواعد اليسار الانتخابية، في العديد من الدول، لكن الأكثر شيوعًا، اليوم، هو وجود ناخبي الطبقة العاملة ضمن القاعدة الانتخابية لليمين المتطرف عنها ضمن تلك الخاصة باليسار.إذا ما وضع المرء باعتباره السلوك التصويتي للطبقة العاملة، بطريقة مختلفة لكنها تكميلية «وليس فقط التشريح الطبقي للأحزاب»، يمكن مراقبة أنماط جديدة من التصويت الطبقي. يمنح عاملو الإنتاج والخدمة مساندة واضحة فوق المتوسطة لليمين المتطرف، بينما لا ينطبق نفس الأمر على اليسار. ففي عينة من تسع دول أوروبية، صوت 31 بالمائة من عمال الإنتاج و25 بالمائة من عمال الخدمة لصالح اليمين المتطرف في المتوسط في الفترة بين 2002 و2014، بينما لم يستطع جمع إلا 18.8 بالمائة من أصوات كتلة المنتخبين كاملة.الصعوبة التي يواجهها وسط اليسار في حشد قواعده الانتخابية الأساسية ليست مفاجأة. فقد ترك تحول الأحزاب الاجتماعي-الديموقراطي نحو سياسات الطريق الثالث The Third Way policies خيبة أمل واسعة المدى في أعقابه. حيث تبنى كل من توني بلير وجيرهارد شرودر سياسات الطريق الثالث في التسعينيات. شَكّلَ التركيز المتزايد على قضايا الهوية عاملًا فارقًا، يصبح ذلك صادمًا أكثر عندما يقارن بتحول اليمين المتطرف الأخير إلى قضايا الأمن الاقتصادي، يتصادف تبديل الاتجاه مع أحدث نجاحاتهم.
«الاشتراكية المزيفة»
بالرغم من ذلك، من المستحيل أن نصدق إعادة وسم الأحزاب اليمينية المتطرفة بألوان يسارية ببساطة. فهناك فارق ضخم بين ما يقولونه وبين ما يصوتون له. فحتى عندما تدعي برامجهم البلاغية الدفاع عن الطبقة العاملة، غالبًا ما يقف اليمين المتطرف وراء الرأسمالية عندما يحين وقت التصويت على التشريعات.نستطيع أخذ أحدث قوانين الإصلاح العمالي التي مررتها الحكومة الفرنسية عام 2015 كمثال جيد. هدف القانون إلى تسهيل تسريح العمالة لأسباب تجارية بشكل أكبر ومنح الشركات مدى أوسع من المرونة في تحديد الأجور. رسميًا، طالب حزب الجبهة الوطنية بسحب القانون، منددًا به كهجوم صريح على الأمان الوظيفي للعمال الفرنسيين. لقبته لوبان بإملاء آخر من إملاءات بروكسل متطرفة الليبرالية. في نفس الوقت، كان ممثلو الحزب يدفعون بتعديلات لإسقاط حقوق عمال الشركات الصغيرة في التمثيل، إسقاط الإلزام بتوفير تمرين، الحد من قدرة العمال في الوظائف الشاقة على المطالبة بتقاعد مبكر، وخفض الضرائب على ساعات العمل الإضافية. ثم قاموا بمهاجمة حقوق اتحادات النقابات العمالية: مطالبين بإسقاط احتكار النقابات العمالية الحق في مفاوضات الأجور، مما يجعل من الممكن للشركات التفاوض في الأجور مع مجموعات غير نقابية. في نهاية الأمر، تم سحب التعديلات وإلقاء اللوم على المساعدين البرلمانيين. عندما نظمت النقابات العمالية تظاهرات حاشدة ضد القانون، طالبت مارين لوبان بمنعها -كانت فرنسا حينها تحت حالة الطوارئ الرسمية بعد هجوم باتاكلان- لم تعترف بـ«حقهم الشرعي في التظاهر» إلا لاحقًا. حينما وجدت أن الغالبية العظمى من ناخبيها يساندون المظاهرات.ينتشر هذا الخطاب المزدوج في أوساط اليمين المتطرف، الذي يدعي قدرته على تمثيل كل من العمال والطبقة البرجوازية، جمهوران مختلفان من الأنصار بمصالح متضاربة. ادعى جيرت فيلدرز، أثناء السباقات التمهيدية لانتخابات عام 2010 أن زيادة سن التقاعد الإجباري قضية لن يقبل حولها بأي مساومات. في اليوم التالي للانتخابات، قال فيلدرز إن هذه القضية لم تعد حجر عثرة في طريق مفاوضات الائتلاف. فيما بعد، انتشرت إشاعات عن تصريحه في مجلس خاص بأن هذه لم تكن إلا مناورة، هدفها استقطاب دعم مؤيدي الحزب الاشتراكي بين ناخبي الطبقة العاملة.حتى عندما يدعي فيلدرز وقوفه في صف المواطنين العاديين، غالبًا ما يصوت حزبه على سياسات تصب في مصلحة الأثرياء. فعلى سبيل المثال، كان حزب من أجل الحرية The PVV مدافعًا متحمسًا عن التخفيضات الضريبية لملاك المنازل. وجد أن هذه التخفيضات الضريبية تفيد بشكل أساسي العشرين بالمائة الأغنى من مالكي المنازل، الذين استفادوا بأكثر من نصف القيمة الكلية للتخفيضات الضريبية، بالإضافة إلى مساهمتها في وضع المنازل الهولندية كالأكثر مديونية في العالم الصناعي. يعارض حزبه، أيضًا، المفاوضة المشتركة collective bargaining والحقوق النقابية. معظم العمال الهولنديين تحت غطاء المفاوضة المشتركة القطاعية، حيث تقوم الحكومة بمد شروط المفاوضات بين أصحاب العمل والنقابات لتكون إلزامية لكل العمال في نفس القطاع الاقتصادي. اقترح حزب من أجل الحرية تفكيك هذا النظام، مما يترك عبء التفاوض مع أصحاب العمل واقعًا على عاتق الأفراد. تتكرر هذه النزعة بعرض أوروبا: في سويسرا، يدعي حزب الشعب السويسري the Swiss People’s Party مدافعته عن العمال السويسريين أمام مد الهجرة، لكنه يعارض بشدة فرض عقوبات على أصحاب الأعمال المستغلين للمهاجرين. وظف أعضاء ممثلين له في البرلمان طالبي لجوء سياسي غير قانوني بدون دفع الضرائب المستحقة. في النمسا، ساند حزب الحرية FPÖ أثناء سيطرته على الحكومة في الفترة بين عامي 2000 و2007، مجموعة من القوانين تهدف إلى إضعاف النقابات العمالية ورفع الضوابط عن سوق العمل.يجب ألا يأتي هذا كمفاجأة من مذهب سياسي يدافع عن أجندة معادية للتضامن الجماعي المتجسد في حقوق النقابات والمفاوضة المشتركة. تقبل الأحزاب اليمينية المتطرفة الدفاع، فقط، عن نوع التضامن الخاضع للمبادئ القومية المحافظة. بينما يدافع اليسار السياسي عن بسط دولة الرفاهة، غالبًا ما يتحدث اليمين المتطرف عن وضع حد لها: بقصر المنافع الاجتماعية على القوميين، أو كما اقترح فيلدرز، منع مخصصات الأولاد child benefits عن العائلات ذات الأكثر من طفلين بسبب الاعتقاد الشائع عن إنجاب العائلات المسلمة لأطفال أكثر. فقد كانوا دائمًا من المساندين لمقاربة عقابية للرفاهية الاجتماعية، عندما يأتي الأمر للاستحقاقات الاجتماعية. فقد أرادت المكاتب المحلية لحزب من أجل الحرية في روتردام ولاهاي إجبار العاطلين عن العمل على العمل بالدفيئات الخضراء greenhouses بديلًا للعمال المهاجرين. ينتقل الانقسام بين «نحن» و«هم» الذي يستخدمه اليمين المتطرف عندما يتحدث عن المهاجرين إلى سياساته الاجتماعية: «نحن» دافعي الضرائب المجدين في العمل و«هم» المهاجرين، بالإضافة إلى العاطلين عن العمل و«غير المستحقين» للإعانة الاجتماعية.
حدود الخداع
من الواضح أن ارتفاع معدلات تصويت الطبقة العاملة لصالح اليمين المتطرف بالتزامن مع التحول من اقتصاديات السوق الحر إلى منصات اقتصادية يسارية. لكن أغلب هذا التحول بلاغي. ففي الواقع، تعمل أحزاب اليمين المتطرف بأوروبا على تحويل أصوات ناخبي الطبقة العاملة إلى سياسات يمينية.تظهر طبيعتهم الحقيقية للنور، الموالية الرأسمالية pro-capitalist، في اجتماعات مجلس الوزراء واللجان التشريعية، عندما لا يوليهم الناخبون نفس القدر من الاهتمام. على الرغم من ذلك، هذه اللعبة لها حدودها. فلا يمكن خداع الناخبين إلى أجل غير مسمى. خسر حزب الحرية النمساوي the Austrian FPÖ ثلثي مقاعده بعد أول فترة له في الحكومة. خسر حزب من أجل الحرية The PVV الهولندي ثلث مقاعده بعد أن ساند مجلس وزراء محافظا أخذ على عاتقه تنفيذ برنامج واسع المدى من السياسات التقشفية. فدعمهم الانتخابي شديد التقلب، وهذا يفسر إلى درجة ما تحولهم إلى اليسار فيما يخص السياسات الاقتصادية. يشغل معظم ناخبي اليمين المتطرف أنفسهم بشكل رئيسي بالهجرة، لا يعرف العديد منهم حتى مواقف أحزابهم الاقتصادية. لكن إن أرادوا تجاوز ديموغرافية القضية الواحدة، فسيكون عليهم تبني رسالة اجتماعية أوسع. يمكن ، ولا بد من ذلك، منع جهودات إعادة الوسم هذه. فهجرة ناخبي الطبقة العاملة إلى اليمين المتطرف يجب أن تشكل قلقًا ملحًا لليسار، وعليه أن يواجه بمحاولات إعادة الالتحام مع العمال، القاعدة التاريخية للسياسات التقدمية. ربما علينا الأخذ بمثال إسبانيا والبرتغال، حيثما مازال اليمين المتطرف هامشيا، وحيثما تمكنت الأحزاب اليسارية من حشد جبهة قوية مناهضة للمؤسسات.